سوريا الجديدة.. لماذا تشكل فرصا ومخاطر بالنسبة لدول الخليج؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة تركية الضوء على تحولات دول الخليج تجاه سوريا بدءا من الثورة التي انطلقت عام 2011 وحتى الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.

وقالت صحيفة يني شفق في مقال للكاتبة التركية "سيبال بلبل بيهليفان": إن سوريا تحولت منذ عام 2011 إلى ميدان تتنافس فيه القوى الإقليمية، و"خلال هذه الفترة تابعت دول الخليج تطورات الوضع من كثب، سواء من منظور النفوذ أو الأمن".

لاحقا، ومع سيطرة قوى الثورة على العديد من المناطق بدءا من 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 وفرار بشار الأسد إلى روسيا، ظهرت توازنات سياسية جديدة، كانت ولا تزال محل اهتمام كبير من دول الخليج.

النهج السياسي

وأردفت الكاتبة التركية قائلة: في البداية اتخذت دول الخليج موقفا مؤيدا لتغيير النظام السوري، حيث قدمت الدعم السياسي والمالي لجماعات الثورة. 

وكانت كل من السعودية وقطر أبرز دول الخليج المتصدّرة في تقديم الدعم اللوجستي والمادي للمعارضة السورية سابقا بعد انطلاق الثورة.

غير أنّ تدخل روسيا وإيران بشكل قوي لدعم نظام الأسد غيّر موازين القوى، ما دفع دول الخليج إلى إعادة تقييم إستراتيجياتها. 

فبعد التدخل الروسي والإيراني، بدأت دول مثل الإمارات والبحرين في إعادة النظر في سياساتها تجاه سوريا. 

إذ قررت الإمارات والبحرين استئناف العلاقات الدبلوماسية مع الأسد، بل وبدأت في دعم عودة النظام إلى جامعة الدول العربية. 

ورُصد هذا التحرك كسياسة تهدف إلى حماية المصالح الإقليمية لتلك الدول، عبر محاولة إعادة دمج النظام في العالم العربي وجذبه إلى صفوفها. 

في المقابل، اتبعت السعودية نهجا أكثر حذرا حيث حافظت على علاقات محدودة مع نظام الأسد. 

وكان هذا التوجه ناتجا عن إدراك السعودية أن دعمها لقوى الثورة لم يكن موجها ضد النظام بشكل مباشر، بل لمواجهة النفوذ الإيراني في سوريا.

وتابعت الكاتبة التركية: في عام 2023 وبقيادة السعودية والإمارات، جرى إعادة قبول النظام السوري في الجامعة العربية. 

كان هذا بمثابة خطوة إستراتيجية تهدف إلى دمج نظام دمشق في الدبلوماسية الإقليمية، وكذلك لتحقيق توازن في النفوذ الإيراني في المنطقة. 

وقد ركزت الإمارات بشكل خاص على إقامة اتصالات مباشرة مع دمشق، وفتح المجال لمشاريع البنية التحتية والتجارة. 

أما السعودية، فقد مارست ضغوطا على سوريا للحد من علاقاتها مع إيران، مع إبقاء قنوات الحوار مع نظام الأسد مفتوحة.

وأضافت الكاتبة: اليوم ومع تطور الوضع في سوريا رحبت دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، بالتغيرات الجديدة ومنها سقوط نظام الأسد. 

وقد أكدت السعودية ضرورة بدء عملية انتقال ديمقراطي في سوريا، مع دعمها لإقامة حكومة جديدة تحت إشراف المجتمع الدولي. 

بينما شددت الإمارات على أهمية التعاون الإقليمي لتحقيق إعادة إعمار سوريا وضمان استقرارها السياسي.

الديناميكيات الاقتصادية

واستدركت الكاتبة: تمثل حالة عدم الاستقرار التي عاشتها سوريا على مدى السنوات الماضية قضية ذات أهمية اقتصادية كبيرة لدول الخليج العربي. 

فقبل اندلاع الحرب، كانت سوريا تعد مركزا رئيسا للتجارة والزراعة في المنطقة، وهو ما جعلها نقطة جذب للاهتمام الخليجي. 

ومع اقتراب انتهاء الصراع وبدء الحديث عن إعادة الإعمار، تسعى دول الخليج لاستغلال الفرص الاستثمارية والتجارية التي قد تبرز خلال هذه العملية. 

من بين هذه الدول برزت الإمارات بدور ريادي، حيث أعلنت نيتها المساهمة في مشاريع إستراتيجية تشمل الطاقة والبنية التحتية والإنشاءات في سوريا.

وهذا التوجه يعكس طموح الإمارات لتعزيز حضورها الاقتصادي في المنطقة ودعم الاستقرار من خلال الاستثمار.

إلى جانب ذلك، يتمتع الموقع الجيوسياسي لسوريا بأهمية إستراتيجية بالغة لدول الخليج، حيث تُعد طرق التجارة التي تربطها بالبحر المتوسط محاور رئيسة لخططها المستقبلية.

ولذلك، تسعى دول الخليج عبر سوريا إلى إنشاء ممرات تجارية ولوجستية جديدة، بما في ذلك خطوط أنابيب محتملة، لزيادة فرص الوصول إلى الأسواق الأوروبية. 

ومن المتوقع أن تسهم هذه المشاريع في توسيع شبكات التجارة الإقليمية وتعزيز مكانة الخليج كمحور اقتصادي عالمي.

في هذه الفترة يمكن ملاحظة الاهتمام الواضح الذي تبديه دول الخليج بسوريا من خلال الدور الفعال الذي تلعبه في إعادة إعمارها. 

إذ تشير التوقعات إلى أن الاستثمار في مشاريع البنية التحتية وتنشيط قطاع الطاقة سيكونان من بين أولى أولوياتها. 

فالإمارات، على وجه الخصوص، تسعى إلى تعزيز استثماراتها في سوريا لتكون شريكا رئيسا في إعادة البناء. 

وفي الوقت ذاته، تعلن السعودية عن خطط لتقديم حزم دعم اقتصادي تهدف لتعزيز تعافي الاقتصاد السوري، مما يعكس مساهمتها في استقرار البلاد.

وأشارت الكاتبة التركية إلى أن الديناميكيات الاقتصادية لدول الخليج تجاه سوريا تُظهر مزيجا من الاهتمام الإستراتيجي والتطلعات الاستثمارية.

إذ تسعى هذه الدول إلى تحويل التحديات التي أفرزتها الحرب إلى فرص تعزز دورها الإقليمي وتحقق مكاسب اقتصادية طويلة الأمد.

البعد الأمني

وأردفت الكاتبة: تُمثل التطورات الأمنية في سوريا تحديا كبيرا لدول الخليج، ارتبطت سابقا بشكل وثيق بتزايد النفوذ الإيراني في المنطقة. 

ومع توسع تأثير إيران على النظام السوري البائد، تشكلت محاور تهديد واضحة لدول الخليج، خصوصا من خلال "حزب الله" في لبنان والمليشيات الشيعية في العراق. 

وتوضح الكاتبة أن هذا الواقع دفع دول الخليج إلى تبنّي إستراتيجيات عسكرية وسياسية لتعزيز أمنها، بما في ذلك زيادة الإنفاق العسكري وتقديم الدعم غير المباشر لبعض الجماعات السنية في سوريا.

إلى جانب ذلك، كانت نشاطات الجماعات الراديكالية مثل تنظيمي الدولة والقاعدة في سوريا مصدر قلق كبير لدول الخليج؛ حيث مثلت تهديدا أيديولوجيا قد يؤثر على استقرارها الداخلي. 

لذلك دعمت دول الخليج العمليات العسكرية الرامِيَةَ لمكافحة هذه الجماعات، وسعت لتعزيز تعاونها الأمني مع شركائها الدوليين مثل الولايات المتحدة وتركيا لضمان احتوائها.

ومع استمرار الفوضى في سوريا، أبدت دول الخليج قلقا من احتمالية أن يملأ الفراغَ الأمني جماعاتٌ متطرفة قد تمتد تهديداتها إلى داخل حدودها. 

وبناءً على ذلك أكدت دول الخليج أهمية تشكيل إدارة جديدة في سوريا تكون قادرة على مكافحة هذه الجماعات بفعالية، مع التشديد على ضرورة تكثيف الجهود الدولية لتحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة. 

كما رأت أيضا أن تقليص النفوذ الإيراني في سوريا يُعد تطورا إيجابيا يعزز من أمن المنطقة، وفق الكاتبة.

وحيث إن دول الخليج تعمل على تحديث سياساتها بشكل مستمر في ضوء التطورات في سوريا وبناء على التغيرات الميدانية، فإن الوضع الراهن هناك يشكل فرصا ومخاطر في آنٍ واحد لهذه الدول.

وتسعى تلك الدول لحماية مصالحها في سوريا، من خلال الموازنة بين الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي والسياسات الأمنية.

ونظرا لذلك، فإن القضايا الأمنية وفرص الاستثمار الاقتصادي والصراع على النفوذ الإقليمي ستظل تشكّل العوامل الرئيسة التي تحدد ديناميكيات سياسات دول الخليج تجاه سوريا، كما تقول الكاتبة.