"الدخان والمرايا" و"إغراق الساحة".. نظريات رسمت ملامح خطة ترامب ضد غزة

إسماعيل يوسف | منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

كثيرون استغربوا سيل التصريحات الغريبة والمتناقضة وغير المنطقية أو القابلة للتحقق، التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، منذ توليه المنصب، واحتاروا بين السؤال عن سلامة قواه العقلية، وجدية هذه التصريحات.

فقد توعد ترامب بالاستيلاء على قناة بنما، والسيطرة على جزيرة غرينلاند من الدنمارك، وضم كندا لتصبح الولاية الأميركية رقم 51.

وتوعد بطرد 2.3 مليون من سكان قطاع غزة ونقلهم إلى مصر والأردن، وإخلاء الأرض بالكامل، وتملك الولايات المتحدة لها والتحكم فيها، وبناء ناطحات سحاب ومنتجعات على البحر بها وبيعها بصفتها ملكا له.

وكان مستغربا في أميركا نفسها ما قاله، لأن تصريحاته معناها "تطهير عرقي" و"نهب واستعمار"، لذا طالبه 145 نائبا ديمقراطيا في الكونغرس بالتراجع وسحب مقترحه بشأن غزة، بحسب موقع "أكسيوس" الأميركي في 13 فبراير/شباط 2025.

ويرى محللون أن مناورات ترامب وفريقه الرئاسي لها علاقة بنظريتي "إغراق الساحة" بالتصريحات، وإطلاق أكاذيب والتغطية عليها عبر "الدخان والمرايا"، وهو ما يفسر عدم معقولية كثير مما يقوله، وتراجعه عنه، وعدم تحقق أغلب تهديداته، التي يستهدف من ورائها تحقيق مكاسب سياسية.

الدخان والمرايا

وظهر مصطلح (الدخان والمرايا)، خلال "فضيحة ووترجيت" التي ارتبطت بالرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون.

وكان الصحفي الأميركي جيمي بريسلين، أول من استخدم مصطلح "الدخان والمرايا" بمعناه السياسي، بحسب موقع "القاموس السياسي" أو "بوليتيكال ديكشينري".

و"الدخان والمرايا" (Smoke and Mirrors Theory) ليست نظرية علمية معروفة أو مُعترفا بها في الأوساط الأكاديمية أو العلمية، لكن المصطلح ذاته يُستخدم بكثرة لوصف أساليب التضليل أو الخداع، خاصة في السياسة أو الإعلام.

ويقصد به استخدام الحيل البصرية أو الكلامية لإخفاء الحقيقة أو خلق انطباعات زائفة، أو نشر أكاذيب وأوهام على أنها حقائق، أي إطلاق تصريحات مثل الدخان واستخدامها في إخفاء الحقيقة، والتشتيت أو التضليل.

ويعود أصل المصطلح إلى فنون الخداع البصري، حيث كان السحرة والمشعوذون يستخدمون الدخان والمرايا لخلق أوهام بصرية تخدع الجمهور، ومع الوقت، أصبح يُستخدم بشكل مجازي لوصف أي محاولة لتضليل الناس أو إخفاء الحقائق.

وشاع استخدامه سياسيا في الولايات المتحدة لوصف كيفية قيام السياسيين أو الحكومات بتوجيه انتباه الرأي العام، بطريقة غير أخلاقية، بعيدا عن القضايا الحقيقية أو إخفاء المعلومات الحقيقية.

وسبق أن وصفت الصحف الأميركية خطط العديد من الرؤساء مثل باراك أوباما وبيل كلينتون ونيكسون وغيرهم بأنها (دخان ومرايا)، أي كلام مراوغ لتضليل المستمعين.

أما في وسائل الإعلام، فيُشير المصطلح إلى كيفية تقديم المعلومات بشكل انتقائي أو مشوه لتشكيل رأي عام معين.

مثل إطلاق قائد سياسي أو حكومة حملة إعلامية ضخمة حول قضية ثانوية لإلهاء الجمهور عن فضيحة كبرى، أو تقديم معلومات غير كاملة أو مشوهة لتشكيل رأي عام معين.

والخلاصة أن مصطلح "الدخان والمرايا"، يُقصد به ما نراه أو نسمعه من قادة سياسيين أو معلومات إعلامية ضبابية، لا تحمل الحقيقة الكاملة.

ويؤكد محللون أن المهم أن نكون حذرين ونبحث عن المعلومات الكاملة، لأن هذه المعلومات المسربة، على طريقة "الدخان والمرايا" قد تكون حيلا تستخدم للتشتيت، أو التضليل، أو الحقائق الجزئية.

التلاعب بالعقول

وهذه النظرية استعملها ترامب بإطلاق تصريحات ورؤى مضللة وخادعة مثل "إننا نريد أن نبني لأهل غزة أجمل الفيلات"، و"سنحول غزة إلى ريفيرا الشرق الأوسط".

و"لا أريد أن يُقتل أهل غزة وإنما يعيشون في أمان في مصر والأردن حتى نبني لهم بلدا سياحيا ثم يعودون"، وكانت تصريحاته بشأن مستقبل غزة "قنابل دخان تغطي على الهدف الحقيقي"، وهو فرض التطبيع على السعودية.

ثم بيّنت تصريحاته اللاحقة أن ما قاله أكاذيب وسحابة دخان للتغطية على مؤامرة التهجير، إذ عاد ليؤكد أن "الفلسطينيين لن يكون لهم حق العودة إلى قطاع غزة"، بموجب خطته، التي تقضي بـ"استيلاء" الولايات المتحدة على القطاع الفلسطيني.

وقال: "سنستولي على قطاع غزة، وسنتملكه على المدى الطويل وسنعيد تطويره... أرى موقف ملكية طويل الأمد"، وبروح استعمارية استيطانية، تابع ترامب بلا مبالاة: "لا أعتقد أن الناس يجب أن يعودوا إلى غزة".

ويؤكد تقرير موقع "بروجيكت سانديكيت" في 7 فبراير 2025 أن "الغرض الرئيس من إصدار ترامب لأي تصريح هو جذب الانتباه، لذا يتم التخلي بهدوء عن الأفكار المتسرعة التي يطلقها وتثير ردود فعل رافضة".

ويتساءل كاتب التقرير، وهو برادفورد ديلونج، أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا: “كيف يُفترض بنا نحن الذين نريد إعلام الجمهور أن نتفاعل مع كل هذا الخداع والتضليل، عندما نعلم أن 90 بالمئة سراب و10 بالمئة فوضى مدمرة؟”

واتهم وسائل الإعلام الأميركية (الموالية لترامب) بأنها لا تهتم بتوضيح ذلك للجمهور أو التمييز بين الحقيقي والغث. 

ونقل عن الكاتب في وكالة بلومبيرغ، جون أوثرز، في 4 فبراير قوله: "يبدو الأمر وكأنهم (وسائل الإعلام) كانوا يعلمون أن ترامب كان يخادع"، بدليل أنه تراجع عن كل ما قاله في مواجهة المكسيك وكندا وغيرها.

فيما قال الأكاديمي سامي العريان، في مقال نشرته وكالة “الأناضول” الإنجليزية في 7 فبراير، إن اقتراح ترامب بإخراج الفلسطينيين بالقوة من غزة لا يبدو جديا أو قابلا للتحقيق، ووراءه نظرية "الدخان والمرايا".

ويؤكد العريان، وهو أستاذ الشؤون العامة ومدير مركز الإسلام والشؤون العالمية في جامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول، أن "ما وراء الدخان والمرايا كان هو ما جرى في اجتماع ترامب ونتنياهو"، والفلسطينيون لن يقبلوا أبدا تهجيرهم.

وسبق أن أكدت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في مقال نشرته خلال فترة رئاسة ترامب الأولى في 18 يناير/ كانون الثاني 2017، أن “ترامب يجيد التلاعب بوسائل الإعلام ومعارضيه عبر نظرية الدخان والمرايا”.

وقالت: إنه "يمتلك في ترسانته عددا من التكتيكات بما في ذلك الكلمات الفارغة، والتنظيرات المضللة، والتضليل".

وأشارت إلى أنه يتلاعب بالعقول ويحاول إضفاء المصداقية على المصادر دون أي دليل، وزعم أن "مصدرا موثوقا للغاية" أخبره أن "شهادة ميلاد باراك أوباما مزورة" وهي كذبة تراجع عنها ترامب لاحقا.

"إغراق الساحة" 

وهناك نظرية أو إستراتيجية أخرى تسمى "إغراق الساحة" (Flood the Zone)، هدفها إغراق وسائل الإعلام والجمهور بأخبار عديدة مضللة، للسيطرة على الساحة الإخبارية ووعي من تصل هذه التصريحات التي تغرق الساحة إليه.

وهذه النظرية غالبا ما تُستخدم في الحروب الإعلامية أو الصراعات السياسية، حيث تعتمد على إغراق وسائل الإعلام والرأي العام بوابل من التصريحات والقرارات، بغض النظر عن صحتها أو إمكانية تحققها، بهدف السيطرة على الساحة السياسية.

وتوصف بأنها "إستراتيجية اتصالية وسياسية تُستخدم لإرباك الخصوم أو الجمهور عن طريق نشر كميات هائلة من المعلومات، سواء كانت صحيحة أو كاذبة، بهدف تشتيت الانتباه وإضعاف القدرة على تمييز الحقائق"، وفق دراسات غربية.

وفكرة هذه النظرية، التي تُستخدم كأداة للتلاعب بالرأي العام، هي نشر كميات كبيرة من المعلومات المتناقضة أو المضللة، بحيث يصبح من الصعب على الجمهور أو الخصوم تحديد الحقيقة، مما يؤدي إلى حالة من الارتباك وعدم اليقين.

وقد تُستخدم إعلاميا لنشر معلومات مضللة أو شائعات لتشويه سمعة الخصوم، أو في الحروب النفسية خلال الصراعات العسكرية أو السياسية، لإضعاف معنويات الخصم.

وهذه أيضا استعملها ترامب مثل وابل التصريحات التي أطلقها حول الاستيلاء على غزة وقناة بنما وجزيرة غرينلاند وكندا.

فقد انطلق فيضان من الأخبار الكثيرة من الإدارة الجديدة، أكثر مما يستطيع أي شخص متابعته، وبشكل مقصود، ما حوّل الأسبوع الأول من فبراير إلى "أسبوع مجنون"، بحسب "الإذاعة الأميركية" في 7 فبراير 2025.

وكان أشهر من دفعه لاستخدام هذه الإستراتيجية، وطبقها خلال حملة ترامب الانتخابية عام 2016، هو ستيف بانون، المستشار السابق لترامب، عبر إغراق "الديمقراطيين" ووسائل الإعلام بأخبار سريعة متضاربة لتشتيتهم، وفق صحيفة "نيويورك تايمز" في 28 يناير 2025.

وأحد مهندسي إستراتيجية ترامب هذه، بإطلاق وإغراق الساحة بأخبار وتصريحات ومعلومات متضاربة سريعة هو ستيفن ميلر، نائب رئيس موظفي البيت الأبيض للسياسة، الذي دفع بتكتيك إغراق الإعلام بالأخبار التي لا يُعرف الصحيح من الخاطئ منها.

بحيث تم نشر كميات هائلة من الأخبار والمعلومات، سواء كانت صحيحة أو كاذبة، لإرباك الخصوم والسيطرة على الخطاب العام، ويصبح من الصعب على الناس التمييز بين الحقائق والأكاذيب.

وهدف ترامب وفريقه من استعمال هذه النظرية، هو "التلاعب الإستراتيجي" المحسوب الذي يعتمد على خلق واقع وهمي بحيث تصبح الأفكار المستحيلة قابلة للنقاش، والمشاريع غير القابلة للتنفيذ تبدو وكأنها "سيناريوهات مطروحة".

وذلك حسبما يقول الشيخ الليبي على الصلابي في تدوينة سعى من خلالها لتفنيد إمكانية تنفيذ ترامب تهديداته ضد غزة وحماس.

وأوضح أن هذه التصريحات وقنابل الدخان ووابل التصريحات بأسلوب "إغراق الساحة"، ليست سياسة مرتجلة، بل "أسلوب مدروس مستوحى من نظريات سياسية وإعلامية تستهدف إعادة تشكيل الوعي العام ودفع الخصوم إلى مواقع دفاعية بدلا من إبقائهم في موقع الهجوم".

وقال الصلابي: إن "التهديدات ليست خططا، بل أوراق ضغط، وما يريده ترامب ونتنياهو هو تحويل المستحيل إلى احتمالات وهذا ما يجب محاربته بكشف التلاعب الإعلامي".

الهدف غزة

وتؤكد صحيفة "الغارديان" البريطانية في 11 فبراير 2025، أن ترامب وإيلون ماسك استعملوا هذه الإستراتيجية بكثافة بمجرد توليهم المسؤولية.

وتولى ترامب إطلاق تصريحات سريعة متتالية وقرابة 135 من "الأوامر التنفيذية"، فيما شن ماسك غارات كلامية على عدد كبير من الوكالات الفيدرالية بحجة "تقليص الهدر والاحتيال" ونشر الاثنان "سياسة حافة الهاوية".

وقالت صحيفة "واشنطن بوست" في 25 يناير 2025، إن "إستراتيجية ترامب في الأسبوع الأول كانت إغراق الساحة"، وأنه أمضى أيامه الأولى يوقع عشرات الأوامر الرئاسية المتلاحقة، ويصدر تصريحات متتالية ومقترحات دراماتيكية.

ووصفت "كل هذا" بأنه "جزء من خطة للبدء بضجة، واتباع مخطط سياسي مُعد سابقا"، وفق إستراتيجية "إغراق الساحة" والسيطرة على وعي من حوله.

وقالت الصحيفة: إن هذا ما علمه له ستيفن بانون، كبير الإستراتيجيين في البيت الأبيض، الذي كان يقول “اضرب وأغرق المنطقة بالتصريحات والقرارات فتغمرها المياه”.

وأكدت أن "الأمر يؤتي ثماره، والإعلام لا يمكنه ملاحقة ما تفعله ولا تغطيته، لأنه أكثر مما ينبغي".

وتشير التقارير الأميركية إلى أن الهدف المتعلق بغزة كان أحد أهداف خطط ترامب وفريقه الاستشاري الرئاسي من وراء إطلاق إستراتيجيتي "الدخان والمرايا" و"إغراق الساحة".

وأن الهدف كان يدور حول تحقيق مصالح إسرائيل وأميركا بإطلاق التهديدات المتتالية والتصريحات ونثر الغبار والدخان والغموض وإغراق الساحة بأنباء متتالية حول ما سيفعله بغزة، حتى يحصل في النهاية على بعض المكاسب.

فهو حين يهدد بأن غزة لن تصبح ملكا للفلسطينيين وعلى مصر والأردن استقبال أهلها ويطلق قنابل دخان ووابلا من التصريحات، يستهدف أن تقف الدول العربية في موقف دفاعي، وتطلب عدم طرد سكان غزة فيقوم بضم الضفة الغربية لإسرائيل.

وحين يصر يوميا على خطة تهجير الغزيين لمصر والأردن، ويهدد بإخلاء غزة من سكانها، يستهدف إجبار الدول العربية على تقديم حل، بحيث تتولى الأنظمة العربية في نهاية المطاف حكم غزة ولجم ومنع حماس من تهديد إسرائيل وتعمير غزة بأموالهم.

وقد أشار لهذه الجزئية، الصحفي المقيم في الولايات المتحدة، محمد المنشاوي، الذي كتب عبر فيسبوك في 12 فبراير يقول: "نجح ترامب في إخافة الدول العربية، وتحديدا مصر والأردن، لدرجة يبدو معها موافقتهما على لعب دور رئيس في حكم قطاع غزة مستقبلا أو تأمينه وتحمل عبء غزة ومواجهة العرب أنفسهم لحركة حماس".