"لا ترهب الموت".. إلى أي مدى بلغت أميركا في مسار تجنيد الروبوتات بالحروب؟

"مسؤولون عسكريون لا يعتقدون أن الروبوتات ستفعل الكثير لحل مشكلة النقص في التجنيد"
منذ أن أصبح للولايات المتحدة جيش، ظل جنود المشاة الأميركيون متمسكين بشعار واحد: "لا تطلقوا النار حتى تروا بياض عيون أعدائكم".
لكن في مارس/آذار 2024، وأثناء القتال في أكبر ساحة تدريب للجيش الأميركي، وجد جنود المشاة أنفسهم في مواجهة نوع مختلف تماما من الأعداء "عدو عيونه عدسات كاميرا، وجلده صفائح معدنية، فلم يكن هؤلاء الأعداء من لحم ودم، بل كانوا آلات".
وفي السياق، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تقريرا أوضحت فيه أن "الجنرالات الأميركيين يريدون إرسال الروبوتات لمواجهة رصاصات العدو الأولى في حروبهم المستقبلية".
وظائف خطيرة
وقالت المجلة: "في الحرب الكبرى المقبلة التي ستخوضها الولايات المتحدة، يأمل ضباط الجيش أن تكون الروبوتات هي التي تتلقى الضربة الأولى".
كما يأملون أن تقوم الروبوتات "بالوظائف القذرة والخطيرة التي أودت بحياة المئات -بل الآلاف على الأرجح- من بين أكثر من 7 آلاف من أفراد الخدمة الأميركية لقوا حتفهم خلال عقدين من الحروب في الشرق الأوسط".
وأشارت المجلة إلى أن "الروبوتات الآلية التي يتدرب عليها الجيش الأميركي حاليا تقود سيارات ثمانية الإطارات وتحمل قوة نارية، كما أنها تطلق النار على المنازل التي يتحصن فيها العدو".
واستطردت المجلة أن "الهدف هو وضع روبوت في أخطر مكان في ساحة المعركة، بدلا من جندي يبلغ من العمر 19 عاما خرج لتوه من التدريبات الأولية".
واستدركت أنه "مع ذلك، ليست كل هذه الآلات جاهزة للعمل في الحروب، فخلال التمرين لم يواجهوا الرصاص الحي".
كما أنه "ليس لدى الروبوتات قدرة على رؤية محيطيها، فلا يمكنها النظر إلى اليسار أو النظر إلى اليمين كما يفعل الجندي البشري بمجرد إدارة رأسه".
علاوة على ذلك، "لا تستطيع شبكة الجيش القديمة الاحتفاظ دائما بمئات الطائرات المسيرة عاليا في نفس الوقت، أو حتى إخبار القوات الأميركية أي من الطائرات غير المأهولة هي صديقة أم عدوة".
ورغم ذلك، أكدت "فورين بوليسي" على "أنهم قطعوا شوطا طويلا".
ويعتقد كبير ضباط الجيش الأميركي، الجنرال راندي جورج، وغيره من قادة الجيش أن "كل وحدة بالجيش تقريبا، وصولا إلى أصغر الدوريات الراجلة، سيكون لديها قريبا طائرات بدون طيار للاستشعار والحماية والهجوم".
وبحسب تقييم المجلة، فلن يمر وقت طويل قبل أن تنشر الولايات المتحدة الروبوتات الأرضية في المعارك، ضمن فرق مشتركة بين البشر والآلات.
وفي معرض وصفها لطبيعة التدريبات، قالت المجلة: "تقريبا كل من يقاتل في المحاكاة يموت خلالها في مرحلة ما، أحيانا مع برك من الدم المزيف والدماء الاصطناعية التي تبدو حقيقية لدرجة أنها تخدع العين التي لم تعتد عليها".
وأفادت بأن "سيناريوهات التدريبات كُتبت لتناسب المناطق التي تنتشر فيها القوات الأميركية، والتي كانت في الغالب في العراق وأفغانستان على مدى العقدين الماضيين".
ولكن منذ عام 2014، وفي وقت قريب من غزو الكرملين الأول لأوكرانيا، أصبحت سيناريوهات التدريب عبارة عن عمليات قتالية واسعة النطاق ضد قوات على غرار جيشي الصين والروس، وفق المجلة.
وأوضحت أن "منظمي التدريبات يحاولون جعل العدو في هذه المحاكاة أكثر صرامة من العدو الحقيقي، وليس مثل الروس، الذين وصلوا إلى أوكرانيا بخرائط من الثمانينيات بحثا عن مدن غير موجودة".

تطور سريع
وأشارت المجلة إلى أن مجال الروبوتات العسكرية بشكل عام يتطور سريعا، إذ تعهدت أوكرانيا بالفعل بإنشاء فرع منفصل للطائرات بدون طيار والمركبات غير المأهولة.
وتابعت أن "الجيش الأميركي قد لا يكون بعيدا جدا عن هذا، فهو يدرس اقتراحا لإضافة فصيلة من الروبوتات، أي ما يعادل 20 إلى 50 جنديا بشريا، إلى فِرق الألوية القتالية المدرعة، وهي عبارة عن وحدات مشاة أساسية مدعومة بالدبابات".
وقالت المجلة إن "المسؤولين العسكريين لا يعتقدون أن الروبوتات ستحل محل البشر، أو أنها ستفعل الكثير لحل مشكلة النقص في التجنيد".
وقال أليكس ميلر، كبير مسؤولي التكنولوجيا الذي يعمل تحت الجنرال جورج: "لا يقتصر الأمر على أن يحل روبوت واحد محل إنسان واحد".
وتابع: "السؤال هو كيف يمكن للجيش وضع الروبوتات على الخطوط الأمامية دون أخذ جندي واحد أو عدة جنود من مواقعهم للسيطرة على الروبوتات".
والمهم هنا -وفق المجلة- هو أن يكون للولايات المتحدة الأفضلية، قبل أن تفعلها الصين أو روسيا.
من جانبه، قال الجنرال جون موريسون، المستشار الرئيس لرئيس أركان الجيش الأميركي لشؤون الشبكات والأمن السيبراني: "لا نريد أن تكون الأمور على قدم المساواة، بل نريد أن نكون متفوقين عليهم تقنيا".
ورغم ذلك، أكدت المجلة أن هذه التمرينات عبارة عن تجارب فقط، وقد تُدرج في قائمة الأولويات غير الممولة.
وأضافت أنه "إذا كانت الحرب بين روسيا وأوكرانيا قد علمت الجيش الأميركي أي شيء عن مستقبل الحروب، فهو النظر إلى الأعلى، إذ إن الجنود يستمعون إلى صوت الطائرات المسيرة ويبتكرون تدريبات قتالية للدفاع عن أنفسهم ضدها".
وأكدت "فورين بوليسي" أنه "إذا أمكن رؤية شيء ما أو استشعاره، فإنه يمكن قتله".
وأردفت أنه "من أجل البقاء في ساحة المعركة الحديثة، يتعين على الجنود أن يجعلوا أنفسهم أصغر فأصغر، أي غير مرئيين تقريبا".
وأوضحت المجلة أن "طبيعة الحروب تتحرك بسرعة عبارة عن التكنولوجيا/ سنوات ضوئية"، منتقدة وزارة الدفاع الأميركية التي "تتحرك بسرعة الميزانية/ السنوات المالية".
وأكدت أن هذا النهج "سيثبت فشله عندما تتمكن طائرة كوادكوبتر محلية الصنع من إسقاط قنبلة يدوية وتدمير طائرة مقاتلة متوقفة على الأرض".
لذلك، شددت على أن "وزارة الدفاع الأميركية تقف على الجانب الخطأ من معادلة التكلفة".
وأضافت أن "مع تزايد شعبية الطائرات المسيرة، ألغى الجيش برنامج طائرات الاستطلاع الهجومية المستقبلية الباهظة الثمن".
ومع ذلك، لا يزال السؤال مفتوحا حول ما إذا كان الجيش لديه الإمكانية لشراء وتصنيع طائرات مسيرة رخيصة الثمن وجاهزة للاستخدام مثل الأوكرانيين، وفق المجلة.