ليست مجرد عملية عسكرية.. هكذا يحقق طوفان الأقصى ما عجزت عنه سلطة أوسلو

5 دول من الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين
رغم مهاجمتها ووصمها بـ"الإرهابية"، أجبرت عملية طوفان الأقصى دول العالم على إعادة إحياء النقاش حول مستقبل القضية الفلسطينية التي سعت أطراف عديدة خلال السنوات الأخيرة لتصفيتها.
وإلى جانب ما حققته من اختراق عسكري، بدأت تظهر نتائج سياسية غير مباشرة للعملية التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية حماس في مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تصويت واعتراف
كان آخر تلك النتائج، تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الاستثنائية العاشرة، 10 مايو/أيار 2024، لصالح مشروع قرار يدعم طلب فلسطين الحصول على عضوية كاملة بالمنظمة الأممية.
ويوصي القرار مجلس الأمن الدولي بإعادة النظر في الطلب، ويحدد طرقا لإعمال حقوق وامتيازات إضافية تتعلق بمشاركة فلسطين بالأمم المتحدة.
وصوت لصالح القرار 143 دولة، وعارضته 9، وامتنعت 25 دولة عن التصويت، وفق موقع المنظمة الأممية الإلكتروني. لكنه يبقى قرارا يحمل طابعا رمزيا بسبب الفيتو الأميركي في مجلس الأمن.
وأكد القرار "على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، بما في ذلك الحق في إقامة دولة فلسطين المستقلة".
وشدد أن "دولة فلسطين مؤهلة لعضوية الأمم المتحدة وفقا للمادة 4 من الميثاق، ومن ثم ينبغي قبولها في عضوية الأمم المتحدة".
وبناء على ذلك، أوصى القرار مجلس الأمن "بإعادة النظر في هذه المسألة بشكل إيجابي".
وتتمتع فلسطين بوضع "دولة غير عضو" لها صفة المراقب بالأمم المتحدة، وقد حصلت على هذا الوضع بعد قرار اعتمدته الجمعية العامة بأغلبية كبيرة في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

ودعا القرار المجتمع الدولي “إلى بذل جهود متجددة ومنسقة تهدف إلى التوصل دون تأخير إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967”.
كما دعا إلى "تسوية عادلة ودائمة وسلمية لقضية فلسطين والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفقا للقانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة". وطلب من الأمين العام "أن يتخذ التدابير اللازمة لتنفيذ هذا القرار".
وجاء تصويت الجمعية العامة، بينما تواصل إسرائيل عدوانا مدمرا على غزة منذ 7 أكتوبر بعد عملية طوفان الأقصى.
وضمن تبعات العملية، يأتي كذلك اعتزام 5 دول من الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بينها أيرلندا وإسبانيا، الاعتراف بالدولة الفلسطينية في 21 مايو 2024، وفق ما كشفت تقارير إعلامية دولية.
وقالت شبكة الإذاعة والتلفزيون الأيرلندية (RTE) في 8 مايو إن "الاتصالات تكثفت بين أيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا ومالطا بشأن الاعتراف بدولة فلسطين".
ودولة فلسطين معترف بها حالياً من قبل 8 أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهي بلغاريا وبولندا والتشيك ورومانيا وسلوفاكيا والمجر وإدارة جنوب قبرص الرومية والسويد.
ومنذ عام 1988 اعترفت 139 دولة من أصل 193 عضواً في الأمم المتحدة، بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 التي تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة.
نتائج الطوفان
ومنذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، ألقى العديد من الأطراف باللوم على الجمود السياسي تجاه القضية الفلسطينية وعدم “حل الصراع”، كما رأت دول أوروبية أن التوتر لن ينتهي بدون إقامة دولة فلسطينية.
وخلص كثيرون إلى أن المقاومة العسكرية هي ما يجبر دول العالم على الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وليس استجداء إسرائيل عبر المفاوضات.
وقال المحلل السياسي ياسر الزعاترة: “تصويت الجمعية العامة هو جزء من أصداء حرب غزة، وليس نتاج تسوّل (رئيس السلطة الفلسطينية محمود) عباس وسلطته وجهازه الدبلوماسي الذي يستهلك نسبة كبيرة من أموال الشعب بلا فائدة تُذكر”.
وأردف: “طوفان الأقصى جعل فلسطين سيّدة العالم لكن صِبْية السلطة وقبيلتها الحزبية يواصلون شيطنته في كل منابرهم ودكاكينهم بلا توقف”.
وفي إشارة إلى أنها واحدة من نتائج الطوفان، قال مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، إن التصويت اليوم (قبل حدوثه) على منح فلسطين العضوية الكاملة "يعني تصويتا للرئيس المستقبلي لدولة حماس يحيى السنوار".
وخلال كلمة له، مزق ميثاق الأمم المتحدة بعد تصويت الجمعية العامة لصالح مشروع منح فلسطين العضوية الكاملة.
وفي تقرير أصدره مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ببيروت عام 2020، قال إن دراسة عملية التصويت في الأمم المتحدة خلال الثلاثين سنة الماضية تشير إلى أن التأييد الدولي للفلسطينيين يتزايد في فترات المواجهة والانتفاضات أكثر من فترات الهدوء.
وعاد المركز للتأكيد على نفس النقطة في دراسة نشرها في 27 فبراير/شباط 2024، قال فيها إن نسبة التأييد للقرارات المؤيدة للحق الفلسطيني في الأمم المتحدة تتزايد نسبيا بشكل واضح بعد عملية طوفان الأقصى.

وأكدت الدراسة أن المقاومة المسلحة ترفع التأييد في أوساط الرأي العام الدولي للموقف الفلسطيني، بينما يخف هذا الدعم في أجواء مسارات التسوية السلمية.
ومنذ اتفاقيات أوسلو للسلام 1993 لم تنجح منظمة التحرير ومن بعدها السلطة الفلسطينية التي تأسست بالعام التالي، في الحصول على حقوق الشعب الفلسطيني من إسرائيل عبر المفاوضات.
وبعد سنوات من المراوحة في نفس المكان، توقفت مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية منذ أبريل/ نيسان 2014؛ لعدة أسباب بينها رفض إسرائيل إطلاق سراح معتقلين قدامى، ووقف الاستيطان.
ويواجه مسار المفاوضات والسلام مع إسرائيل رفض المقاومة الفلسطينية التي تؤكد أن الحقوق لا تنتزع إلا بقوة السلاح، وهو ما ترجمته أخيرا عبر عملية طوفان الأقصى.
إعادة إحياء
وقد أعادت العملية إحياء القضية الفلسطينية والتعريف بشكل أكبر بحقوق الفلسطينيين وتبنيها في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وهو ما ظهر خلال الحراكات الطلابية في الجامعات.
كما يرى كثيرون أن العملية عطلت قطار التطبيع مع دولة الاحتلال وأحرجت الدول العربية المطبعة، وخاصة تلك التي اتخذت هذه الخطوة عبر اتفاقيات أبراهام بداية من عام 2020 وهي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.
ويقول أحمد بهاء الدين في تغريدة على إكس إن “من أفضل نتائج عملية طوفان الأقصى المباركة، أنها أعادت إحياء القضية الفلسطينية في نفوس أمتنا العربية وضمير العالم، في الوقت الذي جلس فيه زعماء عرب ودوليون يتحدثون عن تطبيع علاقات ومشاريع اقتصادية مع الكيان المحتل متناسين أن شعب فلسطين يعيش محاصرا ومحتلا في أكبر سجن في العالم”.
وأجهزت العملية على كل المحاولات السابقة لتصفية القضية الفلسطينية وكان آخرها ما يسمى “صفقة القرن” التي تبناها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وبعد العملية، أصبحت إسرائيل معزولة سياسيا أكثر من أي وقت مضى بسبب مواصلة ارتكابها للمجازر بحق المدنيين ورفضها وقف إطلاق النار، ما قوض صورتها أمام الرأي العام العالمي.
وعن المستقبل بعد العدوان، يقول مركز كارنيغي للسلام الدولي: “إذا تمكنت حماس من الحفاظ على الشعبية التي اكتسبتها بمهاجمة إسرائيل في 7 أكتوبر، وإذا كان الفلسطينيون راغبين في النظر إلى ما هو أبعد من الدمار في غزة، فربما يكون من العدل أن نقول إن الحركة سيكون لديها الكثير والدور الأكبر في تحديد المسار السياسي للمجتمع الفلسطيني”.
وأضاف خلال دراسة نشرها في 25 يناير/كانون الثاني 2024: “بعد 7 أكتوبر، أعادت إدارة (الرئيس الأميركي جو) بايدن إثارة فكرة حل الدولتين، على الرغم من رفض (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو تأييد مثل هذه النتيجة".
ومع هذه النتيجة، ذكر أنه “ربما يكون السابع من أكتوبر قد أكد لكثير من الفلسطينيين أن المقاومة المسلحة يمكن أن تحقق نتائج”، لكنه قال إن الثمن كان مرتفعا، في إشارة إلى عدد الضحايا وحجم الدمار.
وبين أن حماس قد تحول ما حدث إلى نفوذ أكبر داخل الصف الفلسطيني، وأنها يمكن أن تنجح في تأمين مكان لها في منظمة التحرير الفلسطينية، وتصبح لاعبا رئيسا في المفاوضات، وبالتالي أكثر قدرة على تشكيل تقدمها.
ولم يستبعد أن تكون إحدى نتائج ما بعد العدوان، تتلخص في فرض حماس توازنا جديدا للقوى مع إسرائيل، على النحو الذي قد يجعل المفاوضات المستقبلية أكثر توازناً، في إشارة إلى إجبار الاحتلال على واقع جديد كانت ترفضه في تعاملها مع السلطة الفلسطينية.