بعد حظر مشاركة وفد فلسطين بالجمعية العامة.. ما خيارات الأمم المتحدة؟

إسماعيل يوسف | منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

قبل أيام قليلة من انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة من 9 إلى 23 سبتمبر/آب 2025، حظرت الولايات المتحدة دخول الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووفد فلسطين بأكمله، في مخالفة لاتفاقية المقر الأممية.

أعلنت في 29 أغسطس/آب 2025 أنها لن تمنح تأشيرات للمسؤولين في السلطة الفلسطينية لحضور اجتماعات الجمعية العامة التي تعتزم العديد من الدول الأخرى الاعتراف فيها بدولة فلسطين.

سبب المنع المُعلن، والذي يشمل حوالي 80 مسؤولا فلسطينيا آخرين، يتمثل في لجوء قادة رام الله إلى المحكمة الجنائية ومحكمة العدل الدوليتين لإدانة إسرائيل.

لكن السبب الفعلي لحجب التأشيرات هو الخشية من تحول الجمعية العامة لمهرجان اعتراف بدولة فلسطين، ومحاولة التأثير على ذلك.

إذ تسعى السلطة لنيل اعتراف عالمي بدولة فلسطين خلال اجتماعات الأمم المتحدة، وترغب واشنطن في عرقلة ذلك بمنع حضور قيادات رام الله.

تعني هذه القيود أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لن يتمكن من السفر إلى نيويورك لإلقاء خطاب في الاجتماع السنوي، كما يفعل عادة،.

لذا بدأت دول وسياسيون يطرحون فكرة نقل اجتماع الأمم المتحدة من نيويورك إلى دولة أخرى، وهناك سوابق لذلك.

إرهاب أميركي

رغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سبق أن التقى محمود عباس، فقد كان غريبا أن تُعلن الولايات المتحدة، أنها لن تمنح تأشيرة دخول له، لأسباب "إرهابية".

المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية تومي بيغوت قال، في 30 أغسطس، إنه يجب على السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينيتين "نبذ الإرهاب" قبل "عدهما شريكين في السلام".

ووصف سعي السلطة "للاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية"، بأنه "إرهاب"، مبينا أن إدارة ترامب “لا تكافئ الإرهاب”. وفق تعبيره.

وضمن المبررات الأميركية قيل إن هذا المنع "من مصلحتنا الأمنية القومية" وأنه بسبب تحميل السلطة ومنظمة التحرير "مسؤولية عدم الوفاء بالتزاماتهما، وتقويض آفاق السلام".

والمفارقة أن عباس كان قد أدان في السابق الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وجاء ذلك بعد أن واجه انتقادات إسرائيلية مكثفة لرفضه توجيه إدانة صريحة بذلك، ومع هذا مُنع بسبب "الإرهاب".

أما السبب الحقيقي المُعلن أيضا فهو شن رام الله "حربا قانونية" ضد إسرائيل تمثلت في اللجوء إلى المحكمة الجنائية ومحكمة العدل الدوليتين لمقاضاة الاحتلال بسبب "حرب إبادة غزة".

وقالت الخارجية الأميركية في بيان: إن السلطة الفلسطينية يجب أن توقف "محاولات تجاوز المفاوضات من خلال حملات حرب قانونية دولية" و"الجهود الرامية إلى ضمان الاعتراف الأحادي بدولة افتراضية".

ويبدو أن منع وفد فلسطين من دخول الولايات المتحدة التي قد تشهد اعتراف قرابة 15 دولة جديدة بها، يستهدف الانتقام وإرهاب سلطة رام الله كي تنزل عند رغبات إسرائيل وتلغي طلب محاكمتها دوليا.

وقد تحولت التأشيرات إلى سلاح أميركي عبر منع دخول أعضاء من دول مختلفة لها خصومة سياسية معها، رغم مخالفة ذلك لميثاق واتفاقية المقر مع الأمم المتحدة وكون نيويورك مجرد مستضيف.

وفي كل مرة تخرق واشنطن اتفاقية المقر بمنع منح تأشيرات دخول لمندوبي دول، تزعم وزارة الخارجية الأميركية أنها ملتزمة بالاتفاق، وتفعل ذلك هذه المرة "بدليل سماحها بوجود البعثة الفلسطينية لدى الأمم المتحدة".

وتحججت وزارة الخارجية الأميركية بأن بعثة السلطة الأممية التي تضم مسؤولين يقيمون هناك بشكل دائم، لن تكون مشمولة بالقيود، للزعم أنها ملتزمة باتفاقها مع الأمم المتحدة.

ويرى محللون أن سبب المنع في حالة فلسطين هو تماهى أميركا مع الموقف الإسرائيلي الساعي لضم الضفة الغربية وإنهاء أوسلو.

إذ جاء هذا الموقف بالتزامن مع اجتماعات إسرائيلية لبحث فرض السيادة على الضفة الغربية، وإعلان وزير المالية سموتريش خطة لشطرها إلى جزءين بالمستوطنات.

وحتى أبريل/نيسان 2025، أصبحت 149 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة تعترف بالدولة الفلسطينية، وهذه النسبة تشكل أكثر من 75 بالمئة من الأعضاء.

وعقب طوفان الأقصى، وما تبعه من حرب إبادة إسرائيلية وتجويع لغزة، تصاعد حراك الاعتراف بدولة فلسطين.

وأطلقت أكثر من 15 دولة غربية بينها فرنسا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والبرتغال، أواخر يوليو/ تموز 2025، نداء جماعيا للاعتراف بدولة فلسطين، ووقف إطلاق النار.

وأعلنت عدة دول أخرى بينها بريطانيا ومالطا وسان مارينو ولوكسمبورغ، اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطين خلال اجتماعات الجمعية العامة.

نقل مقر الانعقاد

وضمن تنديد العديد من الدول والقوى بالقرار الأميركي، اقترح البعض نقل اجتماعات الأمم المتحدة من أميركا.

فيما اكتفى آخرون بطلب عقد الجمعية العامة المقبلة فقط في دولة أخرى غير أميركا طالما تتحكم واشنطن في دخول رؤساء دول للقمة الأممية.  

كانت لوكسمبورغ إحدى الدول التي اقترحت، عبر وزير خارجيتها "كزافيه بيتيل" عقد جلسة خاصة للجمعية المقبلة في جنيف (سويسرا)، لضمان حضور الفلسطينيين. 

وقال "بيتيل" لصحفيين في كوبنهاغن 30 أغسطس: "لا يمكن ببساطة استبعاد فلسطين من الحوار"، منددا بالقرار الأميركي ومطالبا بجلسة خارج نيويورك.

أيضا ندد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، برفض الولايات المتحدة منح تأشيرات دخول لمسؤولين في السلطة الفلسطينية، مؤكداً أن الوصول إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك "لا يمكن أن يكون خاضعاً لأي قيود". 

كما انضمت إسبانيا إلى موجة الانتقادات، وأشار رئيس وزرائها بيدرو سانشيز، في اتصال هاتفي مع الرئيس الفلسطيني، الى أن مدريد تقف إلى جانبه بعد هذا القرار، واصفا الخطوة الأميركية بأنها "جائرة".

وفي منشور على منصة "إكس"، أكد سانشيز أن "لفلسطين الحق في أن يُسمع صوتها في الأمم المتحدة وفي جميع المحافل الدولية"، مضيفا أن "الهجمات على المدنيين في غزة غير إنسانية ويجب أن تتوقف فورًا، كما يجب السماح بمرور المساعدات الإنسانية لتخفيف معاناة السكان".

وقال موقع "أكسيوس نيوز" الأميركي في 29 أغسطس: إن سبب منع أميركا منح وفد فلسطين تأشيرات دخول هو الرد على مبادرة مُخطط لها من قبل عدة دول غربية للاعتراف بدولة فلسطينية خلال الاجتماع العالمي السنوي. 

ونقل عن مصادر قولها: إن إدارة ترامب تحاول ردع عباس عن إصدار "إعلان استقلال" خلال خطابه أمام الجمعية، وهي خطوة يدرسها الفلسطينيون.

كما نقل عن "مصدر مطلع" على التفاصيل، أن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، دفع نظيره الأميركي ماركو روبيو لعدم منح تأشيرات للوفد الفلسطيني، ثم وجه له الشكر عقب الإعلان رسميا عن ذلك.

وبعد حضور الاجتماع السنوي رفيع المستوى للجمعية العامة، كان عباس يعتزم المشاركة في قمة بمانهاتن؛ حيث تعهدت بريطانيا وفرنسا وأستراليا وكندا بالاعتراف رسميًا بدولة فلسطينية، وفق وكالة رويترز البريطانية 30 أغسطس 2025.

وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية: إن "قرار واشنطن ينتهك اتفاقية المقر للأمم المتحدة لعام 1947، وندعو مجلس الأمن لتحمل مسؤولياته".

ودعت إلى إيجاد حلول دبلوماسية وقانونية تضمن مشاركة الوفد الفلسطيني في اجتماعات الجمعية العامة.

وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك: إن المنظمة ستناقش قضية التأشيرة مع وزارة الخارجية (الأميركية) بما يتماشى مع اتفاقية المقر بينها وبين الولايات المتحدة.

وطالبت "حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية"، دول العالم، بنقل الجلسة الخاصة بفلسطين، إلى بلد آخر، لضمان مشاركة وفد رام الله بشكل كامل.

وردًّا على إلغاء واشنطن تأشيرات دخول عدد من المسؤولين الفلسطينيين، تساءلت عن "جدوى وجود الأمم المتحدة على الأرض الأميركية في ظل الاعتداء الفج على مواثيقها وقوانينها"، بحسب بيان 29 أغسطس.

ورأت "المبادرة الوطنية" برئاسة مصطفى البرغوثي أن القرار "يؤكد انحياز الإدارة الأميركية المطلق لحكومة إسرائيل التي ترتكب جرائم حرب كبرى".

وقد طرح خبراء سياسة وقانون، من بينهم أستاذ العلوم السياسية المقيم في أميركا مأمون فندي، فكرة نقل اجتماعات الجمعية العامة هذا العام لدولة أخرى غير أميركا.

ويقول "فندي": إن نقل الجمعية العامة هذا العام من نيويورك إلى عاصمة أخرى سيعد تحديا للفيتو الأميركي على مشاركة السلطة الفلسطينية.

وأوضح أن العالم كله يرى أن هذا السلوك الأميركي يشكّل إخلالاً بمبدأ المساواة بين الأعضاء، ويمس بحق الفلسطينيين في المشاركة الكاملة في أعمال الجمعية العامة.

ولتفادي هذا المأزق، طرح خيار نقل اجتماعات الجمعية العامة إلى مدينة أخرى كخيار قانوني مشروع، مشيرا إلى أن الميثاق الأممي يجيز الانعقاد خارج المقر الرئيس.

وأردف أنه "إذا استجابت غالبية الدول الأعضاء ستكون زلزالا سياسيا وصفعة لكل من أميركا وإسرائيل".

ماذا يقول الميثاق؟

ولا يحدد ميثاق الأمم المتحدة، الصادر عام 1945، مدينة معينة كمقر دائم لها، بل ينص فقط على أن يكون للمنظمة مقر.

وتنص المادة 18 من الاتفاقية الخاصة بمقر الأمم المتحدة (1947) الموقعة بين المنظمة وواشنطن (Host Country Agreement) على أن المقر يكون في نيويورك (مع بعض الترتيبات لحرية تنقل الوفود).

وتقول شبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية، 30 أغسطس إنه بموجب "اتفاقية المقر" للأمم المتحدة لعام 1947، فإن الولايات المتحدة ملزمة عمومًا بالسماح للدبلوماسيين الأجانب بالوصول إلى الأمم المتحدة في نيويورك. 

ومع هذا فقد وضعت الإدارات الأميركية السابقة "استثناءات" لأسباب أمنية وسياسية، ومنعت أعضاء دول من الحضور ورفضت إعطاءهم تأشيرات.

ومن الناحية القانونية يمكن للجمعية العامة أن تقرر عقد جلساتها الاستثنائية أو الطارئة في مكان آخر.

إذ تنص المادة 20 من ميثاق الأمم المتحدة على أن الجمعية العامة تجتمع "في مقرها المقرر إلا إذا قررت، بالنظر إلى الظروف الاستثنائية، أن تجتمع في مكان آخر".

بمعنى أن الأصل أن تُعقد الاجتماعات في نيويورك، لكن يمكن اختيار مدينة بديلة إذا اتفقت الدول الأعضاء.

لذا يمكن للجمعية العامة أو مجلس الأمن أن يصوتا على تغيير مقر الاجتماعات. لكن ذلك يتطلب موافقة أغلبية الدول الأعضاء، وقد يصطدم بمعارضة سياسية قوية من أميركا بصفتها "دولة المقر".

ويرى خبراء أن النقل الدائم صعب جدًا لأن الولايات المتحدة دولة المقر وتتمتع بثقل سياسي ومالي، لكن النقل المؤقت أو الاستثنائي ممكن وحدث بالفعل.

فقد فرضت الولايات المتحدة في مناسبات سابقة قيودا على حركة المسؤولين الأجانب من دول تراها "معادية"، مثل روسيا وإيران وكوريا الشمالية، لكنها لم تحظرهم بشكل كامل.

وفي عام 1988، رفضت الولايات المتحدة منح تأشيرة دخول لزعيم منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك ياسر عرفات، وذلك قبل اعتراف إسرائيل بها في اتفاقيات أوسلو عام 1993.

وبسبب ذلك نقلت الأمم المتحدة جلسة للجمعية العامة من نيويورك إلى جنيف ليتمكن عرفات من إلقاء كلمته.

وقد انعقدت الاجتماعات بالفعل في لندن وباريس قبل اكتمال مقر نيويورك، لذا لتفادي تعطيل أعمال الأمم المتحدة وضمان مشاركة جميع الأعضاء، يرى كثيرون أنه يجب نقلها هذا العام.

وهناك سوابق تاريخية أخرى، ففي عام 1948 عُقدت جلسة استثنائية في باريس (قصر شايو) بسبب أوضاع خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، كما انتقلت بعض اجتماعات الجمعية العامة مؤقتًا إلى جنيف عام 1952.

وتُعقد مؤتمرات ولجان تابعة للأمم المتحدة باستمرار في جنيف (سويسرا)، وفيينا (النمسا)، ونيروبي (كينيا) لأنها تستضيف مقرات وكالات أممية رئيسة.