حصار وعزل.. هكذا يمنع المغرب الخطباء من الحديث عن فلسطين فوق المنابر

منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

عاد موضوع عزل وإعفاء أئمة المساجد وخطباء الجمعة في المغرب إلى الواجهة، بعد قرار جديد لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتوقيف خطيب مسجد بمدينة سلا (شمال) إثر تطرقه لموضوع فلسطين والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والانتهاكات المستمرة للكيان الصهيوني.

وفي 15 ديسمبر/كانون الأول 2023، كشف الخطيب المعزول عبدالرحيم العبدلاوي، أنه توصل بقرار العزل في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد أن خصص إحدى خطبه للحديث عن العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول على غزة وأوضح خلفياته وسياقاته وأهدافه.

توقيف تعسفي

وخلال مشاركته في برنامج "ملفات وآراء" على قناة الموقع المحلي "هوية بريس" بمنصة "يوتيوب"، قال خطيب مسجد "مولاي علي الشريف" بمدينة سلا، العبدلاوي، إنه تطرق في خطبته لـ"جرح فلسطين في قلب الأمة العربية والإسلامية".

وشدد على أنه بيّن أن "العدوان الإسرائيلي البشع على غزة ينطلق من رؤية دينية تعتبر القتل والتشريد والتنكيل في حق الفلسطينيين عبادة".

وأوضح العبدلاوي، تفاصيل عزله من مهام الخطابة بمسجد "مولاي علي الشريف" بدءا باتصال مسؤول في وزارة الأوقاف لاستفساره عن الخطبة التي سيلقيها، ثم ما تلاه بعد ذلك من استفسار عن أسباب تخصيص خطبته لموضوع العدوان الإسرائيلي على غزة ثم جوابه على هذا الاستفسار إلى غاية توصله بقرار العزل.

وأكد أن قرار توقيفه "تعسفي" وغير مبني على قواعد العدل والإنصاف، مسجلا أنه كان ينبغي للوزارة أن تطلب من خطباء المساجد التطرق لموضوع ما يجرى في غزة وفلسطين بصفة عامة لأن "الخطباء هم صمام أمان المجتمع".

وخلص العبدلاوي، إلى أن قرار عزله بسبب تناوله لموضوع "طوفان الأقصى ومراجعة الذات" في إحدى خطب الجمعة هو "شرف ووسام سأحتفظ به، وسأوصي أهل بيتي بأن يوضع معي في قبري حين وفاتي".

وفي الوقت الذي تم فيه عزل خطيب مسجد بسبب تناوله لموضوع العدوان الإسرائيلي على غزة، سبق لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن أكدت عدم توجيهها أي مراسلة إلى ممثلي الوزارة حتى يتدخلوا لمنع الخطباء من ذكر فلسطين وأحداث غزة في المساجد.

وفي 23 أكتوبر 2023، نفت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية صحة وثيقة منسوبة لها تمنع الخطباء من ذكر فلسطين في المساجد، تم الترويج لها في منصات التواصل الاجتماعي، مشددة على أن هذه الوثيقة "مزورة جملة وتفصيلا".

وأفادت الوزارة، في بيان، بأن "بعض مواقع التواصل الاجتماعي روجت وثيقة ورد فيها توجيه إلى مناديب الوزارة لمنع الخطباء من ذكر فلسطين في المساجد، وهي وثيقة مزورة جملة وتفصيلا".

وعادت الوزارة في بيان ثان، في 24 أكتوبر، لتؤكد أن تلك الوثيقة المتداولة "هي تزوير مفضوح صادر عن جهة انكشفت هويتها غير المغربية بعدة شواهد، منها المخالفة لضوابط المراسلات من هذا القبيل وللغتها من حيث المصطلح والسلامة".

وأضافت أن "هذا النوع من الكذب سبق أن روَّجه موقع مغربي نسب الخبر فيه إلى من سماهم (متفقدي/مراقبي المساجد) بإقليم طنجة، وحيث إن هذا الخبر لا أصل له، فقد تصرف ذلك الموقع وكأنه يستبق ما حسبه آتيا لا ريب فيه، ويظل هذا التصرف محتشما، ولذلك لم ترد عليه الوزارة".

وسبق لموقع "العمق المغربي" المحلي أن نشر في 12 أكتوبر، خبرا بعنوان "خطباء بطنجة يتلقون توجيهات بتجنب الحديث عن أحداث غزة في خطبة الجمعة".

وكشف الموقع أن "خطباء مساجد بمدينة طنجة (شمال)، توصلوا بتوجيهات من مصالح وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، تدعوهم فيهما إلى عدم الإشارة للأحداث الواقعة في غزة خلال خطبة الجمعة".

وأكد عدد من الخطباء بطنجة، حسب "العمق المغربي"، توصلهم بتوجيهات عبر تطبيق "واتساب" من طرف متفقدي (مراقبي) المساجد التابعين للمندوبية الجهوية لوزارة الأوقاف، تحثهم فيها على تفادي الإشارة إلى أي حديث عن ما يقع في قطاع غزة.

وتابع الموقع نقلا عن مصادره قوله إن "وزارة الأوقاف قد تكون قامت بهذه الخطوة استباقا لإثارة موضوع غزة نظرا لحساسيته السياسية"، مشيرا إلى أن "حجم القتل والدمار بغزة كان سيدفع عددا من الخطباء للتطرق للموضوع".

وبحسب "العمق"، فإن المصالح المحلية والإقليمية للوزارة، تحث الخطباء في اللقاءات التواصلية، على ترك المواضيع السياسية، وضمنها الملف الفلسطيني، بمبرر أنه "موضوع حصري لوزارة الخارجية ونظرا لحساسيته".

تكميم الأفواه

ويطرح سؤال عن سبب هذا التناقض بين نفي الوزارة منع الخطباء من التطرق لموضوع فلسطين، وبين عزل خطيب مسجد "مولاي علي الشريف" بمدينة سلا بسبب تناوله موضوع العدوان على غزة مما أثار استياء كثيرين اتهموا وزارة الأوقاف بـ"تكميم الأفواه".

وبسبب هذا التناقض، سأل البرلماني عن كتلة العدالة والتنمية (معارضة) عبدالصمد حيكر، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد توفيق، عن أسباب إعفاء الخطيب المشار إليه مادام أن الوزارة نفت تدخلها لمنع تناول خطباء المساجد لموضوع العدوان الإسرائيلي على فلسطين.

وقال حيكر، في سؤال كتابي وجهه لوزير الأوقاف في 6 ديسمبر 2023، إن "الأوساط الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي تتداول أخبارا مفادها إعفاء عدد من الأئمة والخطباء من مهامهم بسبب ما قد يعبرون عنه من استنكار للجرائم الصهيونية في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، وفي حق المآثر المقدسة".

وتابع أن "هذه الجرائم التي أدانها عموم الشعوب عبر العالم ما فتئ الملك محمد السادس يدينها بدوره ويوجه وزيره في الخارجية (ناصر بوريطة) للتعبير عن ذلك في عدد من المحافل الدولية".

 وخاطب حيكر، وزير الأوقاف، قائلا: "كنتم نفيتم أن تكونوا قد نهيتم عن تناول موضوع العدوان الصهيوني على الفلسطينيين، أو رفع الدعاء معهم في محنتهم خاصة بعد التطورات الأخيرة".

غير أنه، يضيف حيكر، "اطلعنا -من خلال ما تتداوله مواقع التواصل الاجتماعي- على أن هناك خطباء جرى إعفاؤهم بسبب التعبير عن تضامنهم مع أهالينا في فلسطين جراء الجرائم ضد الإنسانية التي تقترفها في حقهم الطغمة الصهيونية، وكمثال عن ذلك نذكر إعفاء خطيب مسجد مولاي علي الشريف بمدينة بسلا".

وتساءل حيكر، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، عن "أسباب إعفاء الخطيب المشار إليه وعن التدابير المتخذة من أجل وقف معاقبة الأئمة والخطباء بمختلف فئاتهم بسبب التعبير عن تضامنهم مع إخوانهم في فلسطين وإدانة الجرائم الصهيونية".

خط أحمر

وفي تعليقه على عزل أئمة المساجد وخطباء الجمعة بسبب تناولهم موضوع فلسطين، قال عضو المكتب الوطني للهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، محمد الرياحي الإدريسي، إن "عزل أحد الخطباء بسبب حديثه عن فلسطين وغزة ليس بالأمر الجديد".

وأضاف الرياحي الإدريسي، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "الدولة دائما ما تسعى لعزل المساجد عن اهتمامات الشعب المغربي سواء المحلية أو الدولية".

ولفت إلى أن "هناك حالات كثيرة تم فيها عزل خطباء جمعة لتجاوزهم حالة المنع وتكميم الأفواه التي تطالهم وتحول دون حديثهم في بعض القضايا الممنوعة والتي تعتبرها الدولة خطا أحمر".

وسبق أن أوقفت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، خطيب جمعة في مدينة وجدة (شرق المغرب) محمد شركي، في فبراير/شباط 2020، عن أداء مهمته، بسبب إثارته خطة الإملاءات الأميركية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، المعروفة إعلاميا بـ"صفقة القرن".

وأشار الرياحي الإدريسي، إلى أن "العديد من النشطاء المغاربة سجلوا استهجانهم لتغاضي الخطباء في خطب الجمعة عن الحديث عما يقع في غزة من مجازر ومن تقتيل وتشريد يطال الأبرياء من المسلمين في ظرف كان من المفروض أن يهب الجميع لنصرة أهل فلسطين والدفاع عن حقوقهم العادلة والمشروعة".

وأعرب عن أسفه لهذا الحصار الشديد الذي تفرضه الدولة المغربية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على المساجد والخطباء مما يحول دون قيام المساجد بمسؤوليتها في الحديث عن مجازر غزة ومعاناة الفلسطينيين والدعاء لهم بالنصر والتمكين.

وخلص إلى أن "هذا السلوك يندرج في إطار محاولات الدولة المغربية فك الارتباط الشعبي بالقضية الفلسطينية والرغبة في التمكين لمسار التطبيع مع الكيان المجرم ورموزه القتلة والترويج لمقولة فلسطين للفلسطينيين".

وشدد الرياحي الإدريسي، على أن "استمرار المظاهرات وتوسعها في كل مدن المغرب يُبين فشل هذا الرهان، ويؤكد أن الارتباط الشعبي مع القضية لا تزحزحه مثل هذه التصرفات والممارسات".

ويُعيد توقيف الخطيب عبدالرحيم العبدلاوي من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية النقاش في المغرب حول حرية خطيب الجمعة إلى واجهة الأحداث.

فالعديد من المراقبين يرون أن قرارات الوزارة بتوقيف الخطباء تسير عكس الخطة التي رسمها "المجلس العلمي الأعلى" (أعلى هيئة دينية بالمملكة) في وثيقة "خطبة الجمعة الورقة الإطار"، التي دعت إلى وضع آليات للارتقاء بالخطبة، تؤكد ضرورة معرفة واقع الناس.

كما يدعو المجلس العلمي الأعلى إلى منح الخطباء مزيدا من الحرية لتجديد أساليبهم وتطوير خطاب المنبر، وتنويع أساليبه وموضوعاته، دفعا للملل والرتابة، وكذلك إلى اختيار الموضوعات الحية التي يتجاوب معها الناس.

الكلمات المفتاحية