تركيا تدق جرس إنذار.. هل يخطط نتنياهو لاحتلال أجزاء من سوريا والعراق؟

الأطماع الصهيونية لا تقتصر على سوريا وقد وضعت الأراضي التركية ضمن مخططاتها
في تصريحات متتالية، أبرزها يوما 9 و14 أكتوبر/تشرين أول 2024، حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من "خطر تحرك إسرائيلي نحو دمشق"، وسعي الاحتلال للسيطرة على العاصمة السورية.
قال إن الأطماع الصهيونية لا تقتصر على سوريا، ولكنها "وضعت الأراضي التركية ضمن مخططاتها بعد فلسطين ولبنان"، ضمن "وهم الأرض الموعودة".
وهنا دعا أردوغان إلى تعاون ثلاثي بين روسيا وسوريا وإيران، مع تركيا، لإجهاض هذه الخطط.
تزامن هذا مع توغل قوات إسرائيلية بعربات مصفحة ودبابات إلى داخل سوريا يومي 11 و13 أكتوبر 2024، وقضم قطعة أخرى من أراضيها عبر التجريف وبناء منطقة عازلة داخلها، وسط صمت سوري مريب.
كما تزامن مع أنباء عن بدء تنفيذ خطة إسرائيلية، بدعم أميركي، لتفعيل ما يُسمى "ممر داود"، المخطط له أن يصل الجولان بالفرات (العراق).
بحيث يبدأ من الجولان، ويشق طريقه إلى الداخل حتى يصل لمناطق سيطرة الأكراد على حدود سوريا والعراق.
وينبع نهر الفرات من تركيا ويسير في أراضيها ويتابع طريقه في الأراضي السورية ومن ثم العراقية وينتهي به المطاف في الخليج العربي بعد أن يتحد مع نهر دجلة، ما يعني أن الأطماع الإسرائيلية لا تستثني أنقرة.
طرح هذا تساؤلات عما إذا كانت هناك خطط توسع صهيونية تطمع في سوريا والعراق بدأ تنفيذها، بعد غرور القوة الذي تبع اغتيال قادة حزب الله، وحديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن "شرق أوسط جديد"؟
وهل يسعى تيار الصهيونية الدينية في إسرائيل، والذي يعد بتحقيق حلم "إسرائيل الكبرى" لإحياء هذه الخطة القديمة لضم أجزاء من دول عربية مستغلا أجواء الحروب الحالية؟
مؤشرات المخطط
وبالتزامن مع النشوة الإسرائيلية عقب اغتيال قادة من حزب الله، وحديث نتنياهو أن أذرع جيشه ستنال الجميع، أرسل جنوده ليحتلوا قطعة من أرض سورية على مرأى جنود الأسد، ولم يرد الأخير أو تذكر صحف النظام ذلك.
ففي 12 أكتوبر 2024 توغلت قوة إسرائيلية مصحوبة بعربات مصفحة إلى داخل الأراضي السورية في ريف القنيطرة الجنوبي، وعملت على تجريف أراضٍ زراعية قرب بلدة "كودنة"، بجانب تل الأحمر الغربي في ريف القنيطرة الجنوبي.
وقالت مصادر لقناة الجزيرة القطرية إن عملية التجريف تمت على امتداد 500 متر بعرض ألف متر، ثم جرى ضم المنطقة لإسرائيل عبر وضع شريط شائك.
لاحقا، كشفت وكالة "الأناضول" التركية 13 أكتوبر أن دبابتين إسرائيليتين وجرافات إسرائيلية مدرعة، اجتازوا الخط الفاصل مع سوريا وتمركزوا قرب قرية كودنة بريف القنيطرة، بعد تشكيل سواتر ترابية في المنطقة.
ونقلت وكالة "رويترز" البريطانية في 15 أكتوبر عن مصادر أمنية ومحللين أن قوات إسرائيلية أزالت ألغاما أرضية وأقامت حواجز جديدة على الحدود بين هضبة الجولان وشريط منزوع السلاح على الحدود مع سوريا.
ويُعتقد أن هذا له علاقة بخطط توسعية إسرائيلية أو للتصدي لهجمات حزب الله وجماعات أخرى على الجولان بعد إطلاق مسيرات على جيش الاحتلال.

وفي 29 سبتمبر/أيلول 2024 أشار الكاتب ديمتري نيفيدوف، في تقريره بموقع "المركز الروسي الإستراتيجي للثقافات"، إلى أن الهدف التالي لتل أبيب بعد لبنان وغزة سيكون سوريا، من أجل جعل حلم "إسرائيل الكبرى" واقعا ملموسا.
وأشار إلى أن الاعتداءات المتكررة من إسرائيل على سوريا في دمشق وحمص وحماة وحلب، تؤشر على ذلك.
أيضا ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية 5 أكتوبر 2024 أن إسرائيل "تخطط للتحرك ضد المجموعات المسلحة في العراق"، بعد مقتل جنديين وإصابة آخرين باستهداف طائرة مسيرة بالجولان المحتل.
ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية في نفس اليوم، عن "مصادر موثوقة" أن ضباطا كبارا في الجيش العراقي أبلغوا قادة فصائل الحشد الشعبي بأن الضربة الإسرائيلية باتت أقرب من أي وقت مضى، وقد تستهدف 35 هدفا للمليشيا المذكورة.
وقد توقع مدير عام مركز لندن للإستراتيجية الإعلامية “أحمد رمضان” انتقال الحرب إلى سوريا والعراق خلال أيام.
أشار في تغريدة على منصة إكس، إلى أن الهدف في سوريا سيكون الفرقة الرابعة التي يتزعمها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري.
إذ يريد الاحتلال وفق قوله تصفية قيادة الفرقة المسؤولة عن تجارة الكبتاغون في المنطقة، بالتعاون مع الحرس الثوري، مبينا أن رئيس النظام بشار الأسد مختبئ وتحميه قوات روسية.
أما في العراق فستستهدف إسرائيل "الحشد الشعبي"، أي الفصائل الولائية المحسوبة على إيران، لتدمير مقر قيادتها جنوب بغداد، وقد أُبلغت عناصر قيادية بأنها باتت هدفا، وهناك اختراق معلوماتي عنها، وفق "رمضان".
وتوقع توجيه ضربات جوية لمعسكرات ومليشيات تابعة لطهران في سوريا والعراق، واستهداف ضباط أمنيين وعسكريين.
جرس إنذار
وقد تزامنت هذه الهجمات والتحركات الإسرائيلية المشبوهة، مع تصاعد تحذيرات من جانب الرئيس التركي من احتلال إسرائيلي قادم لدمشق، وتحذيره من أطماع إسرائيلية.
قال إن أطماع إسرائيل لا تقتصر على غزة أو لبنان ولكنها تمتد لسوريا والعراق وتركيا ضمن خطط التوسع الصهيونية.
أكد يوم 9 أكتوبر 2024 أن "إسرائيل تعلن بوضوح نواياها لاحتلال دمشق بعد لبنان".
وقال إن احتلال إسرائيل لدمشق "سيؤدي إلى تمزيق خريطة سوريا بالكامل ويشكل تهديدا إقليميا خطيرا".
وذلك لأن وصول قوات إسرائيل إلى حدود تركيا يعني تهديد أمن أنقرة والمنطقة عموما.
ولكن أردوغان شكك بجدوى المخططات الاستعمارية التي تسعى إليها إسرائيل بمنطقة الشرق الأوسط، قائلا إن "وهم الأرض الموعودة مصيره خيبة أمل وسيمنى بهزيمة كبيرة".

وبالتزامن مع تحذيرات أردوغان، قالت وسائل إعلام تركية إن هناك تقديرات لدى جهاز المخابرات التركي أن إسرائيل ستهاجم سوريا عبر الجولان لتفتح ممر داود الذي سيصلها بالعراق.
قناة "سي إن إن" الأميركية - النسخة التركية أشارت لهذا المخطط، وذكرت في 13 أكتوبر 2024 أن تركيا تحاول التفاهم مع نظام الأسد للتصدي لهذه الخطط.
أوضحت أن تركيا عرضت على دمشق التعهد بسحب قواتها من سوريا، لو لجمت الأخيرة حزب العمال الكردستاني وأفرعه، مع إنشاء دستور ودولة مؤسسات بالتوافق بين النظام والمعارضة.
وركزت هذه التقارير على تعهد تركيا في حال إتمام المصالحة السورية، بحماية أراضي سوريا من أي تهديد وتقسيم (إسرائيلي) لها.
وفي 8 أكتوبر 2024 اجتمع البرلمان التركي في جلسة مغلقة لمناقشة تحذيرات أردوغان من امتداد الحرب في الشرق الأوسط، وخطط إسرائيل للتعدي على الأراضي التركية بعد لبنان.
ممر داود
ويقصد بممر "داود"، الممر الذي يربط إسرائيل بالعراق وكردستان عبر سوريا، وهي خطة توسعية صهيونية قديمة لكن يجرى إحياؤها عن طريق الطبقة الحاكمة من تيار الصهيونية الدينية في تل أبيب مستغلة الحروب الحالية.
ويقول المحلل السياسي السوري "محمد هويدي" إن ممر "داود" هو مشروع تعمل عليه الولايات المتحدة منذ عام، وكان يُطلق عليه "مشروع الإقليم السني".
وهو يمتد من شرق الفرات إلى غربه، مرورًا بمنطقة 51 وبقاعدة التنف، وصولا إلى الجنوب السوري والتقاء بالجولان، ما يعني إغلاق معبر البوكمال وما يليه من تغييرات.
لكن "هويدي" أكد أن هذا المشروع فشل لعدة عوامل، أهمها عدم تجانس المليشيات على الأرض؛ حيث يوجد تضارب في المشاريع والأيديولوجيات والرؤى.
فضلا عن عملية "طوفان الأقصى" التي خلطت الأوراق ثم ثورة العشائر ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وهو تنظيم كردي موالٍ لأميركا في سوريا.
ويوضح أن إسرائيل تسعى حاليا لإحياء نفس هذا المشروع مرة أخرى، رغم فشل أميركا في تحقيقه.
ويقول الصحفي التركي "محمد أردوغان" إن هدف إسرائيل من ممر داود هو إنشاء الأرض الموعودة لبني إسرائيل.
وللوصول الى هذا الهدف تستخدم دولة الاحتلال المنظمات المسلحة (مثل بي كاكا وقسد) لتقسيم الدول وضمن هذه الدول هي تركيا، وفق تقديره.
أكد أن تركيا قطعت ممر الشمال السوري الذي كانت من خلاله تصل لمنظمة بي كاكا المسلحة، المدعومة من المحتل الإسرائيلي، إلى منفذ البحر المتوسط.
فبدأ المحتل الاسرائيلي بتنفيذ "المخطط" الثاني وهو تفعيل "ممر داود" بدعم من القوات الأميركية الموجودة في سوريا.
لذا دعا الكاتب التركي إلى "تدمير ممر داود الذي يعد الخطة البديلة الثانية للمحتل الاسرائيلي" لأن هذا الممر هو الذي يُزود به المحتل الاسرائيلي السلاح لمنظمة بي كاكا في الشمال السوري، كما قال.
ويبدأ الممر من الأراضي المحتلة في الجولان ويمتد الى المدن السورية التي يوجد بها الجيش الأميركي حتى شمال سوريا، حيث يوجد هناك الفرع السوري لمنظمة بي كا كا المسلحة الكردية ويصل إلى العراق.
إسرائيل الكبرى
وبالتزامن مع هذه الخطط الإسرائيلية والتسريبات المتعلقة بممر داود، استحضرت تقارير صحفية تصريحات قديمة لوزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف "بتسلئيل سموتريتش" عن احتلال أراضي سوريا والأردن، والتوسع في الشرق الأوسط حتى تركيا.
وزعم الوزير المنتمي لـ "الحركة الصهيونية الدينية" في تصريحات للقناة الثانية الإسرائيلية عام 2016، أنه سيتم بناء الهيكل المزعوم على أنقاض الأقصى قريبا وأن القدس يجب أن تمتد حتى دمشق، وأن على إسرائيل الاستيلاء أيضا على شرق الأردن.
وحين حذر أردوغان من أن هدف هذا المشروع التوسعي الصهيوني هو تركيا، اضطر الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، لنفي ما قاله سموتريتش.
وزعم أنهم يكنون احتراما كبيرا للشعب التركي، وأن بلاده لم يكن لديها أبدا أي خطط ضد تركيا، بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 13 أكتوبر 2024.
وسبق أن ظهر سموتريتش، خلال خطاب ألقاه في 19 مارس/آذار 2023، بالعاصمة الفرنسية باريس، وأمامه منصة عليها خريطة متداخلة بين فلسطين والأردن، في إشارة إلى أنهما ضمن إسرائيل.

وتستند هذه الخريطة إلى شعار "الأرغون" التابع "للمنظمة العسكرية الوطنية في أرض إسرائيل"، وهي جماعة مسلحة تطالب بأن تكون فلسطين التاريخية والمملكة الأردنية، دولة يهودية يطلق عليها اسم "إتسل".
وتعود خطط "إسرائيل الكبرى" إلى ما قبل نشأة الكيان عام 1948، لكن الحديث عن تنفيذها بدأ يتردد على لسان نتنياهو ووزراء حكومته.
نتنياهو أكد على نظرته للحروب المتوالية التي يقودها على أنها "قيامة ستؤدي بنهاية المطاف إلى القضاء" على الخصوم، وبناء "إسرائيل الكبرى".
وقال خلال مؤتمر صحفي في 18 يناير/كانون الثاني 2024 إنه "في المستقبل، يجب على إسرائيل السيطرة على المنطقة بأكملها من النهر إلى البحر".
وكرر نتنياهو هذه الأفكار وهو يطرح خططا عن "الشرق الأوسط الجديد" خلال حديثه أمام الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 سبتمبر 2023، ثم في نفس الشهر من عام 2024، مدعيا أن إسرائيل هي التي ستشكله بالقوة والهيمنة.
والسعي لإقامة "إسرائيل الكبرى" هو الهدف الأيديولوجي المركزي لحزب نتنياهو (الليكود)، الذي هيمن على السياسة الإسرائيلية منذ عام 1977.
وجرى تكريس الالتزام تجاه إسرائيل الكبرى في القوانين الأساسية عام 2018، عندما أقر الكنيست (البرلمان) قانون "الدولة القومية للشعب اليهودي".
وينص هذا القانون على أن الحق في تقرير المصير "فريد من نوعه بالنسبة للشعب اليهودي"، وأن "الدولة تنظر إلى تطوير الاستيطان اليهودي على أنه قيمة وطنية، وتعمل على تشجيعه وتعزيزه".
وهذا الالتزام هو أحد المبادئ التوجيهية للحكومة الإسرائيلية الحالية، التي ذكرت في تصريحات عدة أن "الشعب اليهودي له حق حصري وغير قابل للتصرف في جميع أنحاء أرض إسرائيل، بما في ذلك الضفة الغربية وغزة".
ويظهر شعار "الأرض الموعودة"، على زي الجنود الإسرائيليين، كما تظهر الخريطة أيضا على العملة الإسرائيلية.
وتشمل الخريطة كل فلسطين، ومساحات شاسعة من أراضي الدول المجاورة، بما في ذلك الأردن وفلسطين ولبنان وأجزاء من سوريا والعراق ومصر.
وعلقت مقررة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في فلسطين، فرانشيسكا ألبانيزي بأن "فكرة إسرائيل الكبرى تغذي أيديولوجية نتنياهو".
وانتقدت في تصريحات لقناة "تي آر تي وورلد" التركية 11 أكتوبر 2024 احتكار هذه الأيديولوجية، الحق في الوجود على أرض فلسطين التاريخية للإسرائيليين فقط.
وأكدت أن العديد من الساسة الإسرائيليين يتحدثون علنا عن حقيقة مفادها أن إسرائيل الكبرى يجب أن تشمل أجزاء من العراق ولبنان والأردن والسعودية.