إحراق ضريح حافظ الأسد يثير الجدل.. وناشطون: النظام سباق بجرائمه

سجل حافظ الأسد مليء بالجرائم وأبرزها مجزرة حماة عام 1982
أثير جدل واسع بين مؤيد ومعارض، بعد إضرام النار في ضريح رئيس النظام السوري الأسبق حافظ الأسد في مدينة القرداحة بمحافظة اللاذقية شمال غرب البلاد.
وجاءت هذه الحادثة التي نفذها مقاتلون سوريون في 11 ديسمبر/كانون الأول، بعد يوم واحد من سيطرة قوى الثورة السورية على اللاذقية، مسقط رأس عائلة الأسد.
ناشطون سوريون وعرب تداولوا على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو مصورة تظهر أفرادا مسلحين يعبرون فيها عن غضبهم بعد إحراق ضريح حافظ الأسد وسط تعالِي أصوات التكبيرات وتصاعد أعمدة الدخان.
وقال "المرصد السوري لحقوق الإنسان" في 11 ديسمبر، إن الحادثة وقعت على يد "مسلحين ينتحلون صفة إدارة العمليات العسكرية في مدينة القرداحة، وتسببوا في إلحاق الأذى النفسي للمواطنين، إضافة إلى الاعتداء على الأضرحة والقبور".
والتقى وفد من إدارة العمليات العسكرية التابعة لفصائل المعارضة السورية، بشيوخ العشائر في منطقة القرداحة العلوية، للحصول على دعمهم في إعادة الأمن والاستقرار في المنطقة ونزع السلاح وتسليم المطلوبين من رموز الإجرام، -وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان-.
وانقسم ناشطون حول واقعة حرق قبر الأسد الأب؛ إذ رأى فريق أنه رد فعل طبيعي على كل الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين وما أورثه من ديكتاتورية واستبداد وقمع وتنكيل بالسوريين، بينما رأى آخرون أن هذا الفعل يفقد الثورة أخلاقها، فيما التزم فريق ثالث من الناشطين الحياد.
وعبر تغريداتهم على منصتي "إكس"، "فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #حافظ_الأسد، #ردع_العدوان، #سوريا_حرة، وغيرها، أعرب ناشطون عن تفهمهم لإحراق قبر رئيس النظام الأسبق وما يمثله من رمزية انتصار للسوريين بعد دحر نظام نجله بشار في 8 ديسمبر وفراره إلى موسكو.
سجل إجرامي
وحافظ رئيس النظام السوري الأسبق، كان وزيرا للدفاع ثم انقلب على الحكم عام 1970، وبقي فيه حتى وفاته في 10 يونيو/حزيران 2000، عن عمر ناهز الـ70، وخلفه في الحكم ابنه بشار، واحتفظت عائلة الأسد الاستبدادية بالسلطة لأكثر من 5 عقود.
وُلِد حافظ الأسد في 6 أكتوبر/تشرين الأول 1930، في بلدة القرداحة بمحافظة اللاذقية لأسرة علوية، وتخرج في الأكاديمية العسكرية بحمص والأكاديمية الجوية بحلب، وشغل منصب قائد القوات الجوية ثم وزير الدفاع قبل تسلّمه السلطة في الانقلاب الذي قاده عام 1970.
وانقلب على الحكم وبدأ حملة اعتقالات في صفوف المعارضين، ومن ثمّ أقر دستورا جديدا عام 1973، منح فيه نفسه صلاحيات واسعة، وجعل السلطة التنفيذية والقضائية والتشريعية بيده.
ويمتلك حافظ الأسد سجلا حافلا بالجرائم والخيانات والتفريط في الأرض، أبرزها إعلانه في 10 يونيو 1967، حين كان وزيرا للدفاع، سقوط القنيطرة والجولان لصالح الاحتلال الإسرائيلي قبل احتلالها فعليا.
وتسبب إعلان حافظ الأسد في فقدان سوريا لهذه الأرض الحيوية وتعرض لاتهامات بالخيانة الوطنية؛ حيث أسهم في إشاعة فوضى في صفوف القوات السورية التي انسحبت من مدينة القنيطرة قبل وصول أي جندي إسرائيلي إليها.
وأدى ذلك الإعلان الخاطئ إلى وصول الإسرائيليين دون عوائق إلى القنيطرة، واستيلائهم عليها، فاتخذوها ميدانا للتدريب.
وخلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، تخلّى حافظ الأسد عن دعم الجيش العراقي الذي أنقذ دمشق وكان على وشك التقدم نحو تحرير الأراضي المحتلة، ما عُدّ خيانة للأهداف العسكرية المشتركة.
وتدخل في الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976، وارتكب جيشه مجازر، بما في ذلك مجزرة تل الزعتر التي استهدفت الفلسطينيين، حيث دعم جهات لبنانية موالية للاحتلال الإسرائيلي ضد منظمة التحرير الفلسطينية.
وارتكب حافظ الأسد مجزرة في سجن تدمر الصحراوي الذي يضم سجناء الرأي والمعارضين والسياسيين، انتقاما من جماعة الإخوان المسلمين عقب محاولة اغتياله في 26 يونيو 1980، حين كان يودع نظيره النيجيري حسين كونتشي على باب قصر الضيافة في حي أبو رمانة بالعاصمة دمشق.
ونفذت المجزرة سرايا الدفاع التي يقودها رفعت الأسد شقيق حافظ في 27 يونيو 1980 خلال 3 ساعات، وراح ضحيتها نحو 1200 معتقل وفق تقديرات حقوقية، ودفنت الجثث في وادٍ صحراوي.
كما ارتكب حافظ الأسد مجزرة في مدينة حماة في فبراير/شباط 1982، وذلك بشن حملة إبادة جماعية على المدينة استمرت 27 يوما بهدف القضاء على المعارضة، ما أسفر عن مقتل نحو 40 ألف شخص وأكثر من 17 ألف مفقود، وتدمير أجزاء كبيرة من المدينة.
وحاصر الأسد الفلسطينيين في طرابلس اللبنانية عام 1983 عبر الحصار والهجمات، مما أدى إلى تهجيرهم وتفاقم معاناتهم، وشن حرب المخيمات 1988، وتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي في 1982، وشارك ضمنيا في حصار بيروت مع إسرائيل، مما أدى إلى إضعاف المقاومة الفلسطينية.
عدالة إلهية
وتعقيبا على إحراق قبر حافظ، قالت الإعلامية صبا مدور: “لا شك أن المجرم بشار الأسد وأبناءه وكذلك أخوه ماهر وأخته بشرى، شاهدوا تفجير قبر والدهم المجرم ويتابعون عبر هواتفهم من جحورهم كل احتفالات الشعب السوري والعالم بسقوطهم”.
وأضافت أنهم يدركون جيدا أن لا المليارات التي سرقوها ولا الهروب إلى أقاصي الأرض سيمنحهم الأمان من مصير مشابه لجدهم المجرم، ولا سيبعد حوبة ودعوات ملايين الضحايا الذين عاشوا وماتوا تحت ظلمهم وقهرهم.
وأكدت مدور، أن “الرعب سيلازم عائلة الأسد القذرة فردا فردا في كل مكان، سيعيشون حياة الجرذان مختبئين مذعورين من ظلالهم وخدمهم إلى أن تصلهم يد العدالة بأوجهها المختلفة وستصل.”
وعرض الصحفي السوري هادي العبدالله، مقطع فيديو له من أمام قبر حافظ الأسد، قائلا إن "قمة العدالة الإلهية في الدنيا، أن نصل إلى ضريح المقبور في القرداحة لنقول له: عاشت سوريا ومتت.. عاشت سوريا حرة أبية رغما عنك وعن كل عائلتك".
وأعاد رسام الكاريكاتير عمار آغا القلعة، عرض فيديو العبدالله، قائلا إن قمة العدالة الربانية أن يدخل الشعب السوري إلى مبنى قبر حافظ الأسد المجرم، وراية الثورة السورية العظيمة، مقدما الشكر لهادي العبد الله؛ لأنه قال ما في القلوب.
وأعرب أستاذ الأخلاق السياسية محمد المختار الشنقيطي، عن شماتته في حرق قبر حافظ الأسد الذي أحرق هو وابنه بشار مئات الآلاف، وأحرقا قلوب الملايين.
وتمنى من الثوار الأحرار “المحافظة على هذا المبنى الجميل الذي شيد بأموال الشعب، وتحويله معرضا لصور شهداء الثورة”.
وعد الناقد السياسي الساخر محمد شازار، إحراق قبر حافظ الأسد “يوما تاريخيا لكل سوري حر”.
وأكد سهيل نظام الدين، أن ما حرق ليس قبر حافظ الأسد، وإنما بالواقع ما جرى حرقه هو "معبد الإذلال" المبني حوله.
رفض واستهجان
في المقابل، أعرب ناشطون عن رفضهم لإحراق قبر حافظ الأسد وعدوه أمرا لا يمثل أخلاق الإسلام والثورة السورية.
وأوضح عماد درويش، أن حرق قبر حافظ عمل فردي لا يمثل كل الشعب السوري، وإنما يمثل فقط من نالهم عذاب آل الأسد، ومن تم قصف بيته وقتل أهله وتشريد أبنائه، ومن سجن له أخ أو فقد قريب، ومن ينتظر إلى الآن اكتشاف سجن تحت الأرض أو مقبرة في مكان ما حتى يعرف مصير أهله.
النظام سبّاق
وسخر ناشطون ممن انتفضوا رفضا لحرق قبر حافظ الأسد، وذكروا بأفعال مشابهة ارتكبها النظام السوري ولم يستنكرها عليه أحد أو يندد بها أو يصنفها أعمالا غير أخلاقية أو غير مشروعة.
وأشار خليل الراشد، إلى أن النظام السوري، نبش قبر سيدنا خالد بن الوليد، وعمر بن عبدالعزيز، وأهانوا قبر معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم جميعا، كما نبش قبور السوريين.
وسخر قائلا: "عندما وصل الأمر إلى قبر الهالك حافظ الأسد نزل عليهم الإيمان فجأة وتذكروا وصايا الإسلام وأصبحوا من أهل الدين والإيمان"، مضيفا: "هولاء هم المنافقون".
واستنكر أحمد مصطفى، على من يتساءلون: "هل حرق قبر حافظ الأسد من الإسلام"، متسائلا: “مذابح حماة في عهده كانت من الإسلام، قتل أكثر من مليون سوري كان من الإسلام، تشريد أكثر من نص الشعب من الإسلام؟”
وذكرت المغردة صالحه، بأن حافظ الأسد هدد بنبش قبر شيخ الإسلام ابن تيمية وصلب جثمانه لإهانة أهل السنة، ولكن الملك فهد علم بذلك وتدخل بذكاء بعدما وصله الخبر فطلب من سفيره في سوريا زيارة القبر مع أعضاء من السفارة.
وأوضحت أن ما فعله الملك فهد، أحرج السلطات في ذلك الوقت وغضّت النظر عن إزالته، قائلة: "دارت الأيام واليوم نشوف قبر حافظ يحترق ويُهان أمام الملأ".
وعرض أحمد الرافعي، مقطع فيديو يوثق سلوك عصابة السفاح حافظ الأسد ومن بعده ابنه، حيث نبشوا القبور وشربوا الخمور في جماجم الشهداء.
وتساءل: “وين كنتوا يا جماعة يا اللي محروق قلبها على قبر المجرم حافظ الأسد شو رأيكم في هذه الأعمال الشيطانية؟”
وقال الناشط عمر مدنية: "أكثر ما يضحكني هم أتباع الحشد وحزب اللات -في إشارة إلى حزب الله- الذين يتباكون على قبر حافظ الأسد، وهم الذين ذهبوا إلى قبر معاوية رضي الله عنه في سوريا وقاموا يضربون القبر بالأحذية".
وذكر أحد المغردين، بأن عناصر ومليشيا النظام السوري وإيران عندما كان ينبشون قبور السوريين، وبلغ بهم نبش قبور رموز إسلامية تاريخيّة كالخليفة عمر بن عبدالعزيز وخالد بن الوليد، كان جميع من ينبح اليوم على حرق قبر الهالك حافظ الأسد في وضع الصامت، قائلا: "موتوا بغيضكم".
مسوّغات للفعل
ولجأ ناشطون لاستخدام لغة هادئة في التعامل مع الحدث، وأعربوا عن تفهمهم لغضب السوريين، وحذروا من استغلال أفعالهم، وقدموا تفسيرات وتحليلات ومسوغات لتصرفاتهم ودوافعهم لإحراق قبر حافظ الأسد.
وقال الخبير الاقتصادي مراد علي: "لا أرى حرق الضريح عملا جيدا ولا أستسيغه، ولكني أتفهم جيدا مشاعر أهلنا في سوريا الذي شردهم حافظ وابنه المجرم بشار".
وأضاف: “أتخيل مشاعر الغل داخل وجدان كل شاب قُتل أبوه، أو اُغتصبت أخته، أو سُرق بيته، أو عاش الأهوال في سجن صيدنايا الرهيب.. ألا لعنة الله على الظالمين.”
وروت إيمان عز الدين، أن الفضول أخذها لتعرف لماذا يبحث السوريون عن قبر حافظ الأسد ليحرقوه رغم أنهم كسروا كل التماثيل وأسقطوا الحكم، فضلا عن صعوبة إيجاد قبر الرئيس في أي بلد.
وأوضحت أن قبر حافظ الأسد كان يتعامل كهخ كأنه قبر نبي، وله زيارات مستمرة من طلبة ونقابات وسياسيين، مشيرة إلى أن القبر مصمم بعمارة فخمة وتوحي بالهيبة من الخارج والداخل وكأنه قصر وليس قبرا.
وقالت عزالدين: "كان النظام السادي يقتل السوريين ويشحنهم بالغصب لزيارة قبر اللي ظالمهم و الجهر بالدعاء له و قراءة الفاتحة أمام الكاميرات"، عارضة نماذج من أخبار من نوعية "قراءة الفاتحة على ضريح القائد الخالد حافظ الأسد، بمناسبة ما تسمى الحركة التصحيحية".
ولفتت إلى أن الشيوخ البارزين كانوا يزورون ضريح حافظ الأسد في الأعياد، ويتم تصوير هذه الزيارات على الإعلام الرسمي ويبدأ المفتي وصلة "تشبيح" للأسد الأب والابن.
وعرض رئيس تحرير صحيفة المصريون جمال سلطان، مقطع فيديو لسوري ذهب إلى قبر حافظ الأسد وانفجر فيه بالشتائم والتوبيخات، مبررا له فعله بأنه يحمل كَبْت السنين، والقهر والعذاب الذي تراكم على القلب وطال أمده وألمه.