سلة غذاء العالم تعاني من الجفاف.. كيف يؤثر سد النهضة على السودان؟

داود علي | منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

مقطع فيديو قصير لمواطن سوداني وسط أرضه القاحلة، يتحدث عن النيل الأزرق، وفي خلفيته جفاف واضح لنهر النيل، أثار تفاعلا كبيرا بعد تحسره على ما يجري من تدهور مائي بفعل الملء المستمر لسد النهضة الإثيوبي.

 وفي المقطع الذي نشر في 23 سبتمبر/أيلول 2023، قال المواطن السوداني وهو يتحسر إنه بسبب "سد النهضة"، يظهر بشكل واضح الطمي الأسود الموجود في النيل بعد جفافه، وهو ما زاد الخوف في السودان ومصر.

ودعا هذا الوضع أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي، إلى أن يكتب عبر حسابه بموقع "فيسبوك" قائلا: "عملية التخزين الرابع لسد النهضة خطر على مصر والسودان".

وفي 10 سبتمبر 2023، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، نجاح ملء الجولة الرابعة من سد النهضة، وعدت الخارجية المصرية، هذا الإعلان "انتهاكا جديدا من أديس أبابا وعبئا على المفاوضات المستأنفة بينهما"، أخيرا.

وشهدت العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، في 23 سبتمبر، انطلاق جولة ثانية من مفاوضات جديدة بشأن سد النهضة، وذلك بعد تجميد استمر أكثر من عامين، تحديدا منذ أبريل/ نيسان 2021، إثر فشل مبادرة للاتحاد الإفريقي في تقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث.

وتتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولا إلى اتفاق ملزم مع أديس أبابا بشأن ملء وتشغيل السد، لضمان استمرار تدفق حصتيهما المائية من نهر النيل، بينما ترفض إثيوبيا وتؤكد أنها لا تستهدف الإضرار بدولتي مصب النيل، مصر والسودان

توقف محطات الري

وأكد شراقي "أن مصر والسودان دخلتا دائرة الخطر الكارثي بعد انتهاء التخزين الرابع وحجز إثيوبيا حوالي 41 مليار متر مكعب من المياه"، لافتا إلى "أن هذا لم يحدث بالتاريخ حتى في سنوات الجفاف الكبرى".

كذلك أضاف أن معظم المناطق على طول النيل الأزرق والرئيس شمال الخرطوم تعاني من انخفاض إيراد النيل، ما أثر على ملايين المزارعين الذين يعتمدون على الزراعة الفيضية.

وشدد: "أما طبقا لمقاييس تقسيم السدود الخطرة فهو يعد (سد النهضة) من أشد السدود خطورة على حياة الإنسان".

وفي 8 سبتمبر كشفت صحيفة "الأخبار السودانية" الرسمية، عن تأثيرات خطيرة لاحتجاز كميات مياه غير مسبوقة على إيراد نهر الأزرق الواصل إلى السودان جراء ملء إثيوبيا لسد النهضة.

وذكرت أن ذلك أدى لجفاف بعض المناطق في السودان وتوقف السدود عن العمل بسبب نقص حاد في مياه النيل بسبب حجز مياه خلف سد النهضة.

وأشارت إلى أن منسوب محطة الديم الرئيسة في السودان بلغ 42 مليون متر مكعب يوم 6 سبتمبر كأدنى معدل في تاريخه على الإطلاق.

وذلك مقارنة بـ 595 مليون متر مكعب في نفس اليوم من العام 2022، و703 ملايين متر مكعب في نفس اليوم من عام 1988، و258 مليون متر مكعب في نفس اليوم من عام 1984. 

ونشر موقع "هيئة الثمانيات" السوداني عبر حسابه بموقع "إكس" (تويتر سابقا) في 3 سبتمبر، أن محطة مياه عطبرة القديمة خرجت عن الخدمة بسبب انحسار منسوب النيل.

إضافة إلى توقف بعض طلمبات الري على النيل الأزرق بالسودان وتراجع القدرات الكهربية لسد الروصيرص.

وذكر أن تدفق النيل الأزرق بالقرب من الحدود السودانية لا يمثل 10 بالمئة من إجمالي التدفق الطبيعي للنهر. 

نهاية الخرطوم 

ونشر موقع "دويتشه فيله" الألماني في 19 سبتمبر أن إثيوبيا احتجزت في موسم الفيضان الحالي على مدار 3 أشهر أكثر من 20 مليار متر مكعب.

بالإضافة إلى ما يقدر بـ 22 مليار متر مكعب خلال الثلاث سنوات الماضية، ما يعني أن إجمالي المياه المحتجزة بلغ أكثر من 40 مليار متر مكعب.

وأشار إلى أن هذه الكميات الكبيرة المخزنة من المياه أدت إلى انخفاض كبير في إيراد المياه الواصل إلى السودان ومصر بنسبة تزيد على 60 بالمئة.

وهو ما أدى إلى جفاف وتوقف وخروج بعض السدود في السودان تحديدا عن العمل.   

أما الخطر الأصعب الذي يواجه السودان، فتحدث خبير هندسة السدود عنه محمد حافظ، في تصريحات لقناة "الجزيرة" القطرية في 22 سبتمبر. 

وقال حافظ إن: "إثيوبيا من أكثر الدول المعرضة للزلازل في إفريقيا، ما يهدد مستقبل السد ويعرضه للانهيار".

وأتبع: "السودان المتضرر الأول من انهيار سد النهضة، لأن مصر قد تكون قادرة على مواجهة بعض آثار الكارثة حال انهياره، حيث السد العالي والمرافق المجاورة يمكن أن تسيطر على موجات المياه القادمة من الجنوب". 

وشدد: "لكن السودان الذي ستضربه الموجة الأولى من طوفان، ستنتهي مساحات شاسعة منه، وستمحى مدينة الخرطوم عن وجه الأرض، وسيكون نحو 20 مليون نسمة من أبناء الشعب السوداني الشقيق في خبر كان.

ويقع سد النهضة على بعد 20 كيلومترا من الحدود السودانية، ويبلغ ارتفاعه 145 مترا فيما يصل طوله إلى 1708 أمتار.

ويمكن أن يستوعب خزان سد النهضة 74 مليار متر مكعب من الماء، حال التمكن من ملئه بالكامل خلال 5 سنوات على أقل تقدير.

 

سلة غذاء العالم

وكانت وزارة الري المصرية أعلنت عن دراسة في 26 سبتمبر 2020، أعدها فريق يضم وزير الري محمد عبد العاطي، إضافة إلى الخبير بقطاع حماية النيل في وزارة الري عمرو فوزي.

كما شارك في الدراسة هشام العسكري أستاذ الاستشعار عن بعد وعلوم نظم الأرض بجامعة تشابمان الأميركية، إضافة إلى 4 باحثين بجامعات وهيئات دولية.

وبينت الدراسة أن تحليل البيانات، أكد تهديد الأمن المائي والغذائي للسودان وأن الأخير ليس بلدا ضئيل الحجم بكثافة سكانية قليلة، بل هو من أكبر الأقطار العربية بمساحة تصل إلى قرابة 2 مليون كلم، وعدد سكان يصل إلى 33 مليون نسمة.

ويمتلك السودان أراضي زراعية ضخمة، حتى إنه يسمى بـ "سلة غذاء العالم". ويعد القطن، والسمسم، والفول السوداني والصمغ العربي من أهم موارده الزراعية.

كما أن السودان الدولة الأولى في العالم المنتجة للصمغ العربي بنسبة تصل إلى 80 بالمئة من الإنتاج العالمي. 

وتصل الأراضي الزراعية ذات الترب الخصبة في البلاد بحوالي 200 مليون فدان، وكذلك يتميز السودان بثروة حيوانية ضخمة تجعله من أكبر أقطار إفريقيا امتلاكا لها. 

وتقدر هذه الثروة كالتالي: 26 مليون رأس من الأغنام، 25 مليون رأس من الماعز، 22.7 مليون رأس من الأبقار، 35 مليون رأس من الإبل، 35 مليون دجاجة.

ويتوافر في السودان ثروة سمكية كبيرة توجد بالمسطحات المائية المقدرة بحوالي 42 مليون متر مربع.

وفي 11 سبتمبر 2023، أوصت هيئة البحوث الزراعية السودانية بضرورة توفير تمويل مالي كبير للمشروعات المروية لتتمكن من سد النقص الذي قد يطال مناطق الزراعة المطرية، كما يحدث الآن في بعض المناطق التي عانت من تأخر الأمطار، والنقص الواقع بسبب الملء الرابع لسد النهضة. 

وأشارت الدراسة إلى أن السودان قد يتعرض لهزة كبيرة في أمنه الغذائي مع استمرار نقص المياه القادمة من النيل الأزرق، وتوقف العديد من محطات الري عن عملها. 

ثمن الفشل 

الناشط السياسي السوداني محمد نصر قال في تعليقه على النتائج التي يشهدها السودان نتيجة الملء الرابع لسد النهضة: "إن السودان يدفع ثمن خطيئة وخيانة الأنظمة السودانية المتعاقبة". 

وأضاف لـ"الاستقلال": "الجيش والمليشيات مشغولون الآن بحربهم ومعاركهم، بعدما أنهكوا الدولة، ولا أحد ينظر لسد النهضة أو إثيوبيا ومصير 40 مليون سوداني، مرتهن بسنوات عجاف قادمة ستأكل الأخضر واليابس". 

وأكد: "حتى يومنا هذا يتعامل النظام المتشرذم مع سد النهضة بمنطلق سياسي، ولم ينظر إلى مصلحة السودان وشعبه، تماما كما فعل نظام (عبد الفتاح) السيسي في مصر من قبل، والآن الشعبان يدفعان الثمن بعدما أصبح الأمر واقعا".

وتساءل: "هل الدولة السودانية حاليا قادرة على الدفاع عن نفسها، وهل سيتطور الأمر إلى حرب مثلا؟ وإن كان ذلك مستحيلا، وهل أي نظام في السودان قادر على اتخاذ إجراءات ضد إثيوبيا، وهل الخرطوم بوضعها الحالي قادر على حماية أمنه القومي والمائي أم لا؟".

واختتم حديثه مجيبا: "بالقطع لا فالسودان الآن في أسوأ عصور اضمحلاله ويشهد حربا أهلية وفشل للدولة، وهو ما استغلته إثيوبيا بشكل حاسم وسريع وأنجزت إرادتها، وما على السودانيين والأجيال القادمة إلى جني الثمار وتجرع العلقم".