"سودنة الدولة".. كيف زجّ رئيس وزراء العراق بعشيرته في مفاصل الحكومة؟

الاستقلال | منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بين الحين والآخر تثير أوامر التعيين التي يصدرها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، جدلا في الأوساط الشعبية والسياسية، لأنها تكاد تنحصر بعشيرته التي استحوذت على مفاصل مهمة في الدولة العراقية منذ تولي الأخير السلطة في أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وعلى مدار عام كامل من تسلم السوداني رئاسة الحكومة، زج رئيس الوزراء العراقي بعشرات الأشخاص من أبناء عمومته في مناصب حساسة، خلافا لنهج جميع رؤساء الحكومات في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، مذكّرا بما كان عليه النظام قبل ذلك.

ولعل آخر قرار حكومي صدر في هذا السياق هو إعفاء اللواء سعد معن من منصب مدير العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية، وتعيين اللواء أحمد السوداني بدلا عنه، بحسب أمر صدر عن وزير الداخلية العراقي، عبد الأمير الشمري، في 14 سبتمبر/ أيلول 2023.

"سودنة الدولة"

محمد شياع السوداني القادم من محافظة ميسان جنوب العراق، استقدم جميع المسؤولين والموظفين والعسكريين من ضباط ومراتب من عشيرة السودان المنتشرة في مسقط رأسه، وأعاد توزيعهم بين مناصب قيادية حساسة مرتبطة بمكتبه الخاص وبجهاز المخابرات.

وبلغ عدد حاملي لقب "السوداني" في مفاصل تنفيذية مهمة بمؤسسات الدولة العراقية، نحو 106 أشخاص، أغلبهم مرتبطون بمكتب رئيس الحكومة، وتوزعوا بين مناصب مستشار وعضوية السكرتارية والمستشارين، والمراسم، والمالية والعقود والحماية.

وباتت أمور إعادة تنصيب المنتمين لعشيرة السودان من اختصاص لجنة مصغرة يديرها مكتب محمد شياع السوداني، لكن التعيينات تكون بقرار من رئيس الوزراء شخصيا، إذ غالبا ما جرى تداول أوامر التعيين في منزله، حسبما أفادت به صحيفة "قريش" العراقية في 16 سبتمبر 2023.

ويدير جهاز المخابرات بشكل فعلي ويتمتع بجميع الصلاحيات، أحمد إبراهيم السوداني ابن عم رئيس الحكومة، وذلك بتعيينه مديرا لمكتب رئيس الجهاز، بعدما تولّى الأخير بنفسه منصب رئيس الجهاز مؤقتا حين أقال الرئيس السابق له، رائد جوحي في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

أيضا، عيّن السوداني قريبين آخرين له، هما اللواء سامي السوداني مستشارا لرئيس الوزراء لشؤون المنافذ الحدودية والجمارك، والفريق عبد الكريم السوداني سكرتيرا للقائد الأعلى للقوات المسلّحة (رئيس مجلس الوزراء نفسه).

وعين شقيقه عباس مديرا لمكتبه الخاص، الذي بات أحد صمامات الإمساك بشؤون "سودنة" المناصب، والذي يتحكم بجميع أمور رئاسة مجلس الوزراء، حيث باتت ملفات عقود الوزارات مكدسة على مكتبه وكذلك قوائم المرشحين لدورات عسكرية في خارج العراق.

وكذلك كلّف شقيقه عباس بمهمة الإشراف على وزارة النفط، وتحديدا في ما يتعلق بقسم العقود والاستثمارات والتوزيع.

وعلى الوتيرة ذاتها، جرى تعيين، علي كريم السوداني، سكرتيرا شخصيا بصلاحية مخاطبة الوزراء ورؤساء المؤسسات، وشقيق الأخير (حيدر) مديرا للمراسم الخاصة.

كما جرى تعيين حيدر محمد نجل شقيقة رئيس الحكومة كبيرا للموظفين في المكتب الخاص.

ونالت زينب كاظم السوداني منصب مديرة مديرية السكرتارية في مكتب رئيس الوزراء، فيما جرى تكليف طاهر السوداني وكيلا لوزارة الثقافة، ومنتظر السوداني بمنصب كبير في وزارة النفط.

وجرى تكليف أحمد شمري السوداني مشرفا عاما على مديريات الجوازات والجنسية والإقامة بدرجة مدير عام في وزارة الداخلية.

هذا فضلا عن تعيين كل من غزوان ومحمد وأثير السوداني بدرجة مديرين في جهاز المخابرات، إضافة إلى منح يعرب السوداني درجة مدير في جهاز الأمن الوطني.

"تعشير الحكومة"

وعن نهج رئيس الوزراء في زج أبناء عشيرته، يقول الكاتب والمفكر السياسي العراقي، غالب الشابندر، إن "السوداني كرّس نفس الخطأ في تعشير الحكومة، فهي اليوم حكومة عشيرة السودان بشكل واضح".

وأوضح الشابندر خلال مقابلة تلفزيونية في 12 ديسمبر 2022 أن "رئيس الوزراء نفسه سوداني، ورئيس المخابرات أحمد السوداني، ونائب القائد العام للقوات المسلحة مصطفى السوداني، والمسؤول عن المنافذ الحدودية أيضا سوداني، وأربعة من أقاربه سودانيون في مكتبه".

ورأى المفكر السياسي العراقي أن "ما يفعله السوداني خطأ كبير، وأنه من يدافع عن هذه الظاهرة يقول إن رئيس الوزراء لا يثق بغيرهم. فهل لا يوجد في هذا الشعب العظيم سوى أبناء عشيرة السودان؟"

وتابع: "محمد شياع السوداني مضى على وجوده في العملية السياسية أكثر من 10 سنوات، ويعرف كل شاردة وواردة فيها، ومن فشل أو نجح في السابق، لذلك عليه ألا يدع عشيرته تمضغ في أفواه الناس، مثلما حصل مع عشيرة صدام حسين (التكريتي) رئيس العراق السابق".

وبحسب صحيفة "قريش"، فإن "نوري المالكي (رئيس الوزراء الأسبق) زعيم ائتلاف دولة القانون، أعرب عن سخطه من سياسة الاستحواذ العشائري والعائلي التي يمارسها رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني".

وأوضحت أن "المالكي تحدث أمام مقربين له في الإطار التنسيقي الشيعي، أنه حكم دورتين (2006 إلى 2014) ولم يفعل الذي فعله السوداني في تسعة أسابيع".

غير أن المالكي عاد ليقول: "بعد ما يقرب من سنة على تولي السوداني المنصب ودخول المناصب في موجة ثانية من السودنة، فإن كل شيء سيتغير في لمح البصر، من دون أن يوضح مقصده"، وفقا للصحيفة.

وأشارت إلى أن "رئيس الوزراء انتبه إلى امتعاض الشركاء في الإطار التنسيقي الشيعي من سياسة (سودنة) مفاصل إدارة الحكومة والدولة، فأصدر تعليمات تقضي بمنع كتابة لقب السوداني في المخاطبات الرسمية مع أجهزة الدولة، كما منع استخدام اللقب ذاته في تقديم الطلبات".

من جهتها، قالت صحيفة "الأخبار" اللبنانية القريبة من حزب الله، خلال تقرير لها في 10 يناير/كانون الثاني 2023، إن أطرافا في الإطار التنسيقي رأت في تعيين السوداني أقاربه بمناصب حساسة، محاولة من رئيس الوزراء لإبقاء المواقع الأمنية الحسّاسة تحت سيطرته، تجنّبا لإغضاب الأميركيين.

وأشارت إلى أن قوى داخل الإطار التنسيقي احتجت على هذه التعيينات، ولا سيما مليشيا "عصائب أهل الحق"، بقيادة قيس الخزعلي، وتحديدا تعيين أحمد إبراهيم مديرا لمكتب رئيس جهاز المخابرات، وتنصيب اللواء سامي لشؤون المنافذ الحدودية والجمارك، والفريق عبد الكريم مستشارا أمنيا للقائد الأعلى للقوات المسلّحة".

السوداني يرد

وبخصوص كثرة الحديث المتداول عن تعيين الأقارب في مناصب مهمة، قال السوداني خلال مقابلة تلفزيونية في 31 يناير 2023 إن "المناصب والمواقع الأمنية والحساسة خارج أي استثمار أو تدخل سياسي وغير خاضعة للمحاصصة"، لافتا إلى أنها "تخضع لضوابط المهنية".

ولفت السوداني إلى أن "تعيينات الأجهزة الامنية تتم من خلال إجراءات مهنية صرفة بالتنسيق مع المسؤول المختص"، مشيرا إلى أن "المقترحات الأمنية التي تقدم لنا تدرس وتُقيم ويتخذ القرار".

ونوه رئيس الوزراء إلى "تطبيق نفس الإجراء في الأجهزة المدنية، حيث هناك معايير تطبق وفق الصلاحيات المتفق عليها سواء بين الوزير ومجلس الوزراء أو بين الدرجات الخاصة في البرلمان".

وأكد السوداني أن "جميع القوى السياسية أيدت التوجه الحكومي بأن تدار المواقع الأمنية من أشخاص مهنيين من داخل المؤسسة الأمنية وهذا متفق عليه"، لافتا إلى أن "الحديث عن تعيين أقارب غير صحيح، ومن يصرح بذلك عليه تقديم الأدلة".

ومحمد شياع صبار حاتم السوداني المولود عام 1970، الذي ينحدر من عشيرة السودان، متزوج ولديه أربعة أولاد، وحاصل على شهادة البكالوريوس في العلوم الزراعية من كلية الزراعة بجامعة بغداد وشهادة الماجستير في إدارة المشاريع.

عند بلوغه العاشرة من عمره في عام 1980 أعدمت السلطات العراقية والده وخمسة من أفراد عائلته لانتمائهم إلى حزب الدعوة الإسلامية الشيعي المحظور حينها.

وينتمي السوداني إلى "حزب الدعوة- تنظيم الداخل" وفي عام 1991 شارك مع الأحزاب الشيعية بالهجوم على مقار المؤسسات الحكومية والسيطرة عليها قبل أن تستعيدها السلطات، وبسبب الظروف الأمنية انتقل للسكن في بغداد لمدة ثلاث سنوات لحين إكمال دراسته الجامعية.

عُين السوداني عام 1997 في مديرية زراعة محافظة ميسان، حيث أوكلت إليه مناصب، منها مسؤول زراعة مدينتي "كميت" و"علي الشرقي" ومسؤول قسم الإنتاج النباتي، والمهندس المشرف في البرنامج الوطني للبحوث مع منظمة "الفاو" التابعة للأمم المتحدة.

بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003، جرى تنصيبه منسقا بين الهيئة المشرفة على إدارة محافظة ميسان و"سلطة الائتلاف المؤقتة" بقيادة الحاكم المدني الأميركي بول بريمر.

وفي عام 2004 تقلد السوداني منصب قائم مقام مدينة العمارة مركز محافظة ميسان وأكبر مدنها، ثم انتخب بعدها عضوا في مجلس محافظة ميسان كمرشح عن قائمة حزب "الدعوة الإسلامية" عام 2005 وأعيد انتخابه لعضوية المجلس ذاته عام 2009.

بعد فوز قائمة ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي رئيس حزب الدعوة الإسلامية عام 2009 في الانتخابات المحلية لمحافظة ميسان، والتي تعد واحدة من أغنى محافظات العراق بمواردها النفطية، جرى انتخاب السوداني محافظا لها في 21 أبريل/نيسان من نفس العام.

وتولى السوداني منصب وزير لأكثر من مرة، فقد كان وزيرا لحقوق الإنسان، ووزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية، ورئيسا لمؤسسة السجناء السياسيين (حكومية)، وكذلك شغل منصب وزير بالوكالة لوزارات عدة، هي: الصناعة والتجارة والمالية والهجرة والمهجرين والزراعة.

وأعلن السوداني تأسيس "تيار الفراتين" السياسي في يناير 2021، والذي فاز بثلاثة مقاعد في الانتخابات البرلمانية في أكتوبر من العام نفسه، وشغل منصب رئيس كتلته البرلمانية، والتي تنضوي ضمن قوى الإطار التنسيقي الشيعي الحليفة لإيران.