رفعوا علمها عقب انتصارات "قره باغ".. لماذا تزود إسرائيل الأذريين بالسلاح؟

إسماعيل يوسف | منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

رغم المساندة العسكرية التركية المعروفة، يرفع الجيش والشعب الأذربيجاني الأعلام الإسرائيلية في العروض العسكرية والشوارع، ما يثير تساؤلات عن مدى دعم تل أبيب لباكو في حربها ضد أرمينيا بإقليم قره باغ.

ففي خريف عام 2020، حررت أذربيجان عدة مدن وقرى ومستوطنات من الاحتلال الأرميني خلال 44 يوما من الاشتباكات، وانتهت الحرب بوقف إطلاق النار بوساطة روسية، أعقبه إطلاق محادثات لتطبيع العلاقات.

وحققت أذربيجان هذا النصر بمساندة قوية من طائرات "بيرقدار" التركية المسيرة، لكن رفعت أعلام إسرائيل إلى جانب العلم التركي والأذربيجاني خلال سبتمبر/أيلول 2023 لتثيرر تساؤلات عن مدى حضور تل أبيب.

وفي 19 سبتمبر 2023، أعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية، في بيان، إطلاق عملية ضد الإرهاب "بهدف إرساء النظام الدستوري في إقليم قره باغ".

وبعد يوم واحد، أعلنت الدفاع الأذربيجانية أن ممثلي السكان الأرمن في قرة باغ تقدموا بطلب عن طريق قوات حفظ السلام الروسية المتمركزة في المنطقة، تم بموجبه التوصل إلى اتفاق لوقف باكو عمليتها ضد الإرهاب في الإقليم.

كما جرى بموجبه كذلك تخلي المجموعات المسلحة الأرمنية غير القانونية والقوات المسلحة الأرمينية الموجودة في قره باغ عن سلاحها، وإخلاء مواقعها العسكرية.

اليهود والسلاح

خبراء وناشطون فسروا رفع أعلام إسرائيل خلال احتفال سكان العاصمة الأذربيجانية بالنصر في قره باغ، بقولهم إن السبب هو أن أذربيجان انتصرت في هذه المعركة واستعادت أرضها "بالسلاح الاسرائيلي".

أشار لهذا الأمر أيضا الصحفي الفلسطيني المتابع للإعلام العبري أحمد دراوشة عبر تويتر، مؤكدا أن لإسرائيل "حصة" في انتصار أذربيجان الأخير في "قره باغ" لذا من الطبيعي أن يرفع بعض السكان أعلامها، وفق تقديره.

وبين أنه منذ بداية العام 2023، حطّت 15 طائرة نقل في مطار عوفدا العسكري جنوبي إسرائيل، من بين 100 رحلة منذ عام 2016 لشحن الأسلحة الإسرائيلية إلى أذربيجان.

رفع الأعلام الإسرائيلية في العاصمة باكو ذات الأغلبية المسلمة الشيعية، له علاقة بأمرين مهمين.

الأول، أن إسرائيل منذ أن أقامت علاقات دبلوماسية مبكرة مع أذربيجان عام 1992 وهي تركز على الجانب العسكري ومد الأذريين بالسلاح، مستغلة حاجتهم لتحرير أراضيهم التي احتلتها أرمينيا والانفصاليون في قره باغ.

وأن تركيز عين تل أبيب على أذربيجان، له علاقة بالسعي لاستغلال أراضيها الملاصقة لإيران كمركز تجسس على طهران وقاعدة عسكرية تنطلق منها لتنفيذ عمليات استخبارية لتدمير مصانعها الحربية وبرنامجها النووي.

الثاني، أن أذربيجان بها جالية يهودية ضخمة وجزء منهم هاجر لإسرائيل والباقون يشكلون قاعدة دعاية كبيرة لتل أبيب في البلاد.

هذه الجالية اليهودية الأخيرة المتبقية بالقوقاز، في أذربيجان، بالمنطقة المعروفة باسم كراسنايا سلوبودا (المدينة الحمراء) ساعدت على تقوية هذه العلاقات بين الطرفين.

وخلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ديسمبر/كانون الأول 2016، أشاد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف "بالدور الفعال للطائفة اليهودية التي تعيش في أذربيجان في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين"، بحسب موقع الرئاسة الأذربيجانية.

كما ساعد بتطوير العلاقات، وجود يهود أوروبيين يعيشون في ذلك البلد، معظمهم في باكو، منذ أواخر القرن التاسع عشر، فضلا عن اهتمام تل أبيب بالوجود الديني والقومي في باكو عبر مجموعة "إسرائيل في أذربيجان" على تويتر.

العلاقات العسكرية

في 6 مارس/آذار 2023 كشف تحقيق أجرته صحيفة "هآرتس" العبرية، أنه على مدى السنوات السبع الماضية (من 2016 حتى 2023) هبطت 92 رحلة شحن تابعة لشركة طيران "سيلك واي" الأذربيجانية في قاعدة "عوفدا" الجوية.

و"عوفدا" هو المطار الوحيد في إسرائيل الذي يمكن من خلاله نقل السلاح الإسرائيلي للخارج، ما يشير إلى أنها رحلات لنقل سلاح لأذربيجان.

قالت إنه منذ شهر مارس 2023، جرى تسيير 11 رحلة جوية أخرى إلى أذربيجان، منها 5 رحلات في أسبوعين ليصل إجمالي الرحلات إلى 103 خلال 7 سنوات.

ووجد التحقيق أن عدد الرحلات الجوية ارتفع خلال فترات القتال ضد أرمينيا في قره باغ.

ورغم فرض إسرائيل رقابة عسكرية صارمة على صادراتها العسكرية، فقد كشفت وسائل إعلام عبررية وأجنبية بيع دولة الاحتلال لأذربيجان طائرات مسيرة عادية وأخرى انتحارية، وصواريخ باليستية، ومنظومات دفاع جوي، وتقنيات حرب إلكترونية.

وكان تقرير آخر لصحيفة "هآرتس" 13 سبتمبر 2023 أكد أن الصفقات قديمة وأن إسرائيل وأذربيجان وقعتا صفقة ضخمة عام 2011 بقيمة 1.6 مليار دولار.

وشملت بطارية من صواريخ باراك لاعتراض الطائرات والصواريخ، بالإضافة إلى طائرات بدون طيار من طراز Searcher وHeron من شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI).

ووفقا لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) لعام 2022، كانت أذربيجان ثاني أكبر وجهة لصادرات الأسلحة الإسرائيلية بين عامي 2018 و2022.

كما قال المعهد في 30 أبريل/نيسان 2021 إن صادرات إسرائيل الحربية لأذربيجان شكلت 17 بالمائة من إجمالي صادراتها من الأسلحة لذات العام.

وبين عامي 2016 و2020، اشترت أذربيجان 69 بالمائة من أسلحتها من إسرائيل، بحسب ذات المصدر.

وقد لعبت هذه الأسلحة، ولا سيما طائرات Harop الدقيقة بدون طيار وأنظمة اعتراض الصواريخ، دورا مهما في نجاح أذربيجان في حرب قره باغ عام 2020.

وفي هذه الحرب، قال مساعد رئيس أذربيجان، حكمت حاجييف، في مقابلة مع موقع "واللا" الإسرائيلي عام 2020، إن الجيش الأذربيجاني "يستخدم طائرات مسيرة هجومية إسرائيلية الصنع في المعارك".

وقبل أسبوع من بدء أذربيجان عمليتها العسكرية الأخيرة لاستعادة "قره باغ" كشفت صحيفة "هآرتس" 13 سبتمبر 2023 أن "باكو" اختبرت صاروخا إسرائيليا متقدما، هو "صاروخ باراك-8"، كما زادت عدد رحلات شحن السلاح الإسرائيلي، مع تصاعد التوترات في إقليم قره باغ.

ووقعت أذربيجان عدة صفقات مع شركات صناعية عسكرية إسرائيلية بينها "سولتام" لإنتاج قذائف هاون، ومنصات لإطلاقها، وشركة "تاديران" لتزويدها بوسائل اتصال، وهيئة "رفائيل" للصناعات العسكرية ببيعها قذائف صاروخية.

كما أرسلت هيئة الصناعات العسكرية الإسرائيلية مائة دبابة من طراز "ميركافا" و30 طائرة حربية إلى أذربيجان. وأنشأت فيها خطا لإنتاج الطائرات بدون طيار، وأسلحة مضادة للطائرات، وأنظمة دفاع مضادة للصواريخ.

ووقع الجانبان اتفاقية بشأن مشروع مشترك لصنع طائرات صغيرة بدون طيار، تمتلك الصناعات العسكرية الإسرائيلية 51 بالمئة من أسهمه.

وافتتحت "ألتا سيستمز" أكبر شركة إسرائيلية متخصصة في المعدات الدفاعية الإلكترونية فرعا ضخما لها في باكو يمكنها من التقاط صور بالغة الدقة، في أسوأ الظروف الجوية، وإطلاق نظام قمر اصطناعي يمكنه الوصول إلى محطات مهمة جدا بالنسبة لإسرائيل، خاصة إيران المجاورة.

ويشير تقرير لموقع "إسرائيل ديفنس" 4 ديسمبر 2017 حول الشراكة العسكرية بين باكو وتل أبيب، وآثارها على الأمن الإقليمي أن "الدولة اليهودية تعد الآن واحدة من أقرب الشركاء العسكريين لأذربيجان".

أوضحت أن إسرائيل "تعد واحدة من أقرب الشركاء العسكريين لأذربيجان، وتعد هدفا لصادرات الصناعة الدفاعية الإسرائيلية. 

ذكرت أن شركات الدفاع الإسرائيلية شاركت في تدريب القوات الخاصة ومهام الحراسة الشخصية لكبار المسؤولين في أذربيجان، وبناء أنظمة أمنية لمطار باكو.

كما عملت على تحديث معداتها العسكرية من الحقبة السوفيتية باعتقاد أن هذه الدولة "تعمل كمركز لعمليات جمع المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية ضد إيران".

قالت إنه نتيجة لمساهمة إسرائيل التي لا يمكن إنكارها في الجيش الأذربيجاني، ظهرت بعض المقالات والبيانات والتعليقات في وسائل الإعلام المحلية تشيد بالشراكة العسكرية الإسرائيلية الأذربيجانية.

ومقابل صفقات السلاح، أظهرت تقارير أن 65 بالمائة من واردات إسرائيل النفطية تأتي من أذربيجان، ويتم نقلها عبر خطوط الأنابيب من باكو إلى جورجيا وجنوب تركيا.

قاعدة ضد إيران

سر حرص تل أبيب على توطيد علاقات إستراتيجية مع أذربيجان ودعمها في حربها ضد أرمينيا هو السعي للاستفادة من حدودها العريضة التي تبلغ 700 كيلو متر مع إيران، عدو إسرائيل الأبرز.

واستغلال هذه الحدود، التي يصعب إحكام السيطرة عليها تماما، لتسريب الجواسيس لإيران لتنفيذ عمليات اغتيال وتخريب لمنشآت الجمهورية الإسلامية.

وكمثال على ذلك، شن الموساد (جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الخارجي) عام 2018 هجوما قرب طهران لسرقة الأرشيف النووي، ويعتقد أن عناصره مرّوا من أذربيجان عبر الحدود باتجاه إيران.

وتطمح إسرائيل في أن تصبح أذربيجان قاعدة متقدمة لها، وتسعى إلى إنشاء قواعد عسكرية ثابتة لها هناك تحل إشكاليات تقنية ولوجيستية، حال قررت شن هجمات جوية في قلب إيران.

وقد أشارت تقارير أجنبية أن أذربيجان سمحت للموساد بإنشاء قاعدة متقدمة على أرضها لمراقبة ما يحدث في إيران، كما أعدت مطارا مخصصا لمساعدة إسرائيل في حال قررت مهاجمة المواقع النووية الإيرانية. 

ففي أبريل 2012، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تقريرا أشارت فيه إلى أن "إسرائيل وجدت موطئ قدم لها في القواعد الجوية لأذربيجان، ما يقربها، من احتمال ضرب إيران انطلاقا من حدود هذا البلد".

وعقب صدور تقرير "فورين بوليسي"، نشر موقع "ويكيليكس" برقية مصدرها البعثة الدبلوماسية الأميركية في باكو، ويعود تاريخها إلى 2009، موجهة إلى واشنطن بعنوان: "التعاون الأذربيجاني الإسرائيلي المكتوم".

وجاء في الوثيقة التي نشرتها صحيفة "هآرتس" حينئذ عام 2012 أن "إسرائيل تستخدم أراضي أذربيجان للتجسس على إيران".

وعام 2012 نشرت صحيفة "تايمز" البريطانية، تقريرا أوردت فيه شهادة لعميل إسرائيلي يدعى "شيمون"، أكد فيها أن وجود الاستخبارات الإسرائيلية في أذربيجان "هادئ لكنه جوهري وغرضه الاقتراب من إيران بشكل أكبر".

وفي أبريل 2016، تحدث الخبير الأمني الإسرائيلي في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، عما وصفه بـ "العلاقة الغرامية" بين إسرائيل وحليفتها الشيعية (أذربيجان) في بلاد القوقاز، في ظل التعاون الأمني الاستخباري بينهما.

أكد أن هذا التحالف يزداد قوة وأهمية لأن أذربيجان دولة تطل على بحر قزوين، ولديها حدود مع إيران، كما تضم قاعدة كبيرة لجهاز الموساد، يستغل قربها الجغرافي من الجمهورية الإسلامية لتعقب ما يحصل داخلها من تطورات.

وفي تقرير نشرته حول رحلات نقل السلاح من تل أبيب إلى باكو، ذكرت صحيفة "هآرتس" 6 مارس 2023 أن "أذربيجان تعهدت لإسرائيل باستخدام مطاراتها عند الهجوم على منشآت إيران النووية".

واتهمت إيران أذربيجان أكثر من مرة، خلال السنوات الماضية، بتقديم تسهيلات لجهاز الموساد، ولا سيما فيما يتعلق باغتيال علماء نوويين إيرانيين، وتوجه بعض المنفذين إلى أراضيها، قبل سفرهم إلى إسرائيل.

وقد أكد، أفيدان فريدمان، وهو حاخام أرثوذكسي في إسرائيل لموقع "بلقان سبوت" 24 أغسطس/آب 2023 أن "تل أبيب مصلحة راسخة في الحفاظ على علاقات جيدة مع باكو لأنها تشترك في الحدود مع طهران ولديها مصالح هناك تشمل مخاوف أمنية".