فرصة كبيرة للمعارضة.. كيف يقود العنف الداخلي صربيا نحو انتخابات مبكرة؟

قسم الترجمة | منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تصاعدت خلال الأشهر الأخيرة ظاهرة العنف في صربيا مما أثار احتجاجات واسعة وتساؤلات عن دور تلك الموجة في تحديد السياسة الداخلية والسلطة في البلاد. 

وخرج عشرات الآلاف إلى شوارع بلغراد في مايو/أيار 2023 احتجاجاً على العنف، وذلك في إطار تطوراتٍ وقعت عقب عمليتَي إطلاق نار كانتا قد أسفرتا عن مقتل 18 شخصاً مطلع ذات الشهر، وقد تحولت هذه الاحتجاجات إلى تحرُّك كبير ضد الحكومة.

وشهدت صربيا عمليتَي إطلاق نار خلال 48 ساعة مطلع مايو، وقعت الأولى حين أطلق تلميذ -عمره 13 عاما- النار في مدرسة في وسط بلغراد، ما أسفر عن مقتل 9 من زملائه في الدراسة وحارس أمن.

ثم قتل شاب عمره 21 عاما، أفرادا آخرين من خلال استخدام بندقية رشاشة وأصيب على إثر هذا الهجوم 14 شخصا في قريتين جنوب بلغراد.

ولهذا اتهم المتظاهرون، بقيادة أحزاب المعارضة، السلطة والإعلام الخاضع لسيطرتها "بتأجيج ثقافة العنف" في صربيا، بل وطالبوا بإلغاء ترخيص المحطات التلفزيونية المقربة من الحكومة نظراً لنشرها محتوى عنيف.

كما طالبوا باستقالة وزير الداخلية ورئيس جهاز الاستخبارات، بينما اتهم رئيس صربيا ألكسندر فوتشيتش بدوره المعارضة "باستغلال" الوضع "لأغراض سياسية".

ازدياد العنف

وقال مركز أنقرة لدراسة الازمات والسياسات - أنكاسام: في حين قوبلت هذه التطورات في صربيا برد فعل في الرأي العام للبلد، تابع المجتمع الدولي أيضاً التطورات عن كثب. 

وعلّق الكاتب التركي "مصطفى جوهادار": على الرغم من أن صربيا تمتلك قوانين صارمة بشأن التسلح، فإنها من بين الدول الرائدة من حيث عدد الأسلحة للفرد.

من ناحية أخرى، ومع ازدياد العنف أخيرا، لوحظ سهولة الوصول إلى العديد من المحتويات التي تشجّع على العنف في الإعلام، حيث تواجد برامج تلفزيونية عنيفة في الإعلام الصربي أصبح تقليداً في البلاد. 

لدرجة أنه لا يجري تطبيق أي رقابة أو عقوبة من قبل الحكومة على هذه البرامج والقنوات التي تتم مشاهدتها على نطاق واسع. 

وتابع: بعد كل هذه الأحداث، جرى تنظيم احتجاجات تحت قيادة مجموعات أحزاب المعارضة في البلاد.  

في هذه المرحلة، وبينما جرى تنظيم عشرات المظاهرات، وصلت الحكومة الحالية إلى طريق مسدود في ظل الأحداث الجارية، لدرجة أن الرئيس الصربي صرح بأنه يمكن إجراء انتخابات مبكرة نهاية عام 2023. 

وفي يونيو/حزيران 2023، قالت رئيسة الوزراء آنا برنابيتش إنها مستعدة للاستقالة إذا لزم الأمر مع استمرار الاحتجاجات تاركة القرار لفوتشيتش. 

وأشار فوتشيتش إلى أن الانتخابات ستجري بالتأكيد في نهاية العام، وهذا يعني أن الناخبين الصرب سيذهبون إلى صناديق الاقتراع للمرة الثالثة على مدى السنوات الأربع الماضية. 

من ناحية أخرى، تشير التقديرات إلى أن الانتخابات البرلمانية المبكرة، والتي من المرجح أن تجري جنبا إلى جنب مع الانتخابات المحلية المقبلة خلال هذا الوقت، قد تعيد تشكيل السياسة في البلاد بشكل كامل من الناحية البرلمانية والمحلية.

انتهاز الفرص

وأشار الكاتب التركي إلى أن المعارضة تهدف إلى الاستفادة من الأزمة التي توفرها الاحتجاجات المستمرة لإزالة ألكسندر فوتشيتش الذي كان في الحكم لفترة طويلة. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن سياسة التوازن التي اتبعها فوتشيتش في السياسة الخارجية والتي تقربه كثيرا من الجهات الغربية مثل الاتحاد الأوروبي تسهم أيضا في التعامل مع هذه الأزمة.

وعلق جوهادار أن المعارضة في البلاد تنظر إلى هذه التطورات على أنها فرصة ويجب تحويلها إلى نتيجة ملموسة.

ومع ذلك، يمكن القول أيضا إن موقف فوتشيتش في هذه المسألة قوي، حيث إنه عزز نفوذه وقوته في المؤسسات السياسية والاقتصادية خلال فترة توليه المنصب، لدرجة أنه لا يمكن اتخاذ أي خطوة في البلاد دون موافقته. 

كما أن فوتشيتش، الذي شكل الحكومة والوزراء في الانتخابات السابقة وفقًا لسياسته الخاصة، قد أخذ بالفعل زمام الأمور في آليات صنع القرار. ويمكن القول إن عملية الحوار الجارية مع كوسوفو قد عززت دعم الرئيس الصربي.

وبين الكاتب التركي أن تجنب فوتشيتش التنازل عن مصالح صربيا في قضية كوسوفو واستمراره في عملية الحوار مع الاتحاد الأوروبي بهذا الشأن جعله ممثلاً مهما.

وانفصلت كوسوفو التي يمثل الألبان أغلبية سكانها، عن صربيا عام 1999 وأعلنت استقلالها عنها في 2008، لكن بلغراد مازالت تعدها جزءا من أراضيها وتدعم أقلية صربية فيها.

منافسة كبيرة

وفي هذا السياق، يمكن القول إن السياسة الداخلية لصربيا لن تشهد تغييرا عميقا في الأيام المقبلة وإن الحكومة لا تزال محتفظة بسلطتها، على الرغم من أن الاحتجاجات المستمرة قد وضعت الحكومة الحالية في موقف صعب. 

ومع ذلك هناك احتمال لأي مفاجآت هنا، حيث يمكن التعبير عن هذه الاحتجاجات بأنها رد فعل شعبي ضد نظام فوتشيتش "الاستبدادي" بدلا من كونه حركة معارضة فقط. 

في مثل هذه الحالة، قد يواجه ألكسندر فوتشيتش وحزبه بعض الصعوبات في صناديق الاقتراع. 

وعلى الرغم من أن المعارضة ستحاول استغلال هذه الأزمة لصالحها، فمن غير المتوقع أن تحقق نجاحاً كبيراً في الانتخابات المبكرة. 

وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: من الواضح تماماً الآن أن الاحتجاجات القائمة على شعار "صربيا ضد العنف" تقترب من نهايتها.

وبين أن الطاقة الهائلة لمواطني صربيا ستضيع بعد أن كانوا قد اجتمعوا ليقفوا ضد العنف الذي تنفذه الحكومة من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات. 

ففي اللحظة التي تقرر فيها الحكومة الذهاب إلى الانتخابات ستتوقف الاحتجاجات رسميا؛ وذلك لأن الأحزاب جميعها ستكون مشغولة في إجراءات ما قبل العملية الديمقراطية ولن يكون لديها الوقت للتعامل مع أي شيء آخر سوى الحملة.

ويبدو أنه سيكون هناك منافسة كبيرة في الانتخابات المحلية هذه المرة، وفق تقدير الكاتب.