منع العباءة في المدارس.. هكذا تفضح فرنسا شعارات ليبراليتها الزائفة

باريس - الاستقلال | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

رغم تناقضه مع شعاراتها الزائفة بـ"الحرية"، تواصل فرنسا بشكل منهجي استهداف مواطنيها المسلمين، بدعوى الدفاع عن علمانية الدولة، في ازدواجية وعنصرية مفضوحة.

آخر أوجه هذا الاستهداف، إعلان وزير التربية الفرنسي غابريال أتال "حظر ارتداء العباءة في المدارس"، بدعوى أن "هذا اللباس ينتهك القوانين العلمانية الصارمة في مجال التعليم بالبلاد".

وشدد الوزير الفرنسي، وفق ما نشرت "فرانس 24" في 27 أغسطس 2023، على سعيه لوضع "قواعد واضحة على المستوى الوطني" لمديري المدارس، من أجل تطبيق الحظر.

وأضاف أتال أنه "عندما تدخل فصلا دراسيا، ينبغي ألا يكون بوسعك التعرف على ديانة الطلاب بمجرد النظر إليهم". ودخل القرار حيز التنفيذ في 4 سبتمبر/أيلول 2023.

وحظرت السلطات الفرنسية الحجاب في المدارس عام 2004، وأقرت حظرا على ارتداء النقاب بالأماكن العامة في 2010.

من جانبه، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الأول من سبتمبر، إلى اتباع الحزم في منع ارتداء العباءة وغيرها من الملابس الإسلامية.

وقال خلال زيارته ثانوية مهنية في أورانج في جنوب فرنسا، إن الحكومة "لن تدع أي شيء يمر. نعلم أنه ستكون هناك حالات من جرّاءِ الإهمال، ولكن علينا أن نكون حازمين".

وبرر إيمانويل ماكرون المنع بالقول إنه "لا ينبغي أبدا ترك المعلمين ومديري المدارس يواجهون بمفردهم الضغوط أو التحديات القائمة بشأن هذا الموضوع".

وأكد أنه يقف إلى جانب رؤساء المؤسسات والمدرسين الذي وصفهم بـ"فرسان الجمهورية"، مضيفا أن "لديهم الحق في الدفاع عن العلمانية".

وأردف: "علينا أن نبدي تأييدنا لهم عندما يتعرضون للتهديد والضغط"، مؤكدا أن "الدولة تقف وراءهم".

ووعد ماكرون بأنه "في المدارس الثانوية أو الكليات الأكثر حساسية، سيتم فرز موظفين محددين للعمل بجانب مديري المؤسسات والمعلمين لدعمهم وكذلك للمشاركة في الحوار الضروري مع العائلات والطلاب".

دعم المتطرفين

وجدد دفاعه عن حظر العباءة، في 4 سبتمبر، قائلا خلال مقابلة أجراها معه اليوتيوبر أوغو ديكريبت على قناته، إن هذا الحظر يهدف إلى الدفاع عن العلمانية ومبادئ الجمهورية.

وأكد ماكرون أن المدارس في فرنسا "مجانية وعلمانية وإلزامية"، من المدرسة الابتدائية حتى نهاية الثانوية.

عدد من المتطرفين اليمينيين بفرنسا عبروا عن دعمهم الشديد لقرار المنع، إذ كتب إيريك سيوتي، رئيس حزب "الجمهوريون" اليميني (اليمين التقليدي) "الطائفية تهدد الجمهورية".

وأضاف سيوتي في تغريدة على تويتر، 29 أغسطس، "لقد طالبنا عدة مرات في السابق بمنع ارتداء العباءة في مدارسنا، أحيي قرار وزير التربية الذي أنصفنا".

من جانبه، أكد إيريك زمور، زعيم حزب "الاسترداد" اليميني والمرشح الرئاسي السابق أن "قرار منع ارتداء العباءة خطوة جيدة في حال جرى تطبيقه على أرض الواقع".

وأضاف في تغريدة على تويتر، 28 أغسطس، "طالبنا مع أولياء التلاميذ منذ شهور عديدة بمنع ارتداء هذا اللباس بل الذهاب أبعد بفرض زي رسمي موحد على كل التلاميذ لوقف الاستفزازات الإسلامية في المدرسة"، وفق تعبيره.

أما حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف الذي ترأسه مارين لوبان، فقد رحب بقرار وزير التربية، لكن عده غير كافٍ لحل المشاكل التي تتخبط فيها المدرسة والمجتمع الفرنسي على حد سواء. 

وفي هذا الشأن، قال النائب رومان بوبري من منطقة "بوش دي رون" في تصريحات صحفية: "لم يكن لنا أن نفرح بقرار منع ارتداء العباءة لو كنا لا نعيش سياسة الهجرة المكثفة. هذا القرار يسير في الاتجاه الصحيح لكنه لن يحل المشكلة الأساسية".

معارضة اليسار

رغم موافقة العديد من نواب الحزبين الاشتراكي والشيوعي على قرار الحظر باسم العلمانية، فقد عارضته الكثير من الأصوات اليسارية.

وكان نواب حزب الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد أعلى الأصوات المعارضة، وفي هذا الصدد، حذر جان لوك ميلنشون، زعيم هذا التحالف اليساري، من "ظهور حرب دينية جديدة مفتعلة وسخيفة".

وكتب ميلنشون في تغريدة على تويتر، 28 أغسطس: "متى سنتوصل إلى السلم المدني وإلى علمانية توحد ولا تعصب؟"

من ناحيتها، تساءلت كليمونتين أوتان، وهي نائبة عن حزب فرنسا الأبية "إلى أي مدى ستذهب شرطة اللباس" في فرنسا؟

ونوهت أوتان في تغريدة على تويتر، 27 أغسطس، إلى أن "قرار غابرييل أتال مخالف للدستور وللمبادئ الأساسية للعلمانية"، فيما وصفته بأنه "رفض مهووس للمسلمين".

وأعلن منسق حزب فرنسا الأبية مانويل بومبار أنه سيتم اللجوء إلى مجلس الدولة للطعن في هذا القرار.

وأشار بومبار في تغريدة على تويتر، 28 أغسطس إلى أن "الجمعيات الإسلامية قالت إن لباس العباءة ليس دينيا وبالتالي لا يوجد أي خرق لمبادئ العلمانية".

وتابع "ننتظر أشياء أخرى من وزير التربية بدل إثارة المخاوف والتخيلات بخصوص لباس تشير بعض الإحصائيات إلى أنه لا يخص سوى 0.25 بالمئة من المدارس الفرنسية".

استهداف للمسلمين

بدوره، أكد عمر المرابط، الخبير في الشأن الفرنسي، والباحث في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية بباريس، أن قرار الدولة الفرنسية فيه استهداف مباشر للمسلمين بفرنسا.

وقال المرابط لـ "الاستقلال"، إن الحكومة الفرنسية تبحث عبر هذا القرار، عن مصائد وتريد حل مشاكلها العويصة من خلال الحديث عن الحجاب مرة وعن العباءة مرة أخرى، وعن البوركيني مرة ثالثة.

وأردف المتحدث ذاته، أن المدارس الفرنسية لها مشاكل كبرى، مثل الاكتظاظ وقلة عدد الأساتذة خاصة في مادة الرياضيات، في حين، من يسمع كلام وزير التربية يظن أن المشكلة الوحيدة القائمة بفرنسا هي العباءة.

وزاد: "نحن في دولة علمانية، وهو ما يقتضي من الحكومة والجهات الرسمية الحياد تجاه جميع الأديان"، داعيا فرنسا إلى احترام حيادها وعلمانيتها.

وانتقد المرابط ازدواجية المعايير الفرنسية بخصوص هذا النوع من اللباس، قائلا إنه حين ترتديه تلميذة اسمها فاطمة مثلا يسمى "عباءة"، في المقابل يسمى "فستانا" حين تلبسه تلميذة اسمها كريستين.

ورأى الباحث الاجتماعي الفرنسي الجنسية، أن هذا الوضع فيه ظلم للمسلمين واستهداف مباشر لهم، ودليل على المستوى الكبير لانتشار ظاهرة "الإسلاموفوبيا" بالبلاد.

وذكر المرابط أن الرئيس إيمانويل ماكرون يرمي بنفسه عبر هذا القرار إلى حضن اليمن المتطرف، حيث أصبح يغازله بشكل مباشر ومفضوح.

وعن قدرة مسلمي فرنسا على مواجهة قرار الحكومة، قال المرابط إن هؤلاء "لا بواكي لهم، وليس لهم من يدافع عنهم، وهذا يجعل الأمر صعبا".

ورغم ذلك، يدعو المرابط، إلى الوحدة وعدم الاستسلام، والنهوض لأجل الدفاع عن حقوقهم وحرياتهم.

انتقادات عديدة

كما انتقدت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، مارتا هيرتادو، قرار فرنسا حظر ارتداء العباءة الإسلامية في المدارس الابتدائية والثانوية.

وقالت هيرتادو في تصريحات صحفية، 29 أغسطس، إن "المعايير الدولية لحقوق الإنسان تنص على ضرورة عدم فرض قيود على المظاهر المرتبطة بالدين أو المعتقد، بما فيها اختيار الملابس، إلا تحت ظروف محدودة للغاية، بما فيها تلك المرتبطة بالسلامة والنظام والصحة أو الأخلاقيات العامة".

وأوضحت أن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على علم بإعلان فرنسا حظر ارتداء العباءة في المدارس، لكنه "لا يستطيع التعليق بشكل مفصل في الوقت الحالي؛ لعدم وضوح الخطة المعلنة أو كيفية تطبيقها".

وأضافت المتحدثة الأممية أن "تحقيق المساواة بين الجنسين يتطلب إدراك الحواجز التي تمنع النساء والفتيات من اتخاذ اختيارات حرة، وتهيئة بيئة تدعم قرارهن، بما في ذلك اختيار الملبس".

من جانبه، انتقد المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي يرأسه محمد موساوي، القرار الصادر عن وزارة التعليم في فرنسا.

وقال المجلس في بيان 28 أغسطس، إن العباءة ليست رمزا دينيا، مشددا في المقابل على أن المدرسة "مكان للعلم والمعرفة وليست مأوى للتبشير كيفما كان نوعه".

وأكد أنه من الواجب "تجنب أي صلة خاطئة بين الملابس والممارسة الدينية الإسلامية".

وشددت الهيئة الدينية نفسها، على عدم وجود أي مرجعية أو نص في الدين الإسلامي يوحي بكون العباءة ثوبا إسلاميا، بل هو مصطلح يشير إلى اللباس أو المعطف الطويل.

وحذر المجلس من "المخاطر العالية" لقرار للحكومة الفرنسية، لكونه قد يتضمن تمييزا ضد الفتيات المسلمات داخل المدارس بسبب "العباءة".

وأبرز أن القرار "يشكل سابقة تمييزية خطيرة للغاية"، مطالبا "بحظر أي فستان طويل لجميع التلاميذ والمعلمين دون تميز ديني".

قراءة أكاديمية

من جانبه، قال الباحث في مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث منتصر حمادة، إن "هذه القضية تطرح أسئلة جديدة ومؤرقة حول تدبير الدولة الفرنسية لإشكالية التعددية الدينية، آخذا في الحسبان نماذج أخرى في تدبير المسألة نفسها في الساحة الأوروبية".

وأردف في حديث لموقع "هسبريس" المغربي، في الأول من سبتمبر 2023، "ومن ذلك أننا نعاين اندلاع هذه القضايا في فرنسا بالتحديد، بينما لا نسمع عنها في أغلب الدول الأوروبية، وحتى في المجال الأميركي".

وعدد حمادة القضايا المماثلة، قائلا إنه "في فرنسا أيضا اندلعت أزمة الحجاب منذ ثلاثة عقود ونيف، كما اندلع النقاش المجتمعي حول البوركيني منذ سنوات، ابتداء من صيف 2016،".

إضافة إلى دلالة التشريع الفرنسي الصادر سنة 2004، القاضي بمنع ارتداء الأزياء والرموز الدينية في المدارس والمؤسسات التعليمية بشكل عام، بصرف النظر عن اختلاف القراءات بخصوص لباس العباءة، أي القراءة الثقافية والقراءة الدينية، وفق قوله.

وتحدث الباحث عن ثلاثة محددات يجب أن تؤخذ بالحسبان في هذا السياق، "أولها أنه جرت تحولات في مؤشر الخطاب اليميني في فرنسا، الذي كان سائدا من قبل هو الآخر، بدليل وقوع عدة أحداث ذات صلة بالعنصرية وحتى الاعتداء".

واستدرك: "لكن مؤشر هذا الخطاب اليميني كان متواضعا حينها مقارنة مع ما نعاينه منذ عقد تقريبا، ومن ذلك تأمل الأرقام التي حققها المرشح اليميني إيريك زمور في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت في أبريل/نيسان 2022".

ثاني هذه المحددات، يقول حمادة، "إننا نعاين تحولات في أنماط التدين الإسلامي التي تمر منها فرنسا، كما تمر منها مجموعة من الدول الأوروبية".

وأوضح: "حيث انتقلنا إلى حضور جلي لتدين الأجيال الأولى من الهجرة. وأخذا في الحسبان أن مسلمي فرنسا ينحدرون من الدول المغاربية وبعض دول الساحل فإن تدين هذه المنطقة حينها هو عينه الذي كان سائدا في باريس، ولم نكن نسمع قط عن هذه القضايا، لكن جرت تحولات".

وآخر هذه المحددات، حسب المتحدث ذاته، "فهو دور هذه الأمور في صرف النظر عن قضايا أولى تهم المجتمع الفرنسي، والأزمات السياسية المركبة التي تخص الدولة الفرنسية، بما فيها تراجع شعبيتها ونفوذها في الساحة الإفريقية".