فرانسوا بورغا لـ"الاستقلال": ماكرون ينسق مع مستبدين عرب لتجريم أنشطة المسلمين بأوروبا

12

طباعة

مشاركة

 

قال المفكر الفرنسي فرانسوا بورغا إن كثيرا من الغربيين يعانون من ازدواجية فيما يتعلق بالإساءة للكتب المقدسة، فهم يستبيحون القرآن والإسلام بصفته دين "الآخر الأجنبي" ولا يرحبون بحرق الإنجيل أو التوراة.

وأضاف بورغا في حوار اختص به "الاستقلال"، أن أحفاد المستَعمِرين الغربيين يرفضون أن يرفع أحفاد المُستعَمَرين المسلمين والأفارقة أصواتهم في فرنسا وأوروبا للمطالبة بحقوقهم تحت سقف المواطنة والديمقراطية.

وأشار إلى أن المسلمين في أوروبا يعيشون ظروفا صعبة في ظل تصاعد العنصرية ضدهم، لافتا إلى أن هذه القضية ليست متعلقة بأوروبا وحدها بل هناك عنصرية من الصين ومن الهند ضد المسلمين أيضا.

كما تناول في هذا الحوار العديد من القضايا ذات الصلة.

وبورغا (80 عاما) هو أستاذ للعلوم السياسية وباحث بالهيئة القومية الفرنسية للبحث العلمي في مدينة آكس أون بروفانس (Aix-En-Provence) جنوب شرق فرنسا، ومن كتبه "الإسلام السياسي.. صوت الجنوب"، و"فهم الإسلام السياسي" واستند فيهما إلى خبرته وإقامته بالمنطقة العربية.

حرق المصحف

ما تفسيركم لما تشهده أوروبا من حملات لحرق المصحف تارة، ورسوم مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم تارة أخرى؟

لا شك أن السبب يكمن في وجود قناعة راسخة في الدول الأوروبية بصفة عامة، تستند إليها هذه السلوكيات التي تؤدي إلى انتهاك حرمة القرآن، فضلا عن القدرة على الإفلات من العقاب، كما حدث أخيرا في السويد.

وهذه القناعة تستند إلى ضروب عدّة من المنطق؛ حيث يجب أن نتذكر أولاً أنه توجد في معظم البلدان الأوروبية وفي فرنسا خصوصا، قناعة بأن فعل انتقاد الأديان أو حتى السخرية منها هو حق مكتسب بشق الأنفس.

 ويجدر إعادة تأكيد هذا الحق بانتظام وحمايته، وهذه الممارسة في فرنسا موروثة منذ أيام الثورة الفرنسية عام 1789 والتي حررت المواطنين من هيمنة الكنيسة إما مباشرة أو عبر الملكية المطلقة على المجالين الاجتماعي والسياسي.

ولكن هذا التراث الفرنسي بعيد كل البعد عن أن يكون التفسير الرئيس لهذه الحملة المعادية للإسلام في أوروبا بشكل عام. لماذا؟ 

أولاً لأن حرق المصحف في السويد لا يرقى إلى أن يكون نوع من الاعتداء على الدين بشكل عام من وجهة نظر هؤلاء، ولا على الدين السائد محليًا بالتأكيد؛ بل هو اعتداء على  دين "الآخر"، دين الأجنبي، وهو ما يغيّر جوهريًا معنى التدنيس لدى الأوروبيين.

حاول البعض الحصول على موافقة لحرق التوراة والإنجيل ولم تتم الموافقة.. لماذا برأيكم؟ 

أعتقد أنه ليس من الواضح أن تدنيس كتاب المسيحيين المقدس أو اليهود يمكن أن يكون موضع ترحيب و"حماية" بنفس الهدوء من قبل السلطات وممثلي المجتمع المدني.

إلا أنه يتبيَّن بعد ذلك أن هذا "الآخر" الذي يبجل القرآن ليس مجرد "آخر" ما؛ بل هو ممثل جالية مسلمة تتعرض، بأشكال مختلفة في جميع أنحاء أوروبا لموجة عميقة من وصم العار والتمييز وذلك يضفي على هذا النوع من العمل نغمة ودلالة شديدة الخصوصية.

ما الرسالة المباشرة من تكرار حرق المصحف في السويد؟ وهل لذلك علاقة بانضمامها لحلف شمال الأطلسي "ناتو"؟

في حالة السويد على وجه الدقة، إذا كان من الواضح أن الحكومة هي التي تتسامح وتحمي هذا النوع من السلوك فقد انضاف أخيرًا بُعدٌ شديد الخصوصية يزيد القضية تعقيدا: إذ إن الجاني مواطن عراقي مسيحي.

وأنا أعترف بأنه ليس لدي معلومات عن هذا الشخص العراقي (هل كان هدفًا للاضطهاد من قبل داعش مثلا؟ أم تمَّ التلاعب به ببساطة من قبل الجماعات السويدية اليمينية المتطرفة؟) التي يمكن أن تجعل من الممكن إلقاء الضوء بصورة كاملة على سلوكه مستقبلا ولكن تبقى حقيقة أن السلطات السويدية هي من تسمح بذلك وتحميه أيضا.

أسرار الكراهية

كيف ترون واقع الجاليات الإسلامية في أوروبا في الوقت الراهن في ظل تصاعد موجات الكراهية؟

لا شك أن المسلمين في أوروبا يعيشون ظروفا صعبة هذه الأيام في ظل تصاعد موجة العنصرية ضدهم والكراهية للأجانب عامة والمسلمين على وجه الخصوص.

وبالنسبة لهذه الظروف التي يعيشها المسلم في أوروبا حتى ولو تأثروا بطرق شديدة كضحايا لهذه العنصرية البغيضة وموجات الإسلاموفوبيا، فهو بلا شك يعيش في بيئة متوترة ومقلقة له ولعائلته في المجتمعات الأوروبية.

 لقد حددت من ناحيتي، ثلاثة أسباب وراء مستويات هذه "الإسلاموفوبيا" والعنصرية المتصاعدة ضد المسلمين في أوروبا عامة وفرنسا تحديدا.. صنفتها حسب درجة أهميتها:

1- المستوى الأول هو تنافس مبتذل أو تسابق مبتذل للغاية بين عقائد دينية مسيحية ومسلمة تتنافس فيما بينها؛ حيث تعد أوروبا نفسها مسيحية تاريخيا وتعبر عن رد فعلها إزاء تأكيد دين "مستورد"، يُنظّر إليه منطقياً على أنه "دخيل". ولكن أوروبا في نظري "منزوعة المسيحية" أكثر من كونها مسيحية، ومن ثَمَّ لا أعتقد أن هذا هو السبب الرئيس في موجات العنصرية المتزايدة وإن كان أحد الأسباب هذا أولاً.

2- من الواضح أن الدوائر الكاثوليكية ليست المبادِرة الرئيسة لموجة العداء هذه في حالة فرنسا، ولكن تتدخل بعد ذلك كتفسير محتمل لخصوصية العلمانية؛ حيث كانت العلمانية الفرنسية تستهدف في البداية تنظيم التعايش بين الكنيسة والمجال العام.

  ولكن العلمانية الفرنسية للأسف صارت تدريجياً أداة تستخدم لمحاربة الدين أولاً، أي دين كان، فأصبح اليوم الدين الإسلامي هو المستهدف بعد ذلك تحديدًا! وإذا كان هذا السبب الثاني مهمًا، فلا أعتقد أنه السبب الأكثر حسماً.

 3- بالنسبة لي، السبب البنيوي الأساسي هو ارتباط ذلك بالسياق التاريخي لنهاية الاستعمار، فمنذ حملات نابليون و"اكتشاف" مصر، كان الإسلام والمسلمون ينتمون إلى "الشؤون الخارجية" لفرنسا أو أوروبا التي كانت في علاقة هيمنة على المجتمعات الإسلامية التي رسَّخت نفسها فيها كقوة استعمارية ولكن هذه الهيمنة الاستعمارية بدأت تتلاشى الآن بشكل حقيقي.

وهذا هو السبب الحقيقي الكامن وراء تصاعد موجة العداء والكراهية للمسلمين في أوروبا تارة وللأفارقة تارة أخرى ثم للأجنبي بشكل عام. وهذه البيئة التي يتغذى عليها اليمين المتطرف في فرنسا وأوروبا عامة. 

أزمة فرنسا

ماذا وراء الحرب الشرسة التي أعلنتها فرنسا على الوجود الإسلامي فيها وسن قوانين مقيدة للنشاط الإسلامي حتى المعتدل؟

كما أشرت من قبل فإنه مع بدء تلاشي النفوذ الاستعماري الأوروبي في مستعمراته القديمة في آسيا وإفريقيا في الآونة الأخيرة، ومع نهاية تصفية الاستعمار وتمحيص سياسات الهجرة، فقد صار الإسلام شأنًا "محليًا" وقضية داخلية؛ في فرنسا خاصة وبعض بلدان أوروبا بصفة عامة.

وفي حين أن الغربيين المسيحيين بنوا الكنائس أو حتى الكاتدرائيات على تلال إفريقيا المسلمة في الماضي إبان الحقبة الاستعمارية.

فإن أحفاد المستعَمِرُون اليوم في قلب أوروبا وفرنسا بالطبع يرون المسلمين - من أحفاد المستعَمَرِين- هم الذين يعتزمون بناء المساجد في أوروبا.

ليس ذلك فحسب؛ بل هؤلاء من أبناء الجيل الرابع للمسلمين والأفارقة يتمتعون بجنسيتهم الفرنسية والأوروبية ويطالبون بفعالية متزايدة، بالاستفادة من جميع الحقوق المرتبطة بهم كمواطنين فرنسيين أو أوروبيين.

إذا كانت أوروبا عامة وفرنسا خاصة في نظركم "منزوعة المسيحية" فما تفسير العداء للإسلام المتصاعد؟

الصراع والتوتر الحقيقي داخل المجتمعات الأوروبية ليس ذا طبيعة دينية، فالمؤمنون المسيحيون ليسوا هم من يرفضون وجود مؤمنين يدينون بدينٍ آخر، على الأقل من حيث المبدأ.

ولكن القضية أبعد من ذلك حيث إن أحفاد المستعمِرين هم الذين يرفضون وجود نسلِ المُستعمَرين بينهم، أو بالأحرى أن يكون لهم صوتٌ في المجتمع، حيث إنهم في الأصل أحفاد من كانوا عبيدا أو خدما للسيد الأوروبي أو الفرنسي المحتل من قبل.

لذا فهم يرفضون المساواة بهم اليوم تحت سقف المواطنة والديمقراطية الغربية للأسف الشديد، وهذا هو بيت القصيد ومكمن الداء.

فضلاً عن أن المجتمع الفرنسي يعيش أزمة انغلاق ورفض لبقية ثقافات المهاجرين، لاسيما المسلمين.

ما تقييمكم للحملات التي تعرض لها المسلمون في فرنسا في السنوات الأخيرة؟ 

في رأيي العنصرية ضد الإسلام والمسلمين ليست قضية متعلقة بأوروبا وحدها ولكن هناك عنصرية من الصين ومن الهند ضد المسلمين وليست في أوروبا وحدها.

وإن كانت الحالة الفرنسية موقفها هو الأسوأ في أوروبا كلها في علاقتها مع المسلمين حيث خرج ماكرون ليقول إن قيم الجمهورية الفرنسية والعلمانية في خطر أمام تهديد الإسلام الذي يعيش أزمة في العالم أجمع.

ولا شك أن ماكرون غازل جمهور اليمين المتطرف الفرنسي من أجل كسب أصواتهم في الانتخابات عندما اهتزت شعبيته وكاد يفقد منصبه آنذاك مع اندلاع أزمة تظاهرات "أصحاب السترات الصفراء".

وفي ذلك الوقت أعلن أن الإسلام يعيش أزمة حاليا في العالم كله ليهرب من أزماته الداخلية.

ومارس ماكرون النفخ في نيران الإسلاموفوبيا وتغذيتها في أوساط المجتمع الفرنسي بعدما تسببت سياساته الاجتماعية في فقدان تأييد قطاع غير قليل من الفرنسيين.

وهو ما دفعه للقفز نحو مهاجمة الإسلام لاجتذاب تلك الأصوات أو بديلا عنها من جمهور اليمين المتطرف..

وللأسف أحادية الموقف الفرنسي التاريخي تجاه المسلمين، ونعتهم بالانعزالية داخل المجتمع الفرنسي اليوم تعيد للذهان التهمة نفسها التي فرضتها فرنسا الاستعمارية على أجدادهم في الماضي الأمر الذي يجعل ماكرون غارقًا في الديكتاتورية أكثر من أي وقت مضى في علاقته بالمسلمين. 

الجاليات المسلمة  

كيف ترون الدعوة للسماح بمشاركة أحزاب سياسية مسلمة في الانتخابات الفرنسية؟

لا شك أنني لا أدعم مطلقا السماح بتشكيل حزب سياسي على أساس ديني أو عرقي سواء للمسلمين أم لأصحاب أية ديانة أخرى.

فضلا عن أن الأغلبية السياسية الفرنسية بدورها لن تقبل هذا الأمر حرصا على عدم تمزق الواقع السياسي في فرنسا حيث إن الأحزاب الفرنسية مفتوحة للجميع بغض النظر عن عقيدته أو عرقه.

ما حقيقة حملات التخويف من النفوذ الإسلامي في القارة العجوز بشكل عام وفرنسا بصفة خاصة؟

للأسف الشديد الحملات العنصرية ضد الإسلام في فرنسا مرت بمراحل عدة حيث بدأت بالحديث عن الجهاديين واتخاذ مواقف صارمة ضدهم، لأنهم يستخدمون السلاح ويمارسون العنف.

ثم فوجئنا بالحكومة الفرنسية تنتقل إلى مربع تجريم السلفيين الذين لا يقبلون لا بالعمل العسكري ولا بالعمل السياسي.

وفي 2019 قفزت الدولة الفرنسية إلى مربع تجريم المسلم الفرنسي العادي الذي يذهب للصلاة في المسجد وتنافست مع اليمين المتطرف في سلوكها المعادي للمؤسسات الإسلامية العادية بإغلاق معظمها وكذلك بعض المساجد.

ثم إن جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا لا وجود يذكر لها وليس لها أدنى نفوذ في الإعلام ولما ينظم أعضاؤها مناسبة في بروكسيل مثلا تجد الجمهور قليل جدا والغرفة فارغة.

إلا أننا نرى كتبا تنشر يوميا أو شهريا تتحدث بكلام فارغ بأن الإخوان سيسيطرون على المجتمع الفرنسي وأوروبا وسوف يقيمون الخلافة الإسلامية.

ويغذي ذلك للأسف الدولة التي أصبح بين يمين متطرف معارض ويمين حكومي متطرف أيضا تجاه المسلمين.

كما أن هناك بعض الجهات التي تحاول أن توهم الأوروبيين أن الإخوان المسلمين يسيطرون على أوروبا ويريدون أن يقيموا الخلافة في أوروبا. وهذا كله يعد نوعا من التعبئة ضد الإسلام ولتغذية الإسلاموفوبيا.

أضف إلى ما سبق أنه يوجد تنسيق خطير بين بعض الأنظمة الاستبدادية العربية والخليجية وبين حكومة ماكرون وإسرائيل في محاولة تجريم أنشطة جماعة الإخوان المسلمين والنشطاء في مجال الإسلام السياسي وحقوق الإنسان في فرنسا.

وقد تحالف ماكرون مع السعودية والجنرال عبد الفتاح السيسي الذي استولى على السلطة في مصر عام 2013 ، والجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، ورئيس الإمارات محمد بن زايد وغيرهم من المستبدين لمساعدة وباريس وعواصم أوروبية على محاربة "الإسلام السياسي مع شديد الأسف.