الإعلام السعودي يفتح الأبواب لمعارضي السيسي.. نهاية للشيكات الخليجية؟

تعد عبارات ومصطلحات مثل "التغيير، المرشح الرئاسي، حقوق الإنسان، ملف المعتقلين"، من الجمل المحرمة لدى النظام المصري، ويمنع تداولها في الإعلام الرسمي للدولة.
لكن المفاجئ أن هذه الملفات تفتح بقوة على وسائل الإعلام السعودية التي استضافت في الشهر الأخير من يوليو/تموز إلى أغسطس/آب 2023، رموزا من المعارضة المصرية، تحدثت عن التغيير وانتقدت السلطة الحاكمة بقيادة رئيس النظام عبد الفتاح السيسي.
وتسير العلاقة بين السيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في سبل متعرجة يحيط بها الخلاف، رغم الشراكة في العلن، وذلك لرفض الأخير دعم النظام المصري ماليا بلا مقابل، وفق ما قالت تقارير عديدة سابقة.
ولطالما تصاعدت التكهنات بشأن وجود خلافات غير معلنة بين ابن سلمان والسيسي، ومن أبرز معالمها التراشق الإعلامي الحاد بين أبواق الطرفين.
عواصف الإندبندنت
الجديد أن منافذ إعلامية سعودية مهمة استضافت عددا من وجهاء المعارضة المصرية، للحديث عن أزمات نظام السيسي الاقتصادية والسياسية والحقوقية.
فصحيفة "إندبندنت عربية" وهي مملوكة للمجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، ويرأس تحريرها عضوان الأحمري، الكاتب الصحفي السعودي المقرب من ابن سلمان، استضافت 3 لقاءات عاصفة لرموز المعارضة المصرية.
اللقاء الأول كان في 5 يوليو 2023، للمخرج خالد يوسف، المعروف بآرائه المعارضة للسيسي، والذي قال خلال حواره مع "إندبندنت": "إن مصر تحتاج إلى انتخابات ديمقراطية جادة والمناخ العام محبط".
وأضاف المخرج المصري: "أزمتنا في فقه الأولويات، واحتكار الفن والرقابات المتعددة تجعله مكتوفا"، مبينا أن "القيادة السياسية في مصر لا تنصت للمعارضة، والمناخ العام فيه تقييد للحريات".
ومما أورده يوسف في حديثه للموقع السعودي أن "الإحباط الذي يعيشه المصريون كبير".
واختتم: "سلطة السوشيال ميديا أتاحت للأشخاص المختفين خلف الشاشات أن ينفسوا عن غضبهم، لأنهم لم يستطيعوا التنفيس إلا في من حولهم، هذا يخلق جوا مشحونا ومخيفا".
التغيير قادم
اللقاء الثاني لـ "إندبندنت عربية" كان مع المعارض المصري البارز محمد أنور السادات، النائب السابق في مجلس النواب، ورئيس حزب الإصلاح والتنمية.
وصرح قائلا: "عندما تمت الدعوة لحوار وطني استغرق الإعداد والتمهيد له أكثر من عام (انطلقت أولى جلساته الفعلية في 3 مايو/أيار 2022) ما أثار قلق ومخاوف قوى المعارضة في شأن جدية الحالة".
وأضاف السادات: "بصراحة إذا كان هناك إرادة حقيقية، فنبدأ بقضية إطلاق عفو عام عن جميع المعتقلين".
وأتبع: "الآن توجد عائلات لديهم الزوج أو الابن أو الابنة محبوسين". وأورد "لا شك أن ملف حقوق الإنسان أضر مصر كثيرا".
وعن الوضع الاقتصادي وجه نقد قويا عندما قال: "لا بد أن يعاد النظر، ما يحدث حاليا أن مصر بدأت تبيع عفش البيت، الشركات والأصول التي لدينا بدأنا نبيع أسهما منها أو جميعها. وماذا بعد؟!".
أما أخطر ما تناوله السادات فهو تطرقه إلى ملف الانتخابات الرئاسية، حيث قال: "إن كنا نسعى إلى جمهورية جديدة فإنها تحتاج إلى مرشح مدني ينقل مصر من خلال فريق عمل قادر على مواجهة كل الأزمات، والتحديات التي تواجهها الآن".
ثم شدد المعارض المصري على أن "التغيير في مصر قادم لا محالة على جميع الأوجه والأصعدة".

تداول السلطة
اللقاء الثالث والأخير حتى الآن، ذلك الذي أجرته "إندبندنت" في 7 أغسطس 2023، مع الطبيب والسياسي البارز حسام بدراوي.
وترأس بدراوي الحزب الوطني في آخر أيام حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك قبل سقوط نظامه بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
وبدراوي يقوم الآن بدور مستشار الحوار الوطني، ومع أنه لا يمثل وجه المعارضة الحاد والقوي، وينتمي أكثر إلى من يعرفون في مصر بـ "فلول دولة مبارك" لكنه محسوب على تيار يرى ضرورة التغيير.
وتحدث بدراوي عن الحالة الحقوقية في مصر، قائلا: "يجب مراجعة القوانين المقيدة للحريات وقوانين أخرى مشابهة، ومراجعة الحبس الاحتياطي، وما يجرى فيه من إجراءات تعسفية".
وأضاف: "ليس معقولا أننا لا نعرف عدد المعتقلين في مصر، ولا أماكنهم، كل هذا الكلام ضد الدستور، وهو خطير جدا".
وذهب بدراوي إلى أبعد من ذلك بتصريحه أن مصر بحاجة إلى مراجعة وتطوير أدوات العدالة، تحديدا النظام القضائي، إضافة إلى الجهاز المكلف بتطبيق العدالة ألا وهو الشرطة.
ثم وجه سهام انتقاداته إلى النظام، قائلا: "العقبة الرئيسة أمام مصر أننا نقول ما لا نفعل ونفعل غير ما نقول، وأن إدارة التغيير تحتاج إلى كفاءة أكبر".
وتحدث عن ضرورة تداول السلطة محذرا: "إذ لم يكن لدى الناس إحساس بالقدرة على ذلك فإنهم يكبتون ويغضبون وينفجرون في لحظات لم يكن أحد يتصورها".
ردود غاضبة
سرعان ما التقط صحفيون مصريون يتبعون للنظام ما جرى تداوله على موقع "إندبندنت" ووسائل الإعلام السعودية، منهم الصحفي بجريدة "الوطن" التابعة للحكومة المصرية، ثروت منصور، وهو كذلك رئيس قسم الشؤون الخارجية بصحيفة "اليوم الجديد" المحلية.
وكتب عبر صفحته بـ "فيسبوك": "حوارات صحيفة الإندبندنت- التابعة للمملكة العربية السعودية- أخيرا عن الانتخابات والسياسة في مصر".
وعلق على الأمر عضو نقابة الصحفيين المصريين كريم مجدي، بشيء من الاستهجان: "عينك على الإعلام السعودي اليومين دول"، في إشارة أن ما تفعله المملكة متعمد ضد نظام عبد الفتاح السيسي.
وقال الأكاديمي المصري، بجامعة أبردين الأسكتلندية محمد طلعت، في حديثه لـ"الاستقلال": "إنه من خلال الخارطة الإعلامية وطبيعة المصطلحات المتداولة بداخلها تستطيع أن تعرف بسهولة إلى أي مدى وصلت العلاقة بين السيسي وشركائه في الخليج، خاصة السعودية".
وأضاف: "من كان يتصور أن أكبر داعمي الانقلاب وقائده، يسمحون لوسائل إعلامهم أن تكون سلاحا موجها ضد السيسي، وفيها يتكلمون عن التغيير وتداول السلطة والسجون والمعتقلين السياسيين، والأزمة الاقتصادية ومعدل الديون، وسوء إدارة الدولة".
وأتبع: "هل بات الأمر يختلف عن الإعلام المعارض في الخارج الذي يحاربه السيسي ليل نهار؟ نفس المصطلحات المستخدمة ونفس الهدف، لكن الفارق أن الكفيل لم يغلق الحنفية بعد، ولم يعلن العداء بشكل صريح".
ووصف طلعت الأمر بأنه أداة ضغط سياسي واضحة، فهناك تباينات حادة بين الرياض والقاهرة في ملفات بعينها أهمها الاقتصاد، وإرادة المملكة الاستحواذ على قطاعات حساسة بعينها، كما تريد تخفيف يد الجيش في الاقتصاد، وهو أمر حاول السيسي أن يناور فيه، لكنهم لم يسمحوا له ونقموا عليه.
وتوقع طلعت أن تستمر حالة التصعيد في الإعلام السعودي، وربما يصل الأمر إلى تراشق كبير كالذي حدث عام 2016، وفي بداية عام 2023.

مقال أديب
ربما يعضد تلك الحالة المقال الذي كتبه الصحفي المصري البارز المقرب من السعودية، عماد الدين أديب.
إذ كتب مقالا لموقع "أساس ميديا" اللبناني، في 6 أغسطس 2023، تطرق فيه إلى سياسات الرياض ودول الخليج تجاه المنطقة خاصة مصر.
وألمح أديب بطريقته ما أوردته عدة تقارير عن استياء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من السيسي، والسعي إلى تحديد الدعم المفتوح له الذي اعتاده عقب انقلابه عام 2013.
ونشر أديب المقال بعنوان: "انتهى عصر دفتر الشيكات النفطيّ المسيّس!"، ومن أهم ما ذكره تحولات التفكير الخليجي تجاه تمويل مصر، والدول العربية الأخرى، إذ باتت الدول الممولة تشترط الاستثمار بدلا من إعطاء المنح المالية المقطوعة.
ونقل أديب عن مصدر خليجي، قوله إنه "لم تعد هناك حالة خواطر في عمليات البزنس الخليجية، بل أصبح المقياس الأساس هو: استثمار فاشل أم ناجح؟ مشروع مربح أم خاسر؟ أرقام وبيانات صحيحة أم متلاعب بها؟
وأردف: "هذه هي المعايير التي تتبعها عواصم الخليج الآن في البزنس من صنعاء إلى كراتشي، ومن أمستردام إلى واشنطن ومن دلهي إلى بكين".
وهناك سطر لا بد من الإشارة إليه في مقال أديب، حيث كتبه على طريقة مثل "إياك أعني واسمعي يا جارة"، وجاء فيه: "في الحالة اللبنانية لن نكرر خطأ تقديم دعم اقتصادي لنظام سياسي معادٍ لمصالحنا ويسيطر عليه حزب يعادينا".
ثم قوله: "منطق المال السياسي انتهى من كل العواصم الخليجية، والمال الوحيد المتاح الآن هو ما يقع في مجال المساعدات الإنسانية".
تراشق وتحذيرات
وتحدث آخرون بنفس المنطق، منهم مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بهي الدين حسن.
وقال الحقوقي البارز في تصريح خاص لموقع "عربي 21" في 30 يونيو/حزيران 2023، إن "أي إزاحة محتملة للسيسي ستحدث من داخل نظامه بدعم خليجي".
وأشار إلى أن "السيسي في غمار التحضير لانقلابه عام 2013، فتح باب جحيم التدخل الإقليمي في اختيار من يحكم مصر، وإن بعض دول الخليج سيكون لها على الأرجح صوت حاسم في تقرير مصيره ومن سيخلفه".
كذلك تحدث الصحفي البريطاني ديفيد هيرست، في مقال نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، قائلا: "لقد غدت مصر لعنة على المملكة العربية السعودية، بدلا من أن تكون حليفة لها".
وأضاف في 14 أغسطس 2023: "محمد بن سلمان يعلم جيدا أن مصر تحت سيطرة الجيش عبارة عن حفرة بلا قاع، لكن ما يجعله مستمرا في الدعم أنه لو توقف سينجم عن ذلك انهيارها، وستكون خطرا وبيلا على بلاده".
الأزمة الاقتصادية
وفي 24 أغسطس 2022، كتب الإعلامي المصري المقيم بأميركا حافظ الميرازي مقالا لموقع المنصة الإلكتروني، تحت عنوان "حين يغضب الكفيل السعودي من مصر".
وعلق الكاتب فيه على غياب محمد بن سلمان عن حضور قمة العلمين المصرية (أغسطس 2022)، التي استضافت زعماء أربع دول عربية هي الإمارات والبحرين والعراق والأردن.
وقال: إن "الكفيل السعودي بقيادته الشابة الجديدة لا يعرف تقبيل أو بوس اللحى عند أي خلاف مع أي حليف أو تابع، فطالما كان لديه أرز يملك منحه أو منعه، فهو لا يتردد في قطع الأرزاق وربما حتى الأعناق، إن لم يحصل على تبعية كاملة".
النقطة الأبرز في مظاهر التململ بين الطرفين، والتي ربما تعلل سبب الملاسنات الأخيرة، جاءت مع تصريحات وزير المالية السعودي محمد الجدعان، لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية.
وقال الجدعان على هامش مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي بسويسرا، في 18 يناير 2023: "اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط، ونحن نغير ذلك".
وأضاف: "نفرض ضرائب على شعبنا ونتوقع من الآخرين فعل الأمر نفسه وأن يبذلوا جهدا، نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم"، فيما يبدو أنها كانت إشارة إلى مصر.
ثم أوضح أنه: "لطالما قدمت السعودية الرائدة في الخليج دعما ماليا للاقتصادات المضطربة في المنطقة، من خلال منح وودائع بمليارات الدولارات، ولسنوات كانت المملكة أكبر داعم منفرد لمصر".
خلاف 2016
وأكد موقع "الحرة" الأميركي في 19 يناير 2023، ضمن تحليله لأسباب غياب محمد بن سلمان، عن قمة في الإمارات خلال ذات الشهر حضرها السيسي رفقة عدد من زعماء الدول العربية، أن "هناك تباينا واضحا في الرؤى الاقتصادية بين الرياض وأبوظبي، ولا سيما في مسألة المساعدات لمصر".
وذكر أن "الاقتصاد كان الشغل الشاغل للقاء، خاصة في ظل الأزمة المالية في مصر، وأن غياب السعودية والكويت عن الاجتماع يمثل رسالة، بأنهما لن يسهما في مساعدات للقاهرة، ولا سيما بعد تصريحات وزير المالية السعودي محمد الجدعان".
ورغم أن السعودية أحد جناحي طرفين إقليميين داعمين لعبد الفتاح السيسي، فإن هذا لم يمنع اندلاع خلافات متعددة بين النظامين طوال السنوات الماضية.
وكان أشدها ما جرى في أكتوبر/تشرين الأول 2016، عندما اندلع توتر في العلاقات بين البلدين لتصل إلى حالة من "الحرب الإعلامية"، بعد تصويت القاهرة في مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الروسي حول سوريا.
وآنذاك انتقد سلمان الأنصاري، رئيس اللوبي السعودي في أميركا وما يُعرف باسم "سابراك،" تصويت مصر لصالح مشروع القرار الروسي حول سوريا.
وقال الأنصاري في تغريدة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي، إكس (تويتر سابقا): "عذرا يا جمهورية مصر العربية، ولكن تصويتك لصالح مشروع قرار روسيا في مجلس الأمن يجعلني أشكك في أمومتك للعرب وللدنيا!".
واستخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار فرنسي حول حلب في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف القتال والغارات الجوية على المدينة، كما يدعو إلى هدنة ووصول المساعدات الإنسانية إلى مختلف المناطق في سوريا.
وقتها أعلنت شركة "أرامكو" السعودية وقف شحنات البترول الخاصة بالقاهرة، ليتبعها مغادرة السفير السعودي أحمد قطان العاصمة المصري، كما ذكرت وسائل الإعلام آنذاك.
وبعدها، شن الإعلامي المصري التابع للنظام أحمد موسى حملة شرسة ضد السعودية، وقال في برنامجه "إن مصر عصية ولن تركع، والسيسي رئيس البلاد تحمل الكثير من أجلها".
وحينها أكد أيضا الكاتب المصري إبراهيم عيسى التابع للنظام، والمعروف بمناهضته للمملكة، أن "السعودية لا تطيق موقفا سياديا مستقلا لمصر".
ووصل الأمر أن الإعلامي يوسف الحسيني هاجم ابن سلمان شخصيا، وحذر في تعليقه على قطع البترول، قائلا: "هي مصر بتتشد ودنها! إحنا لو رفعنا إيدينا بس.. الولد هيعيط لأبوه"، وهو ما عده السعوديون "إهانة بالغة".