مركز تركي: إعادة اللاجئين إلى سوريا "دون تمييز" لن تحل الهجرة غير النظامية

قسم الترجمة | منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

مع تصاعد حدة انتقادات بعض الأتراك لوجود اللاجئين في بلدهم، لفت مركز بحثي تركي إلى أن قضية الهجرة لا يمكن حلها بهكذا مقاربات، بل يجب فهم أبعاد الأزمة، من الإرهاب إلى الأمن ومن السياسة إلى الاقتصاد. 

وقال مركز "أورداف" أن المأساة الإنسانية الناجمة عن المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي، وخاصة بعد الربيع العربي، شكلت أزمة هجرة في تركيا. 

ورقة رابحة

وأشار الكاتب التركي "طارق سولو جيفيزجي" إلى أنه في الوقت الذي ينفذ نظام بشار الأسد عمليات تغيير ديموغرافي داخل البلاد من أجل البقاء في السلطة وقمع الحركات الشعبية الديمقراطية، فقد طور عدداً من الإستراتيجيات الموجهة نحو الخارج من أجل معاقبة الدول المجاورة.

إذ كان الأسد حريصاً دائماً على إبقاء ورقتين في اللعب، خاصة لاستخدامهما ضد الدول التي تقف إلى جانب الثورة. 

وكانت ورقته الأولى هي معاقبة دول الجوار من خلال تصدير أزمات أمنية إليها عَبْرَ فتح المجال أمام التنظيمات الإرهابية وتقديم الدعم لها، وبذلك يتحوّل الانتباه بعيداً عن تغيير النظام في سوريا. 

وهكذا، وجدت المنظمات الإرهابية أرضية مواتية لنفسها في سوريا، حيث قوضت الثورة أولاً ثم شكلت تهديدات أمنية للمنطقة بأسرها.

أما البطاقة الثانية التي يلعب بها الأسد ونظام البعث فهي بطاقة اللاجئين. 

ويقول الكاتب إنَّ هذه القضية ذات البعد الإنساني أصبحت تمثل مع مرور الوقت مشكلة مهمة للعديد من الدول، وخاصة تركيا. 

وأردف: "وضع نزوح الملايين من الناس قدراً كبيراً من الضغط على الاقتصاد العالمي، الذي دخل عنق الزجاجة بعد الوباء (كورونا)". 

ومن خلال هاتين البطاقتين، حاول الأسد جعل الدول التي تعاملت مع القضية السورية "عاطفياً" تدفع ثمناً باهظاً.

وعلى الرغم من أنه لا يزال من السابق لأوانه القول إن الأسد ربح الحرب بهاتين الإستراتيجيتين، فإنه لن يكون من المبالغة القول إن العالم نسي الآن المطالب الديمقراطية والمآسي الإنسانية ويهتم أكثر بقضية اللاجئين. 

وواصل القول: بينما كان الرأي العام العالمي يتحدث عن تغيير أنظمة الحكم في الشرق الأوسط من خلال دعم حركات الشعوب منذ وقت ليس ببعيد، أصبحت الأولوية فجأة لمكافحة اللاجئين.

ويلقي الكاتب هنا نظرة على ما شهدته تركيا مؤخرا من حملات أمنية لإعادة لاجئين سوريين كانوا من بينهم من يحمل بطاقة الحماية المؤقتة، تزامنا مع تصاعد خطاب العنصرية في البلاد.

أزمة اللجوء

ولفت إلى أنَّ هناك العديد من التداعيات المترتبة على حقيقة أن أولويات الرأي العام العالمي قد تغيرت.

ففي الظرف الجديد، جرى استبدال المفاهيم والشعارات القديمة مثل "سوريا الديمقراطية" بخطاب كراهية آخر مثل "يجب أن يخرج السوريون من حياتنا".

ومع ذلك، أثناء دخول فترة جديدة في الأزمة السورية وتطوير إستراتيجيات مختلفة، من الضروري التصرف بحساسية شديدة، وفق تقدير الكاتب. 

و"بالإضافة إلى إظهار السلوك الواقعي، من الضروري عدم نسيان الظروف والأسباب التي غادر فيها هؤلاء الأشخاص أوطانهم، واتباع سياسات واقعية دون إيذاء أرواح هؤلاء الناس والابتعاد عن السلوكيات والممارسات المخالفة". 

وواصل القول: "من المهم أن نعمل وفقاً لقيمناً من أجل الإشادة بالتضحيات التي بُذِلَت في الماضي وإعادة بناء مستقبل المجتمعين على أسس متينة".

وأضاف: في تركيا، يبدو أن قضية اللاجئين السوريين تضررت بسبب بعض الممارسات الأخيرة ضد المهاجرين غير النظاميين.

وتابع أنه "ينبغي ألا تتحول القضية إلى جلسة لإيذاء ملايين النساء والأطفال الذين ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه".

وأوضح أن "مئات الآلاف من الأشخاص المسجلين في البلاد والذين بقوا فيها بشكل قانوني لا يستحقون أن يعاملوا كما لو كانوا مجرمين جنائيين".

ويرى أن محاربة مجموعة من المهاجرين غير النظاميين، الذين تعلم السلطات أعدادهم، لا يعني أن مئات الآلاف من الأشخاص المضطهدين الذين بقوا في هذا البلد لسنوات بموجب قواعد الحماية الدولية مذنبون.

وهنا يعتقد أنه "يجب أن تحكم الدولة بجدية وألا يكون للعاطفة مكان في إدارتها، ولا بد أن تظهر دائماً وجه جمال ووجه جلال".  

معالجة المشكلة

وأضاف: ومع ذلك، في عصر وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة المعلومات المضللة، للأسف، فإن التصورات لها الأسبقية على الحقائق.

وذكر الكاتب التركي أنه "إذا لم تُكافح هذه التصورات بشكل صحيح، فإن العديد من الأعداء سينتهزون الفرصة لتلويث صورة الدولة التركية". 

إذ يجري تعميم بعض الآراء الفردية، وإنشاء صورة معادية لتركيا في الرأي العام العالمي من خلال هذا الأمر.

وأشار إلى أنّ السياسة الخارجية الإنسانية والصورة التي تحاول تركيا بناءها في العالم الإسلامي والشرق الأوسط منذ سنوات تختفي فجأة بسبب الفرص التي تُعطَى لأعدائها  على وسائل التواصل الاجتماعي.

وعند وضع إستراتيجيات لمكافحة الهجرة غير النظامية، من المهم جداً التمييز بين الظاهرتين، لأن "المنظور الذي يتم فيه رؤية كل أجنبي كلاجئ ليس صحيحاً"، يوضح الكاتب.

وتابع: والعمل فقط لأسباب سياسية واقتصادية في مكافحة الهجرة ليس هو النهج الصحيح. ولذلك "يجب التخطيط للقضايا الحيوية مثل مكافحة الهجرة والشواغل الأمنية وحماية الهيكل الديموغرافي بطريقة متوازنة دون ظلم أحد". 

ويرى أن إعادة الناس إلى سوريا "دون تمييز" ليس هو الحل، مبينا أن "اللجوء إلى طرق العودة قبل زوال الأسباب الرئيسية للهجرة سيسبب مشكلات لا يمكن إصلاحها".

ويعتقد أن "إجبار الأشخاص الذين حصلوا على اللجوء باسم مكافحة الهجرة غير النظامية على الهجرة ليس فقط غير أخلاقي ولكنه يتعارض أيضاً مع قيمنا الوطنية والدينية". 

وقال الكاتب: "يجب أن تكون وجهة نظرنا حول هذه المشكلة واقتراحاتنا للحلول ضمن إطار فهم متوافق مع تعاليمنا التاريخية وقيمنا الدينية".

وحتى لو أحب بعض الناس ذلك، فليس من الصواب جر الجميع من مكان إلى آخر بإجراءات الشرطة وتدابير "شبيهة بما يفعله بشار الأسد"، بحسب تعبيره. 

بل "يجب أن يكون لدينا نهج يليق بالأمة التركية، التي احتضنت المظلومين وحمتهم، لأننا نعيش في عصر حساس للغاية لدرجة أن ما تم القيام به لمدة 10 سنوات يمكن أن يتم تدميره بواسطة صورة أو صورتين".