التنافس ينتقل للخارج.. لماذا تتسابق السعودية والإمارات على الاستثمار في باكستان؟

تتسابق كل من السعودية والإمارات لتطوير علاقات تجارية أوثق مع باكستان، لكن يحذر خبراء من أن العواصم الخليجية قد تحقق استفادة أكبر من تلك التي ستحصل عليها إسلام آباد.
وقال موقع "المونيتور" الأميركي، إن "الإمارات والسعودية تتنافسان على الاستثمار في باكستان، حيث سرعت كلتا الدولتين الخليجيتين من وتيرة استثماراتهما هناك".
وتابع في تقرير له: "إذا قررت أبو ظبي زيادة الاستثمار في باكستان، فمن المحتمل جدا أن تحذو الرياض حذوها، كجزء من التنافس المكتوم بينهما".
وأشار إلى أنه "منذ عام 2021، تقدم السعودية حوافز للشركات متعددة الجنسيات لتتخذ من الرياض مقرا لها".
لذلك، وعلى الرغم من أن دبي مركز أعمال إقليمي مستقر، فإن الرياض أصبحت أكبر منافس لها، كمركز لوجيستي رائد، وفق تقديره.
سباق استثماري
وشدد الموقع على أنه "إذا بدأ سباق استثماري بين الإمارات والسعودية في باكستان، فسيتعين على إسلام أباد أن توازن بين حليفتيها المقربتين".
وأفاد بأنه "بحثا عن حل قابل للتطبيق على المدى الطويل لدعم اقتصادها المتعثر، أنشأت إسلام أباد -التي تعاني من ضائقة مالية- مجلسا خاصا لتسهيل الاستثمار (SIFC)، والذي عرض 28 مشروعا، تصل قيمتها لمليارات الدولارات- إلى الدول الصديقة".
وفي هذا السياق، ينصب التركيز الرئيس لباكستان، على السعودية، والإمارات، وقطر، والبحرين، حسب الموقع. لكن أول من اغتنم هذه الفرصة كانت أبوظبي.
ففي يونيو/حزيران 2023، أعلنت مجموعة موانئ أبوظبي الحكومية، توقيع اتفاقية امتياز لمدة 50 عاما مع صندوق ميناء كراتشي.
وذكرت المجموعة أنه وبموجب اتفاقية الامتياز، سيؤَسَّس مشروع مشترك لإدارة وتشغيل وتطوير "بوابة كراتشي المحدودة" التي تضم المراسي 6 – 9 الواقعة في الرصيف الشرقي للميناء المذكور.
وعلى مدى الأعوام العشرة القادمة، سيخصص المشروع المشترك استثمارات لتطوير البنية التحتية والفوقية، ومن المخطط أن تُضَخ غالبيتها عام 2026.
وبعد أسابيع فقط، وقعت أبوظبي صفقة ثانية لمحطة ميناء بحري رئيس، ونتيجة لذلك، ستسيطر الشركة الإماراتية على حوالي 85 بالمئة من منطقة "إيست وارف" الساحلية.
وفي عام 2021، كانت الإمارات أكبر شريك تجاري إقليمي لباكستان، وشكلت ما لا يقل عن 40 بالمئة من تجارة إسلام أباد مع الدول العربية، وبلغت الصادرات غير النفطية من الإمارات حوالي 1.3 مليار دولار عام 2022.
وفي العام 2022، بلغت قيمة إعادة التصدير من الإمارات إلى باكستان 2.9 مليار دولار، بنسبة نمو 7.7 بالمئة، مقارنة بعام 2021.
التوازن بين البلدين
ومن جانبه، قال المحلل المالي في "هيئة تنظيم الصناعة المالية" الأميركية، زيشان شاه: "لا ينبغي التغاضي عن التنافس المتزايد بين السعودية والإمارات؛ لأن كل بلد منهما غالبا ما سيحاول التفوق على الآخر".
وأضاف: "سيتعين على باكستان أن تتسم بالحكمة في ألا تتحيز لبلد على آخر، إذا ما تنافست كل من السعودية والإمارات على فرص الاستثمار المتنوعة".
وأوضح الموقع أن "شركة أرامكو السعودية وقعت مذكرة تفاهم مع أربع شركات نفط باكستانية حكومية، لبناء مصفاة نفطية بقيمة 12 مليار دولار في منطقة جوادر، بإقليم بلوشستان".
وستساهم الشركات المحلية الباكستانية بنسبة 70 بالمئة، في حين أن أرامكو ستبدأ المشروع بنسبة 30 بالمئة.
وأفاد "المونيتور" بأنه "في الوقت نفسه، عرضت باكستان مطاراتها الرئيسة للاستثمار، الأمر الذي تبدي الشركات السعودية اهتماما به".
بدوره، قال المتخصص في سياسة التنمية والإدارة، زبير فيصل عباسي، للموقع: "تحتاج باكستان للاستثمار الأجنبي لتوسيع وتنويع اقتصادها".
"كما أنها تستهدف زيادة مساهمة قطاع تكنولوجيا المعلومات في الاقتصاد القائم على الصادرات، وتسعى أيضا إلى تحديث الاستثمارات في قطاع الزراعة لزيادة الإنتاجية، وبالإضافة إلى ذلك، تتمتع باكستان بإمكانات هائلة في قطاع التعدين"، وفق عباسي.
وأردف الموقع أنه بدءا من مناجم النحاس والذهب في منطقة تشاجاي بإقليم بلوخستان، وخطة "ثار" لتوصيل سكك حديد الفحم إلى "سد ديامر-باشا"، والمزارع الزراعية، فإنه يمكن أن يصل حجم الاستثمار في هذه المشاريع إلى مستويات ضخمة.
بل يمكن حتى أن يصل إلى مستوى أعلى من الاستثمار البالغ 28 مليار دولار، في إطار مشروع "الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني"، بشرط أن تتبنى الدول العربية جميع هذه المشاريع، حسب الموقع.
وتابع أنه في الماضي، كان عدم وجود نافذة واحدة عملية وسريعة للتعامل مع المستثمرين الأجانب يشكل عقبة في وجه الاستثمار الأجنبي، لكن إنشاء "مجلس تسهيل الاستثمار"، جعل الأمور أيسر، خاصة مع توفير غطاء قانوني مناسب.
وأشار عباسي إلى أن "أحد القيود المفروضة على النمو الاقتصادي لباكستان هو الجمود البيروقراطي، والحوكمة الاقتصادية الإشكالية، بسبب التعقيد في تنفيذ السياسات الاقتصادية".
وقال إن "مجلس تسهيل الاستثمار الباكستاني يمكن أن يقلل من الروتين، ويحقق الكفاءة، ويجعل هناك تناغما في عمليات صنع القرار".
"لذلك، قد لا تغير الاستثمارات (الخليجية) نمو القطاع الاقتصادي فحسب، بل قد تغير أيضا الترتيبات المؤسسية للحوكمة الاقتصادية في باكستان".
شراء الأصول المربحة
وأفاد "المونيتور" أنه "من أجل توفير رأس المال للمشاريع المعتمدة من مجلس تسهيل الاستثمار، فقد أنشئ صندوق الثروة السيادي الباكستاني".
وفي وقت لاحق، ستُحوَّل سبعة كيانات ربحية مملوكة للدولة، تصل قيمتها إلى 8 مليارات دولار، إلى هذا الصندوق.
ومع ذلك، حذر "شاه" من أن اهتمام السعوديين والإماراتيين ينبع من "إزالة العقبات البيروقراطية، والقدرة على شراء الأصول المربحة، وتأمين استثماراتهم".
فهذا الاهتمام برأيه "لا ينبع من الانجذاب إلى الاستثمار في باكستان، من خلال الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، التي من شأنها تعزيز الاقتصاد الباكستاني على المدى الطويل".
وتابع الموقع أنه "في الوقت الحالي، وكرد فعل للاستثمارات الخليجية، لا تزال البورصة الباكستانية إيجابية، حيث وصلت إلى أعلى مستوى لها خلال عامين".
"ومن دول مجلس التعاون الخليجي، تدرس قطر أيضا العروض الاستثمارية، حيث تجري محادثات مع باكستان لإدارة مشتركة للمطارات الباكستانية الرئيسة الثلاثة، كراتشي، ولاهور، وإسلام أباد".
ويرى "المونيتور" أنه "إذا تحقق ذلك، فإن الدوحة ستستثمر حوالي 3 مليارات دولار في الشحن والتفريغ، بالإضافة إلى توفير أماكن إقامة من فئة الخمس نجوم، ومرافق حديثة في المطارات".
وأضاف أنه "من أجل تحسين أمنها الغذائي، تدرس الدوحة أيضا الاستثمار في مشروع زراعي، بمساحة 10 آلاف فدان، في صحراء تشولستان بإقليم البنجاب".
وأردف عباسي أن "اقتصاد باكستان يفتقر إلى العملة الصعبة في الوقت الحالي، ويحتاج إلى المال لسداد الديون".
"ومع ذلك، فإن باكستان دولة نامية أيضا، وتحتاج إلى استثمارات لتوسيع بنيتها التحتية، لتتحمل النشاط الاقتصادي المتزايد باستمرار"، وفق تقديره.