لم تعد قاصرة على الكادحين.. ماذا وراء معدلات هجرة المصريين المتصاعدة؟

برزت الزيادة الكبيرة في معدلات هجرة المصريين، ضمن الآثار الاجتماعية الخطيرة لعشرية الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، بقيادة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.
ورغم أن ظاهرة الهجرة غير النظامية لدى المصريين باتت مقلقة للمجتمع الدولي، ودول المتوسط على رأسها إيطاليا واليونان، هناك رصد لهجرة أكبر بين مختلف طوائف وفئات المجتمع المصري كالأطباء والمهندسين والعلماء وأيضا الشباب.
وكانت وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج سها الجندي، قد أعلنت في 13 يوليو 2023، خلال زيارتها للغرفة التجارية المصرية بالإسكندرية، أن عدد المصريين في الخارج وصل إلى 14 مليون مغترب، وأن معدلات الهجرة في زيادة مستمرة، تشمل رجال أعمال وعددا من العاملين في قطاعات مختلفة.
تصريحات الوزيرة جاءت في توقيت أصدرت فيه "الإذاعة الوطنية العامة" وهي مؤسسة إعلامية أميركية، تقريرها الذي قالت فيه: "إن مصر تربعت العام الماضي (2022) على قمة الدول المصدرة للهجرة غير النظامية إلى أوروبا، وتفوقت على كل من أفغانستان وسوريا".
وقالت: "إن المصريين يسعون بشكل متزايد إلى الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، وإن المنظمة الدولية للهجرة أحصت ما يقرب من 22 ألف مهاجر مصري وصلوا إلى أوروبا، معظمهم عن طريق البحر".
وذكرت أن "تلك الأرقام دفعت مصر إلى القمة، متجاوزة المهاجرين غير النظاميين من كل الدول الأخرى، بما في ذلك من أفغانستان وسوريا التي مزقتها الحرب".
وتحدثت المؤسسة الأميركية عن آلاف الرجال الذين يختفون من القرى الريفية الفقيرة في مصر، ثم لا يلبثون أن يظهروا في ليبيا في طريقهم إلى أوروبا عبر شبكات تهريب البشر.
فيما يلقي التقرير باللائمة على الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تدهورت بشدة خلال الأعوام الماضية، تحت مظلة حكم عبد الفتاح السيسي.

الشباب والعقول
في 27 يناير/كانون الثاني 2023، أصدرت شبكة "الباروميتر العربي" البحثية تقريرا حول نوايا ودوافع الهجرة في البلدان العربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، شمل عينة عشوائية من أكثر من 33 ألفا، توزعوا على 14 دولة.
نتائج البحث أفضت إلى أن 30 بالمئة من سكان هذه الدول يسعون للهجرة لأسباب تنوعت بين اقتصادية وسياسية وأمنية وتعليمية. وتصدرت مصر قائمة الدول العربية الراغب شبابها في الهجرة بمعدل 97 بالمئة،
"الباروميتر العربي" قال إن رغبة الشباب المصري للهجرة، تسير في منحى تصاعدي، مقارنة بالسنوات السابقة. وهناك هجرة من نوع خاص تعاني منها مصر، وهي هجرة العلماء والعقول البارزة.
ففي 28 أكتوبر/تشرين الأول 2019، أصدر اتحاد المصريين بالخارج بيانا تضمن إحصاءات نسبها لمركز الإحصاء التابع للأمم المتحدة أن تعداد علماء وأكاديميي مصر بالخارج يبلغ حوالي 86 ألفا".
وأتبع: "منهم 1883 في تخصصات نووية نادرة، و42 رئيس جامعة حول العالم، ووزير بحث علمي في كندا، وثلاثة أعضاء بمجلس الطاقة الإنمائي من إجمالي 16".
لكنه ذكر أن 70 بالمئة من تلك الهجرة بدأت منذ عام 2013، عندما جرى وأد التجربة الديمقراطية في مصر، وسحق مكتسبات ثورة 25 يناير 2011.
وفي 28 أكتوبر 2022، نشرت صحيفة "المصري اليوم" المحلية، أنه حسب "الجهاز المركزي للإحصاء"، هناك 63 بالمئة من العقول المصرية المهاجرة تخدم في الدول الغربية الأمر الذي انعكس إيجابا لصالح هذه الدول واقتصاداتها.
وقد أسهم المهاجرون بها علميا وفكريا ووظيفيا وثقافيا واجتماعيا، وفتحت اكتشافاتهم ودراساتهم واختراعاتهم وإبداعهم وابتكاراتهم آفاقا جديدة، ما أغنى الحياة العلمية هناك وجعلها تحقق الصدارة، وفق الصحيفة.
واستطردت: "كان يفترض أن نستفيد من هذه العقول بتوفير البيئة السليمة لها لتساعدها على الإنتاج والإبداع، ولا تدفعها للهجرة".

هجرة الأطباء
وفي 27 فبراير/شباط 2023، نشرت وزارة الصحة المصرية تقريرا، أوردت فيه أنه خلال العام 2022، قدم أكثر من 4300 طبيب مصري يعملون في المستشفيات الحكومية استقالاتهم، بمعدل يصل إلى 13.5 طبيب كل يوم.
وتسببت هجرة الأطباء المصريين في نقص كبير لأعداد الكوادر الصحية في البلاد. وهو ما أكدته منظمة الصحة العالمية.
وأكدت المنظمة أن معدل الأطباء في مصر لا يتجاوز 7 لكل 10 آلاف شخص، وهو معدل أقل بكثير من الحد الأدنى الذي توصي به (10 أطباء لـ 10 آلاف شخص).
وحسب وزارة الصحة للعام 2019، فإن الأطباء المقيدين في نقابة الأطباء 220 ألفا، منهم 120 ألفا خارج البلاد، أي أن هناك 60 بالمئة من الأطباء المصريين مغتربون.
وسبق أن تحدث عبد الرحمن عاشور، وهو طبيب مصري مقيم في ألمانيا، عبر صفحته الشخصية بفيسبوك في 10 يونيو/حزيران 2020، عن زيادة الهجرة للأطباء العرب، ومنهم المصريون إلى ألمانيا خلال العام 2019.
عاشور استشهد بالحصر الذي قدمته نقابة الأطباء الألمانية الفيدرالية، والذي يقدر عدد الأطباء العرب العاملين في ألمانيا حتى نهاية العام 2019، بـ11 ألف طبيب، نسبة الأطباء المصريين منهم بلغت 1549 (بزيادة بلغت 188 طبيبا في 2019 مقارنة بزيادة 135 طبيبا في 2018).
بينما أشار إلى أن "ما يوازي 10 بالمئة من عدد الخريجين السنوي من كليات الطب المصرية يسافر إلى إنجلترا فقط حاليا، تخيل معي كم طبيب يسافر إلى باقي دول العالم".
وفي 16 أبريل/نيسان 2020، قال الدكتور عاصم عبدالصمد، رئيس اتحاد المصريين في أوروبا، وأستاذ التخدير المقيم بلندن، خلال مداخلة على قناة "صدى البلد": "الفريق الطبي الذي عالج رئيس الوزراء البريطاني (السابق) بوريس جونسون داخل مستشفى سانت توماس، الجامعية الكبرى في المملكة المتحدة البريطانية، ضم عددا من الأطباء المصريين".
وتعد هجرة الأطباء من أكثر الملفات المقلقة في مصر، وتتكرر تحذيرات نقابتهم من خطورة المناخ الطارد لهم، في حين تعترف الحكومة بالأزمة، التي تصاعدت بقوة خلال حكم عبد الفتاح السيسي، كما طالت الأزمات الصيادلة أيضا.
وفي 7 فبراير/ شباط 2020، وفقا لتقرير الحالة المصرية الذي أصدره المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" فإن هناك 76 بالمئة من الصيادلة المصريين، يرغبون في الهجرة.
وكانت وزيرة الهجرة المصرية (السابقة) نبيلة مكرم، قد صرحت في لقاء تلفزيوني في 9 أغسطس/آب 2019، على هامش زيارتها لكندا: "أن عدد المصريين هنا كبير للغاية، من مختلف التخصصات سواء أطباء أم مهندسون أم صيادلة، مشيرة إلى أن 40 بالمئة من الصيادلة هناك مصريون".

هجرة المهندسين
مواكب الهجرة شملت أيضا قطاع المهندسين بالغ الأهمية، ففي 13 سبتمبر/ أيلول 2022، أعلنت نقابتهم بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي) أن نسبتهم إلى عدد السكان في مصر تتجاوز كثيرا النسبة العالمية التي تقدر بمهندس واحد لكل 200 شخص، بينما نسبتها في مصر هي مهندس لكل 8.5 مواطن.
وذكرت أن "حوالي 20 بالمئة من خريجي كليات الهندسة في مصر يسافرون إلى الخارج سواء هجرة مؤقتة للخليج للعمل أو لأوروبا وأميركا اللاتينية للهجرة والعمل بشكل دائم وهم النسبة الأكبر".
وعلق على هذه النسبة نقيب المهندسين طارق النبراوي قائلا: "قد تكون البطالة دافعا للهجرة، وهي ظاهرة متزايدة في السنوات الأخيرة لم تكن موجودة من قبل".
وأكد على وجود أزمة بالفعل قادمة بشكل أكبر وستتوسع في صفوف المهندسين المصريين.
ومما أشار إليه كدلالة على مدى استفحال الأزمة، أن بعض المهندسين الشباب يقدمون إلى النقابة لطلب إلغاء انتسابهم إليها.
ثم يقدمون على الهجرة ببطاقة عامل أو غير حاصل وهو الأمر الذي يمثل خطرا واضحا، وفق النبراوي.
وفي حديثه لـ"الاستقلال" قال كريم عمار، وهو مبرمج مصري مقيم في الولايات المتحدة الأميركية: "إن الهجرة هي النتاج الطبيعي لما تعيشه مصر على مدار 10 سنوات كاملة، فلا يوجد هناك أفق لحياة كريمة ومستقبل مشرق كما يزعم رئيس النظام ومؤيدوه".
وأضاف: "المستقبل الوحيد المنتظر هو لأصحاب البدلة العسكرية والمقربين من أجهزة الأمن كالقضاة ووكلاء النيابة، لكن لا مكان لأطباء أو علماء أو غيرهم".
واستطرد: "حتى أوضح أكثر فإن الهجرة تختصر لك مسافات طويلة في الحياة، ورغم مشقتها لكنها توفر مشقة أكبر وأخطر في بلدك".
فمثلا راتب المبرمج المحترف في مصر لا يتجاوز 20 ألف جنيه مصري (647 دولارا)، بينما المبرمج المحترف في الولايات المتحدة قد يصل راتبه لـ (40 ألف دولار) وأحيانا يزيد حسب الشركة والمؤسسة التي يعمل بها".
واختتم: "قد تكون معدلات هجرة العقول والتخصصات من العالم العربي كبيرة، لكن في مصر أكبر وهو أمر ملحوظ في بلدان كثيرة، أن المصريين موجودون بكثافة وباتوا أكثر من أبناء المغرب العربي الذين كانوا مهيمنين من قبل".
المصادر
- Egypt's vanishing village men: Risking it all to get to Europe
- وزيرة الهجرة: عدد المصريين في الخارج يصل إلى 14 مليون مصري
- «العقول المهاجرة».. الثروة المفقودة والقوى الناعمة
- نتائج صادمة.. تقرير يوثق تصاعد مؤشرات الهجرة لدى الشباب في الدول العربية
- Young doctors are leaving Egypt in droves for better jobs abroad
- وزيرة الهجرة: 40% من الصيادلة في كندا مصريين
- موسم هجرة المهندسين المصريين مستمر.. شرخ في جدار السوق ومخاطر من استمرار الظاهرة