حقبة جديدة.. هل يسهم التقارب السعودي التركي في إنهاء حرب اليمن؟

البيان السعودي التركي المشترك حيال الأزمة في اليمن ودعوتهما إلى حل سياسي للحرب الدائرة هناك منذ سنوات، أثار تساؤلات عدة عن السيناريوهات المحتملة بشأن الملف اليمني بعد دخول أنقرة على الخط، لا سيما بعد صفقة الطائرات المسيرة التي أبرمتها مع الرياض.
ومنذ نحو 9 سنوات يشهد اليمن حربا بين القوات التابعة للحكومة الشرعية مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده السعودية، ومليشيا "الحوثيين" المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر/ أيلول 2014.
دعوة للحوثيين
وفي 19 يوليو/ تموز 2023، أكدت كل من السعودية وتركيا خلال بيان مشترك لهما، دعمهما الكامل لمجلس القيادة الرئاسي في الجمهورية اليمنية، وثمنا الجهود الأممية في تعزيز الالتزام بالهدنة.
جاء ذلك في بيان مشترك صادر عن البلدين عقب زيارة أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مدينة جدة السعودية، في إطار جولة خليجية شملت أيضا قطر والإمارات.
وأكد البيان الصادر عن البلدين أهمية "انخراط الحوثيين بإيجابية مع الجهود الدولية والأممية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية والتعاطي بجدية مع مبادرات وجهود السلام".
وتتكثف منذ شهور مساعٍ إقليمية ودولية لتحقيق حل سياسي شامل للأزمة في اليمن، شملت زيارات لوفود سعودية وعمانية إلى صنعاء، إضافة إلى تحركات أممية ودولية متعددة للدفع بعملية السلام.
وكانت الأمم المتحدة قد رعت هدنة بين الجيش اليمني، ومليشيا الحوثي لمدة ستة أشهر وانتهت في أكتوبر/تشرين الأول 2022، ليدخل بعدها اليمن في وضع يشبه الهدنة من دون إعلان، لكن البلاد تشهد بين الحين والآخر مناوشات مسلحة.
#عاجل| تركيا والسعودية تثمنان الجهود الأممية في تعزيز الالتزام بالهدنة اليمنية وتؤكدان أهمية انخراط الحوثيين بإيجابية مع الجهود الدولية (بيان مشترك)
— Anadolu العربية (@aa_arabic) July 19, 2023
وجاءت دعوة أنقرة والرياض الموجهة للحوثيين من أجل إنهاء الأزمة في اليمن، بشكل مباشر، بعد إعلان وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان توقيع بلاده عقدين لشراء طائرات مسيرة تركية، إضافة إلى "خطة تنفيذية للتعاون الدفاعي".
وقال خالد بن سلمان خلال تغريدة عبر "تويتر" في 18 يوليو 2023، إنه "بتمكين ودعم ولي العهد رئيس مجلس الوزراء (محمد بن سلمان) سُعدت اليوم، بتوقيع الخطة التنفيذية للتعاون الدفاعي مع وزير الدفاع الوطني في تركيا يشار غولر".
وأضاف وزير الدفاع السعودي غداة بدء أردوغان زيارة للمملكة، التقى خلالها ولي العهد ابن سلمان، أن تلك الخطة "تأتي تتويجا لمسار التعاون بين البلدين الصديقين في المجال الدفاعي والعسكري".
ومضى يقول: "كما جرى التوقيع على عقدي استحواذ بين وزارة الدفاع وشركة (بايكار) التركية للصناعات الدفاعية، تستحوذ بموجبهما وزارة الدفاع على طائرات مسيَّرة، بهدف رفع جاهزية القوات المسلحة، وتعزيز قدرات المملكة الدفاعية والتصنيعية".
في 24 يونيو/ حزيران 2020، نشرت مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، أن شركات الدفاع التركية في طور التفاوض للاستحواذ على عقود جديدة بالرياض بفضل الحلفاء المتمتعين بعلاقات جيدة في مجال الأعمال.
وقبل أن يعاود الطرفان تواصلهما عام 2022، دخلت العلاقة بين أنقرة والرياض في توتر مستمر جراء الخلافات العميقة بشأن العديد من القضايا الإقليمية، ومن أبرزها ملفات الأزمة الخليجية مع قطر (انتهت في 2021) وليبيا ومصر بعد الانقلاب العسكري صيف 2013، ومقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018.
بتمكين ودعم سمو سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله-؛ سُعدت اليوم، بتوقيع الخطة التنفيذية للتعاون الدفاعي مع معالي وزير الدفاع الوطني في جمهورية تركيا السيد ياشار غولر، والتي تأتي تتويجًا لمسار التعاون بين البلدين الصديقين في المجال الدفاعي والعسكري. pic.twitter.com/RRSnuk6Mvu
— Khalid bin Salman خالد بن سلمان (@kbsalsaud) July 18, 2023
سيناريوهات محتملة
وبخصوص دخول تركيا على خط الأزمة في اليمن، قال الباحث في الشأن التركي، محمد علوش، إن "البيان المشترك لأنقرة والرياض بعد زيارة أردوغان إلى السعودية يعكس بشكل أساسي رغبة الطرفين في تطوير الشراكة الجديدة بينهما لتصل إلى القضايا الإقليمية".
وأضاف علوش لـ"الاستقلال" أن "التأكيد على الموقف المشترك من مختلف القضايا الإقليمية، ولا سيما الملف الأمني يشير إلى رغبة أنقرة والرياض لمواءمة سياستهما الإقليمية تجاه هذه القضايا خلال المرحلة المقبلة".
ورأى أن "تركيا يمكن أن تلعب دورا مهما في إستراتيجية السعودية باليمن، خاصة في الجوانب الأمنية، خصوصا على صعيد تجارة الأسلحة، فهناك صفقة بيع طائرات مسيرة إلى السعودية جرى إبرامها خلال الزيارة، وهي الأكبر في تاريخ تركيا".
ولفت إلى أنه "من خلالها هذه الصفقة مع السعودية وغيرها من الصفقات التي أبرمتها مع الإمارات في مجال الصناعات الدفاعية، وأيضا مع الكويت وقطر، تسعى تركيا إلى تقديم نفسها للخليج كشريك أمني يمكن الاعتماد عليه في وقت تواجه هذه الدول تحديات ملء الفراغ الناتج عن تراجع الانخراط الأميركي في أمن الخليج".
وأعرب علوش عن اعتقاده بأن "تلعب الطائرات المسيرة التركية دورا مهما بالنسبة للرياض في تأمين حدود المملكة مع اليمن بشكل أساسي، وهذا الأمر سيشكل إضافة للإستراتيجية العسكرية السعودية فيما يتعلق بالملف اليمني".
وبحسب الباحث، فإن "هناك اتجاها متزايدا لدفع عملية التسوية السياسية في اليمن، وهذا تعزز بشكل أكبر في أعقاب المصالحة بين السعودية وإيران، وأن تركيا تراه الحل الأمثل لإنهاء الصراع في اليمن، وأنها تدعم أي جهود من شأنها دعم إحلال السلام في اليمن".
وفي 10 مارس/ آذار 2023، أعلنت السعودية وإيران استئناف علاقاتهما الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات، عقب مباحثات برعاية صينية في بكين.
وأكد علوش، قائلا: "نحن أمام حقبة جديدة في العلاقات التركية الخليجية، وهذه تعكس توجه الطرفين لبناء شراكة إستراتيجية شاملة، وهذا ما برز في زيارة أردوغان الأخيرة للخليج، وطبيعة الاتفاقيات والبيانات السياسية التي صدرت خلال هذه الجولة".
ولفت إلى أن "هذه الشراكة بالتأكيد لن تنحصر في المجالات الأمنية والاقتصادية، بل أيضا ستشمل المجالات الجيوسياسية، وبالتالي ستعمل على إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية، وستفرض واقعا جديدا في المنطقة".
وبيّن علوش أن "الشراكة التركية الخليجية، ستلعب دورا مؤثرا في نظام الإقليم الجديد الذي يتشكل في الوقت الراهن بالمنطقة، وبالتأكيد كل القضايا الإقليمية، بما فيها القضية اليمنية، ستتأثر حتما بهذا التقارب.
وخلص إلى أن "دور تركيا محدود في ملف اليمن، على العكس من الوضع في سوريا وليبيا، لكن مع ذلك فإن هذا التعاون والعلاقة المتنامية ولا سيما في المجالات الأمنية والعسكرية بين أنقرة والرياض تشكل إضافة للسعودية في مواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها بالملف اليمني".
دعم إنساني
الدور التركي في اليمن منذ بدء الحرب، يقتصر على تقديم المساعدات الإنسانية، إذ تنشط المؤسسات الإغاثية التركية بقوة في البلد الذي يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، خاصة تلك التي تقدمها "هيئة الإغاثة الإنسانية"، ومؤسسة التعاون والتنسيق التركية "تيكا".
وتقدم أنقرة على الدوام مساعدات غذائية وطبية ومساعدات عينية للمناطق المنكوبة والأسر الأشد فقرا، وتبرز كقوة إنسانية نشطة جدا في اليمن، لكن دون أن يكون لها أي تحركات سياسية أو عسكرية مباشرة حتى اليوم.
وأسست الحرب الدائرة في اليمن منذ 9 سنوات لواقع إنساني هو الأسوأ على مستوى العالم، إذ أن نحو 80 بالمئة من سكان البلاد بحاجة لمساعدات إنسانية، إضافة إلى وجود أكثر من 3 ملايين و600 ألف نازح، وخروج قرابة 50 بالمئة من المرافق الصحية عن الجاهزية.
لكن بعد زعم "الحوثيين" في مارس/ آذار 2021 إسقاط طائرة تركية "تجسسية"، ظهرت تكهنات حول دعم تركي للسعودية في اليمن، الأمر الذي لم تعلق عليه حينها أنقرة أو الرياض.
الدفاعات الجوية تتمكن بفضل الله من إسقاط طائرة تجسسية مقاتلة نوع كاريال تركية الصنع تابعة لسلاح الجو السعودي أثناء قيامها بمهام عدائية في أجواء منطقة المرازيق في محافظة الجوف عصر يومنا هذا.
— العميد يحيى سريع (@army21ye) March 7, 2021
تمت عملية الاستهداف بصاروخ مناسب لم يكشف عنه بعد.
كما أن تركيا دأبت على إدانة الهجمات الصاروخية التي يشنها الحوثيون على السعودية، لا سيما حيال الهجوم الذي شنته المليشيا على منشآت نفطية قرب مدينة الدمام في مارس 2021.
وأعربت وزارة الخارجية التركية حينها عن "قلق بالغ إزاء الهجمات التي استهدفت أراضي المملكة"، مضيفة: "نعبر عن تمنياتنا بالسلامة للسعودية الشقيقة حكومة وشعبا".
المصادر
- تركيا والسعودية تدعوان إلى حل سياسي للصراع في السودان واليمن
- رغم الخلاف السياسي.. ما سر إقبال السعودية على شراء الأسلحة التركية؟
- تقارب سعودي تركي في اليمن.. هل سيكون على حساب الإمارات؟
- ثماني سنوات على انقلاب الحوثيين: تأسيس لحرب ومعاناة مستمرة
- اليمن.. أسوأ أزمة إنسانية في العالم تستدعي وقف الحرب
- السعودية تبرم صفقة مع تركيا لشراء طائرات مسيرة