الجيش يقرض الدولة.. ما علاقة "هيئة التسليح" بحل الأزمة الاقتصادية في مصر؟ 

إسماعيل يوسف | منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

مع استفحال الأزمة الاقتصادية في مصر وتعهد الحكومة في يناير/كانون ثان 2023 بتأجيل المشروعات التي تحتاج "مكونا كبيرا من العملات الأجنبية"، برز تدخل مفاجئ من الجيش لعدم تعطيل الخطط الموضوعة.

وكان خبراء اقتصاد توقعوا أن تلقي الأزمة بظلالها على مسار تنفيذ المشروعات العملاقة التي تحتاج نقدا أجنبيا، وقد تأجل تنفيذ بعضها بالفعل.

لكن المفاجأة كانت تدخل هيئة عسكرية هي "هيئة التسليح" التابعة للجيش المصري لتوفير ما تحتاجه هذه المشاريع المعطلة بسبب أزمة الدولار، بالتعاون مع الإدارة المالية للقوات المسلحة التي سبق أن قدمت قروضا للدولة المصرية.

خبير اقتصادي فسر التدخل لتنفيذ مشاريع مدنية بأنه تحرك من جانب رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بصفته القائد الأعلى للجيش بإصدار أوامره لقادة الجيش وهيئتي "التسليح" و"المالية" بالقوات المسلحة لحل الأزمة.

قال الخبير الذي رفض الكشف عن اسمه لـ "الاستقلال" إنه سبق أن دعم الجيش موازنة مصر عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011 بعدة مليارات دولار ثم أخذها لاحقا من البنك المركزي.

ورجح صدور تعليمات من السيسي لهيئة التسليح التي تتولى شراء الاحتياجات العسكرية، بشراء معدات مشاريع منها المونوريل وغيرها للعاصمة الإدارية لافتتاحها لإظهار "إنجازات" السيسي قبل انتخابات الرئاسة المقبلة 2024.

ومع تولي "هيئة التسليح" مهمة توفير احتياجات مشاريع السيسي ذات المكون الدولاري العالي، تزايدت التساؤلات حول دور هذه الهيئة وهل تولت دور وزارتي المالية والصناعة في ظل أزمة الدولار وانهيار المعدلات الاقتصادية؟ 

وأنشئت "هيئة التسليح" في 2 نوفمبر/تشرين ثاني 1967 بقرار من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وأطلق عليها أيضا "الهيئة الفنية" وكان الهدف منها إعادة تسليح وتنظيم أفرع القوات المسلحة لرفع كفاءتها الفنية بعد هزيمة العام المذكور.

وتعاقب على قيادة الهيئة العديد من القادة، الفريق محمد سعيد العصار، الذي شغل أيضاً منصب وزير الدولة للإنتاج الحربي، ويرأسها حاليا اللواء كمال وفائي.

لماذا هيئة التسليح؟

في 9 سبتمبر/أيلول 2021 قال رئيس الهيئة القومية للأنفاق اللواء عصام والي، لصحيفة "الوطن" الخاصة إن مشروع قطار المونوريل سيبدأ تشغيله أمام الركاب أواخر مايو/أيار 2022، والمرحلة الثانية ستكون جاهزة في فبراير/شباط 2023، وهو ما لم يحدث.

لكن "مصدر مسؤول" بمجلس إدارة الهيئة القومية للأنفاق، أكد لموقع "المنصة" 15 يوليو/تموز 2023 أن مشروعات جرى تأجيل تنفيذها بالفعل، منها قطار المونوريل، عاما كاملا بحيث تنتهي آخر 2024 بدل 2023، بسبب أزمة الدولار.

لم يقتصر الأمر على "المونوريل"، حيث رصدت صحف مصرية تأجيل تنفيذ مشاريع أخرى بسبب أزمة الدولار.

منها مشروع الأوتوبيس الترددي BRT الذي يواجه أزمة توفير 50 مليون يورو وتأجل موعد افتتاحه في أكتوبر/تشرين الأول 2022، كما تأجل افتتاح محطات الجزء الثاني من المرحلة الثالثة للخط الثالث لمترو الأنفاق، وغيرها.

ثم كانت المفاجأة الجديدة التي تمثلت في كشف مصدر مسؤول بوزارة النقل، التي يديرها وزير عسكري، عن تدخل "هيئة التسليح" في القوات المسلحة، لحل أزمة الدولار التي تواجه الشركات العاملة في مشروعات الوزارة.

وعلى رأسها القطار الكهربائي السريع "العلمين – السخنة"، الذي تبلغ تكلفته حوالي 11 مليار دولار أميركي منها 4 مليارات و450 مليون دولار للمرحلة الأولى، والمونوريل، بخلاف مشاريع أخرى.

المصدر القريب من دائرة الوزير قال لموقع "المنصة" 17 يوليو 2023 إن اجتماعًا عُقد منتصف يونيو/حزيران 2023 ضم مسؤولين في هيئة التسليح، وعددا كبيرا من شركات المقاولات العاملة في مجموعة من المشروعات الجاري تنفيذها لصالح الوزارة.

أوضح أن وزير النقل كامل الوزير طالبهم بحصر الاحتياجات كافة، من مهمات إنتاج مطلوب استيرادها من الخارج لتنفيذ واستكمال المشروعات، تمهيدا لتكليف هيئة التسليح بشرائها (من أموال الجيش).

مصدر آخر بشركة السويدي، المنفذة لمشروع النقل الذكي، أكد أن "هيئة التسليح" أبلغتهم أنها ستعمل على توفير المهمات المطلوبة خلال الشهور المقبلة، وتسليمها مقابل تسعيرة ستضعها بمعرفتها وتحصيلها بالجنيه المصري.

ولفت المصدر، إلى صدور تعليمات من "القيادة السياسية" – أي السيسي- بتسريع وتيرة العمل وإنهاء المشروعات المتعطلة بدعم من الجيش (المالية وهيئة التسليح).

وتحصل هيئة التسليح على عقود خارج مصر تتقاضى بموجبها بالدولار، وسبق أن أشار اللواء محمود نصر مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية، كمثال، إلى مشروعين دخلت فيهما القوات المسلحة المصرية في الكويت لتطهير الألغام والمشاركة في إحدى عمليات الأمم المتحدة قائلا إنهما "درتا ملايين الدولارات"، بحسب جريدة "الشروق" 27 مارس/آذار 2012.

كما كشف تقرير سابق لوكالة "رويترز" البريطانية 12 أبريل/نيسان 2012، وقبل التوسيع في بيزنس الجيش بشراسة، أن القوات المسلحة غنية وتمتلك مصانع تنتج كل شيء وتربح بدءا من الذخيرة وانتهاء بقدور الطهي وطفايات الحريق وأدوات المائدة.

ويدير الجيش أيضا بنوكا وعمليات سياحية ومزارع ومحطات لمعالجة المياه وسلسلة من محطات البنزين وشركات مقاولات وشركات استيراد، وفق رويترز.

والشركات التي يملكها الجيش منفردا معفاة من الضرائب ويعمل بها المجندون مقابل مبالغ زهيدة، وتحصل على مكاسب كبيرة من استثماراتها ولا تدفع ضرائب، كما أن القوات المسلحة تسيطر على نحو 87 بالمائة من أراضي مصر بحجة الأمن القومي.

كما يمتلك الجيش شركة "أوبترونيكس" الدولية منذ عام 1987 بالشراكة مع "تاليس" الفرنسية والتي تعمل على تصنيع الكاميرات الحرارية والدبابات، وتصدر لبريطانيا وفرنسا وألمانيا وليبيا والسعودية والإمارات وتجني الكثير من المال.

ويشكك مصريون في جدوى هذه المشاريع العملاقة وسط تساؤلات عن سبب ضخ الحكومة عشرات المليارات من الدولارات في مشاريع كهذه في وقت تكافح فيه لاحتواء عبء ديونها وتوفير الخدمات العامة (الغائبة) مثل الصحة والتعليم.

ويقول الباحث في "معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط" ومقره الولايات المتحدة، تيموثي قلدس، إن القرار وراء تنفيذ بعض مشاريع البنية التحتية "سياسي أكثر من كونه قرارا اقتصاديا"، بحسب "دويتشه فيله" الألمانية.

أوضح أن إصرار صندوق النقد الدولي على "كبح جماح الإنفاق على المشاريع العملاقة" يحمل انتقادات ضمنية لأسلوب الحكومة المصرية في تحقيق النمو، ويرسل إشارة واضحة مفادها أن هذه المشاريع "غير سليمة اقتصاديا وغير مبررة".

وتشير دراسة لمركز أبحاث "حلول للسياسات البديلة" 16 يوليو 2023 إلى أنه "سيتوجب على مصر سداد مبلغ 83.6 مليار دولار خلال الخمس سنوات القادمة فقط (2023 حتى 2028) في خدمة الدَّين"، أي، عدا سداد رأسمال الديون نفسها.

وبحسب النشرة الشهرية للبنك المركزي (مايو 2023) بلغ حجم الدَّين الخارجي لمصر 163 مليار دولار حتى الربع الثاني من العام المالي الحالي مسجلًا ارتفاعًا بمعدل خمسة أضعافه خلال الـ 10 سنوات الماضية.

الجيش يُقرض الدولة

وفي 13 أبريل/نيسان 2022 روى المعارض المصري البارز والمرشح الرئاسي الأسبق، أيمن نور، حقيقة "حكاية المليار دولار" بين الرئيس الراحل محمد مرسي ووزير الدفاع الأسبق المشير محمد حسين طنطاوي، التي تبين ثراء الجيش لحد إقراضه الدولة.

وكان ذلك ردا على أكاذيب مسلسل "الاختيار 3" الذي حاول تزوير التاريخ بزعم رفض "طنطاوي" طلبا من "مرسي" للجيش أن يدفع مليار دولار، لسداد قرض حصلت عليه الدولة في عهد حسني مبارك.

قال "نور"، في روايته كشاهد عيان على الواقعة، في مقال كتبه بموقع "غد الثورة" أن "الحكاية الحقيقية لقصة المليار دولار، التي كنت شاهدا على بعضها، بدأت في لقاء جمعني بالرئيس مرسي في قصر الاتحادية".

"أخبرني فيه أنه التقى بفاروق العقدة محافظ البنك المركزي وقتها، والذي أبلغه بأن الوضع الدولاري كارثي، وأن هناك استحقاقات (ديون) بحوالي ملياري دولار مستحقة خلال أيام لأحد القروض التي أُبرمت في عهد مبارك، وأنه يريده أن يتصرف، وإلا سيكون هناك تبعات اقتصادية صعب تداركها في الظروف الحالية".

تابع نور: "الدكتور مرسي استدعى المشير طنطاوي، وأبلغه بضرورة توفير المبلغ (2 مليار دولار) أو جزء منه، وحينها رد الأخير بأن الجيش "معندوش مبلغ زي ده".

"لكن دكتور مرسي سأل طنطاوي (بدهاء) عن اللواء محمود نصر (عضو المجلس العسكري ومساعد وزير الدفاع للشؤون المالية وقتها)، وعن أخبار الخزينة التي في مكتبه، والتي فيها مبلغ مثل هذا"!.

وقال مرسي: "متقلقش، أنا بس شايف إن مبلغ كبير زي ده يكون في خزنة مكتب اللواء نصر شيء غير مفهوم أو مقبول"، فرد طنطاوي (متراجعا): سعادتك عايز المبلغ متى؟

،فقال له مرسي: غدا، فرد طنطاوي: غدا سيكون في البنك المركزي؟، بحسب الرواية.

وأكد نور أنه "تم بالفعل إيداع مليار دولار من الجيش في البنك المركزي، والإعلان في إحدى الجرائد عن أنه يساعد الدولة".

وسبق أن نشرت صحيفتا الأهرام و"المصري اليوم" وصحف مصرية أخرى يوم 2 ديسمبر/كانون أول 2011 أن القوات المسلحة ضخت للبنك المركزي مبلغ مليار دولار "من عائد مشروعاتها الإنتاجية".

وعقب "نور" قائلا: "السؤال الذي يلح عليَّ الآن هو: إذا كان الجيش ساعد خزينة الدولة في 2012 بمليار دولار، فكم كانت تبلغ ثروته يومها؟!!وكم تبلغ الآن؟.

وهل صحيح كما يتحدث مجتمع البيزنس، أن الجيش يمتلك 100 مليار دولار بخلاف الأصول؟، يتساءل نور.

وتساءل أيضا: "إذا كان الجيش أصبح اللاعب الرئيس في الاقتصاد والبيزنس، فلماذا لا يدفع ضرائب؟ أو يتم الإعلان عن أرباحه وأصوله الاستثمارية؟ خاصة أنها لا تتعلق بنشاط أمن قومي وليست أسرارا عسكرية؟".

وحين طالب نواب من حزب الحرية والعدالة (الإخوان المسلمون) وزارة الدفاع عام 2012 بمساعدة الدولة عبر ما تمتلك من أرصدة مالية، كانت مفاجأة أن يرد عليهم اللواء محمود نصر مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية وقتها بقوله: "مشروعاتنا (عرق) وزارة الدفاع، ولن نسمح للدولة بالتدخل فيها".

وخلال ندوة عقدها المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعنوان "رؤية للإصلاح الاقتصادي" قال نصر إن القوات المسلحة قدمت لأجهزة الدولة قروضا تصل لـ 2.352 مليار جنيه.

 بينما ساهمت في دعم الاقتصاد عموما بـ 12.199 مليار جنيه (تعادل 2 مليار دولار حينئذ) بدءا من فبراير 2011، بحسب جريدة "الشروق" 27 مارس/آذار 2012.

أضاف: "لقد قوينا (عززنا) احتياطي البنك المركزي عبر قرض بقيمة مليار دولار وأعطينا للبنك المركزي ما يعادله بالجنيه لوزارة المالية".

وقد كشف مصدر مطلع بالبنك المركزي المصري، لموقع "الخليج الجديد" 30 مارس/آذار 2020 عن إيداع البنك المركزي 10 مليارات دولار في حساب القوات المسلحة، بدعوى أنها مبالغ أقرضها الجيش للدولة واستعادها.

وقال المصدر، إن "المبلغ قيمة مديونية مستحقة للجيش المصري"، كان قد تم تقديمها لدعم الاحتياطي النقدي للبلاد، على مدار سنوات، وتحديدا عقب ثورة 25 يناير 2011، وكان ملفتا أن المبلغ يفوق ما جرى إعلانه عن قروض من العسكر للدولة.