الخطة المناهضة للاجئين.. هكذا تسببت بانهيار الائتلاف الحكومي الهولندي

لندن - الاستقلال | منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بمجازفة قوية، نسف رئيس الوزراء الهولندي مارك روته ائتلافه الحكومي، وقدم استقالته مكتوبة إلى الملك ويليم ألكسندر، الذي عاد من العطلة لتسلمها.

وجاء ذلك إثر خلافات على الإجراءات اللازمة للحد من تدفق المهاجرين، وهي قضية خلافية أدت إلى انقسام الدول في جميع أنحاء أوروبا.

صراع حكومي

وعقب محادثات شاقة مع ائتلافه الحكومي المؤلف من أربعة أحزاب، خرج روته في 7 يوليو/تموز 2023، معلنا أن الحكومة الهولندية انهارت بسبب خلاف بين أحزاب الائتلاف حول سياسات اللجوء.

وقد اعترض شركاء التحالف على اقتراح روته بتقييد مجال لم شمل عائلات المهاجرين.

وقال روته للصحفيين في لاهاي: "اليوم، للأسف، علينا أن نستنتج أن هذه الخلافات لا يمكن التوفيق بينها، لهذا السبب سأقدم على الفور استقالة الحكومة بأكملها إلى الملك كتابة".

ويريد روته (56 عاما)، وهو زعيم "حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية" اليميني الليبرالي، أن يفرض قيودا على لم شمل عائلات طالبي اللجوء، في أعقاب فضيحة عام 2022 بشأن اكتظاظ مراكز الهجرة في هولندا.

وطالب روته بتحديد سقف لأقارب المهاجرين من دول النزاع، الذين يمكن لهولندا استقبالهم عند 200 شخص شهريا، وقد هدد بفض الحكومة في حال رفض ذلك وبالفعل هذا ما حدث. وقد أثار توجهه غضب شركائه في الائتلاف الحكومي.

ثم التقى روته بالملك ألكسندر في لاهاي في اليوم التالي، ووافق على قيادته حكومة انتقالية حتى انتخابات جديدة، من المتوقع إجراؤها في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

وكانت حكومة روته الرابعة شكلت في يناير/كانون الثاني 2022، وهي تحالف هش من أربعة أحزاب هي حزب "الشعب من أجل الحرية والديمقراطية" الذي يتزعمه رئيس الوزراء، وحزب النداء الديمقراطي المسيحي، القريب منه عقائديا.

وحزب الديمقراطيين D66 (وسط يسار) والحزب الديمقراطي المسيحي. وقد استغرق الاتفاق على تشكيل الحكومة آنذاك 10 أشهر، بينما بقيت في السلطة أقل من 18 شهرا.

وتولد هذا الانقسام داخل الائتلاف الحكومي؛ نتيجة تضمين المقترحات خلال النقاشات الساخنة، إنشاء فئتين من اللجوء في هولندا، فئة مؤقتة للأشخاص الفارين من النزاعات، والأخرى دائمة للأشخاص الهاربين من الاضطهاد.

علاوة على ذلك، خطط روته لتقليل عدد أفراد الأسرة المسموح لهم بالانضمام إلى طالبي اللجوء في هولندا، لكن حزب الاتحاد المسيحي عارض بشدة هذه الفكرة.

كما طالب حزب روته بدعم من نداء الديمقراطيين المسيحيين، بتقييد دخول أطفال لاجئي الحرب الموجودين بالفعل في البلاد، وجعل العائلات تنتظر عامين قبل أن يتمكنوا من لم شملهم.

نهج متهور

لكن بيتر هيرما زعيم حزب الحزب الديمقراطي المسيحي، المؤيد للأسرة، وصف نهج روته في المحادثات بأنه "متهور تقريبا".

وقد دفع سعي الحكومة الهولندية، التي تريد سياسات هجرة أكثر صرامة من بعض دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، حزبي الديمقراطيين D66 (وسط يسار) والحزب الديمقراطي المسيحي، للتأكيد على أنهما لا يستطيعان التصالح مع سياسات الهجرة التي ينشدها روته.

وأكدوا لروته في المناقشات أنهم لن يدعموا أي إجراءات من شأنها أن تزيد من صعوبة وصول اللاجئين إلى هولندا.

وقد قال الحزب الديمقراطي المسيحي في بيان له بتاريخ 7 يوليو 2023: "من القيم المهمة في المقترحات أن يكبر الأطفال مع والديهم".

ومضى يقول: "كحزب عائلي، هذا ما ندافع عنه"، مبينا أنه يريد العمل "بقلب وروح من أجل سياسة هجرة إنسانية وفعالة".

وجاء هذا الجدل حول الهجرة الذي أدى لفض الحكومة الائتلافية بهولندا عقب عدة أشهر من مفاوضة روته حول مجموعة من الإجراءات للحد من تدفق المهاجرين الجدد إلى البلاد التي يبلغ عدد سكانها حوالي 18 مليون شخص.

وقد قال روته في مؤتمر صحفي ليلة إعلان انهيار الحكومة: "ليس سرا أن أحزاب الائتلاف تفكر بشكل مختلف تماما بشأن سياسة اللجوء واليوم نحن للأسف بحاجة إلى التوصل إلى نتيجة مفادها أن الخلافات لا يمكن تجاوزها".

ومضى يقول: "إن سقوط الحكومة ليس بالأمر الجيد أبدا، لكن في بعض الأحيان يكون من المستحيل في بلد تحالف مثل هولندا التوصل إلى اتفاق واحد ".

وحدد بعض القضايا في المؤتمر الصحفي الخاص باستقالته، بما في ذلك إسكان طالبي اللجوء، بعد أن أدت التخفيضات الأخيرة في النظام ونقص الإسكان العام إلى مواقف يائسة في مركز تسجيل Ter Apel عام 2022، وراح روته يقول: "هولندا تنتظر الحلول وليس التأجيل".

فضيحة كبرى

ووفقا للإحصاءات الحكومية، قفزت طلبات اللجوء في هولندا بمقدار الثلث عام 2022 أي إلى أكثر من 46 ألفا.

ومن المتوقع أن تزيد إلى أكثر من 70 ألفا عام 2023 متجاوزة الارتفاع السابق لعام 2015 إبان موجة اللجوء الكبيرة التي شهدتها عموم دول أوروبا.

إضافة إلى ذلك، انتقل عشرات الآلاف إلى هولندا للعمل والدراسة، وفرضت الأرقام ضغطا على المساكن التي كانت تعاني بالفعل من نقص في الدولة المكتظة بالسكان.

وعملت حكومة روته من أجل قانون يمكن أن يجبر البلديات على توفير أماكن إقامة لطالبي اللجوء الوافدين حديثا، لكن التشريع لم يمر عبر مجلسي البرلمان بعد.

وشهدت هولندا عام 2022 فضيحة كبرى ناجمة عن اكتظاظ مراكز استقبال المهاجرين، ما اضطر مئات منهم للنوم في الشارع، وعن وفاة رضيع في الشهر الثالث في أحد هذه المراكز، وفي أغسطس/آب من العام ذاته وعد روته آنذاك بالتحرك لإنهاء "وضع مخجل".

ولأن هولندا لا يمكنها التعامل مع التدفق المتوقع لـ 70 ألف طالب لجوء سنويا بسبب نقص المنازل والمدارس لهؤلاء اللاجئين، كما يقول أعضاء حزب روته فقد لجأت الحكومة لخيارات إضافية.

إذ باتت "Silja Europa" وهي واحدة من أكبر عبارات الركاب في العالم، تعد منزلا عائما لـ 900 طالب لجوء ومهاجر منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022 على بعد 20 كيلومترا خارج العاصمة أمستردام.، وهي يمكنها استيعاب ما يصل إلى 3000 مسافر.

وقد خفف إيواء طالبي اللجوء في هذه السفينة من حالة المخيمات الأخرى التي يتشارك فيها ضمن غرفة واحدة أربعة أو خمسة أشخاص، بينما بات لهؤلاء غرفهم الخاصة على متن القارب العملاق.

خلافات أيديولوجية

وأمام ذلك، كشف سقوط حكومة روته مدى عمق الخلافات الأيديولوجية العميقة بين الأحزاب الأربعة التي شكلت التحالف المضطرب.

إذ فشل الائتلاف الحكومي في الخروج بالتسوية التي اصطلح على تسميتها "زر الطوارئ" وتقضي باعتماد القيود الجديدة فقط في حال وصول أعداد كبيرة من المهاجرين.

وصحيح أن هولندا تسعى على غرار العديد من الدول الأخرى في أوروبا إلى خفض معدلات الهجرة لديها، لكن هذه المسألة سرعان ما سممت العلاقات بين الأحزاب الأربعة المشاركة في الائتلاف الحكومي.

ولا سيما أن وسائل الإعلام المحلية رجحت أن روته سعى لاتخاذ موقف متصلب بشأن قضايا الهجرة لامتصاص ضغوط يتعرض لها من قبل الجناح الأكثر يمينية في حزبه.

ولا يخفى قوة الأحزاب اليمينية المتطرفة في هولندا، بما يشمل السياسي المناهض للإسلام غيرت فيلدرز وهو زعيم حزب الحرية المناهض للهجرة، الذي دعا للفور إلى "انتخابات سريعة الآن".

وراح يقول: "نحن الطرف الذي يمكنه ضمان أغلبية للحد بشكل كبير من تدفق طالبي اللجوء".

كما دعا زعيم اليسار الأخضر جيسي كلافر أيضا إلى إجراء انتخابات وأخبر الإذاعة الهولندية NOS بأن "هذا البلد بحاجة إلى تغيير الاتجاه".

ويتوقع أن يدعو روته، وهو الثاني في أوروبا من حيث طول عهده في رئاسة الوزراء بعد المجري فيكتور أوربان، إلى انتخابات مبكرة يأمل من خلالها بالحصول على تأييد لتشكيل خامس حكومة ائتلافية له منذ العام 2010.

وعام 2022 حاولت الحكومة الهولندية تثبيت قوانين قاسية جدا بخصوص اللجوء للسيطرة على الأعداد الهائلة الواصلة إلى هولندا، وأبرزها أنه يتوجب على اللاجئ انتظار فترة 15 شهرا بعد حصوله على الإقامة لأخذ قرار بشأن لم الشمل، لكن سرعان ما تراجعت الحكومة عن قرارها لأنه يتعارض مع القوانين المحلية والأوروبية.

ويؤكد اللاجئ زياد العلوان الحاصل على الجنسية الهولندية، أن "حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية، وحزب النداء الديمقراطي المسيحي، لا يعترضان على لم شمل اللاجئين لأسرهم وإنما يريدان تأخيرها أو إيقافها مؤقتا لحل مشكلة الإسكان والتعليم والاندماج للاجئين في مراكز استقبالهم، وهذا ما ترفضه بقية أحزاب الائتلاف الحكومي".

وأضاف علوان لـ "الاستقلال"، أن الحزب الديمقراطي المسيحي الذي ينطلق من مبادئ إنسانية ودينية في التعامل مع اللاجئين، رفض تقسيم طالبي اللجوء إلى نظام لجوء جديد ضمن نطاق مجموعتين A من يحصل على إقامة دائمة، وB من يمنح إقامة مؤقتة، والهادف لتقييد لم الشمل".

فيما يطالب الحزب المناصر بقوة للاجئين باستمرار إجراءات لم الشمل كما هي دون تمييز لمن حصل على أي نوع من الإقامة.

وجهة مفضلة للاجئين

وهولندا تعد وجهة مفضلة لبعض اللاجئين العرب وذلك لسهولة الإجراءات المتعلقة بالحصول على الإقامة والجنسية ولم شمل العوائل.

فعلى سبيل المثال لجأ إلى هولندا قرابة 50 ألف سوري منذ عام 2013، أكدت وزارة العدل والأمن الهولندية حصول 22 ألفا و820 منهم ممن يحملون تصاريح الإقامة والعمل على الجنسية حتى أبريل/نيسان 2021.

ويرى مراقبون أن الاتفاق على سياسة لم شمل اللاجئين وموضوع الهجرة واندماجهم يلعب دورا متصاعدا في رسم السياسات في هولندا البلد الذي لطالما كان جيدا في التعامل مع مهاجريه.

ولهذا فقد باءت كل محاولات روته بالفشل من ناحية تصعيب الأمور على الوافدين الجدد لهولندا.

لا سيما أن روته شخصيا دفع لتعزيز جهود الاتحاد الأوروبي لإبطاء الهجرة إلى الكتلة المكونة من 27 دولة.

إذ زار روته تونس التي تعد منصة للمهاجرين للوصول إلى أوروبا عبر شواطئها، مع نظيره الإيطالي ورئيس اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي لتقديم أكثر من مليار يورو كمساعدات مالية لإنقاذ الاقتصاد المترنح في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، ووقف الهجرة عبرها.

لكن عقب سقوط حكومته بعدما رفع سقف مفاوضاته حول كيفية تقليل عدد المهاجرين الذين يلتمسون اللجوء في بلاده، تسابقت بقية الأحزاب في هولندا إلى تعويم مشاكل الحكومة الائتلافية وتقصيرها بجوانب أخرى.

وفي هذا السياق، كتب زعيم حزب الخضر الهولندي جيسه كلاير في تغريدة له بتاريخ 9 يوليو 2023، يؤكد أن سقوط حكومة روته الحالية كان حتميا، لأنهم لم يتمكنوا من تجاوز مصالحهم السياسية لأكثر من عامين.

وأضاف كلاير، أن وقت التغيير في هولندا قد حان وهو ما يتطلب يسارا موحدا، مشيرا إلى أن حزبه "الخضر" وحزب العمال سيخوضان الانتخابات القادمة بقائمة واحدة.

وتريد أحزاب المعارضة في اليسار أيضا إجراء الانتخابات حول معالجة المشكلات التي تتهم روته بالفشل في معالجتها بشكل مناسب، من تغير المناخ إلى النقص المزمن في المساكن ومستقبل القطاع الزراعي، الذي تبلغ قيمته مليارات اليوروهات.

وقالت زعيمة الحزب الاشتراكي ليليان مارينيسن لمحطة "إن أو إس" الهولندية إن انهيار حكومة روته كان "أنباء سارة لهولندا. أعتقد أن الجميع شعروا أن هذه الحكومة انتهت. لقد خلقوا مشاكل أكثر مما حلوا ".