رغم تصاعد موجة القمع.. موقع بريطاني: موسيقى الراب التونسية لا تخشى قيس سعيد

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع بريطاني الضوء على تأثير موسيقى "الراب" على الساحة السياسية في تونس، ومعارضة العاملين بها للدولة البوليسية سواء في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، أو الرئيس الحالي قيس سعيد.

وتوقع موقع "ميديل إيست آي" بنسخته الفرنسية، أن يكون الراب التونسي هدفا مستقبليا لنظام قيس سعيد، الذي يهاجم بشكل متزايد كل خطاب يحتج ضد سياساته.

والراب نوع من أنواع الغناء يقوم على ترديد كلمات الأغنية بسرعة وبقافية معينة، لكن دون الالتزام بلحن معين، وانتشر بأميركا في بداية سبعينيات القرن العشرين، وانتشر عالميا منذ بداية التسعينيات.

"رئيس البلاد"

في ديسمبر/ كانون الأول 2010، أي قبل أسابيع قليلة من اندلاع الربيع العربي وسقوط نظام بن علي، بث مغني الراب التونسي حمادة بن عمر، الشهير بـ"الجنرال"، من صفاقس، أغنية على يوتيوب بعنوان "رئيس البلاد"، كشف فيها مدى فساد النظام. 

وبعد ذلك ببضعة أشهر، اشتهرت حول العالم أغنية "حوماني"، للمغنيين حمزاوي محمد أمين، وكافون، كما ستصبح بمثابة النشيد الرسمي لأحياء الطبقة العاملة التونسية.

والآن وبعد 12 عاما، يجمع الرئيس قيس سعيّد جميع السلطات في يده، واستعرت حملة قمع ضد المعارضين، وأولئك الذين ينتقدون النظام.

فيما ازداد الراب شهرةً في تونس، وتنوّع بشكل كبير ليصبح أحد أنماط الموسيقى الأكثر انتشارا.

وبينما يحافظ الراب على طابعه النقدي، إلا أن الانتقادات والاتهامات المباشرة للمسؤولين السياسيين أصبحا أمرا نادر الحدوث.

وأجرى الموقع البريطاني مقابلة مع الرابر التونسي "إمباير"، الذي ترعرع في ضواحي جنوب تونس، بين الزهراء ومقرين.

وعبّر "إمباير" - البالغ من العمر 33 عاما- عن أسفه لنقص الأغاني الاحتجاجية ضد النظام في الوقت الحالي، وما يصفه بـ"تجارة الراب".

وأضاف أن "هذا الأمر ليس مقتصرا على تونس فقط، بل منتشر في جميع أنحاء العالم، حيث نسينا الحديث عن القضايا الأساسية التي تهم الشعب". 

وأردف معربا عن قلقه: "لقد انتهت الأغاني من قبيل تلك التي كان يؤلفها الفنان البلجيكي جاك بريل، أو الجامايكي بوب مارلي".

وفي أغنيته الأخير ة"تارج"، ألقى "إمباير" نظرة على السنوات الأخيرة في تونس، حيث ندد بوحشية الشرطة والاعتقالات التعسفية.

وأضاف: "ظروف الحياة التي عايشتها دفعتني بشكل طبيعي إلى الوقوع بمشكلات مع الحكومة، والراب هو الحل بالنسبة لي".

دولة بوليسية

وفي انتقادهم للنظام التونسي القائم، يصر مغنو الراب على أن هناك "استمرارية" لما أسموه بـ"الدولة البوليسية".

ففي واقعهم الاجتماعي، يلاحظ مغنو الراب أنه لم تحدث تغييرات كبيرة في حالة التمييز التي يتعرضون لها، ويتجلى ذلك بشكل خاص في علاقاتهم مع الشرطة.

والشباب التونسي لم يلحظوا تحسينات جوهرية، سواء بعد ثورة 2011 أو بعد انقلاب قيس سعيد في 25 يوليو/ تموز 2021.

وفي حديثه مع "ميدل إيست آي"، رأى مغني الراب الشاب، مروكي، أنه "لا توجد ديمقراطية في تونس".

وقال الرابر – البالغ من العمر 21 عاما والذي ينحدر من الضواحي الغربية لتونس: "لا توجد ديمقراطية، كيف يمكنك أن تتحدث معي عن الديمقراطية، وقد حُبست عندما كان عمري 18 عاما".

وأوضح "مروكي" أن "السياسة بشكل عام لا تعنيه في شيء، لكن الشرطة ستظل دائما عنصرا مهما في أغانيه".

والجدير بالذكر أن "مروكي ليس الوحيد المتأثر بهذا الأمر، بل إن الانتقادات السياسية في مشهد الراب التونسي تتمحور حول عنف الأجهزة الأمنية".

ففي عام 2013، حُكم على الرابر التونسي "ولد 15" بالسجن لمدة عامين، بسبب أغنية "البوليسية كلاب"؛ التي رأت المحكمة أنه أهان فيها موظفين بالدولة.

وأوضح "ولد 15" أن "الراب مازال متفاعلا مع الأحداث، لأنه ينبع من الأحياء، وبشكل تلقائي، نتحدث عما نراه في تلك الأحياء".

ولفت الموقع البريطاني إلى أن "الشرطة التونسية تُتهم بشكل مستمر باستخدام العنف ضد الشبان التونسيين من أحياء الطبقة العاملة".

ويعيش مروكي في حي التضامن، في الضاحية الغربية لتونس العاصمة، وهو واحد من أفقر مناطق البلاد، وتوجه اتهامات للشرطة بارتكاب انتهاكات ممنهجة تجاه الشباب في الحي، الأمر الذي يستنكره المجتمع المدني بشكل منتظم.

وفي عام 2013، أدت اشتباكات مع الشرطة في التضامن إلى مقتل شاب يبلغ من العمر 19 عاما، وإصابة ثلاثة آخرين بجروح خطيرة.

وفي عام 2020، دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، الدولة التونسية إلى إصلاح الشرطة التونسية، وإنهاء تلك الحلقة من الموت والمعاناة، التي لا داعي لها.

لكن أوضح مروكي أنه "بعد عشر سنوات لم يتغير شيء. نعم، تتواصل معنا الشرطة، وفي بعض الأحيان نشعر بالهدوء، لكن بمجرد أن نرى الكثير من التواجد الشرطي، نشعر بالتوتر".

الانجراف نحو الاستبداد

وأفاد الموقع البريطاني بأنه "على الرغم من معالجة الراب التونسي للقضايا السياسية الكبرى في البلاد، إلا أن الانجراف نحو الاستبداد الذي تشهده البلاد منذ عامين لم يُذكر بشكل مباشر في أغاني الراب".

وأشار إلى "كلاي بي بي جيه، وهو أحد المخضرمين في موسيقى الراب التونسي ومن مواليد باب الجديد، بتونس العاصمة، والذي لطالما انتقد الحكومات المختلفة في أغانيه منذ الثورة".

وخلال عام 2022، هاجم كلاي - بالتعاون مع " بسيكو أم"، المغني الأسطوري للحقبة الثورية ضد بن علي- النظام الجديد وأصر على أنه لم يتغير شيء منذ الثورة، لا منذ 25 يوليو/ تموز 2021.

وقال كلاي بي بي جيه في أغنية "باب المطار"، الصادرة في مايو/ أيار 2021: "يحبوك مظلوم وفرحان، ويحبّو الشعب طحان، يبوس كتف المستعمر كيما عمل الرئيس".

وأشار "ميدل إيست آي" إلى أنه "على الرغم من زيادة وجود هذه الانتقادات للنظام الجديد في أغاني الراب، إلا أنها لا تعد خطرا يختص به نظام قيس سعيد، بل تعده استمرارا للمشاكل".

وأضاف أنها حالة تبتعد كثيرا عن الهجوم الواسع المناهض لبن علي، الذي كان موجودا في عام 2011.

وأكد الموقع أنه "لطالما راقبت الحكومات موسيقى الراب عن كثب، لكنها فشلت في تخفيف تأثيره".

وفقا لعالم الإثنوغرافيا (وصف الأعراق البشرية)، سامي زيجناني، فإن "الرقابة على الراب تشكل معضلة للأنظمة الاستبدادية، فمن جهة يمكن أن يخدم مصالحهم من خلال قمع الأصوات المعارضة، ومن جهة أخرى يعد الراب التونسي في العالم الغربي رمزا للنضال من أجل حرية التعبير".

وبالتالي، يمكن أن تؤدي الرقابة على الراب التونسي إلى تضخيم الأمر على المستوى الدولي، مما قد يضيف ضغطا إضافيا على نظام قيس سعيد.

وأردف زيجناني أن "كتابة نصوص ذات طبيعة سياسية يمكن أن تؤدي إلى مشاكل خطيرة مع الشرطة، وحتى التعرض لعنف قوات الأمن".

وتابع: "أخبرنا بعض العاملين بمجال الراب بأنهم وضعوا في حجز الشرطة لمجرد كتابة نصوص سياسية في دفتر ملاحظاتهم".

"لذلك يمكن أن يكون الراب التونسي هدفا مستقبليا لسلطة تهاجم المزيد والمزيد من خطابات الاحتجاج"، وفق الموقع.

ومنذ عام 2020، تندد منظمة العفو الدولية بالتهديدات الموجهة لحرية التعبير في تونس، مشيرة إلى الزيادة المستمرة في الإجراءات القانونية التي تتخذ ضد مَن ينتقد النظام.

وختم مروكي بالقول: "إن هذا (القمع) لن يغير شيئا، فبغض النظر عن الضغوط والتهديدات، سنستمر في قول ما يجب أن نقوله".