ورقة انتخابية.. لماذا يصر الجيش اللبناني على ترحيل اللاجئين السوريين قسرا؟

مصطفى العويك | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

منذ بداية شهر أبريل/نيسان 2023، أقدم الجيش اللبناني على ترحيل العشرات من اللاجئين السوريين في البلاد ضمن عملية ما تزال مستمرة وتثير انتقادات واسعة.

 وتجرى عمليات الترحيل على مراحل، حيث يداهم الجيش مخيمات الإيواء، وأماكن توزع اللاجئين، فيلقي القبض على الذين لا يملكون مستندات نظامية تثبت دخولهم الأراضي اللبنانية بطريقة شرعية. 

وكذلك يستهدف الجيش أولئك الذين انتهت صلاحية إقامتهم وعجزوا عن تجديدها في ظل امتناع السلطات اللبنانية عن ذلك منذ مدة. 

ليلقي بهم بعدها نحو الجانب السوري من الحدود تاركا إياهم لمصيرهم بين يدي جيش النظام السوري الذي برئاسة الأسد، والذين فروا من بطشه على إثر الثورة عام 2011.

في المقابل، سارعت المنظمات الدولية إلى استنكار تصرفات الجيش والسلطات اللبنانية، محذرة من المصير الأسود الذي ينتظر المرحلين قسرا على يد نظام الأسد. 

وتشير بعض التقارير المحلية والدولية الى أن عددا من المرحلين تعرضوا للسجن والتعذيب فور عبورهم الحدود السورية. 

مداهمات وترحيل

حملات المداهمة الواسعة لتوقيف السوريين ممن لا يمتلكون إقامات أو أوراقا ثبوتية، تركزت في مخيمات إيواء اللاجئين المنتشرة في البقاع شرقا على مسافة قريبة من الحدود اللبنانية – السورية. 

وكذلك أحياء في ضواحي العاصمة بيروت ومحافظة جبل لبنان، حيث يقيم عشرات اللاجئين في منازل متواضعة. 

تضاربت المعلومات إزاء عدد الذين أوقفهم الجيش، وأشار تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية في 27 أبريل 2023، أن هذه العمليات أسفرت عن توقيف نحو 450 شخصا من مختلف الأعمار، من بينهم عائلات بأكملها، وذلك بالاستناد الى معلومات من مصادر في منظمات إنسانية تعنى بشؤون اللاجئين. 

في حين أشار بيان صادر عن "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في 27 أبريل 2023، إلى أن "الحكومة اللبنانية تنتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية للاجئين، وتعيد 168 لاجئا سوريا منذ بداية أبريل 2023 وحتى الآن". 

وأضافت الشبكة في بيانها بأن هؤلاء الـ168 شخصا "قرابة ثلثهم من النساء والأطفال"، مبينة "تعرض الغالبية العظمى منهم للضرب المبرح والإهانة أثناء عملية مداهمة منازلهم وأماكن إقامتهم". 

وحسب البيان فإن المرحلين قسرا تركوا في العراء في المنطقة الفاصلة بين الحدود السورية واللبنانية، من دون تسجيل الجهات الحكومية اللبنانية أسماءهم، أو توثيق خروجهم من لبنان بشكل رسمي". 

وأفادت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أن معظم المعادين قسرا تعرضوا لعمليات نهب وابتزاز من قبل عناصر وضباط الفرقة الرابعة التابعة لقوات النظام السوري، والتي تشرف على المعابر الحدودية غير الشرعية مع لبنان. 

وفي السياق نفسه، أورد تقرير وكالة الأنباء الفرنسية المذكور شهادة لشقيق أحد المرحلين قسرا، يفيد فيها بأن قوات النظام اعتقلت عائلة شقيقه بالكامل. 

ثم أفرجت بعد أيام عن زوجته وطفليه، لكنها أبقت شقيقه محتجزا، وسط خوف لدى عائلته من أن يصبح في عداد المفقودين كحال العشرات من قبله. 

ونقل التقرير عن مصادر من مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين "UNHCR" أن "بين الموقوفين والمرحلين هناك لاجئين مسجلين لديها"، بما يمثل انتهاكا للاتفاقيات والمواثيق الدولية لحماية اللاجئين، والتي يعد لبنان من البلدان الموقعة عليها. 

وثمة العديد من التقارير الإعلامية التي تتضمن شهادات لبعض اللاجئين السوريين يعبرون فيها عن خوفهم من ارتفاع منسوب خطاب الكراهية ضدهم في لبنان في الآونة الأخيرة. 

حتى إن بعضهم صار يخشى الخروج من منزله الى العمل، خوفا من القبض عليه وترحيله ورميه بين براثن النظام الذي فر من ظلمه. 

وفيما تتحدث السلطات اللبنانية عن أكثر من مليوني لاجئ سوري يقيمون في لبنان، تشير الأرقام الرسمية للأمم المتحدة الى أن عددهم تجاوز عتبة الـ 800 ألف بقليل. 

حملة الترحيل قسرا التي ينفذها الجيش اللبناني جوبهت بانتقاد واستنكار العديد من المنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان. 

ومنها "منظمة العفو الدولية" التي قالت في بيان لها في 2 أبريل إنه "يجب على السلطات اللبنانية أن تكف فورا عن ترحيل اللاجئين السوريين قسرا الى سوريا، وسط مخاوف من أنهم معرضون لخطر التعذيب والاضطهاد على أيدي الحكومة السورية". 

وكان الأمن العام اللبناني نظم في الأشهر الأخيرة من عام 2022 عدة رحلات أتاح فيها العودة إلى سوريا طوعا للراغبين في ذلك من اللاجئين.

لكن تواضع عددهم، والذي لم يصل عتبة الـ1000 شخص، دفع بالأمن العام إلى توقيف تلك الرحلات. 

إلى أن عاد وأعلن في 4 مايو 2022 عن استئناف هذه الرحلات، وبدء استقبال الطلبات لها في مراكزه.  

كبش فداء

وفي الإطار عينه، نشرت مجلة "إيكونوميست" البريطانية في 6 مايو 2023، تقريرا أشارت فيه إلى أن "حكومة لبنان تعمل على طرد اللاجئين السوريين".

وبيّنت أن "حملة المداهمات الأخيرة هي جزء من أخرى أوسع تشنها الحكومة اللبنانية ضد اللاجئين السوريين، وأن هذه الجهود "تحظى بدعم من طيف الأحزاب اللبنانية، ومحطات التلفزة المحلية". 

هذا علاوة على أن "السوريين في لبنان واجهوا سيلا من الاعتداءات على وسائل التواصل الاجتماعي". وترى المجلة أن اللاجئين السوريين "كبش فداء مناسب" لأزمات لبنان السياسية والاقتصادية. 

إذ "يجد السياسيون اللبنانيون المتناحرون من الملائم لوم السوريين في مشاكل البلاد لأن ذلك يصرف الانتباه عن عيوبهم". 

وحسب التقرير فإن "السوريين (اللاجئين) يستحقون الشفقة أكثر من الغضب. الغالبية العظمى لا تستطيع تغطية نفقاتها، وقلة منهم يحصلون على الحد الأقصى من المساعدات، والتي تعادل 80 دولارا لعائلة مكونة من 5 أفراد وأكثر". 

وينقل عن "المفوضية السامية لحقوق الإنسان" قولها إن "هذا الرقم لا يقترب من تغطية الحاجات الأساسية للأسرة، بل إنهم يضطرون لدفع إيجار الخيام في المناطق النائية". 

ويكشف التقرير أن الأمم المتحدة "ستطلب 4 مليارات دولار للبنان في مؤتمر للمانحين في بروكسل منتصف يونيو/حزيران 2023. 

وبين أن المزيد من الأموال ستذهب الى اللبنانيين أكثر من السوريين، لكن إذا تعامل لبنان بشدة مع اللاجئين، فقد يفقد دعم المانحين الدوليين". 

فضلا عن أن الخروج المفاجئ لهم سيكون له "تكاليف كبيرة على الاقتصاد اللبناني، نظرا لأن الكثيرين منهم يعملون في البناء والزراعة اللذين يتجنبهما العمال اللبنانيون".

وعلى خط مواز، قال الصحفي رضوان مرتضى: "فجأة، قرر قائد الجيش العماد جوزيف عون، رمي بضع عشرات من العائلات السورية على الحدود المشتركة". 

وذلك تحت "حجة أن لبنان لم يعد يحتمل ضغط النزوح، وأن مراكز الاحتجاز لدى كل الأجهزة الأمنية لم تعد قادرة على استيعاب مزيد من الموقوفين". 

وكشف في مقالة له بصحيفة "الأخبار" المحلية في 27 أبريل/نيسان 2023 أن هذه الخطوة "لم تنسق مع الحكومة أو مع أي من الأجهزة الأمنية الأخرى، ما أثار استياء المسؤولي الأمنيين الذين لم يوضعوا في صورة ما يحصل". 

وأشار الى أن ما فعله الجيش أثار تساؤلات حول توقيته بالتزامن مع ارتفاع حماوة المعركة الرئاسية، وتراجع حظوظ العماد جوزيف عون. 

وتساءل مرتضى "ما إذا كان (العماد جوزيف) عون يضرب على وتر حساس لقطف شعبية مرتجاة تكسبه رئاسيا"، حيث يعيش لبنان فراغا رئاسيا منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون نهاية العام 2022. 

وإلا فهل هناك من يعتقد فعلا بأن حل ملف شائك كهذا له تعقيداته الإقليمية والدولية يمكن أن يكون بطرد بضع عشرات من السوريين؟ يضيف مرتضى. 

ولفت إلى وجود "مخاوف جدية من أن يكون هناك سيناريو بإثارة خضة أمنية تقود إلى التفاف حول قائد الجيش، بما يجعله محل إجماع كونه على رأس المؤسسة القادرة على الإمساك بالأمن". 

وينقل مرتضى عن شخصيات على تواصل مع سفارة واشنطن في بيروت أن "العماد عون لا يزال الخيار الأميركي لرئاسة الجمهورية"، ليخلص الى أن ما حصل كان بـ"تنسيق بين الولايات المتحدة وقائد الجيش لرفع أسهمه الرئاسية".

حملة ابتزاز

في المقابل، كشف وزير شؤون النازحين الأسبق في لبنان معين المرعبي أن "الكثير من اللاجئين السوريين الذين عادوا بشكل طوعي إلى سويا سابقا، أرسلهم النظام السوري الى روسيا للقتال في أوكرانيا ضمن صفوف فاغنر وغيرها من المليشيات التي دفعت بها موسكو إلى ميادين القتال". 

وأضاف المرعبي في حديث لـ"الاستقلال" بأن "بعض الطلاب السوريين في بيلاروسيا ودول أخرى مجاورة عرضت عليهم مبالغ وصلت إلى 4 آلاف دولار من أجل القتال في أوكرانيا". 

وكانت الكثير من التقارير الإعلامية العربية والدولية التي نشرت في الأشهر الماضية كشفت عن تجنيد آلاف العناصر من المليشيات المحلية والحزبية التابعة للنظام السوري للقتال إلى جانب روسيا في أوكرانيا منذ بدء الاجتياح الروسي في فبراير/شباط 2022. 

وتحدثت بعض القيادات السورية المعارضة عن أن حملات التجنيد استهدفت أيضا شبان المصالحات، أي الذين كانوا يقاتلون في صفوف الفصائل، ثم عادوا وسوّوا أوضاعهم مع نظام الأسد. 

وبينت تلك القيادات أن النظام السوري يكون بذلك قد أرضى الروس، وفي الوقت نفسه تخلص من أكبر عدد ممكن من الشباب الذين لا يضمن ولائهم. 

كما ذكر المرعبي بالعرقلة الدائمة لرئيس التيار الوطني الحر المسيحي اليميني جبران باسيل، وبدعم من حزب الله، لكل عمل حكومي يهدف الى تنظيم اللجوء السوري. 

وباسيل كان وزيرا في كل الحكومات اللبنانية من 2009 حتى 2019، وكان لتياره حصة وزارية كبيرة فيها، علاوة على كونه صهر رئيس الجمهورية السابق ميشال عون ووريثه السياسي. 

وعد المرعبي أن على "السلطة في لبنان والقوى السياسية أن تطالب حزب الله بالانسحاب من المناطق التي يحتلها في سوريا قبل أي شيء آخر، وهذا كفيل بعودة الكثير من السوريين طوعا".

وعقّب الكاتب الصحفي سامر زريق على المعلومات التي كشفها المرعبي بأنها "تفسر تصلب دول الاتحاد الأوروبي وعرقلتها لعودة اللاجئين السوريين، والمضي في إقرار حزم دعمهم في بلدان اللجوء".

إذ رأى في حديث لـ"الاستقلال" أنها "تتخوف من أن يتخلص رئيس النظام السوري بشار الأسد من العائدين وأعبائهم عبر إرسالهم إلى ميادين القتال في قلب القارة العجوز، بما يهدد الأمن القومي لدول الاتحاد الأوروبي".

وحسب زريق فإن "كل القوى السياسية اللبنانية، وفي طليعتها حزب الله تعرف ذلك".

وبين أن "الحملة ضد اللاجئين السوريين تهدف إلى ابتزاز الدول والجهات المانحة لمد لبنان بالأموال. وفي الوقت عينه، تشكل ذريعة للبدء بإعادة العلاقات الحميمة مع نظام الأسد".

وذكّر في هذا الإطار بـ"الحملة التي أعقبت زلزال تركيا في فبراير/شباط 2022، والتي كان حزب الله هو المايسترو المحرك لها" وارتدت طابع التعاطف مع السوريين، لكن الأهداف كانت نفسها.

وفي هذا السياق، أشار مراسل تلفزيون سوريا المعارض في لبنان أحمد القصير إلى أنه ينبغي "تصنيف اللاجئين السوريين بين اقتصاديين وأمنيين، وترحيل كل من لا يعاني مشكلات مع النظام السوري، بالإضافة الى كل من تثبت إدانته بأعمال جرمية".

وأكد في تصريح لـ"الاستقلال" أنه "يجب منح صفة لاجئ سياسي مؤقت تكتب على الإقامة لمعارضي النظام السوري تحصنهم ضد الترحيل"، وأيضا "التعاون مع المجتمع الدولي لإعطاء هؤلاء حق اللجوء في دول أخرى غير لبنان".

وخلص القصير لإلى أن "هذه الإجراءات كفيلة بتخفيف أعباء اللجوء التي تثقل كاهل لبنان. وفي نفس الوقت فهي كفيلة بحماية اللاجئين وعدم تعريضهم للخطر".