الأردن يطرح 71 بئرا نفطية للاستثمار.. حملة اقتصادية أم مناورة سياسية؟

في محاولة للخروج من أزمته الاقتصادية، والتكلفة الباهظة التي ينفقها سنويا على استيراد النفط ومشتقاته من دول الجوار، طرح الأردن نحو 71 بئرا نفطية في مناطق مختلفة من أرض المملكة، للاستثمار.
وسجلت واردات الأردن من النفط ومشتقاته قفزة كبيرة خلال 2022، بعد أن شهدت أسعار الطاقة مستويات قياسية في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، لتتجاوز 4.93 مليارات دولار، مقارنة بـ3.35 مليارات دولار في 2021.
استثمار جديد
في 25 أبريل/ نيسان 2023، طرحت وزارة الطاقة والثروة المعدنية في الأردن، نحو 71 بئرا نفطية محفورة وموزعة في جميع مناطق المملكة، للاستثمار ضمن المناطق الاستكشافية للبترول في المملكة.
وأضافت في بيان، أنه جرى تقسيم المملكة إلى 12 منطقة استكشافية، منها منطقتان تطويريتان حسب دراسة شركة CGG الفرنسية (للخدمات الجيوفيزيائية) لعام 2017، ويجري العمل على تسويق هذه المناطق بشكل مستمر من خلال التفاوض المباشر.
وأشارت الوزارة إلى أن "12 منطقة استكشافية للبترول هي: الأزرق، وغرب الصفاوي، وشرق الصفاوي، وحقل حمزة، والجفر، والمرتفعات الشمالية، والبترا، والريشة، ومنطقة رم، والسرحان، ومنطقة السرحان التطويرية، ومنطقة البحر الميت".
وباشرت الحكومة العمل في 19 بئرا نفطية في منطقة حقل حمزة، و4 آبار نفطية في منطقة شرق الصفاوي ضمن اتفاقية مشاركة في الإنتاج، حسبما كشفت قناة "المملكة" الأردنية في 25 أبريل 2023.
وفي عام 1996، وقع الأردن اتفاقية امتياز مع "البترول الوطنية" (شركة إدارة الاستثمارات الحكومية) لمدة 50 عاما في منطقة الريشة، والتي تنتهي في 2046.
يبلغ معدل الإنتاج الحالي، لحقل الريشة الغازي اليومي نحو 15 مليون قدم مكعب، إضافة إلى منطقة شرق الصفاوي، إذ تم توقيع اتفاقية مشاركة الإنتاج مع شركة "البترول الوطنية" لاستكشاف النفط والغاز في المنطقة، عام 2014 وصدرت الاتفاقية بقانون خاص.
ومن المناطق ضمن الاتفاقيات السارية، منطقة حقل حمزة، وهي خاضعة لأعمال التقييم الفني من قبل وزارة الطاقة والثروة المعدنية، ومجموع ما تم إنتاجه من الحقل منذ عام 1983 نحو مليون برميل من 4 آبار منتجة.
ووقعت وزارة الطاقة اتفاقية خدمات وتشغيل حقل حمزة النفطي، في 27 مايو/أيار 2020، لزيادة إنتاجية الآبار العاملة باستخدام آلية الضخ الغاطس، ووفقا لبيانات شركة البترول الوطنية.
وبلغت إيرادات مشروع حقل حمزة النفطي في عام 2022 نحو 987.6 ألف دينار (1.4 مليون دولار)، لكنه كان في عام 2021 بلغ نحو 1.594 مليون دينار (2.25 مليون دولار).
ويوفر الأردن نحو 90 بالمئة من احتياجاته من الوقود من خلال الاستيراد، إذ لا يؤمّن الإنتاج المحلي المتراجع من حقلي حمزة النفطي، والريشة الغازي، سوى نسبة صغيرة من الطلب على الوقود في البلاد.
وأواخر 2022، شهدت عدة مدن أردنية موجة من الاحتجاجات بسبب ارتفاع أسعار مشتقات المحروقات، تحولت في بعض المناطق إلى أعمال شغب وقطع للطرق وإحراق مبان حكومية.
هدفان أساسيان
وبخصوص الجدوى الاقتصادية من طرح الآبار الجديدة للاستثمار، قال الخبير الاقتصادي الأردني مازن مرجي إن "هناك تاريخا طويلا للأردن في محاولات البحث عن النفط وإعطاء امتيازات للشركات العالمية، منها شركة شل البريطانية، التي أكدت بعد سنوات من التنقيب أنه لا توجد أي جدوى".
وأوضح لـ"الاستقلال" أن "موضوع البحث عن النفط في الأردن يعود إلى عام 1983، لذلك الحديث عن جدوى اقتصادية في الآبار الجديدة المطروحة للاستثمار، لا يمكن إلا أن يكون افتراضيا لأنه لا يوجد شيء حقيقي سابق يمكن الاستناد إليه".
وأشار إلى أن "العديد من المسؤولين الأردنيين في دائرة الثروة المعدنية ووزارة الطاقة يؤكدون وجود النفط والغاز، لكنهم لم يعطوا كميات معينة عما يمتلكه البلد من ثروات، إضافة إلى تأكيدهم عن وجود الصخر الزيتي".
وأردف: "لكن في كل مرة الحكومة تعفي هذه الشركات العالمية بعدما أعطتها الامتيازات المالية في عمليات التنقيب، ثم تغلق ملف التنقيب عن النفط مرة أخرى، لذلك لا توجد إجابات حقيقية عن جدوى الطرح الجديد للآبار النفطية للاستثمار".
لكن مرجي توقع سببين لطرح الحكومة الأردنية الآبار للاستثمار حاليا، الأول هو "إلهاء للشعب وإعطاؤهم آمالا جديدة للتغطية على الأزمات الاقتصادية التي يعيشها البلد، لذلك نحن نسمع منذ 40 عاما أن الغد سيكون أجمل ولم يحصل شيء إطلاقا، فالتراجع الاقتصادي لايزال مستمرا".
التوقع الآخر والذي يؤمن به الكثير من الأردنيين، بحسب الخبير الاقتصادي، هو أن "الأردن من المحرم عليه أن يتقدم في موضوع الطاقة والاعتماد على نفسه داخليا والتعاون مع شركات دولية أو دول مجاورة في هذا المجال".
وتابع: "لذلك لو نظرنا إلى هذا الموضوع منذ 40 عاما نرى أن إسرائيل هي ضد وجود قوة اقتصادية في الأردن معتمدة على النفط أو المياه أو أي شيء آخر، فهناك إضعاف للاقتصاد الأردني منذ توقيع معاهدة السلام مع دولة الاحتلال، ولا سيما ما يتعلق بالماء والطاقة".
في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1994، جرى توقيع اتفاقية "وادي عربة" بين الأردن ودولة الاحتلال الإسرائيلي (المعروفة بمعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية)، ومن أبرز بنودها "الانسحاب من الأراضي المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس".
وعلى صعيد الجانب العربي، يضيف مرجي أن "الرياض هي الأخرى لا تريد للأردن أن يتقدم في مجال الطاقة، فهناك بحر مشترك من النفط بينا وبين السعودية، ولكن الأخيرة تستطيع أن تسحب من هذا المخزون، بينما بلدنا لا يستطيع أن يستخرج شيئا"، على حد قوله.
ولفت الخبير الاقتصادي الأردني إلى أنه "كانت السعودية ودول الخليج العربي تقدم في السابق مليارات الدولارات للأردن سنويا، وهذا الأمر لم يعد موجودا اليوم على الإطلاق".
حاجة اقتصادية
من جهتها، أبدت الخبيرة الاقتصادية الأردنية، لما جمال العبسة، تفاؤلا كبيرا بخطوة الحكومة في طرح آبار النفط للاستثمار، مؤكدة أن الحكومة بدأت في أخذ الثروة النفطية في المملكة على محمل الجد، في وقت يعاني فيه الأردنيون من أزمات مالية واقتصادية طاحنة، ومشاكل تخطيط في القطاعات كافة.
وقالت العبسة في تصريح لوكالة "سبوتنيك" الروسية إن "هذا القرار من شأنه منح قطاع الطاقة فرصة للبدء في العمل بشكل مستدام ورسمي، بعد قرار إجراء المسح بشأن التنقيب عن الآبار النفطية، والذي اتخذته الحكومة منتصف العام 2022، حيث وجدت هذه المسوح أن هناك إمكانية للاستثمار في هذا القطاع، إضافة إلى تضمينه داخل خطة التحديث الاقتصادي".
وشددت على ضرورة أن "تكون العطاءات منصفة للحكومة، وأن تكون تشاركية ما بين المستثمرين والقطاع الحكومي، بحيث لا يكون فيه تغول من القطاع الخاص على القطاع العام، كما كان معمولا به في عقود الطاقة، والتي مثلت إشكالية كبيرة وتغولا على حق الدولة".
ولفتت الخبيرة الأردنية إلى أن "هذه البوادر الإيجابية من شأنها أن تنقذ المملكة بشكل أو بآخر - في حال أفضت الجهود إلى إيجاد النفط - حيث يمكن لاستكشاف الغاز والنفط أن يساند الموازنة في كلف الطاقة المستوردة".
وتابعت: "مع تأكيد حقوق الدولة في العقود المبرمة، حتى لا يتم إعادة الأخطاء الماضية والتي أودت بالاقتصاد الأردني إلى هذا المستوى المتدني، وباتت الفاتورة النفطية تشكل أعباءً كبيرة على الدولة يدفعها المواطن".
ورأت العبسة أن "هذه الخطوة مهمة في مجال الاستثمار، ومن شأنها توفير الفاتورة النفطية، وإنعاش الاقتصاد الأردني، وعدم الاعتماد على الغير في الموارد النفطية، معتبرة أن النجاح في استكشاف آبار نفط أو غاز في المملكة من شأنه أن ينقذ الاقتصاد لفترة طويلة ومستدامة".
وفي السياق ذاته، كان رئيس نقابة الجيولوجيين الأردنيين صخر النسور، قد قال في وقت سابق إن "الأردن يذخر حسب المؤشرات بالثروات المعدنية والنفط، وخاصة من الصخر الزيتي (النفط الصخري)".
لكن النسور أكد خلال تصريحه لصحيفة "العربي الجديد" في 23 يناير/ كانون الثاني 2023 "غياب العمل المؤسسي والجدية من قبل الحكومات السابقة قد حال دون استخراجها والاستفادة منها حتى الآن".