بين حميدتي والبرهان.. لماذا تنقسم المؤسسات الإسرائيلية تجاه السودان؟ 

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع "المونيتور" الأميركي الضوء على موقف تل أبيب من الصراع الدائر في السودان، بين الجيش وقوات الدعم السريع، مؤكدا أن هناك انقساما في تقييم الموقف بين المؤسسات الإسرائيلية.

ونقل الموقع ما قاله المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، رونين ليفي، من أن إسرائيل تشارك في الجهود الدولية لتهدئة الصراع الحالي في السودان، وأنها على اتصال مع المعسكرين المقاتلين.

وأضاف ليفي في مقابلة مع محطة الإذاعة الإسرائيلية الرسمية، "كان" أن إسرائيل ستواصل جهودها لإنهاء الاضطرابات الحالية، وتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع السودان.

وتابع: "يسعى الجميع لإعادة السودان إلى مساره الصحيح، ولم نفقد الأمل في تحقيق عملية التطبيع، فالأميركيون شركاء في هذه الجهود، ونحن نساعد الجانبين ونبذل جهودا متواصلة للحد من الصراع وإنهاء الحرب وإحلال السلام".

ومنذ 15 أبريل/نيسان 2023، اندلعت في عدد من ولايات السودان اشتباكات واسعة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، راح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح معظمهم من المدنيين.

وعام 2013، تشكلت "الدعم السريع" لمساندة القوات الحكومية في قتالها ضد الحركات المتمردة بإقليم دارفور (غرب)، ثم تولت مهام منها مكافحة الهجرة غير النظامية وحفظ الأمن، قبل أن يصفها الجيش بأنها "متمردة" عقب اندلاع الاشتباكات.

اتفاق التطبيع

ووفق المونيتور، على الرغم من الاضطرابات الداخلية وتراجع مكانة إسرائيل الدولية، فإنها تجد نفسها حاليا في دور الكبار المسؤولين، على الأقل في قضية واحدة.

وهي التعامل مع التصعيد العسكري الجاري بين البرهان، والمتمردين الأقوياء ممثلين بقوات الدعم السريع، التي يقودها نائبه السابق، "حميدتي"، يضيف التقرير.

وأكد الموقع الأميركي أن القتال بدد آمال إسرائيل في استكمال التوقيع الرسمي بشكل سريع، على اتفاق توصل إليه مع السودان في عام 2020، بشأن تطبيع العلاقات الدبلوماسية.

ولأن وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق يبدو مستبعدا للغاية في الوقت الحالي بسبب القتال، فقد حولت إسرائيل نظرها إلى جهود الوساطة بين الأطراف المتحاربة، للمساعدة في دفع التحول الديمقراطي في البلاد قدما، حسب زعم التقرير.

وكانت العلاقات الإسرائيلية-السودانية متوترة منذ سنوات عديدة، على خلفية دعم الخرطوم للقضية الفلسطينية، وعلاقات البلاد الوثيقة مع إيران.

لكن عندما قطعت الخرطوم علاقاتها مع طهران في عام 2016، بدأت الأمور تتغير، ثم تسارعت وتيرة هذا التغير، بعد الإطاحة برئيس النظام السوداني السابق، عمر البشير، عام 2019.

وكانت الخرطوم قطعت علاقاتها مع طهران "تضامنا مع السعودية لمواجهة المخططات الإيرانية" – وفق بيان للخارجية السودانية حينها- وذلك بعد ساعات من اتخاذ المملكة قرارا مماثلا بعد الاعتداء على ممثلياتها الدبلوماسية في إيران.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وافقت الحكومة في الخرطوم على تطبيع العلاقات مع تل أبيب، في إطار اتفاقات أبراهام التي وقعتها إسرائيل أيضا مع البحرين والإمارات والمغرب.

وفي فبراير/ شباط 2023، زار وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، الخرطوم والتقى بالبرهان ومسؤولين آخرين رفيعي المستوى، لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق التطبيع، وسبق ذلك بأسبوع زيارة وفد سوداني رفيع لإسرائيل.

وحسب المونيتور، كان كوهين يأمل في إتمام الصفقة هناك، أو على الأقل الإعلان عن أن هناك حفلا سيقام في واشنطن لتوقيع الاتفاق، لكن ذلك لم يحدث.

وفي مواجهة بعض الاعتراضات الداخلية، أوضحت القيادة السودانية أن توقيع الاتفاق غير محتمل حدوثه في الوقت الحالي.

بدورها، تبنت واشنطن نفس النهج، وأوضحت لإسرائيل أنها سترعى إتمام الصفقة لكن عندما تتشكل حكومة انتقالية مدنية في السودان.

وقال مسؤول دبلوماسي إسرائيلي رفيع لـ "المونيتور" - شريطة عدم الكشف عن هويته- إن "إسرائيل لا تزال مترددة بشأن دورها في النزاع الجاري".

وأردف: "المشكلة في التدخل الإسرائيلي هي أننا لم نقرر نهائيا من ندعم، لذلك نحن نلعب دورا مزدوجا بمساعدتنا لكل من البرهان وحميدتي، وكلا الجانبين على علم بذلك، ويطالبان بتوضيح منا".

"لكن على هذه الوتيرة، لن نكون قادرين على التوفيق بينهما، بل يوجد احتمال كبير لأن يتحد الطرفان ضدنا"، يضيف المسؤول الإسرائيلي.

وكان المسؤول الإسرائيلي يشير إلى نوعين مختلفين من المؤسسات الحكومية الإسرائيلية تربطهما علاقات مع السودان، الموساد (الاستخبارات الخارجية) ووزارة الخارجية.

وذكر التقرير أن هناك مسؤولين كانا يقودان العلاقات السرية مع السودان لسنوات، الأول هو مدير الموساد السابق يوسي كوهين (2016–2021)، والذي تعمقت علاقات إسرائيل مع الدول الإفريقية في عهده.

أما الثاني فهو رونين ليفي - المعروف سابقا باسمه المستعار "ماعوز" الذي استخدمه خلال خدمته في جهاز الأمن العام (الشاباك)- والذي كان حتى وقت قريب مسؤولا كبيرا في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي.

موقف الموساد

وأوضح مصدر أمني إسرائيلي كبير للمونيتور - طلب عدم الكشف عن هويته- أن "ليفي" يقف إلى جانب البرهان، بينما يميل الموساد أكثر إلى حميدتي.

حتى إن الموساد دعا حميدتي لزيارة إسرائيل سرا، خلافا لنصيحة بعض المسؤولين، الذين كانوا يخشون أن تتسرب أخبار الزيارة إلى الجانب الآخر، في الوقت الذي كان البرهان فيه مهيمنا على السلطة في السودان.

وتعليقا على ذلك، قال مصدر دبلوماسي إسرائيلي رفيع: "عندما تحاول إمساك طرفي العصا في نفس الوقت، ينتهي بك الأمر بالضرب بها".

وأكد التقرير أن للموساد تاريخا طويلا من التورط في السودان، وقد ظهر بعض ذلك عندما هرّب عشرات الآلاف من اليهود الإثيوبيين إلى إسرائيل في الثمانينيات.

واستخدم الموساد حينها منتجعا وهميا أقامه على شواطئ البحر الأحمر في السودان، ومنه نقل مهاجرين إلى إسرائيل على متن طائرات نقل عسكرية عملاقة من طراز سي -130.

ووفقا لتقارير إعلامية أجنبية، ففي بداية الحرب السرية بين إسرائيل وإيران عام 2009، قصفت القوات الجوية والبحرية الإسرائيلية الشاحنات التي كانت تحمل أسلحة إيرانية عبر السودان لصالح حركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة.

وكان طريق التهريب هذا يمر على الشاطئ السوداني للبحر الأحمر، لكن نجحت إسرائيل في قطع الطريق بنجاح، حسب تلك التقارير.

وأدى تحول السودان بعيدا عن محور المقاومة الإسلامية بقيادة إيران، إلى الكتلة السنية البراغماتية بقيادة السعودية عام 2016، إلى تسهيل الدفء في العلاقات مع إسرائيل، بمشاركة أميركية واسعة، وفق المونيتور.

وتأمل إسرائيل أن يؤدي استثمارها الحالي للوقت والموارد في محاولات إعادة الهدوء بين البرهان وحميدتي، إلى احتواء الضرر المحتمل على هذه "العلاقة الإستراتيجية الواعدة" مع الخرطوم.

وقال مصدر دبلوماسي إسرائيلي كبير سابق للموقع إنه "في نهاية المطاف، شجار بين مختلف شركاء الرئيس السوداني السابق، عمر البشير".

وتابع: "يبدو أن حكم المدنيين في السودان في هذه المرحلة ليس سوى حلم بعيد المنال، ومن سيتضرر بشدة هو الشعب السوداني الذي يعاني من الحكم الاستبدادي ويرغب في الاستقرار والديمقراطية".

"يتعيّن على إسرائيل أن تنظر إلى هذا الجانب أيضا، وألا تتصرف بناءً فقط على مصلحتها في استعادة الاستقرار، والحصول على توقيع سريع على اتفاق التطبيع"، يضيف المصدر الإسرائيلي.

علاوة على ذلك، أكد المصدر أن "الموساد أكثر ارتباطا بحميدتي، في ضوء أنه أيضا الجانب الأكثر تعلقا بالإمارات".

ووفق المونيتور، فإن الموساد يتمتع بعلاقات ممتازة مع الخليج، لا سيما مع الإمارات، في حين أن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، والآن وزارة الخارجية بقيادة ليفي (المدير العام)، يعملان بشكل أساسي مع البرهان.

وأوضح المصدر أن هذا الانقسام "قد يتسبب في أضرار جسيمة، لكنه من ناحية أخرى يسمح لاسرائيل بتمثيل الجانبين في نفس الوقت، للاستفادة من هذه العلاقات المزدوجة في تهدئة الوضع ومحاولة إخماد النيران".