حرب أهلية وتقسيم محتمل.. ما تداعيات نزوح آلاف السودانيين إلى دول الجوار؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

وسط مخاوف في السودان من اندلاع حرب أهلية وتقسيم البلاد إلى إقطاعيات متناحرة وتدخلات خارجية كبيرة، وانتقال الحرب إلى دول إفريقية مجاورة فيما يشبه انهيار قطع "الدومينو"، بدأت حركة نزوح للسودانيين فرارا من القتال إلى تشاد.

ويرى مراقبون لنزوح السكان وبدء دول العالم في ترحيل رعاياها على أنه مؤشر تطور وتدهور القتال بين الجيش السوداني وقوات "التدخل السريع" منذ 15 أبريل/ نيسان 2023 إلى حرب شوارع ومدن، واتساعها إلى الخارج، تعززها مطامع دول كبرى في المنطقة.

وتؤكد تقارير غربية أن ما يحدث في "السودان لن يبقى في السودان" وأن هناك عدة دول مجاورة، أبرزها تشاد، مهددة بانتقال الصراع إليها في الخارج.

ويحد السودان عدة دول منها: ليبيا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وإريتريا وجنوب السودان، التي انفصلت عام 2011 واستحوذت على 75 بالمئة من موارد الخرطوم النفطية.

ويقول مراقبون إنه عندما تبدأ الدول الكبرى في إجلاء رعاياها ودبلوماسييها من أي بلد يواجه أعمال عنف وحروبا داخلية، كما يحدث في السودان حاليا، فهذا يعني أن المواجهات الدامية بين الفصائل المتقاتلة ستطول.

وأنها ستزداد شراسة، وأن هذا مؤشر على غياب أي حلول قريبة، أو وقف إطلاق نار دائم في الأفق، وتزايد تدهور الأحوال وربما تفكك البلاد.

هجرة عكسية

ظل السودان طوال تاريخه مكانا يلجأ له سكان الدول المجاورة مثل إثيوبيا وتشاد وأوغندا حين تقع بها حروب، حتى إنه يستضيف على أرضه حاليا 1.13 مليون لاجئ من دول القارة السمراء، حسب آخر تقرير لمفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في 21 أبريل/نيسان 2023.

لكن هذه المرة، بدأت تحدث هجرة عكسية من السودان، هي الأولى التي يكون رعايا السودان هم اللاجئون لدول الجوار، خاصة تشاد، حيث تجرى قرب الحدود ومنطقة دارفور معارك طاحنة.

ووفقا لبيان مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، فر ما بين 10 آلاف و20 ألف شخص من الصراع في إقليم دارفور، والمعارك الجارية في السودان، إلى تشاد المجاورة، بحثا عن ملاذ آمن.

وقالت المفوضية إن "غالبية الوافدين هم من النساء والأطفال، وأنها تعمل مع الحكومة التشادية وشركائها لتقييم احتياجاتهم وتوفير المياه والغذاء والمأوى والرعاية الصحية وخدمات حماية الأطفال".

لكن مصادر رسمية في تشاد قالت لتلفزيون "العربي" في 21 أبريل 2023 إن "نحو 50 ألف سوداني عبروا الحدود باتجاه القرى والمدن في شرق البلاد، والأعداد في تزايد مستمر".

وقال مدير برنامج الأغذية العالمي في تشاد، بيير أونورا: "مستعدون لاستقبال مئة ألف شخص، ونتوقع موجات أخرى من اللاجئين السودانيين".

وتستضيف المناطق الشرقية من تشاد أكثر من 400 ألف لاجئ سوداني، وتضع استضافة القادمين الجدد ضغوطات إضافية على الخدمات والموارد العامة للبلاد المستنزفة أصلا، وفق المفوضية.

غزو الجوار

ويخشى مراقبون أن ينتقل فيروس حرب السودان بصورة غير مسبوقة، ليغزو قلب إفريقيا خاصة تشاد، وإفريقيا الوسطى، والنيجر، انطلاقا من دارفور وكردفان الكبرى وحتى جنوب السودان، وبالأخص منطقة راجا بولاية بحر الغزال.

ويجرى الحديث عن حشود قبلية وحركات تمرد تستعد أو بدأت بالفعل إرسال حشود تتدفق صوب السودان وتنذر بفوضى أمنية عارمة.

وتعد منطقة مثلث الحدود بين السودان وتشاد وليبيا منطقة حيوية في الصراع داخل السودان في ظل أنباء عن إيعاز الإمارات لرجلها الانقلابي في ليبيا، خليفة حفتر، بدعم قوات الدعم السريع بالسلاح وحديث جيش السودان عن هبوط طائرة قادمة من ليبيا تحمل سلاحا لقوات الدعم برئاسة محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وانتشر تسجيل صوتي مسرب عبر منصات التواصل في 21 أبريل، لرئيس المخابرات السودانية الأسبق، صلاح الدين قوش، الذي يعيش في مصر، يقول فيه إن "الإمارات وجهت حفتر بإرسال قواته الجوية والبرية لضرب أهداف حيوية بالخرطوم، ولكن تركيا هددت باستهداف أي قوة تتحرك نحو السودان، ما يشير لغضب مصري من الإمارات".

وحسب موقع "فلايت تريدر" المتعقب لحركة طائرات العالم، فإن هناك حركة طائرات غير طبيعية في الصحراء، في منطقة المثلث بين السودان وتشاد وليبيا، وحلقت طائرة لأكثر من نصف ساعة في تلك المنطقة، يعتقد أنها حملت السلاح من حفتر لحميدتي.

وحذرت حركات المعارضة التشادية العسكرية والسياسية عبر بيان مشترك في 22 أبريل/نيسان 2023 من أن "انفلات الأمن في السودان قد يؤثر سلبا على استقرار دول المنطقة بأكملها في كثير من النواحي الأمنية منها والاقتصادية ولا سيما تشاد الأكثر تأثرا وتضررا بما يجرى لعوامل متعددة".

وحذروا المجلس العسكري الانتقالي في تشاد، من التورط في الصراع السوداني أو "دعم طرف ضد طرف من خلال تحركاته العسكرية المريبة حول مطار مدينة أم جرس وشرق البلاد".

 

كما أصدرت "ممثلية السلطة التقليدية للقبائل العربية في تشاد"، بيانا تكذب البيان المنسوب لـ"مجلس القبائل العربية في تشاد" بشأن تجنيد مجندين تشاديين في صفوف "الدعم السريع".

وأكدت في 22 أبريل، أنه "لا وجود لمثل هذا المجلس، وأن هذا البيان لا يمت لنا بصلة ولا ينتمي لأي مجلس أو هيئة عربية نمثلها"، وذلك بعد بث فيديوهات لعربات مسلحين عليها علم تشاد في أم درمان السودانية.

يشار إلى أن الحكومة التشادية، أعلنت في 15 أبريل 2023، إغلاق حدودها مع السودان بعد اشتداد المواجهات العسكرية بين الجيش و"الدعم السريع" واقترابها من حدودها.

وفي 19 أبريل 2023، أعلنت وزارة الدفاع التشادية، توقيف مئات من جنود الجيش السودانيين، ونزع أسلحتهم، بعد دخولهم الأراضي التشادية.

وقال وزير الدفاع التشادي، داود يايا إبراهيم، خلال مؤتمر صحفي، إن العسكريين السودانيين "دخلوا أراضينا، لقد تم نزع سلاحهم جميعا وإيواؤهم".

وأضاف في تصريح لوكالة "فرانس برس" إن "من سلموا أنفسهم لقواتنا هم 320 عنصرا من القوات المسلحة السودانية، من درك وشرطة وجيش، حيث فرّوا خشية أن يُقتلوا على أيدي الدعم السريع".

واتهمت مصادر سودانية موالية للجيش، قوى تشادية بدعم قوات حميدتي وتجنيد تشاديين في "الدعم السريع ولهذا تقوّت شوكة حميدتي في منطقة الحدود مع تشاد".

تقسيم محتمل

ويشير تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية في 20 أبريل 2023، أن "معظم دول إفريقيا المحيطة بالسودان، غارقة في صراعات داخلية، وتعمل مجموعات متمردة مختلفة على طول الحدود مع السودان".

لذا قال الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، آلان بوسويل، للوكالة الأميركية، إن "ما يحدث في السودان لن يبقى في السودان".

وحذر من أن "تشاد وجنوب السودان معرضان حاليا لخطر التداعيات المحتملة، وكلما طال أمد القتال زاد احتمال حدوث تدخل خارجي".

ورجح بوسويل "اندلاع حرب أهلية طويلة الأمد أو تقسيم الدولة العربية والإفريقية إلى إقطاعيات متناحرة".

ونقلت "أسوشيتد برس" أيضا عن الخبير في شؤون السودان بجامعة "تافتس" الأميركية، أليكس دي وال، قوله إن "الصراع الحالي يجب أن يُنظر إليه على أنه الجولة الأولى من حرب أهلية".

وحذر "وال" في تحليل له، من أن "الصراع، إذا لم يتم إنهاؤه بسرعة، سيصبح لعبة متعددة المستويات مع بعض الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية التي تسعى لتحقيق مصالحها باستخدام الأموال وإمدادات الأسلحة وربما قواتها أو الوكلاء".

ويرجح تقرير لمجموعة "الأزمات الدولية" في 20 أبريل 2023 أن "ينتصر الجيش على الدعم السريع في الخرطوم".

لكن المجموعة حذرت من أنه "في حال استطاع الجيش تأمين العاصمة، وانسحب حميدتي إلى دارفور، فمن الممكن، حسب تقديرات المجموعة، أن تتبعها حرب أهلية تؤثر على الاستقرار في الدول المجاورة مثل تشاد وإفريقيا الوسطى وليبيا وجنوب السودان".

وأضافت أن "النزاع يمكن أن ينزلق بسرعة إلى حرب حقيقية دائمة"، تشمل الولايات المضطربة في السودان ثم بعض دول الجوار.

وأوضحت أن "السودانيين يخشون أن تؤدي الأعمال العدائية بالبلاد نحو حرب أهلية شاملة تستمر على مدى سنوات، والصراع الذي قد يطول أمده سيكون مدمرا للسودان".

وتنصح المجموعة الدولية "اللاعبين الإقليميين، ولا سيما البلدان المجاورة، بما في ذلك مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان وإريتريا، بتجنب دعم أي من الأطراف المتحاربة في السودان".

وحذرت: "إذا انخرطت أي من هذه الدول في دعم أحدهما أو الآخر، فسيتزايد خطر انتشار الحرب عبر الحدود، خاصة أن الصراع قد يشمل بشكل مباشر الجماعات العرقية التي تمتد أوطانها على حدودها مع السودان".

ودعتهم، خاصة قادة الدول العربية في مصر والإمارات والسعودية، بخلاف الغرب والأمم المتحدة، إلى "محاولة إقناع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وحميدتي بحل خلافاتهم من خلال الحوار".

وحذر بعض خبراء القانون الدولي ونشطاء سودانيون من احتمالات التدخل الدولي وتطبيق البند السابع للأمم المتحدة على السودان لثلاثة أسباب هي، إجلاء رعاياهم في حال تأزم الوضع، ومراقبة التدخل الروسي (مرتزقة فاغنر).

والأهم التخوف من تطور الدعم القبلي للدعم السريع من دول إفريقيا الوسطي والنيجر (أشارت بعض التقارير إلى حشود من إفريقيا الوسطي لدخول السودان عبر راحا وبحر الغزال بعد قفل تشاد حدودها).

وتنشط بين السودان وتشاد قوى إثنية مكونة من قبائل عدة، منها قبيلة الزغاوة التي تنحدر منها أسرة رئيس تشاد السابق إدريس ديبي الحاكمة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي وأتباعهم الذين غادروا تشاد إلى دارفور.

وهناك أيضا قبائل "التاما" و"قيمير" و"المساليت" و"السنيار" قرب الحدود مع جمهورية إفريقيا الوسطى بين تشاد والسودان، وكثير من المجموعات الإثنية الأخرى التي هاجرت للوصول إلى مراع جديدة.

ومنها مجموعات عربية مثل "المسيرية" و"المحاميد" و"الرزيقات" التي ينحدر منها حميدتي، والزنجية ومنها "الداجو" و"التنجر" و"بورغو" و"التاما" و"البرنو" و"البولا" و"الفلاتة"، وتعودت هذه المجموعات على التحرك بين الدولتين منذ حقبة الاستعمار هربا من الضرائب، ثم امتهنت التجارة فيما بعد.

لقمة سائغة

وتشير تقارير دولية إلى سعي دول إقليمية ودولية لاستغلال الصراع للحصول على مكاسب إستراتيجية.

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 22 أبريل 2023، سعت روسيا إلى الوصول البحري لسفنها الحربية في موانئ البحر الأحمر بالسودان، وقدم "فاغنر" المركبات المدرعة والتدريب مقابل امتيازات تعدين الذهب المربحة.

ونقلت عن مسؤولين قولهم إن الإمارات دفعت للجنرال "حميدتي"، لمساعدتها في القتال في اليمن.

أما مصر فقد دعمت البرهان بإرسال جنود وطائرات حربية، لأن "رئيس النظام عبدالفتاح السيسي يفضل أن يرى السودان يحكمه ضابط مدرب رسميا مثله"، حيث التحق السيسي والبرهان بالكلية العسكرية نفسها.

ونقل مراسل "نيويورك تايمز" السابق في مصر وكينيا حاليا، ديكلان وولش، عن مسؤولين غربيين قولهم إن "خطر انزلاق مصر في صراع السودان لا يزال قائما".

وأوضح أن "الإمارات تسعى منذ فترة وراء ذهب السودان وإمكاناته الزراعية الهائلة للتخفيف من مخاوفهم بشأن الإمدادات الغذائية، فضلا عن السعي للسيطرة على الموانئ البحرية في ظل انتشار ونشاط نفوذ إماراتي مكثف في إفريقيا أخيرا".

وقال وولش: "قد يبدو التحرك الدولي النشط والمندفع في السودان مفاجئا، لكنه يعكس حقيقة كانت تلوح في الأفق قبل وقت طويل من انقلاب البرهان وحميدتي على بعضهما البعض".

و"هذه الحقيقة هي أن السودان كان (وقد يصبح بعد الحرب الأهلية) لقمة سائغة للقوى الأجنبية"، وفق قوله.

من حهته، قال "مجدي الجزولي"، المحلل السوداني في معهد "ريفت فالي" للأبحاث للصحيفة الأمريكية: "الكل يريد قطعة كبيرة من السودان الذي لم يتحمل كل هذه التدخلات".

وأضاف: "كان هناك الكثير من المصالح والمطالبات المتنافسة ثم انهار التوازن الهش، ما أسهم في اندفاع الجميع من الخارج لتحقيق مصالحه".

فيما قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في 21 أبريل 2023 أن "موارد مثل مياه النيل وممرات الشحن الحيوية وبعض أكبر مناجم الذهب في القارة معلقة الآن على ميزان الصراع".

وأكدت أن "هذه الثروات تلفت أنظار القوى الخارجية، بما في ذلك روسيا ومصر والدول النفطية في الخليج، لذا يحاول بعضهم التأثير على نتيجة الصراع، من خلال تقديم الأسلحة ما قد يؤدي إلى مواجهة مميتة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتدخل قوى خارجية".