"الوحدة 8200".. ذراع الاستخبارات الإسرائيلية الموجه ضد إيران والعرب

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أمنيا وإلكترونيا، تحشد الحكومة الإسرائيلية كل وسائلها لتوجيه ضربات متعددة ضد الفلسطينيين وخصومها في العالم العربي والإسلامي.

ومن أهم الأسلحة في يد قوات الاحتلال الإسرائليي، الوحدة الاستخباراتية "8200" التي لها خصوصية ووضعية مميزة في صفوف الجيش.

وبرز دور هذه الوحدة خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان وقطاع غزة في 7 أبريل/نيسان 2023، لما تتميز به من تأمين ساحات الهجوم والحروب متعددة الجوانب، التي تتجاوز القبضة الأمنية إلى قطاع الأمن السيبراني والتجسس.

وهو ما أظهره موقع "والا" العبري في 12 أبريل 2023، عندما تحدث عن مهام الوحدة خلال العمليات الأخيرة، ومدى أهميتها في مستقبل حروب دولة الاحتلال، وفي الوقت نفسه حالة التململ بين أفرادها، اعتراضا على سياسات حكومة بنيامين نتنياهو الداخلية.

وتعد "الوحدة 8200" من أشد الهيئات قوة وسرية في الكيان، وتمتلك إمكانيات وخبرات تجعلها أحد المصادر الرئيسة لتزويد المؤسسات الإسرائيلية بالمعلومات المطلوبة كافة.

طبيعة الوحدة 

"الوحدة 8200" اسمها بالعبرية "يهودا شمون ماتايم"، وتعرف بأنها وحدة "سلاح الاستخبارات" التابعة لقوات جيش. 

تأسست عام 1948 على يد مردخاي الموغ، الذي كان عضوا في مجتمع المخابرات الصهيوني، وضابطا في الجيش الإسرائيلي.

أطلق على الوحدة في البداية اسم جهاز المخابرات 2 أو (SM2)، ثم أعيد تسميتها إلى الوحدة (515) ثم (848) وبعد حرب 5 يونيو/حزيران 1967 (بين إسرائيل ودول عربية) عرفت بمسماها الحالي "الوحدة 8200".

ويقع مقر القاعدة المركزية للوحدة بمستوطنة "جليلوت رمات هشارون" في تل أبيب. 

أما في منطقة النقب، فإن الوحدة تدير من هناك واحدة من أكبر قواعد التنصت في العالم.

وهذه الوحدة هي المسؤولة عن جمع المعلومات الاستخباراتية عن طريق جمع إشارة "سيجينت" (استخبارات الإشارات)، وفك الشيفرات.

تتضمن المنشورات العسكرية للجيش الإسرائيلي إشارات إلى "الوحدة 8200" باعتبارها نقطة التجميع المركزية لفيلق المخابرات.

والوحدة تابعة بشكل مباشر لشعبة المخابرات العسكرية (أمان)، التي تعد جهازا تابعا لهيئة أركان الجيش، وهي أكبر أجهزة الاستخبارات وأكثرها كلفة لموازنة الحكومة. 

وبحسب الموقع الرسمي للناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، فإن "الوحدة 8200 هي وحدة تقنية الاستخبارات الأولى في العالم، وتقف على قدم المساواة مع وكالة الأمن القومي في كل شيء".

هذا التعريف يحيل إلى مدى خطورة الوحدة، لذلك تحيط بها شباك من السرية بشكل كبير، ويصل الأمر إلى عدم الإعلان عن هوية العاملين بها حتى قائدها.

وهو ما حدث عند تسليم وتسلم قيادة الوحدة في 28 فبراير/شباط 2021، حيث حرص الجيش على تمويه وجه القائد في صور الحفل.

عناصر الوحدة

يشكل المجندون الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 21 عاما، القوام الأساسي للوحدة 8200، ويجرى الاختيار والتجنيد من خلال عملية فحص دقيقة تنفذها شعبة (أمان) التابعة للجيش.

وتضم الوحدة المجندين الأصغر سنا من خلال فصول الكمبيوتر بعد المدرسة، خاصة أولئك الذين يمتلكون مهارات فائقة في التعامل مع التكنولوجيا والحواسيب المتقدمة، حيث يتلقى الطلاب رسائل دعوة من الجيش للتأهيل للانضمام إلى الوحدة. 

ورغم السرية والغموض حول تفاصيلها، فإن موقع "فوربس" الأميركي ذكر عام 2016، أن عدد أفراد الوحدة يقدر بـ5 آلاف مجند.

وتضع الوحدة شروطا محكمة للانضمام إليها، فـ"فلسطينيو 1948" (يحملون جنسية إسرائيل) ممنوعون تماما من الانضمام إليها بشكل خاص، وبوحدات الأمن السيبراني عامة.

وبعد انتقاء العناصر المتميزة في مجالات التقنية من الشباب والفتيات في المرحلة الثانوية، يشمل تدقيق مراحل اختيار المرشحين، اختبارات سنوية ونصف سنوية، في اللغات (تحديدا العربية والفارسية)، والعلوم والبرمجة والتفكير الإبداعي وسرعة البديهة.

بالإضافة إلى الاختبارات الجسدية وأخرى متعلقة بالصحة العامة والنفسية.

وهناك أيضا برنامج "مغا شميم" التكنولوجي بجامعة "بن غوريون" جنوب الأراضي المحتلة، ويمكن فيه للمتميزين من الشباب والفتيات الدراسة لـ3 سنوات قد تؤهلهم للخدمة بالوحدة 8200.

ويعد العمل والالتحاق بتلك الوحدة "حلما" لضباط الاحتلال، لأنها إحدى وحدات النخبة في سلاح المخابرات، وتعطي للمنتسب فيها منزلة اجتماعية كبيرة بمجرد القبول في إحدى وظائفها. 

فضلا عن فرص العمل الخارجية، التي لا حصر لها، التي يتلقاها المجند أو الضابط (بعد التقاعد).

ويصف الكاتب الإسرائيلي والصحفي الاستقصائي، رونين بيرغمان، في كتابه "انهض واقتل أولا.. التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية"، الذي أصدره عام 2022، أن "الجميع كانوا يقولون دائما إن جنود الوحدة 8200 هم أطفال مدللون أتوا من الجزء الأفضل في تل أبيب، إلى الجيش".

ولفت إلى أن "هؤلاء حصلوا على أفضل تدريب في العالم، وعلى معدات تقنية متقدمة تقدر قيمتها بالمليارات". 

 

ميكانيزم العمل

بحسب الموقع الرسمي لوزارة الدفاع الإسرائيلية، فقد ورد في التعريف بالوحدة 8200، أنه في داخل الوحدة مسارين للتخصص، الأول مسار "أوفيك"، يسلكه الأشخاص ذوو القدرات الفائقة والمؤهلات المناسبة.

ويتلقى من يسلك هذا المسار تدريبات خاصة قبل بدء الخدمة العسكرية، فضلا عن تعلم اللغتين العربية والفارسية.

كما لا يوجد شرط المعرفة المسبقة بهذه اللغات، حيث تشمل التدريبات لغات ربما لم يعرفها المرشح من قبل مثل (الروسية والصينية والأوردية).

أما المسار الثاني هو "ماتان"، ويتعامل مع البحث وتطوير المصادر، ويكون المرشح المناسب لشغل الوظيفة في هذا القسم، قادرا على العمل التكنولوجي وتحليل البيانات والمعلومات وانتقائها. 

هؤلاء الأشخاص من كلا المسارين موزعين على قواعد الوحدة ومراكزها، وتمتلك "الوحدة 8200" مراكز تنصت سرية في السفارات الإسرائيلية في الخارج.

ولدى الوحدة نفوذ على الكابلات البحرية، وتعد المسؤولة كذلك عن طائرات "غولف ستريم" التجسسية.

ومن المراكز التابعة لها، وحدة "حتساف" المسؤولة عن جمع معلومات استخبارات المصادر المفتوحة (OSINT)، بحيث تراقب وتجمع المعلومات المتعلقة بالاستخبارات العسكرية من التلفزيون والراديو والصحف والإنترنت.

وبحسب تقارير إعلامية، فإن الوحدة 8200 توفر أكثر من نصف المعلومات الاستخباراتية الإجمالية لهيئات المخابرات الإسرائيلية كافة.

وأهم منشأة لجمع المعلومات في الجيش قاعدة "أوريم لاستخبارات الإشارات" وهي جزء من "الوحدة 8200".

مركز العمليات

في أبريل 2021، اتهمت إيران إسرائيل رسميا بتنفيذ الهجوم السيبراني على منشأة "نطنز" النووية وتعهدت بالانتقام.

حينها كشف موقع "ميديوم" الأميركي أن "الوحدة 8200" هي المسؤولة عن الهجمات السيبرانية ضد المنشآت النووية في إيران، وأنها طورت واستخدمت فيروس "Stuxnet" في نطنز.

ورغم أن الإيرانيين استطاعوا فك شيفرته وتحويله إلى فيروس مضاد، فقد أعطى علامة على مدى قوة الوحدة في إحداث الاختراق، خاصة أن "نطنز" معزولة عن الإنترنت تماما. 

كذلك أسهمت هذه الوحدة في العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة، من خلال استخدام فيروسات اختراق أجهزة الحاسوب، والتشويش على الاتصالات، وتحديد المواقع المهمة للاستهداف.

لذلك استهدفت "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في مايو/أيار 2021، وحدات تابعة لـ"8200" في قاعدتي "أوريم"، و"رعيم" برشقات صاروخية مدمرة. 

وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قال الأكاديمي في جامعة تل أبيب، أيال زيسر، إن "قيادة الوحدة 8200 غالبا هم الذين يقررون من ينبغي على إسرائيل أن تقتل من الفصائل الفلسطينية، أو الأعداء عموما"، بحسب ما نقل عنه موقع "180 درجة" اللبناني.

وتابع: "كذلك هي التي تختار المباني التي ينبغي قصفها، ولطالما أسهمت في إجراءات الجيش ضد الفلسطينيين، عن طريق قصف مبانٍ سكنية أو حكومية تابعة للسلطة الفلسطينية".

ورغم أهمية تلك الوحدة، فقد شهدت تمردا في 24 مارس 2023، عندما وقع عدد من جنود الاحتياط في الوحدة على عريضة يتعهدون فيها برفض مواصلة التطوع للخدمة، طالما استمر ما أطلقوا عليه "الانقلاب" القضائي الذي حاولت تمريره حكومة نتنياهو وتراجعت عنه لاحقا بسبب الاحتجاجات.

وذكر موقع "والا" العبري، أنه جاء في العريضة التي أرسلت إلى وزير الدفاع، يوآف غالانت، أن "تصرفات الحكومة هي انتهاك فعلي للعقد الأساسي بين الدولة ومواطنيها، والذي يلزم بالعمل من أجل الصالح العام، والحفاظ على القيم اليهودية والديمقراطية الأساسية من أجل كل مواطن ومواطنة وعدم العمل ضدهم".

وأوردت أن "التمرد جاء بعد خطاب التهديد الذي ألقاه (نتنياهو)، إذ ذكر ضباط الوحدة في عريضتهم (بعد أن حذرنا حان الوقت للتصعيد، سيتوقف جميع جنود الاحتياط في الوحدة 8200 عن الحضور للتطوع وسيأتون فقط في حال صدور قرار لتأدية الخدمة)".