على غرار "مجاهدي خلق".. هل يطرد العراق المعارضة الإيرانية الكردية من أراضيه؟

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

جملة من التساؤلات طرحتها الاتفاقية الأمنية الشاملة التي أبرمت بين العراق وإيران في 19 مارس/ آذار 2023، خلال زيارة أجراها الأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني إلى بغداد، الذي أكد ضرورة التنفيذ الصارم للبنود التي وردت فيها.

ووصل الأدميرال الإيراني شمخاني، على رأس وفد أمني واقتصادي إلى بغداد في 19 مارس والتقى بنظيره العراقي قاسم الأعرجي، إضافة إلى اجتماعه مع ثلاثة من رؤساء السلطات، القضاء الأعلى، الحكومة، والبرلمان.

ومن أبرز التساؤلات التي برزت بعد توقيع الاتفاقية: هل يُقدم العراق على إخراج المعارضة الإيرانية الكردية من إقليم كردستان كما حصل سابقا مع منظمة "مجاهدي خلق"، وإلى أي مدى يمكن لإيران أن تلتزم بالتهدئة وعدم مهاجمة أراضي عراقية تحت ذرائع مختلفة؟

ضبط الحدود

الاتفاقية الأمنية التي وقعها شمخاني مع الأعرجي بحضور رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تضمنت "التنسيق في حماية الحدود المشتركة بين البلدين، وتوطيد التعاون في مجالات أمنية عدّة"، وفق وكالة الأنباء العراقية "واع"، دون كشف تفاصيل وبنود ما اتفق عليه.

والتقى السوداني مع شمخاني والوفد المرافق له، وجرى "التباحث في العلاقات بين البلدين والأوضاع الأمنية والسياسية في عموم المنطقة وسبل تعزيز أمنها واستقرارها"، وفق بيان لمكتب السوداني.

وخلال اللقاء، أكد السوداني "موقف العراق الثابت الرافض لأن تكون الأراضي العراقية منطلقا للاعتداء على أيّ من دول الجوار"، وكذلك أن تكون أرض العراق "مسرحا لتواجد الجماعات المسلحة".

وقال رئيس الوزراء العراقي في تصريحات لقناة "الجزيرة" في 19 مارس 2023 إن "الاتفاق الذي وقعته بلاده مع إيران ينص على مراقبة الحدود المشتركة، وتسليم المطلوبين".

وأعرب السوداني عن أمله بأن "يكون الاتفاق عامل استقرار للوضع على الحدود".

في المقابل، قالت وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية، إن شمخاني ناقش مع المسؤولين العراقيين "الأنشطة المهددة للأمن والعدوانية التي تقوم بها عناصر معادية للثورة وإرهابية في منطقة كردستان العراق"، في إشارة إلى الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة لإيران.

وشدد المسؤول الإيراني علي شمخاني على أن الاتفاق الأمني المبرم "يمكن أن يضع حدّا نهائيا وجذريا للأنشطة العدوانية التي تقوم بها تلك الجماعات"، مشددا على ضرورة التنفيذ الصارم للاتفاقية الأمنية بين البلدين والتي من شأنها أن توقف بشكل كامل وصارم الأعمال الشريرة لهذه الجماعات.

وأشار إلى أن "ما سيترتّب عليها (الاتفاقية الأمنية) هو الحد بشكل كبير من التهديدات الإرهابية ومنع إيجاد حالة من انعدام الأمن على الحدود بين البلدين، وأنها ستعبّد الأرضية بشكل كبير لتطوير العلاقات الشاملة بين البلدين في الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية".

ويوجد على أراضي إقليم كردستان العراق 5 أحزاب كردية إيرانية معارضة، هي: كادحي كردستان، ومنظمة خبات الثورية بكردستان إيران، والحياة الحرة (البيجاك)، لكن الأبرز هما: الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني "حدك"، وحزب عصبة الكادحين الثوريين الإيراني "كومله".

خطوة مرهونة

وعن إقدام العراق على إخراج المعارضة الإيرانية الكردية بعد توقيع الاتفاقية كما جرى سابقا إبعاد منظمة "مجاهدي خلق"، قال البرلماني العراقي السابق حامد المطلك إنه "إذا كانت إيران جادة في تحسين العلاقة مع البلدان المجاورة، فإن هذه الدول معظمها تريد تفعيل ذلك، بل أنها لم تتدخل في الشأن الإيراني سواء العراق أو السعودية".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "الأمر يعود إلى إيران نفسها، فإذا أرادت أن تبني علاقة حسن جوار متبادل واحترام المصالح المشتركة وتأمين الاستقرار لهذه البلدان، فإن العراق وغيره تواقون للاتفاق معها على ذلك".

وأشار إلى أن "إيران وضعها قلق حاليا، ومعظم المجتمع الدولي ناقم عليها وضد سلوكها في المنطقة، فنحن نسمع بين الحين والآخر أنه ربما توجه ضربة إليها، إضافة إلى أن وضعها الاقتصادي متأزم، وكذلك المظاهرات الداخلية المستمرة منذ شهور".

وأكد المطلك أن "كل هذه العوامل دفعت إيران إلى مثل هذه الحوارات وطلب تأمين الحدود واحترام الآخر، لذلك فإن الكل يرحب بهذا الشيء في حال كانت الأخيرة بالفعل لديها نوايا حقيقية للعمل على التعاون وعدم التدخل في شؤون الآخرين".

وشدد العضو السابق في لجنة الأمن والدفاع البرلمانية على أن "المعارضة الإيرانية الموجودة في العراق لم تسندها السلطات، لولا أن هناك خروقات إيرانية في هذه المناطق والقصف الذي شنته قبل مدة على إقليم كردستان".

وأشار إلى أن "سلوك إيران في المنطقة هو ما يتسبب في عدم استقرارها، وليس العكس، فهي من تدخلت وزعزعت بلدان عدة مثل اليمن ولبنان وسوريا، وجميع دول الجوار تتوق لأن تغيّر طهران من سياستها".

وخلص المطلك إلى أن "غلق مكاتب المعارضة الإيرانية الكردية في العراق يعتمد على مدى جدية طهران في رغبتها بإحلال الأمن والاستقرار، وإذا التزمت الأخيرة أولا، فبالتأكيد ربما تُتخذ إجراءات من كلا البلدين تجاه أي طرف يزعزع الأمن".

فيما استبعد مراقبون عراقيون إخراج المنظمات الكردية المعارضة لإيران من مناطق كردستان العراق، لأن القوى الكردية العراقية تدعم وجودها منذ سبعينيات القرن العشرين.

على عكس موقفها من "حزب العمال الكردستاني" (بي كاكا)، الذي تصنفه تركيا على لائحة الإرهاب وتطارده داخل الأراضي العراقية، والسلطات في الإقليم ترفض وجوده أيضا كونه يحاول مزاحمة سلطتها في الإقليم. 

وفي سبتمبر/ أيلول 2016 أعلنت السلطات العراقية إخراج جميع أعضاء منظمة "مجاهدي خلق"، والتي كانت تعد أهم حركة معارضة إيرانية موجودة في البلاد لمدة ثلاثة عقود، إذ جرت عملية ترحيلها برعاية مباشرة من الأمم المتحدة بعد سلسلة اعتداءات طالتهم هم وعائلاتهم.

وتفاوتت هذه الانتهاكات بين عمليات اغتيال واقتحام مقرات المنظمة وقصف صاروخي من بينها مجازر دموية أسفرت عن مقتل وإصابة المئات منهم خلال السنوات الماضية.

وكانت أبرزها مجزرة معسكر أشرف في ديالى مطلع عام 2013 عندما اقتحمت مليشيات موالية لإيران ترافقها وحدات من الجيش العراقي معسكراً لسكن أعضاء المنظمة قرب قضاء الخالص، ما أدى إلى مقتل وإصابة نحو 200 منهم، بينهم نساء وأطفال من عائلات أعضاء المنظمة.

وبعدها بستة أشهر تلتها مجزرة مخيّم "ليبرتي" قرب مطار بغداد باقتحام مماثل أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من أعضاء المنظمة.

من جانبها، أعلنت رئيسة المنظمة الإيرانية مريم رجوي، عن نجاح نقل عناصرها كاملة إلى خارج العراق، وأن عملية الإجلاء جرت إلى دول غربية مثل "ألمانيا، وبريطانيا، وهولندا، والنرويج، وفنلندا، والدنمارك، وبلجيكا، وإيطاليا، وإسبانيا، وكندا".

و"مجاهدي خلق" منظمة إيرانية تعني "مجاهدو الشعب"، تأسست عام 1965 كحركة معارضة لنظام الشاه محمد رضا بهلوي وتدعو لحكم ديمقراطي حر في إيران، وشاركت في إسقاط هذا النظام في ثورة 1977-1979.

غير أن سيطرة الحركة الدينية على مرحلة ما بعد سقوط نظام الشاه الملكي، عجلت بالتصادم بينهما بعد رفض المنظمة جمع السلطة الدينية والتنفيذية في يد رجل واحد هو آية الله روح الله الخميني.

واستمرت المعارضة بشكل سلمي في البلاد حتى 1980، إذ دعمت "مجاهدي خلق" الرئيس الإيراني الأسبق أبو الحسن بني صدر لمواجهة المؤسسة الدينية، ثم بدأت المنظمة تسيّر تظاهرات ضد الخميني، فقوبلت بضربات عنيفة على يد الحرس الثوري واضطرت للجوء إلى المنفى.

تصعيد إيراني

وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، شنت إيران هجمات صاروخية وأخرى بطائرات مسيرة على إقليم كردستان العراق أودت بحياة شخص وإصابة عشرة آخرين، بعد أن أصابت صواريخ مقر حزب "كومله" الكردي الإيراني المعارض في منطقة كويا، بالقرب من أربيل عاصمة الإقليم.

وتأتي هجمات طهران على مواقع الجماعات الكردية المعارضة للنظام الإيراني في إقليم كردستان العراق، تزامنا مع احتجاجات مندلعة بإيران منذ 16 سبتمبر/ أيلول 2022، بعد وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاما) على يد "شرطة الآداب".

وعلى أثر ذلك التصعيد، أعلن العراق إعادة نشر قوات على حدود تركيا وإيران، في ظل استمرار قصف الأخيرة مواقع بإقليم كردستان بحجة وجود تنظيمات كردية إيرانية معارضة تتدخل بشؤونها.

في 23 نوفمبر 2022، قالت الحكومة العراقية، إنها قررت "وضع خطة لإعادة نشر قوات حرس الحدود العراقية لمسك الخط الصفري على طول الحدود مع إيران وتركيا".

وأوضحت في بيان صدر بعد اجتماع لمجلس الأمن الوطني أن "هذه الخطة ستوضع بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان العراق ووزارة البيشمركة (قوات حماية الإقليم)".

وفي اليوم نفسه، التقى وفد من البيشمركة ممثلين عن وزارتي الداخلية والدفاع، واتفق الطرفان على "إستراتيجية تهدف إلى تعزيز أمن الحدود"، بحسب بيان صدر عن إقليم كردستان العراق.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية عن الناطق باسم حكومة إقليم كردستان لاوك غفوري، قوله إن "حكومة إقليم كردستان سترسل تعزيزات من البيشمركة إلى الحدود".

وكان السوداني، أعلن خلال مؤتمر صحفي عقده ببغداد، في 22 نوفمبر 2022 أن "أي اعتداء على الأراضي العراقية مرفوض رفضا قاطعا من الحكومة، سواء من جانب تركيا أم إيران".

وأضاف: "سننشر قوات في بعض المناطق بشمال العراق لدحض الحجج بشأن عدم وجود قوات في هذه المناطق، ولا نسمح بإعطاء موافقة لضرب الأراضي والحدود العراقية".

وبالتزامن مع الإجراءات العراقية، أعلن الحرس الثوري الإيراني في 26 نوفمبر 2022 تعزيز قواته في المنطقة الكردية الإيرانية، بالقرب من الحدود الغربية مع العراق، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الرسمية "إرنا".

ونقلت الوكالة عن قائد القوات البرية في الحرس الثوري العميد محمد باكبور قوله، أن جناح النخبة في الجيش يعزز وحدات العمليات البرية والمدرعات والقوات الخاصة، في المناطق الشمالية الغربية والغربية من إيران في "إجراء وقائي".

وكان سفير إيران لدى بغداد محمد كاظم الصادق نفى خلال مقابلة مع قناة "العالم" الإيرانية في 21 نوفمبر 2022، احتمال قيام قوات بلاده بتوغل بري عبر الحدود، وقال إن العراق طلب مهلة، لنزع سلاح الجماعات الكردية على الحدود الإيرانية-العراقية، وإن طهران أمهلت بغداد 10 أيام.

وأوضح السفير، أن إيران طالبت الحكومة العراقية بوضع جدول زمني لنزع سلاح الأكراد من منطقة الحدود، مشيرا إلى أن الحكومة العراقية ردت بطلب تحديد موعد نهائي لذلك، وفق ما أفادت به وكالة "إرنا".

وكانت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية قد كشفت في 19 نوفمبر 2022 عن أن قائد فيلق القدس في الحرس الإيراني، إسماعيل قاآني، نقل رسالة تهديد عندما التقى مسؤولين عراقيين في زيارة غير معلنة، الأيام الأخيرة.

وأفادت الوكالة الأميركية بأن قاآني، هدد المسؤولين العراقيين بشن عملية عسكرية برية في شمال العراق، إذا لم يقم الجيش العراقي بضبط الحدود بين البلدين، ومنع المعارضة الكردية من التسلل.