بعد الزلزال.. هل تصل تركيا إلى التطبيع الكامل مع مصر واليونان وأرمينيا؟

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أثيرت تساؤلات وتحليلات كثيرة عن إمكانية تحسن علاقات أنقرة المتأرجحة مع بعض الدول بعد الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا في 6 فبراير/شباط 2023.

وفتح الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي والشمال السوري الباب أمام دول العالم لتقديم المساعدات في هذه الكارثة الإنسانية الكبيرة التي خلفت عشرات الآلاف من القتلى والمصابين. 

فالزلزال المدمر الذي ضرب عشر مدن في تركيا وشرد الملايين وترك عشرات الآلاف تحت الأنقاض دفع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى إرسال مساعدات عينية ومادية وفرق إنقاذ لانتشال الضحايا من تحت الأنقاض.

وقد جاء ذلك استجابة لمطالبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اليوم الأول من الزلزال المجتمع الدولي بإرسال مساعدات لبلاده واعتبار جنوب البلاد منطقة منكوبة.

ولم يقتصر إرسال المساعدات على الدول التي تربطها بتركيا علاقات وطيدة بل شمل أيضا بعض الدول التي كانت علاقتها الخارجية مع أنقرة في حالة توتر وشد وجذب وتخفيض التمثيل الدبلوماسي، وهو ما أثار تكهنات عن إمكانية التطبيع الكامل بين أنقرة وتلك الأطراف.

بحسب صفحة وزارة الخارجية التركية على موقع تويتر فإن "80 دولة أرسلت فرق بحث وإنقاذ لمساعدة بلادها من ضمن 100 دولة أمدتهم بالمساعدة كما ارتفع عدد العاملين في مجال الإنقاذ من الدول الأجنبية إلى 9315".

مصر وتركيا

وفي إطار تقديم العزاء والدعم، هاتف رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اليوم التالي للزلزال في 7 فبراير، ليفتح الباب أمام مواصلة تطبيع العلاقات بين البلدين. 

وصرح المتحدث باسم رئاسة النظام المصري أحمد فهمي في بيان له "بأن السيسي تقدم بالتعازي والمواساة في ضحايا الزلزال المروع الذي أسفر عن آلاف الضحايا والجرحى، مؤكداً تضامن مصر مع الشعب التركي الشقيق، وتقديم المساعدة والإغاثة الإنسانية لتجاوز آثار الكارثة". 

كما أرسلت القاهرة 5 طائرات إغاثية عسكرية لدعم تركيا وسوريا في مواجهة الزلزال، وتضم المساعدات مواد طبية، بحسب ما أخبر وزير الخارجية المصري سامح شكري، نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو.

وفي كلمته أمام لجنة الموازنة بالبرلمان التركي 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 أعلن فؤاد أوقطاي نائب الرئيس التركي، "استمرار تطبيع العلاقات مع مصر في إطار الإرادة المشتركة للجانبين والمصالح والاحترام المتبادل".

وقد كان اللقاء الذي جمع الرئيس التركي برئيس النظام المصري في الدوحة برعاية أمير قطر الشيخ تميم بن حمد في افتتاح كأس العالم 20 نوفمبر 2022 بعد قطيعة دامت قرابة تسع سنوات، بمثابة البوابة التي قرر فيها الطرفان الدخول في تسوية لملفاتهم العالقة.

وكان من أهم الخلافات، مساعدة أنقرة للحكومة الشرعية السابقة المعترف بها دوليا في طرابلس وترسيم الحدود البحرية بين البلدين في شرق المتوسط، وملف المعارضة السياسية المصرية في تركيا. 

ولكن النظام المصري كان يضع العراقيل والشروط التي تراها أنقرة تعجيزية، إلا أن الأخيرة كانت تمضي قدما نحو تطبيع العلاقات رغم التباطؤ المصري.

فقد صرح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو خلال اجتماع تقييم نهاية عام 2022 في العاصمة أنقرة 29 ديسمبر/كانون الأول 2022، أن تباطؤ التطبيع مع القاهرة "مصدره ليس أنقرة".

كما نفى وجود أي مشاكل حالياً في مسار التطبيع بين أنقرة والقاهرة، مؤكداً مواصلة البلدين الحفاظ على مبدأ "عدم المعاداة في المحافل الدولية".

وقد صرح وزير الخارجية التركي في 29 نوفمبر 2022 أن مصر وتركيا ربما يتبادلان السفراء في الأشهر القادمة، تمهيدًا لتطبيع العلاقات بعد سنوات ممتدة من الخلاف.

تعاون رغم الخلافات

وفي 12 فبراير 2023 استقبل وزير الخارجية التركي نظيره اليوناني نيكوس دندياس في أضنة؛ إحدى الولايات التي ضربها الزلزال.

ورغم التوتر الذي توصف به دائمًا العلاقات بين البلدين، فإن اليونان كانت من أولى الدول الأوروبية التي أرسلت عناصر إنقاذ إلى تركيا. 

وصرح وزير الخارجية التركي لوكالة الأناضول التركية الرسمية أثناء جولته مع نظيره اليوناني بأنه يجب تطبيع العلاقات مع اليونان رغم تباين وجهات النظر. 

كما أكد نظيره اليوناني أن بلاده ستقف مع أنقرة في مواجهة الوضع الصعب الحالي. وقال أثناء زيارته لولاية هطاي "على تركيا واليونان ألا تنتظرا زلزالا آخر من أجل تحسين علاقاتهما".

وأرسلت الحكومة اليونانية حولي 80 طناً من المساعدات الطبية ومعدات للإسعافات الأولية، وتشمل البطانيات والأسرّة والخيام والإمدادات الطبية.

كما ينشط في تركيا قرابة 36 من عناصر الإنقاذ ترافقهم كلاب مدربة وأطباء ومهندسون يونانيون. 

ورغم توتر العلاقات بين البلدين إلى حد حدوث اشتباكات للسيطرة على جزر غير مأهولة بالسكان في تسعينيات القرن الماضي، فإنه وبعد زلزال إزميت - دوزجة في تركيا 17 أغسطس/آب 1999 الذي أسفر عن مقتل نحو 18 ألف شخص، أرسلت أثينا مساعدات عاجلة إلى أنقرة لتخفيف وطأة الكارثة.

وفي المقابل، ضرب العاصمة اليونانية أثينا 7 سبتمبر/أيلول 1999، زلزال بقوة 6 درجات على مقياس ريختر، أدى إلى مقتل 143 شخصا. وعلى الفور أرسلت أنقرة مساعدات عاجلة لتخفيف حدة الحدث.

ويعيش البلدان توترا ضاربا في القدم زاد في السنوات الأخيرة، فأثينا تتهم أنقرة بالتنقيب عن الغاز في مياهها الإقليمية.

وتنفي تركيا ذلك وتتهم اليونان بتسليح جزر بحر إيجة في خرق واضح لاتفاقية لوزان للسلام، الأمر الذي تنفيه أثينا.

هذا فضلا عن عدد كبير من القضايا العالقة كالخلاف حول جزيرة قبرص وحول الجرف القاري في بحر إيجة ورفض أثينا الاعتراف بالأقلية التركية في اليونان

أرمينيا ترسل مساعدات

لأول مرة منذ 35 عاما جرى إعادة فتح معبر "علي جان" بين تركيا وأرمينيا لإيصال المساعدات للمناطق المتضررة من الزلزال.

ودخلت 5 شاحنات من المساعدات الأرمينية إلى الأراضي التركية واتجهت إلى الولايات المنكوبة.

وكان معبر "علي جان" شهد حادثة مماثلة عام 1988 إذ عبرت شاحنات مساعدات تركية إلى الجانب الأرميني التي تعرضت لزلزال.

وزاد التوتر أخيرا بين البلدين بسبب دعم تركيا لأذربيجان عسكريا بهدف استعادة أراضيها التي كانت تحتلها أرمينيا.

وفي 27 سبتمبر/أيلول 2020، أطلق الجيش الأذربيجاني عملية لتحرير أراضيه المحتلة في إقليم "قره باغ" منذ عام 1992.

وبعد معارك استمرت 44 يوما، أعلنت روسيا في 10 نوفمبر، توصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ينص على استعادة باكو السيطرة على محافظات محتلة.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه من الضروري "اغتنام الفرصة" لإحياء العلاقات مع أرمينيا بالتوازي مع تطبيع العلاقات بين الأخيرة وأذربيجان، لكن دون حدوث تقدم كبير في هذا الملف.

وفي خضم هذه التطورات، يرى أستاذ الدراسات الدولية بالولايات المتحدة الأميركية عبد الموجود الدرديري وجود تغييرات تحدث في مصر من أجل تخفيف الضغط الداخلي ولذلك فالسيسي يتماهى مع رغبة تركيا في تطبيع العلاقات، وقد رأى أن الزلزال فرصة لفعل ذلك.

ولكن الدرديري لم ينف في حديث لـ"الاستقلال" وجود غموض في طبيعة هذه العلاقة من جانب النظام المصري الذي لا يؤمن بالحد الأدنى من الحرية والديمقراطية.

 ولذلك قطع معه النظام التركي العلاقات بعد الانقلاب في 3 يوليو/تموز 2013 إلا أن النظام المصري هو المستفيد الأكبر من عودة العلاقات الدبلوماسية، بحسب تقديره.

أما مدير مركز أورسام لدراسات الشرق الأوسط في أنقرة أحمد أويصال فيوضح أن الدول في أوقات الأزمات الإنسانية تتجاوز مشاكلها الأخرى وتتكاتف وتتآزر فيما بينها من أجل عبور الكوارث الإنسانية.

وأكد في حديث لـ"الاستقلال" أن تركيا قدمت في السابق المساعدات في أوقات الأزمات والكوارث الكبرى لليونان أو أرمينيا أو غيرهما من الدول بغض النظر عن طبيعة العلاقات في هذه المرحلة.