قانون جديد للهجرة يفضح سعي فرنسا لاستنزاف الكفاءات الطبية الإفريقية

عالي عبداتي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تواصل فرنسا عادتها القديمة والمستمرة في استغلال ثروات مستعمراتها السابقة، سواء أكانت طبيعية تحت الأرض أم بشرية فوقه، وآخر فضائحها في هذا المستوى، قانون للهجرة يؤدي إلى استنزاف الأطر الطبية الإفريقية.

وطرح وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، مشروع قانون "الهجرة والاندماج وقال إنه يسعى إلى تسهيل إجراءات إقامة الكفاءات المهنية الأجنبية في المجال الطبي والصيدلة، عبر منحهم بطاقة إقامة خاصة بهم.

وذكر في منشور عبر صفحته على فيسبوك، في مطلع فبراير/شباط 2023، أن مشروع قانون "السيطرة على الهجرة وتحسين الإدماج"، الذي عرض في اليوم نفسه في مجلس الوزراء له أربعة أهداف.

وأوضح دارمانان أن الهدف الأول يتمثل في "ضمان الإدماج من خلال العمل واحترام مبادئ وقيم الجمهورية واللغة الفرنسية"، والثاني يتعلق بـ "إبعاد الأجانب الذين يشكلون تهديدا للنظام العام".

وأما الهدف الثالث، وفق المسؤول الفرنسي، فيتمثل في "معاقبة استغلال المهاجرين ومراقبة الحدود"، فيما الهدف الرابع هو "الانخراط في الإصلاح الهيكلي لمنظمة اللجوء في البلاد".

تصحر طبي

في تفاعله مع المشروع، أكد الخبير في السياسات والنظم الصحية الطيب حمضي، أن القانون الفرنسي الجديد، سيؤثر بشدة على وضعية الصحة والأطباء بدول إفريقيا، بما فيها بلدان المغرب العربي، ولاسيما المغرب والجزائر وتونس.

وأوضح حمضي لـ "الاستقلال"، أن مرد هذا التأثر، يأتي من كون الدول المغاربية كلها ناطقة بالفرنسية، ولأن الأطباء من القارة الإفريقية عموما، سيجدون سهولة في الاستقرار في فرنسا، نظرا لأن التكوين الذي تلقوه هو باللغة الفرنسية.

وشدد الخبير الطبي، أن "فرنسا تبحث عن حل مشاكلها على حساب مستعمراتها السابقة، فهي لديها تصحر طبي، وعدد الأطباء في بعض المناطق لا يكفي لتلبية الخدمات الطبية، ولذلك تريد الحكومة أن تخص هذه المناطق بأطباء من الخارج".

من جانب آخر، أوضح المتحدث ذاته، أن الحاجة للأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان وغيرهم دولية، وتزداد باستمرار، بسبب نسب الشيخوخة المتصاعدة في العالم.

وأردف: "كما بينت جائحة كورونا، أن صحة الأنظمة الصحية للدول هي الضمانة الأساسية للاقتصاد وللحياة الاجتماعية".

بمعنى أن الدول التي تريد أن تعيش الرفاه الاقتصادي وترغب بالحفاظ عليه، لا يمكن لها أن تضمن ذلك إلا في ظل منظومة صحية قوية.

واسترسل أن "الدول التي لديها إمكانيات، تعاني من شيخوخة أكثر، فضلا أن الطلبة بها لا يتوجهون لدراسة الطب، بسبب طول سنوات الدراسات، التي تبلغ 13 عاما".

هذا فضلا عن الأجر الذي يعد غير بعيد عن باقي الوظائف كالمهندسين أو الأطر الأخرى، ثم أيضا بسبب المسؤولية القانونية الكبيرة والصعبة الملقاة على الطبيب.

وأمام الطلب المتزايد على الأطباء، يقول الخبير الطبي حمضي، "تعمل الدول الغنية على جلب الأطباء من الخارج، ولاسيما من دول الجنوب، مستغلة في ذلك ضعف أجورهم وصعوبة ظروف عملهم".

وبلغة الأرقام، أضاف: "نجد أن 75 بالمئة من الأطباء في دولة زامبيا يهاجرون، وعدد أطباء غانا في لندن أكثر من عددهم في بلادهم كلها، كما أن معظم الممرضات من دولة الفلبين يهاجرن إلى الولايات المتحدة".

وتابع، كما نجد في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (مقرها باريس)، والتي تضم الدول الغنية والأقوى اقتصاديا، أن واحدا من كل أربعة أطباء، هو من أصل أجنبي، وواحدا من كل خمسة أطباء لقي تكوينه خارج المنظومة، وفي بعض دول المنظمة تبلغ نسبة الأطباء الأجانب 50 بالمئة.

تفاعل فرنسي 

في تفاعلها مع المشروع القانوني، عرجت الصحافة الفرنسية على مضامين المشروع، وأشار بعضها إلى تخوفات الدول الإفريقية من تعرضها للاستغلال.

وفي هذا الصدد، نشرت صحيفة لوموند مطلع فبراير مقالا بعنوان "تخشى إفريقيا المزيد من الهجرة الجماعية لأطبائها".

ونقلت الصحيفة تصريحات لعدة شخصيات فرنسية، طالبت بعدم حرمان إفريقيا من أطبائها، ومنهم أندريه جريمالدي، أستاذ فخري في أمراض السكر، وجان بول فيرنانت، أستاذ فخري لأمراض الدم وعضو لجنة حكماء المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج، وكزافييه إيمانويلي، وزير الدولة السابق ورئيس لجنة الحكماء، وروني برومان، أحد مؤسسي منظمة أطباء بلا حدود.

وقال المصدر ذاته، إن هذه الشخصيات الأربع طلبت من الحكومة "سحب هذا الاقتراح من مشروعها لاستقطاب الكوادر الطبية"، والذي سيكون له، حسب رأيهم، تأثير مباشر في الوضع الطبي بالمستعمرات السابقة لفرنسا.

وذكرت الصحيفة أنه بعد الاتحاد الأوروبي، تعد إفريقيا الناطقة بالفرنسية المورد الرئيس لفرنسا، حيث توجد الجزائر والمغرب وتونس في الصدارة، ولكن أيضا مدغشقر والسنغال والكاميرون وكوت ديفوار وبنين وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

بدورها، قالت صحيفة لوبوان الفرنسية في مقال بعنوان "ماذا يحتوي مشروع قانون الهجرة؟"، مطلع فبراير 2023، إن النص يسعى لإنشاء تصريح إقامة متعدد السنوات "للمواهب - المهن الطبية والصيدلة".

وذكرت أن هذا البند "مخصص للممارسين المؤهلين خارج الاتحاد الأوروبي، والذين يمكن تعيينهم من قِبل مؤسسة صحية عامة أو خاصة"، ويسعى إلى "تلبية الحاجة إلى تعيين موظفين صحيين مؤهلين"، مثل الأطباء والقابلات وجراحي الأسنان والصيادلة.

وأشار المصدر ذاته إلى سعي فرنسا لتسهيل حصول هؤلاء على الإقامة بالبلاد مع اشتراط التوفر على حد أدنى من اللغة الفرنسية، بما يسهل تعزيز اندماجهم في البلاد.

بدوره، قال موقع "rtl.fr"، في الأول من فبراير 2023، في مادة بعنوان: "مشروع قانون الهجرة: ماذا يحتوي النص؟"، إنه يضم 27 مادة، ويسعى إلى تحقيق الأمرين، أي ضبط الهجرة وتحسين الاندماج.

وأشار إلى أن النص يعكس شعار وزير الداخلية، جيرالد دارمانان: "كن لئيما مع الأشرار، لطيفا مع الأخيار".

وتوقف المصدر ذاته عند ما ورد في المشروع بخصوص توفير جوازات سفر للمواهب، وتحديدا للأطباء الأجانب، قائلا إنه تصريح إقامة أسهل للأطباء والجراحين والصيادلة الذين يجدون عملا في مؤسسة رعاية صحية، ويرى أنه "رد مباشر على نقص الكادر الطبي بالبلاد".

أما موقع "Ouest-France"، فقال في تقرير مطلع فبراير 2023، إن النص سيناقشه مجلس الشيوخ منتصف مارس/آذار 2023، وفي نهاية مايو/أيار من نفس العام، سيناقش بالجمعية العامة.

وأشارت الصحيفة الإلكترونية إلى أن وزير الداخلية أعلن استعداده للتنازل عن بعض الأشياء التي لا تمس جوهر النص، للحصول على موافقة البرلمان عليه، دون تحديد طبيعة الأمور التي يمكن التنازل عنها.

نهب لإفريقيا

عدد من الناشطين والفاعلين في المجالين الحقوقي والطبي تحدثوا أيضا عن المشروع الفرنسي، وبأنه يهدف لاستغلال إفريقيا ونهب كفاءاتها البشرية.

وفي هذا الصدد، أكد الحقوقي المقيم في ستراسبورغ الفرنسية، بسام الأحمد، في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك، 3 فبراير 2023، أن قانون الهجرة الجديد في فرنسا يزيد المخاوف من "إفراغ" الدول المغاربية وإفريقيا الفرنكوفونية (الناطقة بالفرنسية) من أطبائها.

وذكر أن مشروع قانون الهجرة الجديد الذي طرحته الحكومة الفرنسية، ينص ضمن بنوده على تسهيل قدوم الأطباء الأجانب عبر منحهم بطاقة إقامة خاصة بهم.

وشدد الأحمد أن هذا الأمر زاد من مخاوف الدول المغاربية وإفريقيا الفرنكوفونية التي تزود المستشفيات الفرنسية بالعاملين في القطاع الصحي، من عملية "نهب" واسعة لطبقتها المتعلمة والماهرة في هذا القطاع.

بدوره، قال رئيس الإطار الطبي الجزائري مرابط لياس، في تدوينة بحسابه على فيسبوك، في 5 فبراير 2023، إن نزيف القطاع الصحي مستمر، ويقف عاجزا أمام إيقاف قوافل المهاجرين من الأطباء الجزائريين نحو مستشفيات دول أخرى.

وذكر لياس أن مشروع القانون الفرنسي الجديد سيؤدي إلى تفاقم الظاهرة أو الأزمة، بسبب إجراءات تحفيز جديدة، تهدف لجلب أكبر عدد من الأطباء للعمل في مختلف المحافظات الفرنسية.

وقال المتحدث ذاته، إن الأطباء يهاجرون من البلاد بحثا عن مكانة اجتماعية فقدوها، وهروبا من مناخ مهني صعب لم يتحسن رغم الوعود.

كما سبق لرئيس النقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص سمير شطورو، أن أكد أن 900 طبيب شاب يغادر البلاد كل سنة من إجمالي 1000 طبيب متخرج سنويا، أي ما يعادل 90 بالمئة من المتكونين.

وأضاف شطورو في تصريح نقله موقع "الجمهورية" التونسي، 29 يناير/كانون الثاني 2023، أن هؤلاء الأطباء المهاجرين يختارون فرنسا في المقام الأول، ثم ألمانيا وكندا ودول الخليج وبعض البلدان الإفريقية.

وعد شطورو هذه الأرقام، مؤشرا سلبيا يهدد المنظومة الصحية في تونس، مرجعا سبب تفاقم هجرة الأطباء خلال السنوات الأخيرة إلى الصعوبات التي يشهدها القطاع إجمالا، وإلى تفاقم حالات العنف المسلط عليهم وتردي المناخ الذي يعملون فيه.

وأوضح رئيس النقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص، أن عدد الناشطين بالقطاع يبلغ 16 ألفا، موزعين بين القطاعين الخاص والعام، مشددا على أن هذا الرقم لا يسجل زيادة بسبب هجرة الأطباء المتنامية سنويا.

سبل المواجهة

وبدوره، أكد حمضي، الخبير في السياسات والنظم الصحية لـ "الاستقلال"، أن المغرب مثلا، وللتقليل من حدة هجرة أطبائه، عمل على تحسين أجور الأطباء في القطاع العام وظروف العمل على حد سواء.

واستدرك: "ما يزال على الدولة بذل جهود إضافية على هذا المستوى"، مبينا أن للمغرب تقريبا 30 ألف طبيب يمارسون عملهم في الداخل، مقابل 14 ألف طبيب مغربي في الخارج.

وعرج حمضي على كلفة التكوين، قائلا إن كل طبيب يكلف 350 ألف يورو، مشيرا إلى أن هذه المبالغ الكبيرة نعطيها مجانا للخارج، ولفرنسا تحديدا بسبب الهجرة.

وذكر المتحدث ذاته، أن نزيف الأطباء سيستمر، وأن الضحية الأولى هي الدول الإفريقية، داعيا إلى ضرورة فتح نقاش عالمي للتحكم في الهجرة، ليس بمنعها، ولكن أيضا بما لا يسمح لدول الشمال بأن تنهب خيرات وأطر الجنوب.

وأردف، كما أنه من غير المقبول إطلاقا أن تعمل دول الشمال، ومنها فرنسا، عبر هذا القانون وغيره، لحل مشاكلها الخاصة على حساب الدول الأخرى.

وبين أن تحقيق أهداف فرنسا الخاصة بالأطباء من شأنه أن يخلق مشاكل صحية واجتماعية في المغرب والجزائر وتونس وإفريقيا عموما.

ودعا حمضي إلى ضرورة إصلاح المنظومة الصحية بدول إفريقيا والجنوب، حتى تكون الممارسة الطبية جذابة.

ولتحقيق هذا الهدف، فيجب وفق رأيه تحسين الأجور وتوفير ظروف عمل مواتية، وتكوين مناسب ومستمر، وفرص لتطوير القدرات، مع تحسين صورة ومكانة الطبيب في المجتمع.

وأشار الخبير الطبي إلى أن النقص في الأطباء بدول إفريقيا هائل، ويبلغ 10 أضعاف حاجة باريس، واصفا الوضع بالخطير.

ولفت إلى أن الوضع الحالي يستدعي إصلاحات عاجلة، لمنع فرنسا وغيرها من الدول من نهب كفاءات القارة، ومعالجة تصحرها الطبي على حساب صحة ومواطني دول الجنوب.