قاعدة حميميم الروسية بسوريا.. كيف تحولت إلى مدينة متكاملة للجنود الروس؟

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تكاد قاعدة حميميم الجوية الروسية بريف اللاذقية السورية، أن تصبح مدينة متكاملة لعيش الجنود والضباط الروس الذين يخدمون بها.

ولأجل ذلك، تجتهد القيادة الروسية لعدم تفويت أي من الاحتفاليات والمناسبات والأعياد الدينية لهؤلاء الجنود التي تجري في وطنهم الأم روسيا.

ووقعت روسيا مع نظام بشار الأسد عقد استئجار طويل الأجل عام 2017 لقاعدة حميميم لمدة 49 عاما قابلة للتمديد لمدة 25 سنة أخرى.

ومنذ ذلك الحين، أخذت موسكو تعمل بخطى سريعة على تأهيل القاعد لوجستيا وخدميا إلى جانب التحديث العسكري الدائم لها.

إقامة طويلة

وكل ذلك، بما يجعل القاعدة صالحة لإقامة طويلة الأمد للجنود الروس كونها، باتت تؤمّن لروسيا وجودا دائما لها على ساحل البحر المتوسط.

إذ تمنح قاعدة حميميم موسكو فرصة لإعادة إحياء مكانتها الدولية في النظام الدولي وعلاقتها بالأطراف الفاعلة وعلى رأسها الولايات المتحدة ثم الدول الأوروبية.

وخاصة أن وجود روسيا في المياه الدافئة، جاء بفعل مقايضة نظام الأسد بوأد الثورة السورية التي تفجرت عام 2011، بمنحها موطأ القدم العسكري على ساحل المتوسط من خلال حميميم، إلى جانب القاعدة البحرية الروسية على ساحل طرطوس التي جرى استئجارها أيضا لـ 49 عاما.

وبموجب اتفاق السيطرة على قاعدة حميميم الجوية، لا يحق للنظام السوري مراقبة شحنات الطائرات والسفن التي تدخل قواعده.

كما يمكن للروس وضيوفهم دخول القواعد والخروج منها دون الحاجة إلى تأشيرة دخول من النظام السوري.

وفي خطوة تدلل على رغبة موسكو في خلق بيئة ملائمة للجنود، شارك عسكريون روس من مجموعة القوات الروسية بسوريا، في 18 يناير/كانون الثاني 2023 في الفعاليات الاحتفالية بمناسبة "عيد الغطاس المجيد".

وأجرى القساوسة العسكريون الروس في كنيسة "الرسول الكريم إيليا"، الواقعة في قاعدة حميميم الجوية الروسية، صلاة احتفالية بمناسبة "عيد الغطاس المجيد".

وذكرت قناة "روسيا اليوم"، أنه "بعد الصلاة كان بإمكان كل العسكريين المؤمنين، الغطس في حوض المعمودية الضخم الموجود أمام الكنيسة".

كما تنظم روسيا احتفاليات وطنية روسية كثيرة داخل قاعدة حميميم مثل "عيد النصر" (انتصار الاتحاد السوفيتي على النازية).

وتجلب فرق موسيقية لأداء حفلات هناك، وكثيرا ما قدم فنان الشعب الروسي ألكسندر روزنباوم، عدة أغاني أمام العسكريين الروس في حميميم.

والتدخل الروسي في سوريا الذي بدأ منذ 30 سبتمبر/أيلول 2015، صنف كأهم نقاط التحول في الثورة السورية على الصعيد السياسي والعسكري؛ إذ منع سقوط نظام بشار الأسد ومكنه من استعادة السيطرة على مساحات واسعة من المدن التي كانت تحت نفوذ الثوار.

وتحولت قاعدة حميميم منذ ذلك الوقت إلى منطلق للطائرات الروسية، وتسببت بقتل عشرات آلاف المدنيين السوريين وتدمير كامل للبنى التحتية والمنازل وتهجير مئات الآلاف نحو خارج البلاد.

وهذا المستوى من الوجود الروسي كاف للمهام التي حددتها موسكو لنفسها في سوريا، وهي التلويح بالعلم الروسي في البحر الأبيض المتوسط ​​وإظهار عودة روسيا إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ميزات القاعدة

قاعدة حميميم الروسية هي بالأصل مطار بدائي، شبه خاو، إلا من بضع مروحيات ومنشآت محدودة وعشوائية فيه، وتقع في بلدة حميميم على بعد أربعة كيلومترات من مدينة جبلة، و19 كيلومترا من محافظة اللاذقية الساحلية، وقريبة من مطار باسل الأسد الدولي.

لكن حينما وصلت الطائرات الروسية إلى المطار، كان خاليا من المنشآت اللازمة، فعملت موسكو على تشييدها، وخضع ممر الإقلاع والهبوط للترميمات، وجرى توسعته حتى يستطيع استقبال الطائرات الثقيلة.

كما جرى نقل المواد اللازمة لتجهيز قاعدة حميميم بطريق البحر والجو خلال بضعة شهور من أجل زيادة مساحة مرابض الطائرات شمال غربي القاعدة من 14 إلى 44 ألف متر مربع.

بالإضافة إلى مدرج جديد شمال شرقي القاعدة بمساحة سبعة كيلو مترات مربعة، لتتسع حميميم لأسطول روسيا الجوي.

وقد أحضرت آليات حفر كبيرة من مؤسسة الإسكان العسكرية في دمشق لإجراء عمليات التوسعة بتكلفة أولية قدرت بـ 300 مليون دولار، وذلك تحت إشراف ضباط روس.

لتغدو قاعدة حميميم، وفق وكالة سبوتنيك الروسية، واحدة من المنشآت العسكرية الحديثة الأكثر تحصنا في العالم، ولا سيما أنه توجد فيها مخابئ للطائرات ومستودعات تحوي الوقود والذخائر.

وهناك عسكريون روس ومن قوات النظام السوري يوفرون الحماية لقاعدة حميميم من الهجمات البرية.

بينما تساهم طائرات روسية مسيرة في جهود تأمين قاعدة حميميم، وتحلق حوالي عشر منها فوق حميميم بصفة مستمرة على مدار 24 ساعة يوميا.

وفي مارس 2021 نقل العسكريون الروس إلى قاعدة "حميميم" الجوية الروسية في سوريا رادار "أوكو - 3" المخصص لكشف أماكن جوفاء تحت الأرض.

ويمكن استخدام هذا الرادار للبحث عن أنفاق تحت الأرض قد تحفر بغية استهداف القاعدة.

وثمة خط اتصال مباشر بين قائد المجموعة الجوية الروسية في قاعدة حميميم ووزارة الدفاع في موسكو.

كما أن بإمكان قائد المجموعة الروسية أن يتصل بممثلي التحالف الدولي في العراق من أجل منع الحوادث في سوريا.

ويمكن اليوم للقاعدة، أن تستقبل كل أنواع الطائرات بما فيها قاذفات القنابل البعيدة المدى "تو-22 إم 3" وقاذفات الصواريخ الإستراتيجية "تو-95" و"تو-160". ويمكن لعشرات الطائرات أن تتزود بالوقود فيها في آن واحد.

وحتى عام 2019 كشف قسطنطين دولغوف، نائب قائد الفوج المختلط للطائرات الحربية التابع للقوات الجوية الفضائية الروسية والمنتشر في حميميم، عن وجود قرابة 30 طائرة، بينها مقاتلات من طراز "سو 35 إس" و"سو 34" و"سو 24"، ومروحيات عسكرية من نوع "مي 35" و"مي 8 أ إم تي إش".

لم تصرح روسيا عن عدد الجنود الروس داخل حميميم، إذ ترى ذلك بمثابة "سر عسكري"، إلا أن موسكو عام 2017 قالت إنها خفضت عدد قواتها الجوية المتمركزة في القاعدة بمقدار الثلثين.

حامية حميميم

وقد اتخذت روسيا الإجراءات الأمنية المناسبة لتأمين قاعدة حميميم وتوفير الحماية لها من الهجمات.

ومن أجل الحماية من الهجمات الجوية جرى إحضار منظومات الدفاع الجوي "إس-400" و"تور-إم2" و"بانتسير-إس1" والمدافع المضادة للطائرات "زي أو-23" ومحطات الرادار القادرة على كشف كل الأهداف الجوية.

وبحسب الخبير موراخوفسكي فإن بإمكان وسائط الدفاع الجوي الموجودة في قاعدة حميميم تدمير الأهداف الجوية على بعد يتراوح بين 20 و250 كيلو مترا.

وفي مايو/أيار 2021 أكد الجيش الروسي نشر ثلاث قاذفات بعيدة المدى تفوق سرعة الصوت بمحركين وقادرة على حمل أسلحة نووية في قاعدة حميميم في سوريا.

وسبق أن قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 28 ديسمبر/كانون الأول 2018 إن أكثر من 48 ألف جندي روسي خدموا في العملية في سوريا، وأن الوجود الروسي في حميميم وطرطوس سيكون "دائما".

وأظهرت وثيقة حكومية روسية نشرت في أغسطس/آب 2020، أن النظام السوري وافق على منح روسيا مياه برية وساحلية إضافية لتوسيع قاعدتها الجوية العسكرية في حميميم.

وقالت الوثيقة إن المنطقة ستستخدم "كمركز للعلاج الطبي وإعادة التأهيل" لأفراد القوات الجوية الروسية.

وبينت أن المنطقة التي تضم ثمانية هكتارات من الأراضي ومثلها من المياه الساحلية، ستمنح لروسيا على أساس مؤقت وبدون تكلفة.

وقد قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في أغسطس 2022، إن معظم أنظمة الأسلحة الروسية الأحدث جرى اختبارها في سوريا، وفقا لوكالة الأنباء الروسية تاس.

وتحمي قاعدة حميميم منظومة الدفاع الجوي الصاروخية الروسية الأكثر تطورا إس-300 وإس-400، إضافة إلى أن روسيا نشرت في القاعدة منظومتي دفاع، هما "بانتسير اس1" و"تور إم-2"، وتكمن مهتمهما في اعتراض الطائرات المسيرة.

وتضم القاعدة مدرجين متوازيين يمتدان من الشمال إلى الجنوب، وآخر شرقي جرى الانتهاء منه عام 2016، بالإضافة إلى صف من ملاجئ الطائرات المحصنة في الزاوية الشمالية الغربية من القاعدة التي جرى بناؤها بين عامي 2018 و2019.

وتهدف هذه الترسانة إلى الرد على التهديد بهجمات الطائرات بدون طيار وغيرها من الأسلحة النارية غير المباشرة.

وتعمل القاعدة كقناة لوجستية مهمة للقوات الروسية في جميع أنحاء سوريا، أما خارجيا فتعد محطة مهمة للتزود بالوقود للطائرات الجوية الروسية المحملة بأحمال ثقيلة وتكون متجهة إلى ليبيا أو إفريقيا.

ويؤكد الخبراء العسكريون أن القاذفات الروسية التي تطير من حميميم ستكون مسلحة بصواريخ كروز، وقادرة على الاحتفاظ بأهداف في أوروبا، وكذلك الاشتباك مع الأصول البحرية في البحر الأبيض المتوسط ​​أثناء أي صراع محتمل.

كما ستكون هذه الطائرات أيضا في وضع أفضل للاستجابة للأزمات والطوارئ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهذا كله دليل على اجتهاد روسيا الحثيث لدفع القاذفات خارج حدودها في السنوات الأخيرة.

وفي فبراير/شباط 2021، أظهرت صور عبر الأقمار الصناعية، عمل روسيا على توسيع أحد مدرجيها الرئيسين بحوالي 1000 قدم.

وسيسمح التمديد لقاعدة حميميم بدعم المزيد من عمليات النشر المنتظمة للطائرات الأكبر حجماً والأكثر حمولة، بما في ذلك الرافعات الجوية الثقيلة وحتى القاذفات المحتمل تزويد القاعدة بها.

خدمات متكاملة

وتتمتع القاعدة بموقع متكامل وببنية تحتية متطورة، ويمكن بحسب وزارة الدفاع الروسية للجنود بداخلها الحياة لعدة أشهر من دون الحاجة إلى إمدادات من الخارج.

من ناحية الخدمات، يوجد في القاعدة، بيوت للجنود يتسع كل منها لشخصين أو أربعة أشخاص، وهناك مخابز متنقلة ومطاعم وحمامات ومغاسل الملابس وساحات لمزاولة الرياضة.

والقاعدة تستهلك ألف متر مكعب من المياه النقية يوميا، والتي يجرى تحويلها إلى مياه صالحة للشرب من أي مصدر والتعامل مع أي تلوث، بحسب ما ذكر تقرير لقناة "روسيا اليوم" من داخل قاعدة حميميم ونشر في مايو/أيار 2019.

وبحسب التقرير المذكور فإن وزارة الدفاع الروسية تمكنت من إعادة بناء القاعدة، لتصبح "حصنا مستقلا يمكنه الحياة لعدة أشهر من دون الحاجة إلى إمدادات من الخارج".

وعرض التقرير مركزا طبيا قال إنه مزود بأحدث المعدات الطبية لمعالجة ومراقبة صحة جنود الاحتلال الروسي، إضافة إلى وجود ملاعب صغيرة، وصالة ألعاب رياضية وحمام روسي.

بينما يزود مقصف الطعام بالمنتجات الغذائية من روسيا، وبالخضار والفواكه المحلية من سوريا، كما تجري كل يوم تدريبات للجنود الروس، وتفقد الأسلحة والمعدات وجهوزيتها، وفق التقرير.

ويمكن القول إن قاعدة حميميم تحولت من كونها مطارا صغيرا قبل خمسة أعوام إلى مدينة حقيقية فيها شوارع وميادين.

كما يوجد في القاعدة تمثال للمشير كونستانتين كونستانتينوفيتش روكوسوفسكي، وهو أحد قادة القوات الروسية السوفيتية التي أحرزت انتصارا عام 1945 على ألمانيا.

أما سياسيا، فقد حولت روسيا قاعدة حميميم إلى طاولة مفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، ونظام الأسد، كما كان يتوافد عليها شخصيات عشائرية وسياسية سورية لإجراء نقاشات مع الخارجية الروسية.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2017 زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قاعدة حميميم واستدعى إليها بشار الأسد لاستقباله فيها.

وتعرض الأسد وقتها إلى موقف محرج تمثل بقيام ضابط روسي بمنعه من اللحاق ببوتين وهو يتوجه إلى منصة القاعدة لإلقاء كلمة بالجنود وإلزامه بالبقاء واقفا بجانب وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.

لكن ما عد شرعنة لـ "الاحتلال الروسي" وفق المعارضة السورية، هو إحياء النظام الذكرى الـ 75 لجلاء القوات الفرنسية من سوريا في قاعدة حميميم، بتاريخ 17 أبريل/نيسان 2021، مع الضباط الروس بحضور العماد علي أيوب وزير الدفاع السابق في حكومة الأسد ومحافظ اللاذقية.