الهندوس يفرضون وصايتهم على "بوليوود".. كيف يعملون ضد الممثلين المسلمين؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

صعدت السلطات الهندية بزعامة الحزب الهندوسي المتطرف "بهاراتيا جاناتا" من قيودها على السينما الهندية (بوليوود)، خاصة أبطالها المسلمين، وبدأت تفرض قيودا على أفلامهم بدعاوى "الإساءة للعقيدة الهندوسية". 

آخر هذه القيود كانت تأجيل عرض الفيلم الجديد للنجم العالمي الهندي المسلم "شاروخان"، بعد أن هددت جماعات قومية متشددة مرتبطة بحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بمنع عرضه، بزعم أنه يسيء إلى الهندوس، بحسب ما نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية، في 22 يناير/كانون الثاني 2023.

ودعا الهندوس لمقاطعة فيلم Pathaan "باتان" بدعوى أنه يصور "الإرهابيين المسلمين" ضحايا، وفق تعبيرهم. وجاءت الدعوات رغم أن الممثل المسلم يؤدي في الفيلم دور ضابط هندي مسلم يدافع عن بلاده ضد هجوم إرهابي.

واحتج الهندوس، بدعوى أن ممثلة تظهر في الفيلم وهي ترتدي بيكيني بلون برتقالي (الزعفران)، والذي هو لون أعلام وملابس الحزب الهندوسي المتطرف، وتغني قائلة: "بشارام رانج" أي "لون وقح".

تهديدات ومقاطعات

وسبق أن هدد راهب هندوسي في ولاية ماديا براديش، يدعى جاغادجورو بارامانس، الممثل الهندي المسلم شاروخان بالقتل إذا قابله.

واتهم بارامانس شاروخان في 26 ديسمبر/كانون الأول 2022 بإهانة اللون البرتقالي المقدس لدى الهندوس بعد استخدامه في أغنية بفيلمه الجديد.

وقد طالب "المجلس المركزي" المسؤول عن التصديق على الأفلام بإجراء تغييرات على الفيلم بعد اعتراضه على أغنية بطلة الفيلم ديبيكا بادوكون، وهي ترتدي "بيكيني" بلون الزعفران، بدعوى أن الحزب الهندوسي يعده "لونا مقدسا" خاصا به.

وقالت مجلة "نيويوركر" الأميركية في 10 أكتوبر/تشرين أول 2022 إن مراقبي الأفلام من حزب بهاراتيا جاناتا بدأوا يرفضون الموافقة على أفلام كثيرة بحجة وجود ألفاظ نابية وإشارات إلى الجنس، لكن أغلبها بسبب تحفظ على ممثلين مسلمين.

وتوضح أن هذه الرقابة الحكومية كانت موجودة في السابق، لكن كان يجرى التغلب عليها بالاستئناف أمام المحكمة، وفي عام 2022 ألغت الحكومة هذه المحكمة وأصبح السبيل الوحيد لصانعي الأفلام هو عملية التقاضي الطويلة والمكلفة. 

ورغم حملات المقاطعة الهندوسية للفيلم ووقف عرضه، قالت الناقدة السينمائية "شبرا غوبتا" إن "تسونامي جماهيري تدفق لشراء تذاكر الفيلم حتى أنني لا أجد حجز تذاكر لعائلتي".

أوضحت لصحيفة "التايمز" أن "الإقبال على مشاهدة الفيلم في يوم الافتتاح غير مسبوق، وجميع السينمات حجوزاتها مكتملة".

ولم يكن "شاروخان"، الذي عاد للسينما بعد ما يقرب من أربع سنوات، الوحيد الذي عانى من حملات المقاطعة الهندوسية، بسبب فيلمه الأخير.

فقد نجحت هذه الحملات المعادية في دفع هنود لمقاطعة أفلام لبعض النجوم المسلمين الآخرين، مثل فيلم عامر خان "لال سينغ تشادها" الذي يعد النسخة الهندية من الفيلم الأميركي "فورست جامب"، وهو ما دفع الممثل لإصدار بيان يقوله: "أنا أحب بلدي، من فضلك لا تقاطع أفلامي".

وحتى الممثلين الهندوس الذي أشادوا بأفلام زملائهم المسلمين، مثل هريثيك روشان، كانوا هدفها لهؤلاء المتطرفين، وأصبحت أفلامهم هدفًا لحملة المقاطعة نفسها، بحسب موقع "آسيا سنتينل" 14 يناير 2023.

ويؤكد مرصد Civic Media Observatory أن ممثلي بوليوود المخضرمين عامر خان وكارينا كابور، تعرض فيلمهما "لال سينغ تشادها" لحملات مقاطعة هندوسية متعصبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمجرد أنه مسلم وهي هندوسية .

أكد في 7 سبتمبر/أيلول 2022 أنه جرى استهداف كل من عامر خان وكارينا كابور بدعوى أنهما "مناهضان للقومية الهندوسية"، وكانت هناك منشورات تحرض الجمهور على مقاطعة الفيلم لإجبار الأول على تقديم قصص تتوافق مع السرد الهندوسي القومي.

وشاركت الجماعات اليمينية حملة مقاطعة مماثلة ضد الممثل أمير خان عام 2015، بعدما صرح بأن زوجته (الهندوسية) تشعر بعدم الأمان في الهند بسبب تزايد التعصب الديني و"انعدام الأمن وزيادة الخوف واليأس" في البلاد. 

"هندسة" بوليوود 

بدأ تراجع بوليوود "بشكلها القديم" المتسامح دينيا، بالتزامن مع صعود التعصب الثقافي الهندوسي، والتهميش الذي أعقبه، للمسلمين في السياسة، وبلغ ذروته في عهد النظام الحالي، الذي وصل إلى السلطة عام 2014 بـ "هندسة" السينما.

أحد أسلحة هؤلاء المتطرفين كان تنفيذ حملات مقاطعة هندوسية لبوليوود، وزعم القائمون عليها أن هدفهم "تنظيفها"، بحجة أنها "وكر للجنس والمخدرات وكراهية الهندوسية"، لكن هدفهم كان الممثلين المسلمين.

كان أكثر المستهدفين في هذه الحملة "الثلاثي خان"، شاروخان، وعامر خان، وسلمان خان، وهم ممثلون مسلمون هيمنوا على أفلام بوليوود، لما يقرب من ربع قرن.

ويؤكد موقع "آسيا سنتينل" 14 يناير 2023 أن السينما الهندية تتحول تدريجيا للخضوع للقومية الهندوسية، وتتزايد المخاوف أن تصبح في قبضة اليمين المتطرف بالكامل والحزب الهندوسي.

ونقل الموقع عن "نقاد" أن صناعة أفلام بوليوود الهندية الشهيرة تعمل حاليا على "تجميد" الممثلين المسلمين، والابتعاد عن الترفيه لخدمة الأهداف السياسية اليمينية لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم.

 كما تتجه هذه الصناعة، بضغوط من الحزب الهندوسي الحاكم، لما يسمى "تنقية المجتمع الهندي ثقافيًا" والذي يعني تهميش الأقليات بشكل منهجي، وخاصة المسلمين. ويدعم هذا حملات مقاطعة منظمة على تويتر يديرها ناشطو حزب بهاراتيا جاناتا.

وأشار موقع "آسيا سنتينل" إلى أن "التأثير اليميني الهندوسي المتنامي في صناعة السينما يمثل قلقًا متزايدًا بشأن سعيهم لفرض الهندوتفا، أو القومية الهندوسية في جميع أنحاء البلاد، حيث تعمل حكومة بهاراتيا جاناتا على تضييق مساحة الديانات والمجموعات العرقية الأخرى".

ويشير بحث مرصد Civic Media Observatory إلى رصده أن الجماعات الهندوسية اليمينية حددت ممثلي بوليوود المسلمين والصناعة بأكملها على أنها هدف لها، بدعوى أنهم نخب ليبرالية تحاول غسل دماغ البلاد والعداء للهندوسية.

وأوضح المرصد أن الهندوس المتطرفين صنفوا ممثلين مثل عامر خان، بأنهم "إرهابيون". وجرى تخليق نظرية مؤامرة وهمية تسمى "جهاد الحب" تزعم أن بوليوود تشجع الرجال المسلمين على الزواج من الهندوسيات لتحويلهن عن دينهن.

وأنه مع صعود التعصب الهندوسي وحزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي على رأس القيادة السياسية، جرى تعزيز الأجندة القومية الهندوسية، واحتلال مجموعات هندوتفا الهامشية الآن مركز الصدارة في المحادثات السياسية، مما أدى إلى زيادة التمييز ضد المسلمين.

وبدأ الحزب القومي الهندوسي المتطرف "بهاراتيا جانتا"، يضغط لإدخال تغيير جوهري في قصص استوديوهات السينما الهندية لـ "شيطنة المسلمين"، وتصويرهم بصورة كريهة كإرهابيين، ما ضاعف الهجمات الهندوسية ضدهم.

معاداة وتشويه 

برز هذا أخيرا في حالتين: الأولى ظهور أفلام تعادي المسلمين مثل Sooryavanshi الذي يزعم اختطاف مسلمين لفتيات هندوسيات لتحويلهن للإسلام.

والذي عدته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 "تطورا خطيرا يجعل من المستحيل بعد مشاهدته، عدم التفكير في ألمانيا النازية، حيث أقام (الزعيم النازي أدولف) هتلر صناعة سينمائية كانت تطيعه وتصنع أفلامًا دعائية ضد اليهود".

والحالة "الثانية" كانت تزايد العداء لممثلي السينما الهندية المسلمين وتشويه صورتهم بتلفيق قضايا ضدهم، مثل اتهام نجل الممثل الشهير "شاروخان" بالتورط في قضية مخدرات للإضرار بصورة أبيه، وصفت بأنها "مدبرة" وجرت تبرئته منها.

وقالت صحيفة "اندبندنت" البريطانية في 7 ديسمبر 2021 إن ذلك ضمن محاولات القوميين الهنود المتطرفين لإسكات صوت رموز الصناعة السينمائية الهندية (بوليوود) المسلمين وتشويه صورتهم.

وأشارت إلى أن الحملة التي يشنها المتطرفون ضد "شاروخان" بسبب آرائه الجريئة والصريحة ضد المتطرفين الهندوس، وتخوفه من أن "يعيد التعصب الديني الهند إلى العصور الوسطى"، بعد تولي حزب رئيس الوزراء الحالي "ناريندرا مودي" السلطة.

وتحظى صناعة السينما في الهند بأكبر جمهور عالميا، وفقاً لإحصائيات شركة Statista المتخصصة في البيانات الإحصائية، إذ تبيع ملياري تذكرة سينما سنويا، وتُنتج 1000 فيلم سنويا، بحسب ما نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" في 13 يناير 2020.

وفي يناير 2020 دخلت بوليوود في صدام غير متوقع مع حكومة مودي، حين شارك نجوم في مظاهرات بجامعة جواهر لال نهرو، في نيودلهي، ضد قانون المواطنة المعادي للمسلمين، والعنف ضد الطلاب.

ودفع هذا متطرفي الحزب الحاكم للمطالبة بقتل بعضهم مثل الممثلة "ديبيكا بادوكون" التي انضمت للمحتجين هي والممثلين فرحان أختار، ومحمد زيشان، والمخرجين أنوراج كاشياب، وزويا أختار وشقيقها، بحسب "فايننشال تايمز". 

ولا تقتصر الحملات الهندوسية على إدارة حملات مقاطعة منسقة لأفلام الأبطال المسلمين، وإنما سعى اليمين المتطرف إلى التأثير في بوليوود عبر إنتاج أفلام تمجد الماضي الهندوسي للهند، وتشوه حقائق ماضيها الإسلامي.

من ذلك فيلم "ملفات كشمير" الذي صدر 2022، ويتبنى رؤية هندوسية متعصبة من مقاطعة الإقليم بصفته قطعة من الهند وليست مستقلة ذاتية.

وأشاد بهذا الفيلم رئيس الوزراء الهندي مودي وقال: "يجب على الجميع رؤيته"، بحسب موقع "آسيا سنتينل".

وتقول "أرونداتي روي"، الروائية والناشطة الهندية الحائزة على جوائز، والتي تنتقد بشكل متكرر التحول اليميني المتطرف في المجتمع والسياسة الهنديين للموقع إن: "الفيلم يصور جميع المعارضين المسلمين في كشمير على أنهم جزارون أشرار يذبحون ويقتلون".

تزوير التاريخ

وسبق أن أكدت صحيفة "التايمز" البريطانية 21 يونيو/حزيران 2022 أن الحكومة الهندية القومية "الهندوسية" تعمل على حذف أي إشارات إلى الحكم الإسلامي من المناهج الدراسية، وكذلك حذف كل ما يمتُّ بِصلة إلى المسلمين الذين حكموا البلاد قروناً طويلة.

وقالت إن هذه الخطوة تأتي بعد تشويه صورة الحكم الإسلامي في السينما الهندية بوليوود وتشجيع الحزب الهندوسي أفلاما تهاجم الحكم الإسلامي السابق للهند.

وفي إطار مراجعة المناهج والكتب الدراسية على مدار خمس سنوات، حذفت السلطات الهندية الفصول التي تسرد تفاصيل الأسر الحاكمة المغولية، فضلاً عن إزالة كل ما يشير إلى حكم السلاطين الأوائل وصعود الإسلام في الهند.

ونسب العديد من المؤرخين الفضل إلى المغول في إنشاء ثقافةٍ غنية داخل الهند، لتضم معالم أثرية مثل تاج محل والحصن الأحمر في دلهي، لكن المغول سقطوا عن العرش على يد البريطانيين بعد تمرد البلاد عام 1857.

يُذكر أن الأسر الحاكمة المغولية حكمت غالبية أرجاء البلاد منذ مطلع القرن الـ 16 وحتى منتصف القرن الـ 19، بينما وصل الإسلام إلى ما كان يُعرف ببلاد السند (باكستان والهند) منذ عهد الأمويين، وحكم المسلمون تلك البلاد طيلة 8 قرون.

وضمن محاولات الحكومة الهندية المتطرفة للتغطية على جرائم الهندوس ورئيس الوزراء، انتقدت الحكومة فيلما وثائقيا بثته هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي عن دور "مودي" في أعمال الشغب في غوجارات عام 2002.

وزعمت الحكومة الهندية، في 22 يناير 2023، أنها حجبت مقاطع مصورة وتغريدات عبر الإنترنت، تشارك روابط فيلم بي بي سي، ووصفته بأنه "دعاية معادية ومناهض للهند، ويقوض سيادة الهند وسلامتها".

ويثبت الوثائقي المكون من جزءين أن "مودي" القومي الهندوسي، الذي كان رئيس ولاية غوجارات حينها، أمر الشرطة بالتغاضي عن أعمال عنف في الولاية، ما أسفر عن مقتل ألف شخص معظمهم من الأقلية المسلمة.

وفي عام 2002، جرت أعمال شغب في ولاية غوجارات بعد مصرع 59 هندوسياً بحريق في قطار، واتهمت الحكومة 31 مسلماً بقتلهم، وبدأ الهندوس في قتل المسلمين الذين قدر ناشطو حقوق الإنسان عددهم بقرابة ألف.

ويتضمن الوثائقي تقريراً صادراً عن وزارة الخارجية البريطانية نقل عن مصادر لم يسمها أن "مودي" التقى ضباطاً في الشرطة، وأمرهم بعدم التدخل في أعمال عنف ضد المسلمين التي ارتكبتها جماعات هندوسية يمينية أعقبت مقتل الهندوس.

ولفت التقرير إلى "دوافع سياسية" لأعمال العنف الممنهجة بهدف "التطهير العرقي للمناطق الهندوسية من المسلمين"، واتهم ناريندرا مودي بأنه "مسؤول بشكل مباشر" عن المذبحة هناك.