المواطن أم الدولة.. من المسؤول عن ضحايا "غاز التدفئة" في الجزائر؟

سلمان الراشدي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

رغم أنها ظاهرة متفاقمة منذ سنوات، إلا أن "غاز التدفئة" يواصل حصد أرواح العديد من الجزائريين، بينما تكتفي السلطات بالتحذير من مخاطر عديدة تقف وراء هذه الحوادث المفجعة.

ومع حلول فصل الشتاء من كل عام، يتسبب الغاز في مآسٍ جديدة، حيث خلال أسبوعين فقط منذ بداية 2023 لقي 28 جزائريا مصرعهم، في حصيلة تعد من بين الأثقل في شهر واحد خلال السنوات الماضية.

وتسببت هذه الحوادث في حالة حزن واستياء على مواقع التواصل بالجزائر، حيث نشر ناشطون صورا للضحايا وترحموا عليهم، مع مطالب بإيجاد حل لهذه المعضلة التي تتكرر كل سنة.

فواجع يومية

وكشفت مصالح الحماية المدنية (الدفاع المدني) في الجزائر، عن مصرع 28 شخصا، إثر تعرضهم للتسمم بغاز أحادي أكسيد الكربون، منذ مطلع يناير/ كانون الثاني 2023.

وذكرت الحماية المدنية في حصيلة لها نشرتها على موقعها، أن 28 شخصا لقوا مصرعهم منذ بداية السنة، مع تسجيل 160 تدخلا، ما سمح بإنقاذ وإسعاف 201 شخص من الموت الحقيقي تم تحويلهم لمختلف المستشفيات خلال الفترة نفسها.

وترجع الحماية المدنية هذه الحوادث إلى أخطاء في تطبيق تدابير الوقاية، المتعلقة بنقص أو انعدام التهوية داخل المنازل السكنية والتركيب السيئ وقدم الأجهزة.

 فضلا عن استعمال أجهزة مخصصة للطبخ والطابونة كوسيلة للتدفئة داخل المنازل والمحلات.

ورغم حملات التوعية الدائمة بضرورة التهوية المستمرة داخل المنازل والقيام بصيانة دورية ودائمة لمختلف أجهزة التدفئة من طرف أخصائي واستعمال كاشف غاز أحادي أكسيد الكربون كوسيلة إنذار، إلا أن الحوادث لا تكاد تتوقف وغالبا ما تخلف وفيات.

من جانبه، وجه وزير الداخلية والجماعات المحلية بالجزائر، إبراهيم مراد، نداء للمواطنين بضرورة التحلي بالحيطة والحذر، بعد وفاة 17 شخصا خلال يومين، في 3 حوادث متفرقة لتسرب الغاز.

وقال مراد، خلال تصريحات صحفية في 10 يناير 2023، إنه: "شيء مؤسف تسجيل عدد كبير من حالات الاختناق بالغاز رغم الحملات التحسيسية (التوعوية) التي نقوم بها بصفة دورية".

ودعا وزير الداخلية، العائلات في الجزائر لتكون يقظة من أجل تفادي حوادث الاختناق التي تؤدي غالبا إلى الوفاة، قائلا: "أتوجه إلى كل العائلات حتى تكون حذرة ويقظة لتفادي مثل هذه الحوادث الخطيرة التي تحصد ضحايا من مختلف الأعمار".

وتابع: "نتمنى أن يأخذ المواطنون في الجزائر حذرهم ويأخذوا في الحسبان الإرشادات الخاصة بالوقاية من خطر الاختناق بالغاز".

مسؤولية مشتركة

"المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك" بدورها أشارت إلى أنها "طالبت من سلطة ضبط الكهرباء والغاز منذ سنة 2018 إلزام شركة توزيع الكهرباء والغاز بتوزيع كاشف التسربات الغازية على جميع مشتركيها (بصفتها صاحب الامتياز)، مع اقتطاع ثمنه على ثمانية  أجزاء في كل فاتورة كهرباء خلال سنتين".

وأضافت في بيان في 18 يناير "هكذا تستفيد الشركة ماديا ونعمم استعمال الكواشف على المستوى الوطني ونحفظ أرواح الناس، بعد أن أصبحنا نسجل كل سنة حوادث مأساوية تتكرر، وبعد الحوادث الأخيرة سنعيد طرح المقترح".

من جانبها، أصدرت وزارة الصحة بيانا في 21 يناير، حذرت فيه من خطورة التسمم بغاز أحادي أكسيد الكربون والذي يؤدي غالبا إلى الوفاة، وذلك في إطار حملة وقاية من الاختناق بهذا الغاز تزامنا مع الانخفاض الحاد لدرجة الحرارة، وارتفاع الوفيات مع مطلع العام الجديد.

كما ذكرت المواطنين بأهم الإرشادات والاحتياطات الواجب اتخاذها للحد من هذه الظاهرة، ومنها "ضرورة المراقبة السنوية لأجهزة التدفئة وتسخين المياه من طرف متخصص مؤهل (سخان الماء، سخان الحمام، الموقد..)، تهوية المنزل مدة 10 دقائق يوميا على الأقل مع عدم سد ثغرات الهواء حتى في فصل الشتاء".

وشددت الوزارة على ضرورة "عدم استخدام أجهزة التدفئة الاحتياطية المتنقلة إلا في الغرف ذات التهوية الجيدة وعلى فترات متقطعة، وعدم تشغيل محرك السيارة في مرآب مغلق، واحترام تعليمات استخدام أجهزة التدفئة والتسخين، عدم استخدام أجهزة غير مخصصة لغرض التدفئة (فرن الطهي، الكانون..)".

بينما رأى الفاعل المدني حمزة هيلال أن "الوفيات الناجمة عن غاز التدفئة تثير رعب المواطنين مع بداية هذه السنة، لأن الأعداد كبيرة في توقيت قصير، وهذا يدق ناقوس الخطر ويدفعنا إلى البحث عن طرق عملية ناجعة لإيقاف نزيف خسارة أرواح مواطنينا".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "المسؤولية مشتركة بين الدولة بعدم صرامتها والمواطن الذي يلجأ للخيار الأرخص، ومن جانب آخر المُصنّع لأجهزة التدفئة التي تشتغل بالغاز الطبيعي لأنها لا تخضع لمعايير الأمن والسلامة، والمُستورد الذي يختار النوعية الرديئة".

واعتبر أن "السلطات المعنية تكتفي بتوجيه الإرشادات والنصائح وحملات التوعية العابرة، دون مراقبة دورية وصارمة للأجهزة غير صالحة في البيوت، وهذا يعني أننا سنترقب يوميا المزيد من ضحايا تدفئة الغاز في البيوت".

ودعا هيلال إلى "سن قوانين صارمة حفاظا على الأرواح، وفرض جهاز كاشف للتسربات الغازية، لأن ذلك سيجنب المواطنين مخاطر وخسائر في الأرواح".

وشدد على أن الالتزام بالإرشادات العامة "سيسمح بتفادي وقوع مزيد من الخسائر في الأرواح".

كما نصح هيلال المواطنين بأهمية "شراء الجهاز الكاشف عن تسرب غاز أحادي أكسيد الكربون والتركيز على تسلم (شهادة المطابقة) لدى اقتناء أي جهاز جديد، لوضع حد لحوادث الاختناقات التي أودت بحياة أبرياء من عائلات بأكملها".

وقاية ناقصة

من جانبه، أكد العقيد في الحماية المدنية الجزائرية، صالح بارودي، أن "العامل الأكثر خطورة يتمثل في وضع تلك الأجهزة في غرف مغلقة ومنعدمة التهوية"،

وأشار  بارودي لموقع "أصوات مغاربية" في 16 يناير 2023، إلى أن "العديد من الحوادث تقع في بنايات قديمة تفتقر لمعايير السلامة، أو شقق مغلقة المنافذ".

وسجل المتحدث ضعفا في التفاعل مع حملات الدفاع المدني، و"عدم الوعي" بخطورة التسممات الغازية، مؤكدا مع ذلك ضرورة تواصل الحملات.  

وجرت العادة أن تطلق السلطات الجزائرية حملات للتوعية بمخاطر غاز أحادي أكسيد الكربون، آخرها حملة وطنية أطلقتها وزارة الداخلية في ديسمبر/كانون الأول 2022، بمشاركة عدة وزارات وجمعيات.

وغاز أول (أحادي) أكسيد الكربون، عبارة عن غاز محترق ينبعث من أجهزة التدفئة الغازية أو سخانات المياه للمطبخ والحمام، وهو لا رائحة ولا لون له.

ويؤدي استنشاق هذا الغاز إلى الاختناق، ويُفضي إلى الوفاة إذا لم يتم سريعا إسعاف الشخص أو تهوية مكان وجوده.

المدون حسين يوبي من جانبه، قال إن "ما نلاحظه هذه السنة ونحن على أبواب فصل الشتاء كثرة ضحايا الاختناق بأحادي غاز الكربون المنبعث من المدافئ في البيوت، فعائلات بأكملها راحت ضحايا هذه الحوادث رغم التوعية منذ عشرات السنين لخطورة هذا القاتل الذي يقتل بصمت ".

وأضاف يوبي في 16 في يناير 2023: "نتمنى من الدولة فتح تحقيق موسع في سبب الحوادث المتكررة، وأخذ هذه القضية على محمل الجد ولا تترك كقضية عابرة".

وأشار إلى أنه "أولا، يجب النظر في نوعية المدافئ التي تسرب منها الغاز ومن يستوردها أو يصنعها، ثانيا، التوعية بحيث تخرج في كل بلدية لجنة مراقبة وتوعية مكونة من مختصين من الحماية المدنية وتقنيين من سونالغاز (شركة الكهرباء الحكومية)".

وثالثا، إن لزم الأمر قيام الدولة بمنع بيع مدافئ الغاز وجعل بيعها في يد الدولة فقط بحيث تكون المدافئ آمنة"، بحسب يوبي.

وعادة ما تتبرأ الدولة من مسؤوليتها عن الاتهامات التي تطالها بشأن عدم مطابقة أجهزة التدفئة وتسخين الماء للمعايير، وتسببها في وفاة عشرات المواطنين.

وقال المدير العام للرقابة الاقتصادية وقمع الغش في وزارة التجارة، عبدالرحمن بن هزيل، للوكالة الرسمية للأنباء في 10 يناير، إن "أجهزة التدفئة بالغاز الموجودة في السوق المحلية مطابقة لشروط السلامة".

ويرى ابن هزيل، أن "حالات الوفاة اختناقا بغاز أحادي أكسيد الكربون، التي تم تسجيلها سببها مشاكل في التركيب والصيانة".

وأضاف أن عملية مسح قامت بها وزارة التجارة، لأجهزة التدفئة المصنعة محليا والمسوقة بالجزائر، كشفت أنها مطابقة للمعايير باستثناء نوعين فقط.

وأوضح ابن هزيل، أن "الأمر يتعلق بنوع من الأجهزة مصنع محليا لا يتوفر على دليل الاستخدام والصيانة، والثاني مستورد تم حجزه على مستوى الموانئ بسبب عدم مطابقته لمعايير السلامة والأمن".