أعلى نسبة بالعالم.. كيف يشكل الموظفون الحكوميون خطرا كبيرا على العراق؟

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

رغم أن العراق يحتل المرتبة الأولى عالميا في نسبة عدد الموظفين الحكوميين، إلا أن ذلك لم يمنع حكومة محمد شياع السوداني من توظيف 300 ألف عنصر جديد في وزارات ومؤسسات الدولة ضمن موازنة 2023.

وصادق مجلس الوزراء في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2022، على تثبيت عقود الوزارات والمحافظات التي سبق أن صادقت عليها وزارة المالية العراقية، وشمل القرار، العاملين بعقود مؤقتة في الوزارات والمحافظات والدوائر الحكومية غير المرتبطة بوزارة.

ملايين الموظفين

العراق الذي وصل تعداد سكانه إلى نحو 42 مليون نسمة نهاية عام 2022، شهد بعد الاحتلال الأميركي وإسقاط نظام صدام حسين، قفزات كبيرة في أعداد العاملين بالقطاع العام.

ويبلغ عدد موظفي الدولة في الوقت الراهن أكثر من 7 ملايين موظف بعدما كان عددهم أقل من مليون قبل عام 2003.

وفي 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، كشفت مؤسسة "عراق المستقبل" المعنية بالشؤون الاقتصادية، في تقرير لها أن العراق يُعد الدولة الأكثر نسبة بعدد الموظفين الحكوميين إلى مجمل القوى العاملة بحسب دراسة أعدتها منظمة "العمل" الدولية.

وقال رئيس المؤسسة منار العبيدي، إن نسبة العاملين بالقطاع الحكومي بلغت 37 بالمئة بين مجموعة دول شملتهم الدراسة.

وأضافت أن القطاع الحكومي هو الأكثر ضغطا على موازنة الدولة العراقية والتي تذهب معظمها إلى رواتب الموظفين دون وجود إنتاج حقيقي يوازي هذه المصروفات العالية.

ونشرت المؤسسة جدولا بخصوص نسبة الموظفين في 12 دولة بالشرق الأوسط والعالم، إذ أظهر أن العراق يتصدر دول العالم بنسبة تصل إلى 37 بالمئة، تليه السعودية بنسبة 35.3 بالمئة، وبعدها الأردن بنسبة 24.3 بالمئة.

ورغم الفارق بين هذه الدول العربية التي تصدرت دول العالم، لكن دولا أخرى تفوقها في عدد السكان كانت أقل منها في أعداد الموظفين الحكوميين.

ومنها على سبيل المثال، الصين التي تبلغ نسبة الموظفين لديها 28 بالمئة، والمملكة المتحدة 21.5 بالمئة، وتركيا 15.8 بالمئة، وإيران 18.3 بالمئة.

وفي يونيو/ حزيران 2022، قال وزير المالية العراقي الأسبق علي علاوي، خلال حوار مع الوكالة الرسمية "واع" إن "آخر إحصائية حكومية بعدد الذين يتقاضون رواتب من الدولة بمختلف الشرائح تبلغ نحو سبعة ملايين موظف".

لكن اقتصاديين عراقيين، يتحدثون عن أرقام أعلى لأعداد من يتسلمون مرتبات شهرية من الحكومة، إذ يقول الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش إن "مجموع العراقيين الذين يتقاضون رواتب شهرية من الدولة يقدر بـ 9.5 ملايين عراقي".

وأوضح لموقع "الجزيرة نت" في 23 نوفمبر 2022 أن هؤلاء العراقيين "يعتمدون في معيشتهم على الدولة بصورة مباشرة (موظفون ومتقاعدون وذوو الرعاية الاجتماعية)، وهو ما قد يشكل نسبة 23 بالمئة من سكان العراق".

إرهاق للدولة

الأرقام الجديدة التي أضافتها حكومة السوداني إلى الأعداد المهولة من الموظفين الحكوميين، دفعت خبراء اقتصاديين إلى دق ناقوس الخطر بشأن تداعيات هذه الخطوة على مستقبل الاقتصاد العراقي الذي يعتمد بنسبة 95 بالمئة منه على صادرات النفط.

وقال الخبير الاقتصادي العراقي صفوان قصي خلال مقابلة تلفزيونية في 9 يناير/ كانون الثاني 2023 إن "قرار مجلس الوزراء في تثبيت المتعاقدين، يرهق الموازنة التشغيلية ويرفع كلفة الانفاق على بند الرواتب من 42 ترليون إلى نحو 63 ترليون (1470 دينارا للدولار الواحد)".

وأضاف قصي أن "ارتفاع التكاليف الثابتة على بند الرواتب بالتأكيد يساهم في إرهاق الموازنة المالية للبلد، خاصة أنها تعتمد على إيرادات النفط (الاقتصاد الريعي)، لذلك أي تغير في سعر برميل النفط قد يحرج الحكومة في تمويل بند ضروري محكوم بقانون وهو بند الرواتب".

وتابع: "يفترض أن يكون هناك تنبؤ في أسعار النفط للسنوات المقبلة حتى لا نرهق الموازنة بنفقات محكومة بقوانين، إضافة إلى ضرورة أن يأخذ صانع القرار في الحسبان أن هناك 3 ملايين موظف حاليا، من فئات عمرية صغيرة، وهؤلاء سنويا يتم ترقيتهم في السلم الوظيفي، وبالتالي تزداد كلفة الإنفاق على هؤلاء".

وشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة أن "يكون التوظيف ضمن القطاع الخاص حتى لا نواجه بإحراج على مستوى إيرادات الحكومة. فلدينا ضمن موازنة 2023 صندوق لتنمية العراق، وهو تشكيل جديد ترغب فيه حكومة السوداني بتحريك القطاع الخاص".

وتابع: "لذلك على الحكومة تحويل الإعانات من استهلاكية إلى إعانات إنتاج حتى يتحرك هذا الملف (القطاع الخاص)"، داعيا إلى "إعادة النظر في الضرائب المفروضة على الذين يعملون في القطاع الخاص على مستوى الشركات وربطها بعدد العاملين، أي بمعنى كلما زاد عدد العاملين كانت السماحات أعلى".

وفي السياق ذاته، رأى المراقب للشأن العراقي، لطيف المهداوي أن "إقدام المواطنين العراقيين على الوظيفة الحكومية وترك القطاع الخاص كونها الأكثر ضمانا، فسواء قدموا خدمة أم لم يقدموا خلال ساعات الدوام الرسمي فإن مرتباتهم يحصلون عليها نهاية الشهر".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "الحكومة في الوقت الذي تكون فيه مسؤولة عن إيجاد عمل لملايين العاطلين، فإنها مطالبة بإنهاء الترهل الحاصلة في مؤسسات الدولة والبطالة المقنعة، عبر فرض سياسة جديدة في التعيين واحتساب الراتب على قدر الخدمة والعمل المقدم من الموظف في ساعات العمل".

وشدد الباحث العراقي على "ضرورة تفعيل القطاع الخاص، من خلال تفعيل قانون الضمان الاجتماعي للعاملين في هذا القطاع، وضمان جميع حقوقهم سواء بتفعيل التقاعد أو المعاش أو التأمين الصحي لهم، وهذا سيدفع العاطلين على ترك العمل في قطاع الحكومة".

"خطر كبير"

من جهته، قال الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، إن "مخصصات الأجور كانت في السابق إجمالا 42 تريليون دينار وصعودها إلى 60 تريليون أمر مبالغ به، ولا سيما مع تعيين مئات الآلاف من المحاضرين والمفسوخة عقودهم وحملة الشهادات العليا، فما هو المبرر لهذا الارتفاع الكبير؟"

ورأى المشهداني في تصريح لصحيفة "العالم الجديد" العراقية في 5 يناير أن "موازنتي 2020 و2021 كانت تخصص أكثر من 70 بالمئة للجانب التشغيلي، أما الآن فنحن نتحدث عن نحو 125 تريليونا لتخصيصات النفقات التشغيلية في الموازنة ولا سيما أن حدود الموازنة سيتجاوز الـ140 تريليونا، وهذا سيدفع باتجاه الاقتراض".

وتساءل: "في حال انخفاض أسعار النفط، كيف سيكون التصرف؟" مؤكدا أن "هذه التجربة رأيناها في عام 2020 عندما تراجعت أسعار النفط لأيام فقط وبمجرد اجتماع وزير النفط الروسي ووزير النفط السعودي إذ تم الاتفاق على تفعيل منظمة أوبك من جديد فعاد سعر النفط إلى الاستقرار".

وتوقع المشهداني أن "السنة القادمة ستشهد انخفاضا بأسعار النفط، فإذا كانت النفقات التشغيلية للموازنة 125 تريليون دينار، فكيف تكون مخصصات الرواتب والأجور 60 تريليونا؟

وأضاف أن "الرعاية الاجتماعية ورواتب المتقاعدين مدفوعة من الموازنة العامة لعام 2021 بقيمة 18 تريليونا إضافة إلى 62 تريليونا بذلك تكون 80 تريليونا فقط للنفقات التشغيلية".

ومع أزمة تفشي فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط عالميا إلى أقل من 15 دولار، كان العراق قد عانى خلال معظم شهور 2020 من عدم قدرته على دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين نتيجة تراجع الواردات المالية من مبيعات النفط.

بعد انتخابي

ويضاف إلى خطورة زيادة حجم الموظفين الحكوميين على الاقتصاد العراقي، البعد الانتخابي الذي لجأت إليه حكومات ما بعد عام 2003، فقد جرى استخدامهم انتخابيا على نطاق واسع في العراق، إذ عمدت الأحزاب إلى تعيين أنصارها في مؤسسات الدولة خلال الأعوام الماضية.

ويتخوف مراقبون من إعادة السوداني تكرار تجربة رئيس الوزراء الأسبق المالكي (2006 إلى 2014)، خصوصا أنه كان ينتمي إلى الحزب ذاته (حزب الدعوة) الذي يرأسه الأخير، وربما يسعى السوداني إلى تجيير هذه التعييات في العملية الانتخابية المرتقبة خلال عام أو عامين كأقصى حد من عمر الحكومة الحالية.

وحصل الانفجار الكبير في عدد الموظفين الحكوميين، بين 2008 و2010، المعروفة بـ"سنوات الوفرة المالية"، عندما ارتفعت أسعار النفط كثيرا، خلال الولاية الأولى لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

وعينت حكومة المالكي الأولى مئات الآلاف في مختلف مؤسسات الدولة، لتسجل كسبا شعبيا غير مسبوق، وسرعان ما حصد المالكي نتيجته في الانتخابات العامة عام 2010.

وعُرف عن الأخير منذ ذلك الحين، اعتماده السياسي الكبير على شعبيته بين الموظفين الذين عينتهم حكومته الأولى بشكل واسع، والثانية بدرجة أقل.

ولم تستند هذه التعيينات إلى سياسة واضحة تأخذ في الحسبان حاجة المؤسسات الحكومية إلى تخصصات معينة، بل سادت الفوضى، واعتُمدت الوساطات والمحسوبيات السياسية في التوظيف الحكومي.

فبحسب خبيرة الاقتصاد العراقية الدكتورة سلام سميسم في حديث سابق لـ"الاستقلال" فإن "الوظيفة في العراق بات ينظر إليها على أنها مكرمة، وتفوق قضية كونها حقا من حقوق الإنسان في الحصول على العمل في القطاع العام".

وعزت سميسم ذلك إلى الخلل في قوانين البلد، التي جعلت كل الامتيازات للوظيفة الحكومية، وأولها التقاعد والضمان، بينما هذه غير متوفرة في القطاع الخاص، لأنه لا يوجد رقابة على مؤسسات الضمان، رغم أنها تستقطع من رواتب جميع العاملين بالقطاع، لكن لا أحد من هؤلاء يتسلم مخصصات.

وتابعت خبيرة الاقتصاد قائلة: "لذلك أي فرد يبحث عن ضمان له سيعمل في القطاع العام لأن لديه تقاعدا ومصروفات تعطى له تكفيه طوال عمره".

وفي 11 يونيو/ حزيران 2020 قال رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي: إن "العراق متعب بالترهل الوظيفي بوجود 4 ملايين موظف في بلد عدد سكانه 40 مليون نسمة، وعدد موظفي وزارة واحدة أكبر من عدد سكان دولة صغيرة، لأنه في كل انتخابات هناك حملة للتعيين".