السعودة بديلة للإسلام.. واشنطن بوست: ابن سلمان يختلق هوية جديدة

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أبرزت صحيفة "واشنطن بوست" محاولات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تعزيز الهوية السعودية للبلاد، واستبدالها بالهوية الإسلامية، عبر خطوات تمجد فترة ما قبل ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية.

وقالت الصحيفة الأميركية، في تقرير لها، إنه "عندما فاز المنتخب السعودي على نظيره الأرجنتيني في كأس العالم، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، انتشرت عبارة موحدة على مواقع التواصل الاجتماعي في المملكة: "صقورنا هي فخرنا".

واشتعلت حينها حالة من الحماس القومي، دفعت الصحف السعودية لنشر مقالات تعتبر الفوز دليلا على بداية حقبة جديدة في تاريخ المملكة.

تغيير الصورة

حتى إن أحد الكتاب السعوديين قال: "ينبغي على كل منا أن يمحو من ذهنه أي صورة نمطية سابقة عن المملكة، وأن يرى واقعها من هذا المنظور الجديد".

وعلقت واشنطن بوست بأن "مظاهر الفخر الوطني تلك برزت في بلد احتلت فيه الهوية السعودية عبر التاريخ مرتبة ثانوية، لصالح الهوية الإسلامية المهيمنة في البلاد".

فالحياة الاجتماعية كانت محكومة بقرارات علماء الدين وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذين لم يشجعوا على المشاركة في المناسبات الوطنية، وقد تعززت سلطتهم عبر تحالفهم الطويل مع الأسرة الحاكمة، وفق التقرير.

لكن هذا الوضع بات من الماضي، مع اعتبار ابن سلمان الفخر السعودي، أو بمعنى أدق "القومية السعودية"، أولوية في عملية التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي يقوده.

واعتبرت الصحيفة أن قطاع الترفيه الآخذ في التوسع هو أحد أدوات ولي العهد السعودي لاستقطاب الشباب نحو فكرة القومية السعودية.

إذ تشجع الدولة الشعبَ على استكشاف البلاد، وتروج للمواقع التراثية مثل "العلا"، مُركِّزة على تاريخها الجاهلي قبل الإسلام. كما يمكن ملاحظة انتشار العلم السعودي في العاصمة الرياض أكثر من أي وقت مضى.

وأكد ذلك التوجه، الزميل في مركز بلفر بجامعة هارفارد ومعهد هدسون الأميركي، محمد اليحيى، الذي قال إن "فكرة إظهار فخرنا بكوننا سعوديين لم تعد شيئا يجرى التغاضي عنه في المجال العام فحسب، بل باتت شيئا يتم تشجيعه".

ويدعم هذه القومية الجديدة السعي لتحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي، بهدف تغيير التصورات عن المملكة من مجتمع قبلي يعتمد على عائدات النفط، إلى مجتمع يعتمد على طبقة مهنية محلية.

وحول هذه الفكرة أضاف اليحيى أنه "لم يعد بإمكان المواطنين الاعتماد فقط على مخصصات الدولة، بل من المقرر الآن أن يسهموا ويساعدوا في تشكيل السعودية الجديدة".

وتضيف "واشنطن بوست" أن سياسات "السعوَدَة" واحدة من أدوات تعزيز القومية الجديدة، إذ ضمنت الحكومة توظيف الشركات الخاصة السعوديين بدلا من العمالة الأجنبية متدنية الأجور، التي عملت لعقود في مستشفيات ومطاعم وفنادق المملكة.

ولا يزال نطاق "السعودة" يتوسع، مع إضافة مهن جديدة إلى القائمة. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2022، فوضت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية المزيد من الموظفين السعوديين للعمل الاستشاري، وهو مجال سريع النمو في جميع أنحاء الخليج.

وحددت الوزارة هدفا لتوظيف السعوديين بنسبة 35 بالمئة بحلول أبريل/نيسان 2023 و40 بالمئة بحلول مارس/آذار 2024.

علاوة على ذلك، قالت المملكة إنها ستتوقف عن توقيع عقود مع الشركات الأجنبية التي لا يكون لها مقر إقليمي في أراضيها، بدءا من يناير/كانون الثاني 2024.

وبجانب السَّعوَدة، أوردت الصحيفة الأميركية أن الرياض تأمل أن تعالج بهذه الخطوات ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وأن تقلص القطاع العام المترهل، وتدعم خزينة الدولة.

ووفق اليحيى، فإن الفتيات السعوديات يعشن حالة من الفخر بهذه القرارات، قائلا:"بالطبع تغيرت حياة الشباب كثيرا خلال السنوات الخمس الماضية، أو ما يقرب من عشر سنوات، لكن الشابات بتن يعشن حياة مختلفة تماما".

تعطش للتقدير

وشددت الصحيفة على أنه بالرغم من الانفتاح المجتمعي الذي يقوده ابن سلمان، فإنه ليس منفتحا على وجود معارضة سياسية، فقد أعطى قانون مكافحة الإرهاب، الذي عُدّل في 2017، للسلطات الأمنية أدوات جديدة لسحق أي انتقادات علنية للحكومة.

وطورت السلطات تطبيقا على الهواتف باسم "كلنا أمن"، يسمح للمواطنين بالإبلاغ عن أولئك الذين ينتقدون الدولة، كما يمكن أن تكون هناك تداعيات تحل بالذين لا تراهم السلطات السعودية وطنيين بما فيه الكفاية، وفق التقرير.

فعلى سبيل المثال، عندما لم يقف قاضيان أثناء عزف النشيد الوطني عام 2018، فُتح تحقيق بشأنهما، تلاه موجة من المقالات التي تصدرت الصحف السعودية، تدينهما بصفتهما عملاء لجماعة مدرجة على القائمة السوداء.

وخلال السنوات الست التي قضاها في السلطة، أكد ولي العهد مرارا وتكرارا على تكوينه السعودي، مميزا نفسه عن أقاربه من الأسرة الحاكمة الذين درسوا بالخارج، ولديهم علاقات قوية مع الحكومات الأجنبية، بحسب الصحيفة.

وألمح التقرير كذلك إلى أن عبارة "صنع في السعودية" باتت توضع على المنتجات المحلية، للترويج لها، بتوجيه من الحكومة.

وأوضحت "واشنطن بوست" أن التعليم هو أحد الأدوات التي استخدمها ابن سلمان للترويج للقومية السعودية، وبدا ذلك في الكتب المدرسية التي طُرحت عام 2019.

"فقد مجدت المناهج الدراسية الجديدة الأوضاع في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، والتي كانت تُقدم في الماضي على أنها فترة ظلام وجاهلية"، وفق التقرير.

ولأكثر من عقد من الزمان، لم يُسمح للسعوديين بالاحتفال بحرية باليوم الوطني، وهو أول عطلة رسمية بعيدة عن الأعياد الإسلامية، إذ كان العلماء يصدرون فتاوى تحظر أي احتفالات شبيهة، خشية أن تطغى على الأعياد الدينية.

لكن مع انزواء تأثير علماء الدين والهيئات الشرعية الشُرطية، كانت احتفالات العيد الوطني عام 2022 أكبر من أي عام مضى، حتى إن الدولة اعتمدت عطلة أخرى، في 22 فبراير/شباط، وهو يوم تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1727.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، ظهر برنامج مسابقات تلفزيوني جديد يدعى "سعودي أيدول" أو "محبوب السعودية"، يسلط الضوء على الفن السعودي والموسيقى في المملكة، حسب تعريفه على شبكة إم بي سي التي تبثه.

وخلال الشهر نفسه، أعلن رئيس هيئة الترفيه السعودية، تركي آل الشيخ، عن ليلة لتكريم الموسيقي السعودي، طلال مداح، بعد مضي أكثر من عقدين على وفاته.

وإزاء ذلك، قال اليحيى "في الماضي، كانت الدولة تتخذ مسافة معينة من هؤلاء الموسيقيين، وكانت فكرة وجود نجم موسيقي سعودي من المحرمات، أما اليوم، تحاول الدولة أن تقول "لا، نحن نصحح أخطائنا ونسعى للحاق بالركب".

وترى الصحيفة أن نهج "السعودية أولا" أصبح مهيمنا أيضا على قرارات السياسة الخارجية للمملكة. 

ففي أكتوبر 2022، تعرض قرار خفض إنتاج النفط، الذي اتخذته منظمة "أوبك بلس"، بقيادة روسيا والسعودية، لانتقادات شديدة من الولايات المتحدة، خاصة بعد زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، للمملكة، في يوليو/تموز 2022.

كان القرار ضربة للبيت الأبيض، الذي كان يأمل في خفض أسعار الطاقة قبل انتخابات التجديد النصفي، وضغَط على السعوديين لإنتاج المزيد من النفط، لتعويض النقص العالمي الناجم عن الحرب الروسية-الأوكرانية.

وردا على الاتهامات بأن المملكة كانت تتلاعب بالسوق وتتحالف مع روسيا، قال وزير الطاقة السعودي، عبدالعزيز بن سلمان، في مؤتمر للمستثمرين، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، إن "القرار كان لصالح السعودية وشعبها".

ومن جانبها، رأت المحللة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، كريستين سميث ديوان، أن محاولة السعودية لتأكيد ذاتها بشكل متزايد يُنظر إليه على أنه "نكران للجميل من قِبَل الأميركيين الذين مازالوا يتوقعون الدعم أو المراعاة من شريكهم الأمني على أقل تقدير".

لكنها فسرت إصرار الحكومة السعودية على قراراتها بأنها "ورقة رابحة على المستوى الداخلي، بالنظر إلى الشباب السعودي المتعطش لنيل تقدير الدول الأخرى".