يعيد الثقة بين بغداد وأربيل.. هل يمرر قانون النفط والغاز الأكثر جدلا في العراق؟

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تتوالى الأنباء عن قرب تشريع البرلمان العراقي، قانون النفط والغاز، الذي ظل مركونا على رفوفه منذ عام 2005، جراء الخلافات بين القوى السياسية، ولا سيما الكردية والشيعية منها، حيال تقاسم الثروات وصلاحيات إدارتها من إقليم كردستان والحكومة المركزية ببغداد.

يُعد مشروع القانون من أهم القوانين التي رُحّلت في أكثر من دورة برلمانية، وتكمن أهميته في تنظيم الثروات الطبيعية وتوحيد مركزيتها، وذلك بعد سنوات من الإدارة العشوائية المتبعة بين أربيل وبغداد، وهذا ما يثير أزمات سياسية عدة في بلد نفطي.

اتفاق سياسي

وتوصلت الأطراف المعنية بالملف، إلى اتفاق سياسي يقضي بضرورة تشريع قانون النفط والغاز في أسرع وقت ممكن.

إذ أكد عضو البرلمان العراقي ماجد شنكالي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، أن "الكرد متوافقين على ضرورة تشريع قانون النفط والغاز بأسرع وقت".

وأوضح شنكالي خلال تصريح لشبكة "رووداو" الكردية في 3 يناير/كانون الثاني 2022 أن "لجانا فنية تدرس الموضوع، وهناك الكثير من القوانين التي تجرى دراستها واستشارة خبراء اقتصاد عراقيين وغير عراقيين للتوصل إلى صيغة مثلى تصب في مصلحة جميع أبناء الشعب العراقي".

ولفت إلى أن "قانون النفط والغاز هو أحد أهم بنود الاتفاق السياسي لتشكيل ائتلاف إدارة الدولة، والاتفاق على تشريعه في غضون فترة لا تتجاوز ستة أشهر".

وتنص ورقة المنهاج الوزاري الذي اتفقت عليه الكتل السياسية وصوت عليه البرلمان، على "إكمال تشريع قانون النفط والغاز خلال ستة أشهر".

وتأسس تحالف "إدارة الدولة" في 25 سبتمبر/أيلول 2022، بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان، إذ يمثل الأغلبية البرلمانية كونه تشكل من "الإطار التنسيقي الشيعي، الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكرديين، وتحالف السيادة وعزم السنيين، وحركة بابليون الكردية"، والذي تولى تشكيل الحكومة الحالية.

وأضاف: "هناك اليوم لجان فنية تدرس هذا الموضوع، وأيضا الكثير من القوانين التي تجرى دراستها وقد تتم استشارة خبراء اقتصاد عراقيين وغير عراقيين للتوصل إلى صيغة مثلى، في مصلحة جميع أبناء الشعب العراقي في كل أطيافه ومكوناته في بغداد وإقليم كردستان ووفق الإطار الدستوري للعراق".

وأكد شنكالي أن "بغداد تريد أيضا تشريع القانون بسرعة حسب ما تؤكد أيضا الاتفاقات السياسية لائتلاف إدارة الدولة، لكن فيه الكثير من التفصيلات التي يجب التفاهم حولها وتحتاج إلى وفود فنية واختصاصية لوضع لمسات هذا القانون المهم".

وأعرب البرلماني الكردي عن اعتقاده بأن "الأمور سارية بهذا الاتجاه، والسياسة العراقية كثيرا ما توصلنا إلى اتفاقيات سياسية، لكن عند الوصول إلى الأمور الفنية تظهر لنا معرقلات، وكأننا لم نتفق".

من جهته، كشف البرلماني العراقي عن تحالف "الفتح" رفيق الصالحي المنضوي ضمن الإطار التنسيقي الشيعي، عن اتفاق بين الأخير والحزب الديمقراطي الكردستاني حول قانون النفط والغاز المثير للجدل.

وأوضح الصالحي خلال تصريح لموقع "ألترا عراق" في 29 ديسمبر/كانون الأول 2022 أنّ "الفصل التشريعي المقبل سيشهد عرض القانون للقراءة الأولى على أن يجرى تشريعه خلال الدورة النيابية الحالية".

ولفت البرلماني إلى أن "الاتفاق المبرم داخل ائتلاف إدارة الدولة ينص على تشريع العديد من القوانين الخلافية، وأهمها قانون النفط والغاز".

وأشار إلى أن "القانون سياق القراءة الأولى في الفصل التشريعي المقبل على أن يقر خلال هذه الدورة، فقد تأخر لأكثر من دورة نيابية".

وأكد الصالحي أن "قانون النفط والغاز سيرى النور لأهميته للبلاد ووضعها الاقتصادي الذي يحتم على جميع القوى السياسية إقراره"، ويرى أنه يشكل "حلا لجميع المشاكل بين بغداد وأربيل، والمتعلقة أساسا بملف (الطاقة)".

إشارات إيجابية

وعن مدى إمكانية توصل القوى السياسية لاتفاقات تعجل من إقرار القانون، أكد المحلل السياسي من إقليم كردستان، كفاح محمود خلال مقابلة تلفزيونية أن "هناك أجواء إيجابية سادت كل المباحثات التي جرت بين وفود الإقليم إلى بغداد وبين الحكومة الاتحادية".

وأوضح محمود في الثاني من يناير/كانون الثاني 2023 أن "التوجه الجدي (بخصوص قانون النفط والغاز) هو انعكاس للاتفاق الذي حصل في ائتلاف إدارة الدولة وفي البرنامج الحكومي الذي اتفق عليه بين مختلف الأطراف التي شكلت الحكومة الحالية، والآن بدأت مرحلة التطبيق".

وأشار المحلل السياسي الكردي إلى أن "من أولوياته (البرنامج الحكومي) الذهاب إلى تشريع قانون للنفط والغاز متفق عليه ومجلس اتحادي للطاقة، تشارك فيها الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط والغاز أو ثروات أخرى".

وأكد محمود وجود رسائل إيجابية بخصوص موضوع قانون النفط والغاز، وأن هناك وفدا هيأته حكومة الإقليم للذهاب إلى بغداد في هذا الصدد، وأنه "لأول مرة تشارك كردستان في كتابة قانون الموازنة المالية وهذا تطور إيجابي جدا".

وأضاف أن "هذا يعيد الثقة بين أربيل وبغداد وبالتأكيد سيكون انعكاسه في التقدم في قانون الغاز والنفط، وأن الوصول إلى تشريعه سيحل مشكلة الموازنة المالية، والكثير من المشكلات التي واجهت الطرفين والعلاقة بينهما". 

من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، صلاح بوشي خلال مقابلة تلفزيونية في 3 يناير / كانون الثاني 2023 إن "هناك إشكاليات مستمرة بخصوص مشروع النفط والغاز من جانب القوى السياسية الكردية داخل إقليم كردستان، لأن لديهم الرغبة في التفرد والسيطرة في البيع والشراء في الطاقة".

وتابع: "لكن هناك تفاهمات على إصدار قانون النفط والغاز السيادي وحصره بيد وزارة النفط بوصفها الوزارة السيادية والتي لديها الصلاحيات الحصرية في التعاقد والبيع والشراء والإدارة المركزية".   

ويرى مراقبون مختصون في الشأن الاقتصادي أن الحكومة العراقية تسعى إلى تشكيل شركة وطنية تُدار من مجلس اتحادي يضم كل المحافظات المنتجة للنفط، تتولى إدارة موضوع النفط والغاز وباقي الثروات بشكل مركزي، بهدف معرفة كمية تصدر الإنتاج والتصدير للمحافظات المنتجة.

واستبعدوا أن يوافق الإقليم على تسليم إدارة ثرواته لبغداد، وهذا هو أساس المشكلة بين أربيل والحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003، لذلك ربما لا يقر القانون في المرحلة الحالية لأن الثقة لا تزال متزعزعة بين الطرفين.

صراع مستمر

غياب قانون النفط والغاز، يُعد من أبرز المشكلات التي تواجه قطاع الطاقة بعد عام 2003، وقد أرسلت ثلاث مسودات لمشروع القانون إلى البرلمان منذ 2005.

لكن الخلافات بين الأطراف السياسية حالت دون تمريرها، ما دفع إقليم كردستان إلى إصدار قانونه الخاص للنفط والغاز عام 2007.

لكن المحكمة الاتحادية العراقية العليا أصدرت في 15 فبراير/شباط 2022، قرارا، وصفت فيه قانون نفط وغاز إقليم كردستان بـ"غير الدستوري".

وطالبت المحكمة حكومة الإقليم بتسليم إيرادات النفط المنتج إلى الحكومة الاتحادية، وهو قرار رفضته كردستان بشكل قاطع.

وبعد قرار المحكمة، عينت وزارة النفط، بحسب تقرير لـ"رويترز" البريطانية في 5 يوليو/تموز 2022، شركة المحاماة الدولية، كليري غوتليب ستين، وهاملتون للتواصل مع بعض شركات الطاقة العاملة في إقليم كردستان "لبدء مناقشات لجعل عملياتها تتماشى مع القانون العراقي المعمول به".

وأدت الجهود كما يبدو إلى انسحاب شركة "شلمبرغير" لخدمات حقول النفط، من إقليم كردستان في يوليو/تموز 2022، التزاما بقرار المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة قضائية في العراق).

وهذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها الشركات العاملة في الإقليم التزاما من هذا النوع بقرارات بغداد، إذ قالت وزارة النفط حينها إنها ستتخذ إجراءات قانونية لضمان التزام الشركات المصدرة لنفط كرردستان بقرارات بغداد.

لكن وزارة الموارد الطبيعية في إقليم كردستان العراق قالت خلال بيان لها في 13 يونيو/حزيران 2022، إن تصرفات الوزارة (النفط العراقية) "غير قانونية".

وأضاف البيان أن "المحكمة التجارية في بغداد، استدعت الشركات العالمية العاملة في إقليم كردستان بناء على طلب وزير النفط العراقي".

والشركات هي "دي.إن.أو" و"يسترن زاكروس" و"أتش.كيه.إن" و"شارمان" و"غينيل إنيرجي" و"أداكس" و"غولف كيستون"، والتي تنفذ أعمالها وفقا لقانون النفط والغاز في أربيل رقم 22 لسنة 2007 والذي أقره برلمان كردستان بما يتوافق مع أحكام الدستور العراقي، وفق البيان.

وأوضح أن الاستدعاء "يمثل أحدث سلسلة من الإجراءات غير القانونية التي اتخذها وزير النفط في حكومة تصريف الأعمال ببغداد".

وأردف: "يبدو أن هذه الممارسات غير القانونية تستند إلى الحكم الصادر عن محكمة في بغداد تسمي نفسها المحكمة الاتحادية العليا، والتي أصدرت في 15 فبراير 2022 قرارا يحمل دوافع سياسية ويهدف لإلغاء قانون النفط والغاز لسنة 2007 في كردستان، في حين أن أي محكمة في بغداد لا تملك صلاحية اتخاذ قرار كهذا"، وفق قوله.

واتهمت الوزارة المحكمة الاتحادية بأنها "غير دستورية"، موجهة في الوقت ذاته اتهاما إلى وزارة النفط العراقية بأنها تعمل على "ترهيب ومضايقة الشركات العاملة في إقليم كردستان".

وفي 5 يونيو 2022، رفع وزير الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان دعوى مدنية على وزير النفط في الحكومة العراقية.

وقالت الدعوى إن "وزير النفط في الحكومة الاتحادية مسؤول عن إرسال الرسائل والرسائل الإلكترونية إلى تلك الشركات بهدف ترهيبها والتدخل في حقوقها الخاصة بالعقود المبرمة مع حكومة الإقليم" بحسب البيان.

يشار إلى أن المادة 112 من الدستور العراقي في فقرتها الأولى، تنص على أن "تدير الحكومة الاتحادية النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، على أن توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد".

وأيضا "مع تحديد حصة لمدة محددة للأقاليم المتضررة والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق والتي تضررت بعد ذلك، بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون".

وجاء في الفقرة الثانية من المادة ذاتها، أنه "تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معا، برسم السياسات الإستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي معتمدة أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار".