أمدته بأجهزة تجسس متقدمة.. هل حقا تدعم إسرائيل حميدتي ضد البرهان؟

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

قلق عميق عم السودان عقب الكشف عن أجهزة تجسس متقدمة حصل عليها قائد قوات الدعم السريع "الجنجويد" محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي" من إسرائيل، بمعزل عن الجيش وقادته. 

ويمثل حميدتي، الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس المجلس السيادي الحاكم بالسودان، طرف معادلة معقدة، كحاكم مواز يختلف عن بقية الجنرالات، يذهب إلى الخارج في زيارات سرية وعلنية، ثم يعقد بحرية صفقات مريبة مع دول وكيانات.

ورأى مراقبون أن هذا التطور يعد خطوة جديدة في ترسيخ هيمنة مليشيا الجنجويد على حساب الجيش، كقوة ذاتية لها وضعها الخاص، والأخطر أنها باتت تتجاوز الأعراف لتتعاون خلسة مع إسرائيل، في تطبيع مستهجن.

كشف خطير

وفي 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية، أن قوات الدعم السريع السودانية حصلت على أجهزة تجسس إسرائيلية، من شأنها قلب موازين القوى في السودان لصالح حميدتي.

وأوضحت عبر تحقيق أجرته وشارك فيه صحفيون يونانيون، أن شحنة التجسس المرسلة إلى حميدتي وصلت إلى مطار الخرطوم بشكل سري، على متن طائرة يملكها مسؤول سابق في جهاز الموساد الإسرائيلي، وتسلمتها قوات الدعم السريع.

وذكرت "هآرتس" نقلا عن 3 مسؤولين أوروبيين، أن أجهزة التجسس صنعت داخل الاتحاد الأوروبي، وقادرة على تغيير ميزان القوى تماما في السودان لصالح حميدتي. 

والسبب يتمثل في قدرتها على تحويل الهاتف الذكي إلى أداة تجسس على حامله، إذ يمكنها اختراق أنظمة "أندرويد" و"آيفون" والبنى التحتية لشبكات الاتصالات.

فضلا عن التجسس البصري، وتعقب الاتصال اللاسلكي "واي فاي"، واعتراض الاتصالات عبر الشبكة الهاتفية (جي أس أم)، والتعقب الجغرافي عبر الهواتف.

ولفتت الصحيفة العبرية إلى أنه "تمت عملية نقل شحنة التجسس على وجه السرعة إلى دارفور، خوفا من استحواذ الجيش السوداني عليها بالخرطوم".

وذكرت أن "الطائرة التي تمت بها العملية ذات ارتباط بمسؤول سابق في الجيش الإسرائيلي، يدعى تال ديليان، وشوهدت في تل أبيب قبل نقلها أجهزة التجسس من اليونان إلى الخرطوم".

ثم ألمحت إلى أن "ديليان يمتلك شركة تقدم خدمات التجسس، لديها مكاتب عديدة في إندونيسيا، والإمارات، وإسرائيل، واليونان، وشمال مقدونيا، والمجر، وفرنسا، وأيرلندا، وجزر العذراء". 

لقاءات مشبوهة 

تلك الأخبار أزعجت الرأي العام السوداني، وتناقلتها الصحف السودانية بكثافة مثل "الأخبار السودانية" و"الراكوبة".

وهو ما دعا قوات الدعم السريع، لإصدار بيان، نفت فيه الأخبار التي جرى تداولها في الإعلام المحلي والعالمي، عن حصولها على أنظمة وتقنيات تجسس حديثة من إسرائيل.

وقالت في البيان: "تداولت بعض وسائل الإعلام تقارير كاذبة، تزعم أن قوات الدعم السريع حصلت على شحنة أنظمة وتقنيات متطورة، وقامت بترحيلها إلى دارفور".

لكن هذا البيان لم يصدقه غالبية السودانيين، كما أنه لم ينف طبيعة العلاقات بين حميدتي وإسرائيل المتواصلة والتي ظلت محل رصد وجدل منذ مدة طويلة.

ففي 26 يونيو/ حزيران 2021، كشف موقع "واللا" العبري في تقرير له يستند إلى جهات دبلوماسية إسرائيلية، أن" طائرة خاصة قادمة مباشرة من تل أبيب حطت في الخرطوم". 

وأضاف أن "مواقع تتابع حركة الطيران أكدت أن هذه الطائرة هي نفسها التي كان استخدمها عدة مرات رئيس الموساد السابق، يوسي كوهين، في زياراته السرية إلى السودان وغيرها من الدول".

وأوضح أن "هذه الطائرة حملت هذه المرة عدة مسؤولين من الموساد، وعقدوا لقاءات مع جنرالات موالين لحميدتي، وربما معه نفسه". 

وأورد أن "حميدتي، ومنذ بداية عملية تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان في 2020، حاول إقامة قنوات اتصال مستقلة مع إسرائيل، من أجل دفع أجندته المستقلة عن جنرالات جيش السودان".

ومضى الموقع العبري يقول: "وقد قام بذلك من خلال الالتفاف على (رئيس المجلس السيادي، قائد الجيش عبد الفتاح) البرهان و(رئيس الحكومة المدنية المنقلب عليها عبد الله) حمدوك". 

علاقة سرية

واستشهد "واللا" بمعلومات نشرت في أغسطس/ آب 2020، عن لقاء عقده حميدتي مع رئيس الموساد السابق يوسي كوهن، في أبوظبي. 

وأكد الموقع العبري أن العلاقات بين حميدتي والاستخبارات الإسرائيلية تواصلت وتوطدت منذ ذلك الحين.

وأشار إلى أن هذا الأمر أزعج البرهان، وعبر بدوره عن استيائه من هذه الاتصالات أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي (آنذاك) بنيامين نتنياهو، ومبعوثيه.

وهناك جدليات مستمرة لسرية تواصلات حميدتي وإسرائيل، في ظل إصرار المجلس العسكري الحاكم على اعتماد اتفاقية التطبيع مع الاحتلال لرفع الحصار الدولي عنه.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2021، كشفت صحيفة "السوداني" المحلية، أن "وفدا عسكريا سودانيا بقيادة حميدتي زار إسرائيل سرا".

وذكرت أن "الوفد ضم قائد قوات الدعم السريع، ومدير منظومة الصناعات الدفاعية ﻣﻴﺮﻏﻨﻲ ﺇﺩﺭﻳﺲ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ".

ولم توضح الصحيفة أي تفاصيل أخرى بشأن الزيارة، بينما لم تنف السلطات السودانية أو تؤكد ما أوردته.

ورغم أن السودان انضم في 2020 إلى اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال التي ضمت البحرين والإمارات والمغرب أيضا، لكنه لم يوقع اتفاقا رسميا لإقامة علاقات دبلوماسية مع الاحتلال حتى الآن، تاركا البت في الأمر إلى المجلس التشريعي المنتخب.

عوامل الصعود

الأخبار عن تواصل إسرائيل مع حميدتي ومليشيا الجنجويد لا تأتي من فراغ، ففكرة هيمنة تلك القوات على مقدرات العملية السياسية في السودان قائمة بقوة.

ففي 28 مايو/ أيار 2019، نشر موقع الجزيرة نت تقريرا تحدث عن "خطة لإعادة هيكلة الجيش السوداني".

فسرها بعض المراقبين بأنها "محاولة لتفكيك القوات المسلحة السودانية لصالح قوات الدعم السريع التي استوعبت في الآونة الأخيرة مجندين كثيرين من أقاليم مختلفة، في مقدمتها إقليم شرق السودان".

التقرير أكد "تواتر أنباء عن تمويل خليجي لتدريب طيارين بغرض تشكيل قوة جوية تتبع لتلك القوات". 

ونقل عن مصدر أمني خاص، قوله: "فكرة تفكيك القوات المسلحة مغامرة خليجية، هدفها تكوين قوة عسكرية مستدامة الولاء لمحور السعودية والإمارات تحت قيادة حميدتي بدلا من الجيش الذي يغلب عليه القيم المحافظة".

ولفت إلى أن "الدولة المصرية وقفت أمام تلك الفكرة الخليجية، بحكم خبرتها ومعرفتها بشؤون السودان".

وتلك المليشيا مهما علت، فهي لا تزال وليدة، ففي عام 2013 اتخذ الرئيس السابق عمر البشير قرارا بضم الجنجويد نظريا إلى الجيش السوداني، وتحولوا إلى "قوات الدعم السريع".

لكنهم ظلوا مستقلين، لهم أسلحتهم وتمويلهم الخاص، ومن ثم بدأ يبزغ نجم حميدتي، الذي أظهر موهبته ومهاراته في الاضطرابات السياسية والمظاهرات التي عمت السودان على مدار سنوات. 

وجاء عام 2019 ليكون حميدتي أحد الجنرالات الذين انقلبوا على البشير ورفضوا الانصياع لأوامره، ومن ثم سقط حكمه ليبدأ عهد جديد. 

قوات الدعم السريع حينها كانت تبلغ زهاء 40 ألفا، متترسين بأحدث الأسلحة والمعدات الثقيلة والمتوسطة، 10 آلاف منهم كانوا محصنين في قلب العاصمة الخرطوم. 

ولم يكن من السهل حينها تنحية حميدتي وقواته عن المشهد، وأصبح نائب رئيس المجلس السيادي، بمثابة الرجل الثاني في البلاد، خلف قائد الجيش البرهان.

دعم الأضداد

واللافت أن إسرائيل ترتبط بعلاقات جيدة أيضا مع البرهان، لدرجة أنه كان في أوائل مهنئي نتنياهو بفوزه في الانتخابات الأخيرة، عبر إرسال برقية له في 14 نوفمبر 2022.

وربما يفسر فكرة دعم إسرائيل للأضداد المتخاصمين في آن واحد، الورقة البحثية التي نشرتها "الاستقلال" في 27 فبراير/ شباط 2020، تحت عنوان "توجه إسرائيل للأنظمة العربية المأزومة.. السياقات والتجارب التاريخية".

وذكرت فيها أن "أحد أهم مداخل فهم سبب عداء إسرائيل للربيع العربي أن هذه الظاهرة الصحية كانت رد فعل تصحيحي طبيعي على أزمات الجسد العربي، وكان لافتا أن إسرائيل في موقفها منه كشفت عن اقتياتها على ظاهرة أزمات الأنظمة السياسية العربية".

وأضافت: "إسرائيل غير مستعدة لبذل مساعي تفاهم وحوار وتقديم تنازلات للحصول على مسالمة وموادعة الدول العربية، طالما أنها قادرة على استغلال واقع الأزمات المتكررة أو المزمنة لهذه الدول لتضغط عليها باتجاه التطبيع، بدلا من أن تتجشم عناء التنازل المذل". 

وذكرت: "كان لقاء البرهان في عنتيبي مع نتنياهو، كاشفا لواقع استغلال هذا الكيان المحتل مواطن الضعف المرتبطة بأمراض الاستبداد وتداعياته. والأمر لا يتوقف عند السودان. فالقائمة تطول لتشمل غالبية الدول العربية".

وهو ما يعضد أن إسرائيل ترى السودان بعين أزمته، ولا مانع من إقامة علاقات دبلوماسية علنية مع قادة الجيش تحت إمرة البرهان، وعلاقات أكثر سرية مع حميدتي ومليشياته الموازية.