رفض التطبيع بمونديال قطر نموذجا.. الحرية تظهر الخيارات الحقيقية للعرب

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

وفر مناخ الحرية الذي أتاحته قطر خلال كأس العالم 2022 الفرصة للجماهير للتعبير عن حقيقة توجهاتها، لتخرج ردود فعلهم كاستفتاء شعبي على ما يرغبون في دعمه أو رفضه، بغض النظر عن توجهات أنظمتها الحاكمة.

تماما هذا ما أظهرته جماهير مونديال قطر، التي جاءت ردود فعلها رافضة بقوة لأي محاولة تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، حسبما ظهر من مقاطع مصورة نشرها ناشطون ووسائل إعلام عبرية، رفض خلالها مشجعون عرب وغربيون التصوير مع إسرائيليين فور الكشف عن هوياتهم. 

وحاول عدة صحفيين إسرائيليين التحدث إلى الجماهير في قطر، لكنهم واجهوا التجاهل والتعنيف والدعوة إلى المغادرة لأنهم "غير مرحب بهم"، في رسائل أكدت على فشل اتفاقات أبراهام التطبيعية التي وقعتها تل أبيب مع أربع دول عربية عام 2020 هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.

وغرد ناشطون على وسائل التواصل بأن فلسطين فازت مبكرا بكأس العالم، رغم أنها لا تشارك في المونديال، بعدما أحرزت الجماهير العربية أهدافا عدة في مرمى إسرائيل خلال المقابلات في الشوارع.

وأخفى غالبية مراسلي الصحف والتلفزيونات العبرية هويتهم، وقوبل من كشف هويته بهجوم لفظي شرس، ورفض لوجودهم في المونديال، ودعت سلطات الاحتلال من ذهب منهم إلى قطر لإخفاء هويتهم وعدم رفع أعلام إسرائيلية. 

أحلام ضائعة

وتزامنا مع الفيديوهات التي نشرها صحفيون إسرائيليون وناشطون لحجم ازدراء وتجاهل الجماهير العربية لهم، اعترفت صحف عبرية بأن "حلم" التطبيع ضاع وانتهى.

صحيفة "هآرتس" تحدثت في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 عن "خيبة أمل كبيرة لعمليات التطبيع التي أقامتها إسرائيل مع بعض دول الخليج" بعدما ظهر تجنب وتجاهل العرب وسائل الإعلام العبرية في مونديال قطر.

وقالت إن ما جرى مع الإسرائيليين هناك "يهدد الأحلام التي توقعت ذوبان الجليد في العلاقات العربية الإسرائيلية بعد اتفاقات ابراهام".

وأيضا يوضح "التحديات" التي تواجه طموحات "السلام الدافئ" الأوسع رغم مرور عامين من اتفاقات الخليج مع إسرائيل.

أشارت الصحيفة إلى فشل محاولات مراسلين من محطة البث الإسرائيلية العامة "كان"، والقناة 12 التلفزيونية الأعلى تصنيفا، في إجراء مقابلات مع المشجعين العرب وتعرضهم للتجاهل وابتعاد السعوديين والقطريين واللبنانيين عنهم.

نقلت "هآرتس" عن المتحدث باسم الوفد الإسرائيلي أنه لم ترد تقارير عن إساءة معاملة ما يقدر بـ 10 إلى 20 ألف مشجع إسرائيلي (صحيفة الغارديان البريطانية تحدثت عن وصول 4-8 آلاف فقط) لأنهم أخفوا هويتهم.

وهذا على عكس تورط مراسلي وسائل الإعلام الإسرائيلية الذين تعرضوا للإذلال لأنهم كشفوا عن هويتهم.

وقالت صحيفة "يسرائيل هيوم" في 27 نوفمبر، "إنهم لا يحبوننا ولا يريدوننا أيضا، وكأس العالم في قطر وضع إسرائيل أمام حقيقة وواقع مؤلم للغاية للإسرائيليين، وهو الرفض والتجاهل والكراهية وعدم قبولهم في بلد عربي مسلم".

وأردفت: "كل من يزعمون (في تل أبيب أو أنظمة التطبيع) أن سكان دول الخليج ليس لديهم عداء تجاه إسرائيل، يخدعونكم ويرون حقيقة مختلفة".

وتابعت: "سافر مراسلو القنوات الإسرائيلية متحمسين إلى قطر، ونصبوا الكاميرات، وانتظروا وصول العديد من السكان العرب في الخليج والدول العربية الأخرى لتمجيد إسرائيل، لكنهم سرعان ما وجدوا أنفسهم في وضع الازدراء والتجاهل والسخرية".

"كان هناك من قال لهم إنه لا يوجد شيء اسمه إسرائيل، هناك فلسطين فقط .. حقا هذه صفعة مدوية على الوجه لمن يظن أن السلام في متناول اليد وأن التطبيع مع الدول العربية ليس سوى مسألة وقت" وفق "يسرائيل هيوم".

وكانت وكالة "رويترز" البريطانية أكدت في 22 نوفمبر 2022 أن مشجعي كرة القدم العرب في كأس العالم يتجنبون الصحفيين الإسرائيليين في قطر الذين يحاولون إجراء مقابلات معهم، مشيرة لضياع طموحات وأحلام إسرائيل في سلام دافئ مع دول الخليج. 

نقلت عن مراسل القناة 13 العبرية أن مشجعين فلسطينيين نظموا احتجاجا مرتجلا بجانبه، ملوحين بأعلامهم وهتفوا "روح على بلدك".

لم يقتصر الرفض الشعبي لهم على رفض الحديث معهم أو رفض تقديم الطعام لهم في مطاعم أو إنزالهم من سيارات التاكسي فور العلم أنهم إسرائيليون.

ولكن امتد الأمر لمقارعة شباب سعودي ولبناني ومصري وغيرهم لهم، ورفع أعلام فلسطين في وجوههم ومطالبتهم بالمغادرة، وتأكيدهم للمراسلين الإسرائيليين أنه لا يوجد شيء اسمه "إسرائيل"، بل اسمها "فلسطين".

وجرى تداول عدد كبير من مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت عدم ترحيب الجمهور العربي بالصحافة الإسرائيلية في نهائيات كأس العالم المقام في دولة قطر.

مع أن الإسرائيليين اشتكوا من التعامل المعادي لهم في مونديال قطر، يواجه الإعلاميون الفلسطينيون تحت الاحتلال مضايقات أسوأ من جانب مشجعي فرق كرة القدم الإسرائيلية الذين يهتفون دائما "الموت للعرب".

الصحفي محمد مجادلة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 قال عبر فيديو: "سمعت أن الصحفيين اليهود يشكون من المعاملة العدائية التي يتلقونها في مونديال قطر، أقترح عليكم أن ترافقوا صحفيا عربيا هنا في إسرائيل لتروا ما يتعرض له في عمله".

هجمة إسرائيلية 

أصيب مراسلو القنوات الإسرائيلية بالإحباط جراء رفض الجماهير العربية الحديث عبر شاشاتهم، ما عده كثيرون دليلا على فشل اختبار التطبيع مع الشعوب العربية والإسلامية.

حضور وسائل الإعلام الإسرائيلية يبدو أنه كان مخططا لجس نبض الشعوب، كما يرى مراقبون، لكنهم لم يتوقعوا هذا الفشل الذريع في محاولاتها جذب الجمهور العربي في قطر، الذين نقلوا لهم رسالة هي الرفض المطلق لإسرائيل والتعامل معها.

دفع هذا صحيفة "يديعوت أحرونوت" لوصف كأس العالم في قطر بأنه "مونديال الكراهية" على غلاف صفحتها الرئيسة 27 نوفمبر 2022.

أكد مراسلاها "راز كشنيك" و"عوز معلم" أن "شوارع الدوحة بالنسبة لنا كإسرائيليين خطيرة، نحن محاطون بالعداء، ومهددون في كل زاوية".

وكتبا: "إنهم (العرب) يريدون مسح الإسرائيليين من على وجه الأرض، نشعر بالكراهية تجاهنا، غير مرغوب فينا، وغير مرحب بنا، يطالبوننا بالخروج من هنا في أقرب وقت ممكن".

أكدا أنهم لم يتوقعوا أن يكونوا هم، كمراسلين، "القصة"، بدل مونديال قطر الذي ذهبوا لتغطيته.

وتابع المراسلان "أوضحنا في البداية أننا إسرائيليون نأتي بسلام، لكن انتهى بنا الأمر للدخول في جدالات مع العرب، والإساءة لنا"، و"سنعود من الدوحة بشعور قاس جدا لأننا اكتشفنا حجم الكراهية لنا ولإسرائيل".

المراسل "راز شكنيك" قال إنه وبقية الصحفيين الصهاينة اضطروا أن يعرفوا أنفسهم كصحفيين من الأكوادور حتى يتمكنوا من إجراء المقابلات مع المواطنين العرب والقطريين. 

وتابع: "قررنا أن ندعي أننا إكوادوريون عندما يسألنا أحدهم من أين أتينا، فحتى حين ذهبنا لتغطية فوز البرازيل، كانت تلاحقنا الأعلام الفلسطينية مع وابل من الإساءات".

وكتب مراسل صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، راز شكنيك، تفاصيل أخرى على تويتر 26 نوفمبر قائلا: "من المستحيل عدم إطلاعكم على ما نمر به هنا بعد عشرة أيام في الدوحة حول العداء، نحن غير مرحب بنا". 

أضاف أن مواطنا قطريا أخبرهم عندما قالوا إنهم من إسرائيل: "أنتم غير مرغوب بكم هنا، ابتعدوا من هنا بأسرع ما يمكن"، وآخر سعودي قال لمراسل إسرائيلي "غير مرحب بكم هنا".

أوضح أنهم يتعرضون لنظرات بغيضة في الشارع سواء من فلسطينيين أو إيرانيين وقطريين ومغاربة وأردنيين وسوريين ومصريين ولبنانيين، "فقررنا تعريف أنفسنا كصحفيين من الإكوادور." 

واختارت "يسرائيل هيوم" كبرى الصحف العبرية في 27 نوفمبر عنوان: "كأس العالم في قطر مرآة للإسرائيليين: إنهم لا يحبوننا ولا يريدوننا"، في تعليقها على ما جرى.

وقالت: "حقا إنها صفعة مدوية على الوجه لمن يظن أن السلام في متناول اليد، وأن التطبيع مع الدول العربية ليس سوى مسألة وقت. سلوك المواطن العربي العادي تجاه إسرائيل يشير إلى عداء يزيد عمره عن 70 عاما، وإلى أن أصل المشكلة ما يزال حيا".

ودفع هذا لحالة عداء إسرائيلية للدوحة، وكتب نائب الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي عن حزب الليكود "عميحاي شيكلي"، والمتوقع أن يكون وزيرا في حكومة نتنياهو، على تويتر يقول: "لا تتوقعوا أي شيء من قطر فهي دولة عدو بامتياز"، وفق قوله.

"شيكلي"، وهو من عائلة هاجرت من تونس، وكان ضابطا في وحدة الموت "أيغوز"، التي ارتكبت جرائم حرب فظيعة في لبنان وفلسطين، تعمد الكتابة باللغة العربية ليوصل رسالة يزعم فيها أن قطر "دولة إسلامية ديكتاتورية متطرفة معادية للسامية".

كما أرسلت إسرائيل رسالة احتجاج لقطر وللاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بشأن ما يجري للإسرائيليين من قبل الجماهير من جميع أنحاء العالم.

وقالت صحف تل أبيب أن إسرائيل تجري مشاورات لاحتمال إصدار تحذير أو حظر من السفر إلى قطر.

وأوضحت القناة "13" أن الطاقم الدبلوماسي الإسرائيلي التابع لوزارة الخارجية الموجود مؤقتا في قطر احتج أمام السلطات المحلية، وأيضا أمام فيفا، على تعامل القطريين مع الطواقم الإسرائيلية، بحسب ما نشر تلفزيون i24news في 27 نوفمبر.

وفي مواجهة كراهية كل العرب لإسرائيل في المونديال، كما رصدتها صحف تل أبيب، ركزت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 26 نوفمبر على ما قالت إنه، كأس العالم في قطر، تعزيز للوحدة العربية بعد سنوات من الخلاف.

رصدت تشجيع كل المشجعين العرب للفرق العربية برغم خلافات الأنظمة السابقة، وتشجيع السعوديين للفريق الإيراني ضد أميركا، وإشادة حكام أبو ظبي والسعودية بتنظيم قطر للبطولة، بعدما كانوا يطالبون بعزلها وربما غزوها.

فلسطين فازت

رغم أنها لا تشارك في المونديال، بدا أن "دولة فلسطين" تشارك بقوة، بل ويمكن القول إنها الفريق رقم 33 المشاركة في البطولة دون لاعبين.

فالعلم الفلسطيني مرفوع في المدرجات، والمشجعون يضعون شارات الكوفية الفلسطينية على أكتافهم باللونين الأسود والأبيض، ويهتفون لفلسطين.

"موآف فاردي" مراسل التلفزيون الإسرائيلي الرسمي (كان) قال: "رغم أن فلسطين ليس لديها منتخب يشارك في المونديال، يعرب الجميع عن دعمهم للفلسطينيين، وضمن ذلك يعربون عن كراهية إسرائيل".

وأردف "فاردي" أن كراهية الإسرائيليين لا تقتصر على القطريين بل شعور يتشاركه العرب في المونديال الذي لا يعدونه مجرد فعالية رياضية بل مناسبة لإظهار التآخي بين الدول العربية.

صحيفة "إسرائيل هيوم" ذكرت في 22 نوفمبر أن "الفلسطينيين استخدموا كأس العالم للتسجيل في مرمى إسرائيل"، مشيرة إلى انطلاق حملة "فلسطين في المونديال" التي شملت توزيع قمصان وأعلام فلسطينية في الملاعب ونشر "سفراء فلسطينيين" في المدرجات.

صحيفة الغارديان البريطانية قالت في 25 نوفمبر إن هناك صورة لا يراها الغرب في كأس العالم بقطر، وهي أن "فلسطين حاضرة بقوة في الأجواء العامة للبطولة بينما إسرائيل منبوذة بين الجماهير العربية".

وشهدت منطقة لوسيل أغان هتافات داعمة للقضية الفلسطينية بمشاركة الجالية الفلسطينية والعربية في الدوحة التي وزعت الكوفية والعلم الفلسطينيين، وارتدى قطريون شارات يد تحمل ألوان الكوفية الفلسطينية.

وكان ملفتا أن باعة أعلام المونديال لا يبيعون العلم والكوفية الفلسطينية بل يقدمونه مجانا للجمهور، لدعم فلسطين وقضيتها. 

لم يقتصر الأمر على المشجعين العرب والفلسطينيين، بل انضم مشجعون من دول غير عربية وإسلامية للاحتفالية التي عقدت في إستاد لوسيل تحت عنوان "أنا فلسطيني".

ولم يجد القطريون ما يردون به على إصرار وزيرة داخلية ألمانيا نانسي فيزر على مناصرة الشواذ أفضل من وضع شارات أذرع عليها تصميم مؤيد للفلسطينيين يشير لوشاح الكوفية الفلسطينية بالأبيض والأسود لنقل رسالة أخرى للغرب، كما قالت رويترز في 24 نوفمبر.

رغم أن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" والمنظمات الرياضية الدولية الأخرى تؤكد دوما بشكل تقليدي أنه يجب الفصل بين السياسة والرياضة، لكن الدول الغربية كانت هي أول من أقحمت السياسة بشكل فج في الرياضة بعد غزو روسيا لأوكرانيا.

بل إن قطر نفسها تعرضت لحملة سياسية غير مسبوقة للتشكيك في أهليتها لاستضافة المونديال بدعوى حقوق الإنسان لرفضها شعارات الشواذ وغيرها.

لذا كان من الصعب على فيفا والغرب وإسرائيل رفض إظهار التأييد للقضية الفلسطينية، وهو ما بدا واضحا في مونديال قطر، الذي أصبح فرصة غير مسبوقة لنشر الوعي بقضية فلسطين.

وذلك حسبما ذكر موقع mondoweiss المعني بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي في 19 نوفمبر، مؤكدا أن "كأس العالم 2022 فرصة ذهبية لفلسطين".

وبعد الغزو الروسي، قدم الاتحاد الأوروبي لكرة القدم وفيفا دعما غير مشروط لأوكرانيا بعدة طرق، وجرى تعليق مشاركة المنتخب الروسي والأندية الروسية من نهائيات كأس العالم 2022 ومسابقاتهم الأوروبية.

كما جرى رفع العلم الأوكراني في الملاعب الأوروبية وعرض على شاشات التلفزيون بجانب النتيجة، بالإضافة إلى تنظيم الأندية والمشجعين لجمع التبرعات والفعاليات الخيرية لشعب أوكرانيا.

وقد فضح لاعب الإسكواش المصري عمر فرج، هذه الازدواجية الغربية حين فاز في مارس/آذار 2022 ببطولة لندن، حيث قال: "لم يسمح لنا أبدا بالتحدث عن السياسة في الرياضة، ولكن فجأة أصبح هذا مسموحا به".

قال: "الآن بعد أن أصبح بإمكاننا التحدث عن أوكرانيا، آمل أن ينظر الناس أيضا إلى الاضطهاد في كل مكان في العالم، فالفلسطينيون مروا بذلك على مدار الـ 74 عاما الماضية، لكن وسائل الإعلام في الغرب لم يناسبها الحديث عن ذلك".