أنور إبراهيم.. إصلاحي ماليزي يكمل مسيرة مهاتير على خطى أردوغان

12

طباعة

مشاركة

"ضوء جديد ينير ماليزيا" بهذه الجملة لخص المرحبون بوصول زعيم المعارضة الإصلاحي أنور إبراهيم إلى رئاسة الحكومة ليصبح بذلك رئيس الوزراء العاشر في تاريخ البلد الآسيوي.

صعود إبراهيم إلى ذروة السلطة لم يكن إلا بعد طريق وعر تغلب فيه على الاتهامات المالية والأخلاقية، وخاض فيه رحلة سجن لما يقرب من عشر سنوات بتهم ملفقة.

وأمام برلمان مغلق أفرزته الانتخابات العامة، عين ملك ماليزيا عبد الله راية الدين المصطفى بالله شاه، أنور إبراهيم رئيسا للوزراء في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 بعد مشاورات مع مجلس حكام الولايات.

حلم إبراهيم البالغ من العمر 75 عاما تحقق أخيرا بالظفر برئاسة الحكومة الماليزية، بعد انتخابات لم يفز بها أي من التحالفين الرئيسين بالعدد الكافي من المقاعد المؤهلة لتشكيل حكومة (112 مقعدا من 222).

إذ تصدر تحالف الأمل الإصلاحي بقيادة أنور إبراهيم السباق البرلماني بـ82 مقعدا، بينما حصل التحالف الوطني بقيادة رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين على 73 مقعدا.

وعقب ذلك، ذكرت وكالة "برناما" الحكومية أن تعيين أنور إبراهيم جاء بعد تداول الملك مع حكام الولايات الأمر أثناء اجتماع خاص في مقر إقامة الملك "استانا نيجارا" في العاصمة كوالالمبور.

ويلعب الملك الدستوري دورا شرفيا إلى حد كبير في ماليزيا، لكن يمنحه الدستور سلطة تحديد من لديه الأغلبية في البرلمان ومن ثم تعيينه رئيسا للوزراء.

وتتمتع ماليزيا بنظام ملكي دستوري فريد يجري فيه اختيار الملوك بالتناوب من العائلات الملكية في تسع ولايات للحكم لمدة خمس سنوات.

النشأة والتكوين

ولد أنور إبراهيم، وهو سليل عائلة سياسية بامتياز، عام 1947 بولاية "بينانغ" الواقعة على الساحل الشمالي الغربي لماليزيا.

كان والده إبراهيم عبد الرحمن عضوا سابقا في البرلمان، بينما كانت والدته تشي يان حسين منخرطة سياسيا في ولاية بينانغ، عندما كانت آنذاك جزءا من الإمبراطورية البريطانية.

وظهر ولع أنور في السياسة مذ كان ناشطا مثيرا للجدل خلال أيام دراسته، وحينها أبدى إعجابه بالبطل الثوري الفلبيني خوسيه ريزال، واصفا إياه بأنه "رجل النهضة الآسيوي الحقيقي".

ودرس علم الاجتماع في جامعة مالايا في كوالالمبور أواخر ستينيات القرن العشرين، وأصبح معروفا بوصفه زعيما طلابيا، بعد قيادته عددا من التظاهرات الحاشدة التي خرجت بذلك الوقت ضد الفساد والفقر في الريف حتى اعتقل لأشهر عام 1974.

وفي عام 1971 أسس حركة الشباب المسلم في ماليزيا، وتولى منصب رئيسها حتى عام 1982.

وانخرط أنور مبكرا في المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة "UMNO"، التي هيمنت لنحو 60 عاما على الحياة السياسية في البلاد.

وصعد نجمه السياسي العتيق في نهاية الثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن العشرين، في عهد رئيس الوزراء آنذاك مهاتير محمد، الذي كان يعد بمثابة "مرشده".

إذ شغل أنور منصب وزير الثقافة والشباب والرياضة (1983)، والزراعة (1984)، والتعليم (1986 ـ 1991)، قبل تعيينه وزيرا للمالية (1991 ـ 1998)، ونائب رئيس الوزراء (1993 ـ 1998).

وخلال فترة ولاية مهاتير لعب أنور دورا فعالا في استجابة ماليزيا للأزمة المالية الآسيوية عام 1997.

لكن انهارت علاقة أنور مع مهاتير محمد بسبب اختلاف بشأن تنفيذ إجراءات التعافي الاقتصادي، الأمر الذي قاد لعزله من منصبه كنائب رئيس الوزراء في عام 1998.

وهنا يقول بعض المراقبين إن أنور لم يكن صبورا ليصبح رئيسا للوزراء، بل كان متعجلا لهذا المنصب.

وأسس أنور حزب "عدالة الشعب" عام 2008، وكان من أكبر أحزاب المعارضة في ماليزيا.

وصنفت مجلة "نيوزويك" الأميركية أنور عام 1998 بـ الرجل الأول في شرق آسيا، حيث كان يتمتع بمكانة مرموقة وشعبية كبيرة داخل ماليزيا وخارجها.

وألقى محاضرات مكثفة في جميع أنحاء العالم حول الحكم والمساءلة، والعلاقة بين الإسلام والديمقراطية، والحاجة إلى حوار حضاري أكبر.

وكان أنور من أوائل الموقعين على "كلمة سواء"، وهي مبادرة إسلامية للحوار مع المسيحية صدرت عام 2007 ووقعت من قبل 271 شخصية تشمل علماء وفقهاء من السنة والشيعة والمتصوفين ومذاهب أخرى بالشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا وأوروبا وأميركا الشمالية.

وفي عام 1999، واجه أنور تهم "اللواط والفساد المالي" وهو ما نفاه بشكل دائم، لكنه حكم عليه بالسجن ستة أعوام بتهمة الفساد، مع إضافة عقوبة بالسجن تسع سنوات بتهمة اللواط في العام التالي.

وآنذاك انتقدت الحكومات الأجنبية وجماعات حقوق الإنسان الحكم على نطاق واسع، لكونه ملفقا وذا دوافع سياسية، لا سيما أن أنور اكتسب احتراما كبيرا على الساحة السياسية في أنحاء العالم.

وعند سجنه نشرت صور لأنور في الصحف حول العالم وقد بدا عليه أنه متعرض للضرب بوجهه، ما جعله رمزا للنضال في ماليزيا، وخاصة أن قاد معركة "الإصلاح" في البلاد.

وأطلق سراح أنور في أواخر عام 2004 بعد أن ألغيت إدانته، وتوقف لفترة وجيزة عن السياسة لينتقل إلى الأوساط الأكاديمية.

وعاد لقيادة ائتلاف معارض في الانتخابات العامة لعام 2013، وبعد ذلك سجن عام 2015 بتهم "اللواط"، قبل أن يطلق سراحه بموجب عفو ملكي في مايو/ أيار 2018، بعدما تمت تبرئته من هذه المزاعم لكونها ذات دوافع سياسية.

وأعطى العفو الملكي دفعة كبيرة لعودة أنور بقوة للحياة السياسية، حيث نجح في دخول البرلمان بعد أشهر في انتخابات فرعية.

مع المرشد

ومع تفشي الفساد في ماليزيا على أيدي رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق، الذي ارتبط بفضيحة بمليارات الدولارات في صندوق الدولة (1MDB)، وجد أنور ثغرة للدخول في المعترك السياسي مجددا.

وشهدت ماليزيا عام 2015 فضيحة سياسية كبيرة، اتهم فيها عبد الرزاق بتحويل مليارات الدولارات من صندوق الدولة، وهو شركة تطوير إستراتيجية تديرها الحكومة، إلى حساباته المصرفية الشخصية.

وتورط في الفضيحة عدد كبير من المسؤولين، وكشفت عمليات احتيال تشعبت في جميع أنحاء العالم، قبل أن يحكم على عبد الرزاق عام 2021 بالسجن 12 عاما بتهم فساد مرتبطة بالفضيحة التي أدت إلى سقوط حكومته.

وإزاء ذلك، رأى أنور أنه حان الوقت لوضع يده بيد "مرشده" مهاتير، فنحيا خلافاتهما جانبا، وقادا تحالفا في انتخابات البرلمان عام 2018 بهدف تحقيق مستقبل أفضل للماليزيين.

وبناء عليه، اشترك أنور مع العملاق السياسي مهاتير في تحالف سياسي معارض يدعى "جبهة الأمل" نجح في الفوز بانتخابات 9 مايو 2018، ونال 113 مقعدا من إجمالي 222.

وهو ما كفل لمهاتير تشكيل حكومة والعودة إلى منصب رئيس الوزراء، الذي سبق أن شغله على مدى 22 عاما، لكن التحالف لم يدم طويلا وانهار بعد أقل من عامين.

ومن المفارقة أن مهاتير محمد البالغ من العمر 97 عاما قرر خوض الانتخابات التشريعية لعام 2022، لكنه خسر بالحصول على مقعد في البرلمان.

وعدت هذه الهزيمة الأولى التي تلحق به منذ نحو 53 عاما، حيث كان يأمل بالعودة إلى المشهد السياسي، ما أرجعه محللون لكبر سنه وعدم ثقة الناخبين بأنه قادر على عمل المزيد.

ملفات على طاولته

ويطمح أنور لتحقيق ما قاله قبل الانتخابات التي أفضت لتنصيبه رئيسا للوزراء: "أشعر برغبة الشعب القوية في التغيير ورؤية ماليزيا تتقدم في اتجاه جديد".

ومثل معظم جيرانها في جنوب شرق آسيا، فإن ماليزيا معرضة للفيضانات الموسمية، وهذا أول اختبار يمكن أن يواجه حكومة أنور.

إذ إن فيضان عام 2021 كان هو الأسوأ على الإطلاق، حيث تسبب بمقتل 54 شخصا ونزوح عشرات الآلاف في ثماني ولايات، بما في ذلك العاصمة كوالالمبور.

كما أن نمو الاقتصاد الماليزي يتباطأ، ما يلقي على كاهل أنور معالجة التضخم المتصاعد وتنشيط الاقتصاد من تبعات جائحة فيروس كورونا.

وستكون القضية الأكثر إلحاحا بوجه أنور، هي ميزانية ماليزيا لعام 2023، والتي جرى طرحها قبل الدعوة للانتخابات ولكن لم يجر إقرارها بعد.

فضلا عن أن أنصاره يعولون عليه في أن تمنع حكومته عودة التوتر التاريخي بين أغلبية الملايو المسلمة والأقليات العرقية الصينية والهندية في البلاد.

ولا سيما أن أنور يرفع شعار الاعتدال، وهو ما يحبه الماليزيون، الذين يخشون من دولة منقسمة على أساس العرق والدين تعيدهم للوراء.

وقبيل الانتخابات بأسبوع قال أنور لوكالة رويترز، إنه سيسعى "للتأكيد على الحوكمة ومكافحة الفساد وتخليص هذا البلد من العنصرية والتعصب الديني" إذا جرى تعيينه رئيسا للوزراء.

وسيتعين على أنور أيضا التفاوض بشأن اتفاقات مع نواب من الكتل الأخرى لضمان قدرته على الاحتفاظ بدعم الأغلبية في البرلمان، كي يكون قادرا على إنهاء سنوات من الفوضى السياسية وعدم اليقين.

لكن المتفائلين بصعود أنور، يرون أن تعيينه جاء في منعطف حرج في التاريخ الماليزي، حيث يشتد الانقسام، ولذلك ينظر إليه دائما على أنه الرجل الذي يمكنه توحيد جميع الفصائل المتصارعة، وتحقيق التوازن بين القطاعات التقدمية والقوى الدينية المحافظة.

ولذلك من بين تعهداته الأولى كرئيس وزراء ماليزيا، قال أنور إنه "لن يأخذ راتبا" كإظهار للتضامن مع الماليزيين الذين يكافحون مع ارتفاع تكاليف المعيشة، كما وعد بمساعدة البلاد على تبني التعددية الثقافية.

خارج الحدود

وبعيدا عن التحديات الداخلية، ينظر أنور إلى جارته العملاقة الصين بإيجابية، ويقول عنها إن "الصين جارة مهمة وأمة تجارية عظيمة".

وتشترك ماليزيا والصين في الحدود البحرية في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه بشدة، حيث توجد عدة دول في صراع مع بكين بشأن مطالباتها الواسعة بحقوقها في تلك المياه الغنية بالمعادن.

كما ينظر أنور إلى تجربة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعجاب شديد، إذ قال في مقابلة مع الأناضول في يوليو/ تموز 2022: "يجب أن تتعلم المنطقة المهارات الدبلوماسية من الرئيس أردوغان".

وللمفارقة، بينما كان أنور إبراهيم يجيب عن أسئلة الصحفيين في المؤتمر الذي عقده عقب تكليفه من قبل الملك بتشكيل الحكومة رن هاتفه، وكان المتصل هو الرئيس أردوغان لتهنئته بالفوز.

وفي المواقف الحساسة دوليا، ينتقد أنور بشدة اضطهاد إسرائيل للفلسطينيين، ويقول في مقابلة مع الأناضول، موقف ماليزيا هو أن "قضية فلسطين تتعلق بالعدالة والإنسانية".

كما أعرب عن أسفه لأن "ما يسمى بالديمقراطيين العظام والمسيحيين في الغرب طمسوا فجأة" قضية الفلسطينيين، وفق قوله.

ورحبت جماعات حقوقية دولية بتعيين أنور رئيسا للحكومة الماليزية، وبتعهده بإعطاء الأولوية لحقوق الإنسان والديمقراطية.

وقال نائب مدير قسم آسيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، فيل روبرتسون: "هذا زعيم عانى شخصيا من مظالم جسيمة ذات دوافع سياسية".

وأضاف أن هيومن رايتس ووتش تأمل في أن يقوم أنور بإدخال إصلاحات على القوانين واللوائح التي جرى استخدامها في الماضي لتجريم الممارسة السلمية للحقوق المدنية والسياسية.