بانتهاء حقبة مهاتير.. هل يقود أنور إبراهيم ماليزيا لأول مرة منذ 25 عاما؟

توجه الماليزيون لانتخابات مبكرة في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أملا في إنهاء حالة عدم اليقين السياسي، في ظل عدم حصول أي حزب أو تحالف على أغلبية في البرلمان.
لكن النتائج لم تفلح في إحداث تغيير، ليظل الوضع المتعثر كما هو، حيث لم ينجح أي من التحالفات المتنافسة في الحصول على الأغلبية المطلوبة (112 مقعدا من 222) لتشكيل الحكومة المقبلة.
نتائج مفاجئة
مع هذا قلبت نتائج الانتخابات موازين القوى، حيث تراجع تحالف "العقد الوطني" (بيركاتان ناسيونال) الذي يقوده رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين ليحتل المرتبة الثانية بدلا من تعزيز أغلبيته السابقة وحصل على 73 مقعدا.
رغم أن هذا التحالف ضم داخله الحزب الإسلامي المتأثر بأفكار جماعة الإخوان المسلمين، والذي حقق تقدما كبيرا بالانتخابات، وضاعف عدد مقاعده بالبرلمان لتصل إلى 49 مقعدا.
وجاء التطور الأبرز بفوز "تحالف الأمل" (بكاتان هارابان) برئاسة زعيم المعارضة منذ فترة طويلة أنور إبراهيم ذي التوجه الإسلامي بـ82 مقعدا برلمانيا، ليحتل المركز الأول.
أما حزب "المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة" (أمنو) الحاكم سابقا الذي حكم ماليزيا ستة عقود فازداد تراجعا ليحصل على 30 مقعدا فقط وجاء في المركز الثالث، فيما يبدو استمرارا لعقاب الناخبين له بسبب الفساد الذي لحق برئيسه السابق المسجون حاليا "نجيب عبد الرزاق".
وكانت المفاجأة هي خسارة رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد (97 عاما) مقعده بالبرلمان في أول هزيمة انتخابية منذ 53 عاما في ضربة قد تكتب نهاية مسيرة استمرت سبعة عقود للسياسي المخضرم الذي يرى مراقبون أن عدم انتخابه يرجع لكبر سنه وتوقع الناخبين أنه لن يقدم جديدا.
نتائج الانتخابات زادت من قلق الماليزيين لأنها رسخت حالة عدم اليقين السياسي في الدولة التي شهدت تولي ثلاثة رؤساء وزراء خلال 4 أعوام وتشهد تباطؤا في النمو الاقتصادي.
وعدم وجود فائز واضح يطرح إمكانية تدخل ملك ماليزيا، حيث يمنحه الدستور سلطة تحديد من لديه الأغلبية في البرلمان، وقد يختار تحالفا من عدة أحزاب لتحكم بدلا من زعيم المعارضة أنور إبراهيم كما سبق أن فعل من قبل عام 2020 مع مهاتير محمد.
وماليزيا بها 69 حزبا، وتتبنى نظام حكم برلماني وملكية دستورية على غرار النظام البريطاني، ومدة الدورة البرلمانية 5 سنوات، لكن البرلمان الأخير حُل مبكرا.
وينقسم البرلمان إلى مجلسين: النواب، وعدد أعضائه 222 يصلون بالانتخاب المباشر، والشيوخ ويضم 70 عضوا.
ويكلف الملك من يعتقد أنه قادر على الحصول على ثقة البرلمان، ولا يعقب التكليف تصويت على الثقة بالحكومة، كما أن الحسم بالفوز يكون بعدد المقاعد في البرلمان لا أغلبية الأصوات الانتخابية.
وضع الإسلاميين
ويوجد في ماليزيا حزب إسلامي أساسي يسمي "الحزب الإسلامي"، إلى جانب ائتلاف ذي توجه إسلامي يقوده زعيم المعارضة أنور إبراهيم.
والحزب الإسلامي متأثر بأفكار جماعة الإخوان المسلمين في ماليزيا، ويرأسه عبد الهادي أوانج وهو أيضا رئيس حكومة ولاية "ترغكانو" وسبق أن شارك في حكومة ائتلافية حتى عام 1978، ويحكم عدة ولايات ماليزية.
ودخل الحزب الإسلامي في انتخابات 2022 ضمن "تحالف العقد الوطني" مع حزب رئيس الحكومة السابق محيي الدين ياسين وأحزاب صغيرة، وحققوا جميعا 73 مقعدا من 222.
وكان من نصيب الحزب الإسلامي وحده 49 منها، بزيادة تفوق 150 بالمئة من مقاعده في البرلمان السابق، وهو إنجاز مهم، مقابل 28 لحزب ياسين (بيرساتو).
وفي انتخابات عام 2018، كان الحزب الإسلامي متحالفا أيضا مع رئيس الحكومة ياسين.
أما حزب أنور إبراهيم الذي يتبنى رؤية إسلامية، فشارك في الانتخابات ضمن ائتلاف يسمى "تحالف الأمل" وضم خمسة أحزاب.
وأهم 3 أحزاب رئيسة فيه هي حزب "عدالة الشعب"، والعمل الديمقراطي (يهيمن عليه ذوو الأعراق الصينية وفاز وحده بـ40 مقعدا من 82)، وحزب الأمانة الوطنية المنشق عن الحزب الإسلامي.
وفاز هذا التحالف بـ82 مقعدا من 222، أي أنه جاء في المرتبة الأولي بين التحالفات الحزبية المنافسة في الانتخابات.
لكن تراجعت حصة "حزب العدالة" بقيادة أنور إبراهيم إلى 31 مقعدا، ضمن هذا الائتلاف، بعد خسارته 16 مقعدا من حصته السابقة في البرلمان.
أما التحالف الحزبي الثالث الأهم في هذه الانتخابات فكان الحزب الحاكم سابقا في ماليزيا لمدة ستة عقود، وهو "تحالف الجبهة الوطنية" الذي يضم حزب "امنو" وحلفاءهم، وكانت قد تدهورت شعبيته أكثر وحصل على 30 مقعدا فقط.
وجاءت هزيمة مهاتير محمد أمام مرشح تحالف "العقد الوطني" الذي يضم ياسين والحزب الإسلامي، حيث فاز بالمقعد "محمد سحيمي عبد الله".
وسبق لمهاتير أن قال لوكالة رويترز في 8 نوفمبر 2022، إنه سيتقاعد من السياسة إذا خسر، مؤكدا أن "الشيء الأكثر أهمية هو نقل تجربتي إلى القادة الأصغر سنا في الحزب".
ولم يفز تحالف مهاتير "التجمع الوطني المحارب" الذي يضم عدة أحزاب صغيرة ومنظمات غير حكومية، بأي مقعد في هذه الانتخابات.
فيما فاز تجمع لأحزاب ولايتي "ساراواك" و"صباح" في القسم الشرقي للبلاد (جزيرة بورنيو) بـ28 مقعدا من أصل 56 مخصصا لهما، ما يعادل 25 بالمئة من مجموع المقاعد البالغة 222.
ويعد موقف أحزاب الولايتين حاسما في النتيجة النهائية، وذلك بترجيح كفة التحالف الفائز.
موجة خضراء
في ظل فوز تحالف أنور إبراهيم ذي التوجه الإسلامي بـ82 مقعدا، وحصول الحزب الإسلامي على 44 مقعدا لأول مرة، رغم أنهما ينافسان بعضهما البعض، أشارت صحف آسيوية لما أسمته "موجة إسلامية خضراء" قادمة في ماليزيا.
وقالت صحيفة "ساوث شاينا مورنينج بوست" في 19 نوفمبر: "تقدم الحزب الإسلامي وأنور إبراهيم في انتخابات ماليزيا 2022 مؤشر على تقدم الموجة الخضراء للإسلاميين".
من جانبها أكدت صحيفة "هيل ديلي فيد ميل" في 19 نوفمبر أن "الحزب الإسلامي الماليزي يقود الموجة الخضراء".
فيما وصفت صحيفة "ستريتس تايمز" فوز الإسلاميين في 20 نوفمبر بأنه "تسونامي أخضر أطاح بالحزب الحاكم سابقا (أمنو) جانبا".
وقالت إن الحزب الإسلامي الماليزي قدم صوتا إسلاميا قويا، استحوذ على أصوات الملايو المسلمين التي كانت ستذهب إلى "أمنو".
وعدت ذلك يشير إلى أن الملايو (الأغلبية المسلمة) رفضوا حزب الملايو الحاكم (أمنو) لأنه ملوث بالفساد، كما رفضوا أيضا التصويت بكثافة لحزب أنور إبراهيم باكاتان هارابان (متعدد الأعراق).
وفضلوا اللجوء إلى بديل كان يتمحور إلى حد كبير حول العرق والدين هو "بريكاتان" الذي يعد الحزب الإسلامي جزءا من هذا التحالف.
وماليزيا دولة ذات أغلبية مسلمة وهي موطن لثلاث مجموعات عرقية رئيسة: الملايو والصينية والهندية.
ويشكل الملايو 60 بالمئة من سكان البلاد البالغ عددهم 32 مليون نسمة، بينما يشكل الصينيون حوالي الربع، ويمثل الهنود العرقيون حوالي 6.5 بالمئة.
وتتعايش هذه المجتمعات في سلام وتناغم نسبي، رغم اندلاع توترات عرقية وثقافية ودينية أحيانا.
وأكدت صحيفة "ستريتس تايمز" أن أنور إبراهيم يقترب مع هذا من تحقيق حلمه في أن يكون رئيس الوزراء المقبل بفوز موثوق به من قبل ائتلافه.
إذ إن تقدم "تحالف الأمل"، وعدم استطاعة أي من الكتل الحزبية تحقيق الفوز بمفردها، يعني احتمالات تشكيله تحالفا حكوميا مع أحزاب أخرى.
وإذا أصبح أنور رئيسا للوزراء، فسيكون هذا تحولا ملحوظا لسياسي انتقل، في غضون 25 عاما، من وريث لمهاتير إلى سجين عدة مرات، ثم شخصية معارضة بارزة، ويوشك الآن أن يصبح رئيسا للوزراء، بحسب رويترز.
لعبة التحالفات
وسارع كل من إبراهيم وياسين إلى إعلان حصولهما على دعم عدد كاف من النواب لتشكيل الحكومة المقبلة، وسارعا للتباحث مع أطراف أخرى لضمان هذا التأييد.
ويتوقع مراقبون ماليزيون أن يجتمع تحالفا ياسين و"أمنو" معا مرة أخرى لمنع أنور إبراهيم من الفوز برئاسة الوزراء، وحرمانه مجددا من هذا المنصب، بحسب رويترز.
ومن المنتظر أن يلعب ملك ماليزيا دورا رئيسا بكسر هذا الجمود، حيث يمتلك عبد الله أحمد شاه، صلاحيات تحديد ودعوة زعيم الحزب أو التحالف السياسي الذي يملك أكبر عدد من النواب لتشكيل الحكومة.
وقد يمنح الملك الفائز الحاصل على أكبر عدد من الأصوات (أنور إبراهيم) الفرصة الأولى للتفاوض على حكومة أقلية، أو قد يسمح للمرشحين لمنصب رئيس الوزراء بصياغة اتفاقات بين ائتلافاتهم، كما كان الحال في تشكيل الحكومتين الأخيرتين.
وفور انتهاء النتائج وعدم حسم أي تحالف حزبي تجاوز نسبة الحسم التي تسمح له بتشكيل حكومة منفردا، بدأت لعبة التحالفات الانتخابية لتوفير أغلبية لتشكيل الحكومة.
وقال أنور إبراهيم إن كتلته حصلت على دعم ما لا يقل عن 112 نائبا، وأن تحالفه يحظى بذلك بالدعم الكافي لتشكيل الحكومة.
وأكد أن لديه الأرقام اللازمة لتشكيل الحكومة، وسيوضح من هم داعمو أغلبيته في رسالة إلى الملك، لكنه لم يكشف عن النواب أو الأحزاب التي تدعمه، بحسب موقع "ماليزيا كيني" في 20 نوفمبر.
منافسه ياسين بدوره أعلن حصوله على دعم كتلتين سياسيتين في سعيه لتشكيل حكومة جديدة لكنه لم يفز بعد بالأغلبية المطلوبة، بحسب وكالة رويترز.
وقال، إنه حصل على دعم كتلتين إقليميتين مقرهما جزيرة بورنيو وهذا من شأنه أن يعزز عدد مقاعد تحالفه من 73 إلى 101، لكن هذا الرقم ما يزال أقل من الأغلبية المطلوبة البالغ عددها 112.
مع هذا أكد: "أنا واثق من أنني سأحصل على دعم كاف من المشرعين سيمكنني من تعييني من قبل الملك كرئيس للوزراء"، دون أن يوضح أي الأطراف الأخرى قد تدعمه.
وقالت جابونجان بارتي ساراواك، إحدى كتل بورنيو الإقليمية، إنها مستعدة للعمل مع محيي الدين وتحالف باريسان الحالي لتشكيل حكومة.
وصنع أنور اسمه كناشط طلابي في مجموعات شبابية مسلمة مختلفة في كوالالمبور في أواخر الستينيات، حيث كانت البلاد تترنح من التمرد الشيوعي الذي طال أمده في حالة طوارئ الملايو.
واعتقل أنور عام 1974 في احتجاجات طلابية ضد الفقر في الريف، وحكم عليه بالسجن لمدة 20 شهرا، ثم انضم إلى المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة (UMNO) بقيادة مهاتير حينئذ.
وكان هو الوريث الواضح لرئيس الوزراء آنذاك مهاتير حتى عام 1998، عندما أقيل ووجهت إليه تهم بالفساد والشذوذ، ثم أُلغيت إدانة الشذوذ، لكن حكم الفساد لم يُلغ ما منعه من الترشح لمنصب سياسي حتى عام 2008.
وأدين مرة أخرى وسجن في عام 2015 ثم تم إطلاق سراحه بعد ثلاث سنوات، وانضم مجددا إلى خصمه السياسي مهاتير للإطاحة بحزب باريسان الحاكم لأول مرة في تاريخ ماليزيا، لكن النجاح لم يدم طويلا وانهار التحالف بعد أقل من عامين.
المصادر
- Malaysia's Muhyiddin gains backing for PM bid after indecisive election
- Malaysia faces hung parliament for first time in history
- Malaysia election 2022: Muhyiddin, Anwar make rival claims about forming next government after massive ‘green wave’ in favour of Islamists
- Malaysia election: Umno swept aside by ‘green tsunami’