جزيرة ميون اليمنية.. مدخل لمضيق باب المندب تسعى الإمارات للسيطرة عليه

عدن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مرة أخرى، جددت الإمارات نشاطها في الجزر اليمنية عبر وكلائها المحليين على الرغم من إعلان أبو ظبي سحب قواتها المشاركة في "تحالف دعم الشرعية في اليمن" بقيادة السعودية عام 2019. 

وأعلن حديثا عن اعتزام أبوظبي بناء مدينة سكنية في جزيرة "ميون" الإستراتيجية اليمنية القريبة من "باب المندب"، إحدى أهم بوابات العالم المائية.

وكانت وسائل إعلام دولية كشفت في 11 أبريل/نيسان 2021، عن بناء قاعدة جوية إماراتية في ذات الجزيرة.

ووقع محافظ عدن، أحمد لملس، المحسوب على المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيا، مع شيخ جزيرة "ميون" صالح الخرور، في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، اتفاقاً لبناء 140 وحدة سكنية في الجزيرة على نفقة دولة الإمارات.

وحسب البيان، الذي نشره المحافظ على صفحته بموقع "فيسبوك": "يشمل المشروع 140 وحدة سكنية، إضافة إلى مشاريع البنية التحتية والخدمات الملحقة كافة من مدارس ووحدات صحية وغيرها من المرافق سيجرى تنفيذها على مراحل متزامنة".

ولم يصدر أي تعليق من قبل الحكومة اليمنية على هذا الاتفاق الجديد في جزيرة ميون.

أدوات ناعمة

خلال 7 سنوات من الحرب المستمرة في اليمن، بين الحكومة اليمنية المدعومة بتحالف سعودي إماراتي والحوثيين المدعومين من إيران، استولت الإمارات على الموانئ اليمنية وعطلتها.

كما عطلت تصدير الغاز من خلال سيطرتها على منشأة بلحاف الغازية بمحافظة شبوة، والتي تعد أكبر وأهم منشأة اقتصادية في اليمن.

وأسهمت الإمارات في تغذية القوى المتمردة على الدولة في جنوب اليمن وتغيير خريطة السيطرة على الأرض في المناطق الجنوبية.

كان آخرها توسع رقعة سيطرة مليشيات موالية للإمارات مثل "دفاع شبوة" و"ألوية العمالقة" التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي.

وأيضا إسقاط مدينة عتق في 10 أغسطس/آب 2022، بمساندة مسيرات إماراتية قصفت القوات الحكومية، وسط انتهاكات واسعة.

وأعلنت الإمارات، في يوليو/تموز 2019، سحب قواتها من الحرب في اليمن، بعد توقيع اتفاقية ستوكهولم بين الحكومة اليمنية والحوثيين في 13 ديسمبر/كانون الأول 2018، والذي أوقف تقدم القوات الحكومية باتجاه ميناء الحديدة.

لكنها أبقت على قوات لها في ميناء بلحاف لتصدير الغاز المسال وانتقلت من المواجهة العسكرية المباشرة إلى الحرب بالوكالة، وحفظ ما تبقى من نفوذ على الأرض عبر القوات التي تدعمها.

وحول التطورات الأخيرة، قال مختار الرحبي مستشار وزير الإعلام اليمني معمر الارياني، إن "الاتفاق بشأن بناء وحدات سكنية في جزيرة ميون الغرض منه سيطرة الإمارات على الجزيرة".

وبين لـ"الاستقلال" أن الإمارات تحاول السيطرة على الجزيرة منذ سنوات إلى جانب الممرات المائية والإستراتيجية لليمن منها مضيق باب المندب وجزيرة سقطرى والجزر التابعة لها وهي أجندة استعمارية. 

وأضاف: "تحاول الإمارات السيطرة على هذه المناطق من خلال هذه المشاريع الوهمية التي تعلن عليها سواء من خلال بناء المدارس أو المدن السكنية أو دعم المشايخ والأعيان وهي محاولات ليست جديدة". 

وتابع الرحبي: "نعيش أسوأ مرحلة في تاريخ اليمن بسبب النخبة السياسية الفاشلة والانقلاب الذي جرى على الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي".

وبين أن هادي أخر شرعنة وجود الإمارات والسعودية في اليمن وبالتالي جرى الانقلاب عليه وطبخ مجلس رئاسي لا يمتلك أي شرعية لا دستورية ولا ثورية، وفق قوله.

وفي أبريل 2022، أعلن التلفزيون الرسمي اليمني، تشكيل مجلس رئاسي من 8 أعضاء، بقيادة رشاد العليمي، لاستكمال تنفيذ المرحلة الانتقالية.

وبموجب الإعلان "جرى نقل السلطة من الرئيس عبدربه منصور هادي إلى مجلس الرئاسة الذي فُوض بصلاحيات الرئيس كافة".

مشاريع توسعية

من جانبه قال القيادي السابق في المقاومة الجنوبية، عادل الحسني إن "جزيرة ميون هي واحدة من الأهداف الإستراتيجية للتحالف السعودي الإماراتي في اليمن لقربها من مضيق باب المندب".

وأوضح في حديث لـ"الاستقلال"، أن "الإمارات حرصت على الوجود في الجزيرة منذ فترة طويلة وأنشأت قواعد عسكرية هناك وشهود عيان أكدوا لنا أن هناك قوات أجنبية إلى جانب القوات الإماراتية".

واستدرك بالقول: "أخيرا تحاول الإمارات أن تحسن صورتها فأوعزت إلى محافظ عدن أحمد لملس وإلى أحد المقاولين من الجماعة السلفية التي توالي أبوظبي لبناء 140 بيتا سكنيا عاديا قليل التكلفة مقابل التواجد العسكري فيها وهذا يعد احتلالا متكاملا ولا يمكن للشعب اليمني أن يقبل به".

وأكد الحسني أن "هذا يأتي ضمن الاستخفاف الإماراتي باليمن شعبا وأرضا وبأن العبث الموجود ليس في ميون فقط، بل في سقطرى والريان وبلحاف وفي مناطق كثيرة في البلاد". 

وارتبطت السياسة الإماراتية في اليمن، منذ الشهور الأولى لتدخلها العسكري، بإيجاد موطئ قدم لها في الجزر والموانئ اليمنية، وسعت في البداية، إلى السيطرة العسكرية المباشرة على هذه المواقع الحيوية.

إلا أن صدامها السياسي مع السلطة الشرعية، جعل الإمارات تتجه إلى خيار أقل كلفة، وأكثر فعالية على المدى البعيد، وذلك بتنمية وكيل محلي، ينازع السلطة الشرعية، وينوب عنها في إدارة مصالحها الاقتصادية، والإستراتيجية، ممثلا بالمجلس الانتقالي الجنوبي.

وهذا المجلس يرأسه عيدروس الزبيدي ويدعو إلى انفصال الشمال عن الجنوب ويسيطر أمنيا وعسكريا على العاصمة المؤقتة عدن منذ أغسطس/آب 2019، إضافة إلى سيطرته على مناطق جنوبية أخرى.

 وبتواطؤ حليفها السعودي، نجحت الإمارات في ضمان تمثيل مصالحها في جنوب اليمن، على المدى البعيد، الأمر الذي دفعها إلى تركيز أهدافها نحو تطويق الجزر اليمنية الإستراتيجية في البحر الأحمر وبحر العرب.

ورأى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، أن ما يحدث في جزيرة ميون هو "نزع صلاحيات إدارة باب المندب من الدولة اليمنية إلى إشراف إقليمي، وهذا لن يتحقق إلا عبر هدم الدولة أو تفكيكها كما يجرى اليوم".

وأضاف في منشور على "فيسبوك"، أن "أول ما يلفت النظر في سلوك التحالف في ميون، هو أنه يكرس بهذا السلوك منطق الانفصال، فهو يتصرف مع الجزيرة كما لو كانت لا تزال تابعة لمستعمرة عدن البريطانية". 

قاعدة عسكرية

ويعود النشاط العسكري الإماراتي في جزيرة ميون إلى السنوات الأولى من الحرب، إذ تحدثت مصادر عسكرية عن محاولة الإمارات المبكرة إنشاء مدرج طائرات فيها.

إلا أن أعمال البناء توقفت مؤقتا، ثم استأنفت عملها في الجزيرة، دون معرفة الأسباب.

وكشفت صور الأقمار الصناعية التي نشرتها وكالة أسوشيتد برس في 11 أبريل 2021، عن أعمال بناء مدرج طيران جديد لقاعدة عسكرية جوية إماراتية في جزيرة ميون، إضافة إلى وصول تعزيزات عسكرية إماراتية ضخمة للجزيرة.

ويقول مراقبون يمنيون إن الإمارات تريد إيجاد موقع بديل، وذلك بعد تفكيك قاعدتها العسكرية في ميناء عصب الإريتري قبل عام.

ومن الأسباب أيضا اشتداد التنافس بين القوى الدولية على الموانئ الإفريقية، إذ أصبح وجودها، مكلفا بالنسبة للإمارات على عكس جزيرة ميون التي مثلت خيارا آمنا ومريحا بالنسبة لها، سواء من حيث موقعها الجغرافي وتركيبتها السكانية، أو طبيعة السلطة التي تقع تحت دائرتها.

وكانت الجزيرة عبر تاريخها هدفا إستراتيجيا لمشاريع النفوذ، فتعرضت لمحاولات احتلال من قبل البرتغاليين والبريطانيين.

وبحسب متابعين، هناك علاقة لإسرائيل بمحاولات السيطرة على الجزيرة، التي كان لها دور في حرب أكتوبر 1973.

إذ فرضت قوات مصرية حصارًا بحريًا على إسرائيل آنذاك من خلال إغلاق باب المندب في وجه الملاحة الإسرائيلية بالتنسيق مع اليمن.

وبحسب خبراء عسكريين، فإن مدرج الطائرات في الجزيرة، يتيح لمن يتحكم فيه بسط السيطرة على مضيق باب المندب وإطلاق الهجمات الجوية إلى داخل اليمن، كما يمكنه أن يكون قاعدة لأي عمليات في البحر الأحمر وخليج عدن وشرق إفريقيا.

والأهمية الإستراتيجية لجزيرة ميون اليمنية تكمن في تموضعها بمضيق باب المندب، والسيطرة عليها تمكنها من حركة الملاحة البحرية في المضيق، كما تعد إحدى أهم نقاط التفتيش البحرية عالية الأهمية للسفن والباخرات والناقلات التجارية والعسكرية.

لذلك فإن السيطرة عليه تمنح تفوقا عسكريا وإستراتيجيا، خصوصا في ظل التنافس الدولي على مد النفوذ.

 علاوة على أن باب المندب ذاته يشرف على قارتين هما آسيا وإفريقيا، ويقدر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر عبر المضيق، بأكثر من 21 ألف قطعة بحرية سنويا (57 يوميا)، بواقع نحو 3.8 ملايين برميل من النفط يوميا.