عبر دستور جديد.. صحيفة فرنسية: جيش مالي يثبت وجوده على رأس السلطة

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تحدثت صحيفة لوبوان الفرنسية عن مشروع الدستور الجديد في مالي، بعد تسلم قائد المجلس العسكري العقيد "عاصيمي غويتا" في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2022 مسودة لدستور جديد، وهو عنصر أساسي في المشروع المؤسسي الضخم الذي احتج به الجيش للبقاء على رأس البلاد حتى عام 2024.

وتقول الصحيفة إن السلطات الانتقالية جعلت من الإصلاحات المؤسسية إحدى أولوياتها، إلى جانب استعادة الأمن في جميع أنحاء البلاد. ومهما كانت نواياه، فإن المجلس العسكري في مالي يريد المضي قدما في الحكم.

وفي 10 يونيو/حزيران 2022، صدر مرسوم رئاسي عن السلطات الانتقالية العسكرية في البلاد بتشكيل لجنة مكلفة بصياغة الدستور خلال شهرين "كحد أقصى".

سياق الدستور

قدمت "مسودة الدستور" بعد شهرين من الموعد النهائي المحدد في البداية للجنة المسؤولة عن صياغته.

وقال رئيس اللجنة، فوسيني سماكي، إنه جرى تمديد الموعد النهائي. وأضاف أن "هذا الدستور الجديد علامة مهمة في عملية إعادة تأسيس الدولة المالية".

وأضاف أنه "يستجيب للتطلعات العميقة" للشعب المالي، التي جرى التعبير عنها خلال مؤتمر إعادة التأسيس الوطني الذي نظم في ديسمبر/كانون الأول 2021.

كانت هناك مرحلتان ضروريتان: أولا، التشاور مع القوى الفاعلة للأمة، ثم أخيرا صياغة مسودة الدستور وأيضا تقرير عن نهاية مهمة اللجنة المكلفة.   

من جانبه قال العقيد عاصيمي غويتا، الذي أطاح بالسلطة المدنية في أغسطس/آب 2020 ومنذ ذلك الحين جرى تعيينه كرئيس، "إن أملنا المشترك في ديمقراطية متجددة، ودولة أفضل تنظيما قادرة على مواجهة التحديات الوطنية والدولية، يعتمد على هذا المشروع الأولي للدستور الذي أعلن عنه حديثا ".

على المستوى الإداري، يجب تقديم النص إلى مجلس الوزراء والهيئة التي تحل محل البرلمان. ومن المفترض أن يخضع للاستفتاء في مارس/آذار 2023. 

لكن رئيس اللجنة حذر العقيد غويتا من أن "أي دستور سيكون عرضة للنزاعات والانتقادات والخلافات".

ولطالما اتفق الفاعلون السياسيون في مالي على الحاجة إلى الإصلاح الدستوري، وفق الصحيفة.  

وينظر إلى الدستور الحالي، الذي يعود تاريخه إلى عام 1992، على أنه عامل في الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد منذ سنوات، وأن له دورا في تضخم الأزمة الأمنية الخطيرة الجارية منذ عام 2012 واندلاع التمردات الانفصالية والسلفية في شمال البلاد.

لا للدولة الفيدرالية 

إذن ما الذي يمكن أن يتغير حقا مع دستور مالي الجديد؟ يستبعد نص الدستور على الفور فرضية اتحاد كان من شأنه أن يمنح استقلالا ذاتيا قويا لشمال البلاد، كما أشار رئيس اللجنة المكلفة بصياغة النص، فوسيني سماكي.   

"هناك تأكيد واضح على الطابع الوحدوي للدولة الذي يفترض أنه لا يحتمل أي شك في أن لدينا دولة فيدرالية"، هذا ما قاله لاحقا الأمين العام السابق للحكومة في مكتب البث التلفزيوني الوطني في مالي (ORTM). 

ووقعت الجماعات المسلحة التي يهيمن عليها "قبائل الطوارق" ما يسمى باتفاقية سلام "الجزائر" مع الدولة في عام 2015، لمنح المزيد من الحكم الذاتي لشمال البلاد.  

كان التنفيذ الشاق لهذه الاتفاقية أحد الدوافع لمحاولة مراجعة دستورية جرى إجهاضها في نهاية المطاف في عام 1997. إذ إن جزءا من الطبقة السياسية معادٍ بشكل أساسي لمزيد من فرضيات الحكم الذاتي في الشمال. 

تقول المسودة الأولية إن تنظيم المجال الترابي للبلاد "يقوم على مبادئ اللامحورية واللامركزية". لكن الديباجة تؤكد الالتزام بـ "الدفاع عن السيادة والوحدة الوطنية وسلامة الأراضي" بشكل أكثر صراحة من دستور عام 1992. 

وبينت الصحيفة أن التأكيد على هذه السيادة والاتحاد حول القوات المسلحة التي تكافح انتشار الجماعات الإرهابية جزء من الصيحات الحاشدة للمجلس العسكري الذي أطاح بالسلطة المدنية بالقوة عام 2020، كما أن محاربة الفساد جزء منها.  

يشار أيضا إلى أن الديباجة في مسودة الدستور الجديد أشارت هذه المرة إلى ميزة جديدة أخرى، هي فصل مخصص لقوات الأمن.

وسعى مشروع الدستور الجديد في مالي، بصفة مبتكرة، إلى تحديد المفهوم الحساس للغاية للعلمانية في هذا البلد المحافظ شديد التدين. 

وتأتي مسودة الدستور الجديد "لتوضيح" "تصور دولة مالي" لمفهوم "الجمهورية العلمانية"، كما أوضح أعضاء اللجنة المشرفة على صياغته. 

وعن مفهوم العلمانية تقول المادة 32 من مسودة الدستور الجديد إنها "تهدف إلى تعزيز وتقوية العيش المشترك في المجتمع، على أساس التسامح والحوار والتفاهم المتبادل". 

 وجاء في ذات المادة أيضا أنه "لتطبيق هذا المبدأ، تضمن الدولة احترام جميع المعتقدات وكذلك حرية المعتقد والدين وممارسة العبادة".

تعزيز سلطة الرئيس 

من ناحية أخرى، يعزز نص المسودة الأولية بشكل كبير سلطات الرئيس الذي سيتولى قيادة هذا البلد في قبضة أزمة عميقة عام 2024 إذا جرى التصديق على هذا النص بطبيعة الحال وإذا احترم الجيش التزاماته.  

تسود التساؤلات حول ترشيح رجل النظام القوي والعقيد عاصيمي غويتا، على الرغم من الالتزام الأولي الذي قدمه المجلس العسكري بعدم قدرة الرئيس الانتقالي على المنافسة في الانتخابات الرئاسية القادمة. 

ينص الدستور الحالي، الذي يعود تاريخه إلى عام 1992، على أن "تحدد الحكومة سياسة الأمة وتديرها".  

لكن في الدستور الجديد، تدير الحكومة سياسة الأمة التي يحددها رئيس الجمهورية.

ويعين رئيس الجمهورية رئيس الوزراء والوزراء، وله الصلاحيات في إنهاء مهامهم. كما أن الحكومة مسؤولة أمام الرئيس ولم تعد مسؤولة أمام الجمعية الوطنية.   

تعود سلطة اقتراح القوانين بشكل متزامن إلى الرئيس وأعضاء البرلمان، ولم تعد ملكا للحكومة والجمعية الوطنية.

وأوضح فوسيني سماكي أن "البرلمان أو الجمعية لن يعودوا قادرين على إسقاط الحكومة، وعلى العكس من ذلك، لن يتمكن رئيس الجمهورية من حل الجمعية الوطنية". 

أضاف واضعو المسودة استحالة إجراء تغيير في عدد الفترات الرئاسية المقررة بفترتين، من خلال استغلال القانون الأساسي.  

المسودة الأولية، التي كتبت في عهد الانقلاب العسكري مرتين، تنص أيضا على أن "أي انقلاب أو محاولة هي جريمة لا تسقط بالتقادم".