مع تصاعد التهجير والإخلاء.. هل يصطدم أهالي جزيرة الوراق بنظام السيسي؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع تزايد إفلاس الخزانة المصرية والتعطش للعملة الأجنبية، دخلت الضغوط على أهالي جزيرة الوراق الواقعة داخل النيل لتهجيرهم، مرحلة متقدمة.

وهدم النظام المصري برئاسة عبدالفتاح السيسي في يوليو/تموز 2022 مستشفى الجزيرة ومركز الشباب ضمن حملة أمنية بدأت في مايو/أيار من نفس العام.

وأغلقت قوات الأمن في ذلك الشهر معدية "الجزارين" التي تنقل قرابة 30 ألف شخص يوميا، وقبلها معدية "السني"، وجرى نقل مكتب البريد والوحدة الصحية في نوفمبر/تشرين ثان 2021.

إغلاق معديتين من أصل خمسة تصل الجزيرة بالقاهرة، كان أحد أدوات الضغط لتهجير العائلات من تلك المنطقة.

وفي 16 يوليو 2017 اقتحمت مدرعات الأمن المصفحة وعشرات الجنود والضباط الجزيرة من أكثر من جانب لإزالة عدة منازل.

وبعد مصادمات ومقتل شخص وإصابة العشرات دفاعا عن منازلهم، انسحبت قوات الجيش والأمن خوفا من اتساع رقعة احتجاجات الأهالي.

حملة وترقب

وشن المغردون حملة ضد السلطات، وقالوا إنها تسعى إلى بيع الجزيرة إلى دولة الإمارات، وتفاعلوا عبر وسم "#الوراق_عشوه_الكلاب".

وقال أحد أهالي الجزيرة لموقع "مدى مصر" في 28 فبراير/شباط 2022 إن الحصار الأمني على "الوراق" شمل التضييق على دخول أي مواد إنشائية إليها.

وأشار إلى إقامة ثلاث نقاط أمن على الجزيرة تفتش أي سيارة تمر، حتى إنهم يمنعون أحيانا إدخال جهاز بعض العرسان الجدد.

ويخوض أهالي الجزيرة منذ سنوات معارك مستمرة مع السلطة لمنع تهجيرهم بالقوة رغم سندات الملكية الحكومية بحوزتهم لكن دون جدوى.

وتقول مصادر صحفية وأهالي تلك المنطقة إن هناك قرارا صدر ببيع الجزيرة لمستثمرين خليجيين غير معلنين.

وتحاول السلطات الأمنية إجلاءهم عبر حرمانهم تدريجيا من الخدمات الصحية والزراعية والتعليمية وغيرها واعتقال من يتزعمون الرفض وتلفيق القضايا وترويعهم لإجبارهم على ترك منازلهم وأراضيهم لبناء مولات وفنادق وسط النيل فوقها.

وسبق هذا محاولة رئيس الهيئة الهندسية للجيش ووزير النقل اللواء كامل الوزير، تهديد الأهالي في أغسطس/آب 2017 خلال لقاء معهم، للتفاوض للخروج من الوراق، لكنهم رفعوا لافتات رفض بيع أراضيهم في وجهه.

وبالتزامن مع قطع الخدمات لإجبار السكان على تركها، نشرت الهيئة العامة للاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية على صفحتها في فيسبوك مخططا لمدينة تسمى "حورس" على أنقاض "جزيرة الوراق سابقا".

وقالت مصادر بالهيئة لـ "الاستقلال" إن إعلان المخطط الجديد هو تمهيد لإنهاء وجود الأهالي في الجزيرة بأي طريقة بسبب ضغوط من مستثمرين إماراتيين لإخلائها وتسليمها وفق الوعود التي حددت ذلك بعام 2017.

وفي 19 يوليو 2017 نشرت شركة أر إس بي الهندسية والتي تمتلك فروعا في دبي ولندن وسنغافورة وعدة مدن كبرى أخرى على موقعها على شبكة الإنترنت بعض الصور لما وصفته "بتصميم مقترح" لتطوير جزيرة الوراق في القاهرة.

ولم تذكر الشركة أي شيء عن وجود اتفاق مع الحكومة المصرية أو أي جهة أخرى لتنفيذ هذا المقترح لكن المدونين على شبكة الإنترنت ذكروا أن شركة استثمارية لن تنفق وقتها وجهدها لابتكار تصميم بهذا الحجم مجانا ودون أن يكلفها أحد بذلك.

وعقب انتقادات المصريين لطرح الشركة الإماراتية مخطط مشروع تطوير الجزيرة علة أنقاض منازل ومزارع الأهالي، أصدرت بيانا عبر حسابها على فيسبوك توضح أن الفكرة هي انتزاع الأراضي الزراعية وتعويض السكان.

وذكر مكتب كيوب للاستشارات الهندسية أن الهدف "استغلال موقعها في قلب النيل لتصبح منطقه جذب سياحي ومركز مال وأعمال".

لكن "رانجان كريشنان" المسؤول عن التسويق في الشركة بدبي قال لموقع "بي بي سي" البريطاني إن "الشركة لم يعد لها علاقة بالمشروع بعدما أنهت التصميم بناء على طلب أحد عملائها"، ورفض إيضاح أي تفاصيل عن هوية العميل أو جنسيته.

إلا أن سكان الجزيرة يصرون على أن الإمارات تقف خلف محاولات طردهم، لتحويلها إلى مقر لأثرياء وسط النيل.

"مانهاتن" المصرية 

وتبلغ مساحة الجزيرة 1516 فدانا أي ما يعادل 6.36 كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكانها حوالي 90 ألفا.

وهناك تقديرات بوصول سعر المتر إلى ألفي دولار حاليا في ظل غلاء أسعار السكن وتميز أراضي الجزيرة ما يعني أنها ستضخ أكثر من 10 مليارات دولار، في جيب السلطة.

و"الوراق" هي واحدة من 255 جزيرة نيلية، أعطى رئيس النظام عبدالفتاح السيسي رسميا الجيش سلطة السيطرة عليها.

وجرى بالفعل طرد مصريين بالقوة من عدة جزر لإقامة مشاريع بيزنس للجيش أو بيعها للأجانب.

حين بدأ هدم بعض المنازل في الوراق وإخراج سكانها، وتصدى الأهالي لقوات الأمن، زعمت الحكومة المصرية أنها تنوي "تطوير" الجزيرة وزيادة الخدمات فيها.

لكن نشر مخطط تحويل "الوراق" عام 2017 إلى منطقة خدمات مالية، على غرار جزيرة "مانهاتن" في مدينة نيويورك الأميركية، بعد طرد وتهجير سكانها، أظهر أن الهدف هو الهدم لا التطوير.

وجاء تأكيد الهيئة العامة للاستعلامات لهذا المخطط في 26 يوليو 2022، ليكشف نوايا السلطة وعلاقة ذلك بخططها لقطع الخدمات كأحدث وسيلة للتهجير.

وأوضحت هيئة الاستعلامات، أن المخطط يتمثل بإنشاء 8 مناطق استثمارية، وفنادق وأبراج سكنية إلى جانب مارينا لليخوت 1 و2.

وقبل إعلان هيئة الاستعلامات عن هذا المشروع الاستثماري، بخمس سنوات كشفت صحيفة "الشروق" المحلية الخاصة في 28 سبتمبر/أيلول 2017 عن مخطط وزارة الإسكان لـ "تطوير جزيرة الوراق" وتغيير اسمها إلى "حورس".

لكن عقب نشر "الشروق" مخطط "حورس" سارعت وزارة الإسكان حينئذ، بنفي صحة ذلك، وقال الوزير السابق عاصم الجزار إن تغيير اسم الجزيرة "ما زال عبارة عن مجموعة أفكار لم تعتمدها أي جهة في الدولة".

وأكد "‏ديوان المعماريين‏" 17 يوليو 2017، أن مشروع تطوير الوراق هدفه "تحويلها إلى منطقة استثمارية مغلقة باسم جزيرة حورس تضم فيلات وناطحات سحاب وفنادق وحدائق ومارينا يخوت تستوعب 250 قاربا".

وانتقد الديوان ما أسماه "تحول الإدارة المصرية لمستثمر عقاري"، واصفا ذلك بأنه "أمر غاية في الخطورة".

فبدلا من أن تؤدي الحكومة واجبها وتطور الجزيرة لتكون منطقة خضراء وشاطئية وترفيهية تخدم السكان، تطردهم وتبيعها لخليجيين.

ويقول أحد سكان الجزيرة إن السلطة عرضت على بعضهم السكن في مشاريع بديلة تبنيها لهم قرب محور روض الفرج لكن بمبالغ خيالية لا يقدرون عليها كما سيفقدون أراضيهم الزراعية وأعمالهم، ويصبحون مستأجرين لا ملاكا.

أوضح لـ "الاستقلال" أن بعض من تزعموا حركات الاحتجاج من شباب الجزيرة جرى اعتقالهم تدريجيا.

أكد أن الأهالي يتحدثون عن "مشروع إماراتي" سيقام على أنقاض بيوت غلابة الجزيرة، وتساءل: هل التطوير يعني طرد الفقراء من أراضي يمتلكونها لصالح المترفين والخليجيين؟! 

وكان لافتا أن ما نشرته هيئة الاستعلامات مطابق أيضا لخطة سابقة لم تنفذ باسم "حورس" في الوراق، كان يسعى وراءها جمال نجل رئيس النظام الأسبق حسني مبارك.

ومع هذا انتقد علاء شقيق جمال بيع السيسي أصولا مصرية دون أن يذكر الوراق، معتبرا أنها "ثروة قومية لا مثيل لها"، داعيا لتطويرها بدل بيعها.

البداية والاحتمالات  

بدأت قصة الاستيلاء على الجزيرة عام 1998، بقرار من مجلس الوزراء رقم 1969، والذي ينص على "إنشاء محمية طبيعية في الوراق"، إلا أن السكان رفضوا تنفيذ القرار، وطالبوا بتعديله أو إلغائه.

وفي عهد حكومة عاطف عبيد (1999 - 2004)، صدر قرار آخر بتحويل جزيرة الوراق إلى منافع عامة، وهو ما قابله الأهالي برفع دعوى قضائية في مجلس الدولة، قضت بأحقيتهم عام 2002 في ملكية أراضيها.

لاحقا، في 2010 تجددت الأزمة بعد أن أعلنت الحكومة عن "تطوير الجزيرة"، وأصدرت قرارا بتشكيل لجنة لدراسة الأوضاع البيئية هناك، إلا أن الأهالي تمسكوا بالبقاء فيها كما هي دون تطوير خشية طردهم منها.

وفي ذلك الوقت طلبت الحكومة عن طريق لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم (جرى حله عقب ثورة 2011) شركة "أر إس بي" ومقرها دبي بعمل رسومات مقترحة للمشروع.

وقد انتهت الشركة من تصميم المشروع في 31 مارس/آذار 2013 في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي عقب انهيار حكم مبارك، لكنه لم ينفذ.

وفي 7 يونيو/حزيران 2017 أثيرت القضية من جديد في مؤتمر للسيسي بعنوان "إزالة التعديات على أملاك الدولة" وقال إنه لن يسمح لأهالي أي جزر على النيل بالبقاء فيها (لازم يتشال) ودعا لإخراجهم منها، وفق قوله.

وعقب تصريحات السيسي بـ 3 أيام، قالت "مصادر حكومية رفيعة المستوى" في 10 يونيو 2017، إن رئاسة الجمهورية كلفت وزارة الإسكان وهيئة التخطيط العمراني بإعادة إحياء مخطط "تطوير" الجزر النيلية الذي أعد عام 2010.

أوضحت أن التطوير عبارة عن إنشاء "مراكز مال وأعمال" في الوراق، لا إصلاح أوضاع السكان والخدمات، وبدأت صحف تشير لوجود تعاقد مع شركات أجنبية لتقديم تصميم تحويل الجزيرة الفقيرة الي مانهاتن مصرية.

وقد نفت الحكومة المصرية في 17 يوليو 2017، التعاقد مع أي من الشركتين RSP، وCUBE، بعد نشرها تصميم الوراق الجديدة (حورس) وفق المتحدث باسم وزارة الإسكان "هاني يونس" حينئذ.

ولأن قانون المحميات يمنع إقامة مشروعات على محمية طبيعية، ومنها جزر النيل والوراق خصوصا، أصدر رئيس الوزراء حينئذ شريف إسماعيل قرارا، باستبعاد 17 جزيرة من تطبيق قانون المحميات عليها، تمهيدا لبناء أبراج استثمارية.

لكن عودة الحديث عن التطوير وظهور نفس المخطط للشركة الإماراتية في يوليو 2022 أكد نية السلطة قرب البدء بتنفيذه وطرد السكان.

الصدام سيتكرر

وأكثر ما أزعج السلطات المصرية عقب مواجهات 2017 أن هذه كانت أول مواجهة بين المواطنين وقوات الأمن منذ حظر احتجاجات الشوارع في نوفمبر 2013.

وتخشى السلطة أن تعد تلك المصادمات بين الأهالي والشرطة بمثابة بروفة قد تتكرر في مناطق أخرى، خصوصا أن سكان الوراق ليس لديهم ما يخسرونه لو جرى طردهم من الجزيرة بالقوة، حسبما قال أحدهم لصحيفة الغارديان البريطانية في 21 يوليو 2017.

ويقول مراقبون إن الوراق قد تكون أول اختبار لصبر المصريين في ظل عمليات الهدم والاستيلاء على الأراضي والغلاء وتزايد الظلم، حال إجبارهم على الخروج بالقوة، لذا تجرب السلطة كل الطرق بنظام العصا والجزرة.

أشاروا لدروس عديدة يمكن استخلاصها من معركة "الوراق" التي جرت بين الشرطة والأهالي عام 2017 أخطرها تخوف السلطة من انفلات الأوضاع وتحول وسائل الاحتجاج لمعارك حقيقية بين الشعب وأجهزة السلطة الأمنية، وسط احتقان عام.

رجحوا أن تتحول الوراق إلى بروفة لثورة شعبية حال الإجلاء بالقوة، ومؤشر يبرز كل عوامل الكبت والانسداد السياسي والاقتصادي والإعلامي، لأن فضها قد يصبح نسخة أسوأ من مجزرة رابعة والنهضة لوجود عدد كبير من السكان بها.

ونشر مركز سترافور الأميركي للدراسات الأمنية والاستخباراتية (يوصف بأنه مقرب من المخابرات الأميركية) تحليلا أول أغسطس 2022 أكد فيه أن النظام المصري يعيش على صفيح يزداد سخونة مع تراجع الاقتصاد وانهيار العملة المحلية.

أوضح أنه بالرغم من تفاقم الأوضاع الاقتصادية، من المستبعد حاليا اندلاع موجات احتجاج واسعة، نظرا للقبضة الأمنية القوية للنظام، لكن إذا استمر استنزاف الموارد المالية، فقد يضطر السيسي لاتخاذ تدابير تقشف مؤلمة، تزيد مخاطر الاحتجاجات.

أضاف أنه منذ الربيع العربي، تراجعت شهية المصريين للاضطرابات الشعبية الكبيرة، لكن الزيادات في تكلفة المعيشة تنطوي على مخاطر تأجيج السخط ضد النظام، إذ يعيش أكثر من ربع السكان (30 بالمئة) بالفعل تحت خط الفقر.

وسبق أن تدخلت قوات الجيش لطرد سكان جزيرة القرصاية بالقوة إبان حكم المجلس العسكري الأول 2012.

ووقعت في نوفمبر من نفس العام اشتباكات بين قوات الجيش وأهالي القرصاية أسفرت عن مقتل صياد وإصابة 5 جنود واعتقال 25.

لكن مراقبين يرون أن أجواء الفقر والانهيار الاقتصادي ومصادمات أهالي القرصاية مع الجيش تجعل من الصعب تدخل الجيش وحتى الشرطة بالقوة خشية إشعال غضب شعبي كبير.