صحيفة فرنسية ترصد تحول تونس من "سلة خبز روما" إلى أرض العجز الغذائي

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تحدثت صحيفة "جون أفريك" الفرنسية عن العجز الغذائي في تونس التي كانت سابقا، تعرف بـ "مطمور" (سلة خبز) العاصمة الإيطالية روما. 

تضيف الصحيفة أن التونسيين شهدوا، لعدة سنوات، تقنين مشترياتهم من المواد الغذائية، وهم الآن قلقون بشأن القمح. لكن هل تعيد الإصلاحات المعلنة إحياء الزراعة المتدهورة؟

توضح أن المخابز في تونس دائما ما تكون ممتلئة. وبمتوسط ​​74 كيلوغراما في السنة لكل ساكن، تتصدر تونس بانتظام ترتيب أكبر المستهلكين للخبز في العالم.

محصول تاريخي 

على الرغم من أن الخبز الأبيض جرى تقديمه عن طريق الاستعمار، فإن البلاد كانت دائما على علاقة خاصة بالقمح.  

ويكفي أن تشاهد فسيفساء تحكي فترة قرطاج المعروضة حاليا في متحف باردو لتقتنع أن تونس كانت يوما ما سلة خبز روما وذلك في إشارة إلى وفرة محاصيلها الفلاحية، تقول الصحيفة. 

تعود زراعة الحبوب إلى زمن بعيد. ونلاحظ، من العصر الحجري الحديث، وجود بذور من بلاد ما بين النهرين (العراق)، بعد أن خضعت لطفرات تميز القمح الصلب عن اللين - أصناف قريبة من تلك التي نعرفها اليوم.    

وقد أصبحت عادات الأكل وتقاليد الطهي مرتبطة مع مشتقات الحبوب مثل السميد، بما في ذلك الكسكسي (المفتول) والمعكرونة، التي جرى تقديمها لاحقا.  

هذه المنتجات يبدو أنها غير قابلة للتغيير، في بلد منتج للقمح الصلب.

وكان ضعف التمويل العام وانتشار وباء كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا كافيا لتكذيب صورة دعائية لتونس بموارد حبوب لا تنضب، لدرجة أن توفير القمح أصبح اليوم أولوية مطلقة للدولة.  

تدرك السلطات أن النقص أو الارتفاع في الأسعار يمكن أن يؤدي إلى انتفاضات شعبية، مثل تلك التي حدثت في يناير/كانون الثاني 1984 أو ما يعرف بأحداث الخبز في تونس.

لكن على الرغم من ذلك، تقلصت الأراضي الزراعية المخصصة لزراعة الحبوب على مر السنين، من 1.5 مليون هكتار (الهكتار = 10 آلاف متر مربع) في التسعينيات إلى مليون هكتار اليوم، موزعة على 250 ألف مزرعة، منها 11 ألفا فقط بها أكثر من 50 هكتارًا.  

انخفاض مرتبط على وجه الخصوص بتغير المناخ والجفاف، مما دفع المزارعين إلى التحول إلى منتجات أكثر ربحية مثل زراعة الأشجار. 

 النتيجة: تونس لديها بالتأكيد توت العليق، لكن "واحدا فقط من كل خمسة أرغفة خبز يجرى إنتاجه من القمح المحصود محليا"، كما يشير الخبير في أسواق الحبوب والأمن الغذائي "سليم بوسبه".

 تبعية الاستيراد

 يتسبب الإجهاد المائي المتزايد والارتفاع الديموغرافي في زيادة الاعتماد على واردات القمح.  قال أحد المزارعين إن "محصول الحبوب لم يكن جيدا كما كان متوقعا".   

وقد أعطت التوقعات 18 مليون قنطار (القنطار يعادل 143.8 كيلوغرام)، لكن جرى جمع 16.4 مليون قنطار فقط، أي بنسبة 9 بالمئة أفضل مما كانت عليه في عام 2021.

لكنها بعيدة عن الرقم القياسي البالغ 24 مليون قنطار في عام 2019، والتي لم تكن كافية لتغطية الاحتياجات التي تقدر سنويا بنحو 33 مليون قنطار.

لتكملة احتياطياتها، توفر تونس من سوق أميركا الشمالية القمح الصلب وفي أوكرانيا القمح اللين، الذي تستهلكه أكثر فأكثر مع شهية التونسيين للخبز الفرنسي الشهير، ولكن أيضا للمعجنات.   

وفي عام 2021، بلغ الاعتماد على الواردات 33 بالمئة للقمح الصلب، وأكثر من 85.3 بالمئة للقمح اللين، و71.3 بالمئة للشعير، أي 63.33 بالمئة على جميع الحبوب، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو).

وتقول الصحيفة الفرنسية: "تزود روسيا وأوكرانيا تونس عادة بـ 66 بالمئة من القمح بنوعيه و51 بالمئة من الشعير".

أدت الأسعار المرتفعة للحبوب والوقود والأسمدة، التي تضاعف مستواها ثلاث مرات منذ يناير 2021، إلى إغراق البلاد في وضع مزعج للغاية.

فهي تعاني من صعوبة اقتصادية كبيرة، ولا تملك الأموال اللازمة لتلبية طلباتها، لذلك فإن خطر المجاعة الشديدة حقيقي للغاية، تقول الصحيفة الفرنسية.

يمكن لبعض التبرعات الثنائية، مثل المليون دولار التي خصصتها اليابان في بداية يوليو/تموز 2022، أن تخفف مؤقتا من تأثير التضخم وارتفاع المنتجات المرتكزة على القمح.  

بينما حشد البنك الدولي مرة أخرى في يوليو، بعد الدعم المالي في مارس/آذار، قرضا قيمته 130 مليون دولار لتعزيز الأمن الغذائي.  

يتكون البرنامج من دعم قصير الأجل لاستيراد القمح من أجل ضمان حصول السكان الفقراء على الخبز، والشعير لتربية الماشية، والمدخلات الزراعية لإنتاج الحبوب الوطنية. 

وبالتوازي مع ذلك، فإن هدف البنك الدولي هو تمكين الحكومة التونسية من "معالجة الإصلاحات الهيكلية التي طال انتظارها في النظام الزراعي والغذائي"، كما يوضح رئيس عمليات البنك الدولي في تونس "ألكسندر أروبيو".

 تعويض مكلف 

 ومع ذلك، فإن الأمر لا يتعلق بتجنب مأساة المجاعة تحت أي ظرف من الظروف. فرفع الحد يعني الشروع في إصلاحات، لا سيما من خلال مراجعة نظام التعويضات. 

حالياً ولجعل الخبز في متناول الجميع، تحدد الحكومة سعر البيع، وهو أقل بكثير من التكلفة الفعلية للمنتج. 

وتعوض الدولة الفارق في جميع مراحل القطاع بالخبازين والمطاحن والمزارعين على حد سواء. كما تتأثر هذه الآلية بارتفاع أسعار المواد الخام التي يجرى استيرادها أيضا. 

تعويضات 2021 مثلت 8.3 بالمئة من إجمالي إنفاق الدولة، أي 3.4 مليارات دينار (1.1 مليار يورو). 

ويأسف ليث بن بشر وهو مزارع وعضو مؤسس لنقابة المزارعين التونسية ويقول إن "التعويض يشجع على شكل من أشكال الهدر".

وبالتالي فإننا نواجه مفارقة: نحن نستهلك قمحا لينا أكثر من القمح الصلب، بينما ننتج قمحا صلبا أكثر من القمح اللين، ولذلك نحن ندعم ما لا ننتجه، وفق قوله. 

ويعتقد أنهم يستطيعون الإنتاج أكثر والاستهلاك أقل، مشيرا إلى أن المزارعين أيضا عانوا من آثار التضخم العام.

 لا يمكن كتابة ملحمة القمح بدون المطاحن. ويأسف خبير في الأغذية الزراعية ويقول إنه إذا كان "ديوان الحبوب (يتبع رئاسة الحكومة)، صاحب الكلمة العليا يحتكر عمليات التجميع، فإن عمليات تحويل القمح وتصنيعه كانت وما زالت حكرا على القطاع الخاص".

وأردف "مع ذلك، فإن أصحاب المطاحن يتلقون أيضا التعويض، على الرغم من أنهم يحققون هوامش ربح جيدة". ويشير البعض أيضًا إلى شكل من أشكال الاتفاق التجاري بين المطاحن لتجنب المنافسة المفرطة بينهم.

لكن في الواقع، لا يوجد في البلاد سوى ستة منتجين نشطين للمعكرونة والكسكسي مقارنة بعشرين منتجًا في عام 1990، مما كان له تأثير تصاعدي دوري على الإنتاج.   

يبدو القطاع أكثر جاذبية لأن مجال الأغذية الزراعية التونسي جذاب في ليبيا وفي إفريقيا جنوب الصحراء.  

 الإصلاحات القادمة

خلال النقص في مارس 2022، اكتشف التونسيون أن أرفف المتاجر الليبية كانت مليئة بالمعكرونة والسميد وأنواع طحين أخرى من العلامات التجارية التي تنتجها إحدى شركات المعالجة التونسية الست.   

وهذا شكل من أشكال تحويل الإعانات الحكومية عن مقاصدها الأساسية التي هي أساساً دعم القدرة الشرائية للتونسيين، تقول جون أفريك.

أعطت مخاطر تجفيف سوق منتجات الحبوب الزخم لبدء الإصلاحات. وبحلول عام 2023، تخطط الدولة لزيادة مساحات القمح القاسي بمقدار 800 ألف هكتار، مع تزويد المزارعين بـ 400 قنطار من البذور المختارة والتمويلات اللازمة. 

وحتى إذا روج البعض للأصناف القديمة من البذور يبدو أن هذه ليست منتجة للغاية. والحاجة الملحة هي تدعيم قطاع لطالما كانت إدارته تقريبية. 

وأعلنت رئيسة ديوان وزير الزراعة فاتن الخماسي، أنه "سيجرى تعزيز طاقة الاستيعاب وسلسلة التجميع والنقل عن طريق زيادة السعة التخزينية".  

بالنسبة للبعض، يجب على الدولة أيضًا أن تنفذ عمليات للإصلاح الزراعي، وتخصيص أراضي الدولة التي تديرها منذ الاستقلال.  

يقول ليث بن بشير، الذي يدعو السلطات إلى اتخاذ خيارات إستراتيجية مع مراعاة توافر الموارد المائية إن "السجل العقاري موجود منذ ما يقرب من مائة عام".

ولكن في كثير من الحالات، فإن الأراضي الزراعية ليست مربحة بسبب القواعد التشريعية القديمة وتعدد هياكل التدخل البيروقراطية وغير الفعالة، بحسب قوله.

وتوضح الصحيفة: "يجب أيضا مساءلة جدوى زراعة الطماطم والبطيخ، التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، على حساب المحاصيل الإستراتيجية مثل الحبوب أو زراعة الزيتون والمحاصيل البروتينية". 

 باختصار، إنها إستراتيجية زراعية كاملة تحتاج إلى إعادة النظر حتى تصبح تونس مرة أخرى الأرض الخصبة التي كانت عليها.