"النفط مقابل الغذاء".. هل يمكن تحقيق المبادرة في سوريا على غرار العراق؟

لندن - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم غياب الحل السياسي في سوريا، إلا أن الحديث عن مشاريع اقتصادية واستثمارية ما تزال تطفو على الواجهة، لوقف انهيار الواقع المعيشي للسكان.

ويأتي الترويج لطروحات جديدة، في ظل تقاسم النفوذ في هذا البلد من قبل قوى دولية متعددة، وسعي روسيا لتشديد وعرقلة سلاسة دخول المساعدات الإنسانية الدولية والأممية إلى الأراضي السورية.

مبادرة جديدة

وأمام ذلك، تضغط إحدى شركات النفط التي تتخذ من لندن مقرا لها وهي "غلف ساندز بيتروليوم" (Gulfsands Petroleum)، والتي سبق أن أنتجت النفط في سوريا قبل عام 2011، من أجل تطبيق مبادرة "النفط مقابل الغذاء" لاستخدام عائدات النفط السوري في المساعدة الاقتصادية.

وقال العضو المنتدب للشركة البريطانية، جون بيل، لموقع "المونيتور" الأميركي، إن الشركة "كانت رائدة في مفهوم تعود بموجبه شركات النفط الدولية إلى عملياتها في شمال شرق سوريا، مع استحقاق عائدات مبيعات النفط إلى صندوق مدار دوليا وليس إلى نظام بشار الأسد".

وأفاد بأن ذلك "يأتي بهدف تمويل المشاريع الإنسانية والاقتصادية والأمنية في جميع أنحاء البلاد لصالح جميع الشعب السوري".

وحسبما نشرت "المونيتور" في تقرير نشرته في 11 يوليو 2022، فإن بيل أوضح أنه "سيتم إجراء ذلك بطريقة متوافقة مع العقوبات، وبالتعاون مع المجتمع الدولي وأصحاب المصلحة من السوريين، وبما يتماشى مع قرار الأمم المتحدة ذات الصلة".

وقدر بيل أن "صناعة النفط والغاز السورية ككل يمكن إعادة بنائها وتطويرها لإنتاج أكثر من 500 ألف برميل من النفط الخام يوميا، مما يولد إيرادات سنوية إجمالية تزيد عن 20 مليار دولار بأسعار النفط الحالية"، وفق قوله.

والمبادرة التي تتحدث عنها شركة الطاقة البريطانية، هي نموذج لهياكل مماثلة من نوع الضمان لدول أخرى خاضعة للعقوبات الدولية، ولا سيما العراق وإيران.

ووفقا للعضو المنتدب للشركة البريطانية، بيل، فإنه جرى طرح المبادرة ومناقشتها مع المسؤولين المعنيين في البيت الأبيض وبريطانيا.

وسيذهب نحو ثلث العائدات إلى مقاولين وشركات نفط دولية، وتقول شركة "غلف ساندز"، إن المبادرة تتطلب موافقة الأطراف السورية المعنية، والتي تشير ظاهريا إلى النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وكذلك من شركات النفط العالمية.

ويمكن تنفيذ المبادرة من خلال منتديات دولية مثل الأمم المتحدة، كما سيتطلب دعم الحكومات الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا وتركيا، والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى، كما ترى "غلف ساندز".

الكتلة الأكبر

وتتركز الكتلة الأكبر من النفط في مناطق شمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة "قسد" المدعومة أميركيا، بواقع 90 بالمئة من حقول النفط، و45 بالمئة من الغاز.

وحاليا جميع الحقول التي تستولي عليها "قسد"، توجد فيها قوات أميركية خاصة لحمايتها ضمن إستراتيجية رئيس الولايات المتحدة السابق، دونالد ترامب، حول طبيعة وجود قوات بلاده في سوريا.

وتقدر خسائر قطاع النفط في سوريا منذ عام 2011 بـ91.5 مليار دولار، وفق إحصاءات وزارة النفط في حكومة الأسد لعام 2021.

وإنتاج "قسد" من النفط حاليا، يتراوح بين 80-120 ألف برميل يوميا، وتؤكد مصادر اقتصادية لـ"الاستقلال"، أنه يمكن أن يصل إنتاج النفط حاليا بمناطق "قسد" من 700-800 ألف برميل يوميا في حال جرى ترميم الآبار في مناطق سيطرتها.

والإنتاج اليومي الحقيقي غير المعلن من قبل نظام الأسد قبل عام 2011 كان بين 600-750 ألف برميل يوميا.

وأكدت مصادر صحفية أن "قسد" تبيع نحو 15 ألف برميل نفط خام يوميا إلى النظام السوري بسعر يتراوح بين 24 و28 دولارا للبرميل الواحد، عبر شركة "القاطرجي" التي يديرها حسام قاطرجي وهو "أمير حرب" مقرب من الأسد.

وتقدر "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" المعارضة، بأن قوات "قسد" تبيع برميل النفط الخام للنظام بنحو 30 دولارا، أي بعائد يومي يقدر بـ420 ألف دولار، وبعائد شهري يقدر بـ12 مليونا و600 ألف دولار.

وكانت سوريا قبل عام 2011 من الدول المكتفية ذاتيا في مجال الطاقة، وحسب إحصاءات النظام في 2021، فإن آبار النفط كانت تنتج يوميا ما يقدر بنحو 385 ألف برميل.

 وهذا الرقم المعلن من نظام الأسد يشكك فيه اقتصاديون سوريون، لكون واردات النفط لا تدخل في خزينة الدولة.

وكان يستهلك منه محليا نحو 245 ألف برميل، في حين يصدر الباقي إلى الخارج ما يحقق عائدات بالعملة الصعبة.

أما في قطاع الغاز، بلغ إنتاج سوريا قبل عام 2011 نحو 30 مليون متر مكعب يوميا، وهي كمية تكفي حاجة البلد وتزيد، ويستخرج معظم الغاز من حقول الحسكة ومنطقة تدمر شرقي حمص، قبل أن يتراجع خلال السنوات الأخيرة.

لاعب قديم

لقد كانت "غلف ساندز" لاعبا أساسيا وتقدم خدمات نفطية إلى جانب التنقيب في سوريا قبل عام 2011، وذلك بالشراكة مع ابن خال الأسد، رامي مخلوف، الذي كان مديرا لمنظومة الأسد المالية قبل الإطاحة به عام 2020.

وكانت شركة "غلف ساندز"، تستخرج 24 ألف برميل يوميا فقط عام 2010، أي ما يكافئ 6 بالمئة من الناتج النفطي الإجمالي.

ووقعت الشركة عقدا مع وزارة النفط في حكومة الأسد عام 2003 للتنقيب عن النفط، واستثمار وتطوير "بلوك 26" الواقع في محافظة الحسكة والخاضع حاليا لـ"قسد".

وبموجب العقد المذكور يذهب ثلثا الإنتاج إلى حكومة الأسد بعد حذف الكلفة، وفي عام 2011 أعلنت الشركة عن رفع إنتاجها إلى 24 ألف برميل يوميا بالشراكة مع مجموعة "سينوكيم" النفطية الصينية.

وتخلت الشركة عن الإنتاج والتنقيب عقب عام 2011، لكن أعلنت عن أملها في استئناف عملها في سوريا عندما تسمح الظروف بذلك، وأكدت في سبتمبر/أيلول 2020 أنها "لا تزال ملتزمة بمشروعها في سوريا، ومصممة على ضمان حماية حقوقها مع الالتزام بالقانون الدولي والعقوبات ذات الصلة".

وعصفت أزمة سيولة في "غلف ساندز" التي لديها حقوق تنقيب أيضا في المغرب وتونس وكولومبيا، وقالت إنها خسرت 69 مليون دولار خلال عام 2015.

في مارس/آذار 2021، اشترى رجل الأعمال الروسي، مايكل كروبيف، الذي قيل إنه مقرب من الكرملين، أسهم الملياردير السوري أيمن الأصفري في الشركة، من خلال شركته الاستثمارية "Waterford Finance"، ويمتلك كروبيف الآن أكثر من 50 بالمئة من أسهم الشركة ويعمل كمدير غير تنفيذي لها.

وكان عملاق الخدمات النفطية، الأصفري، الذي ساند المعارضة السورية إبان اندلاع الثورة عام 2011، اشترى في مارس 2016، 50 مليون سهم لشركة "غلف ساندز" (10.5 بالمئة من الشركة).

مخاوف أميركية

وترجع محاولات "غلف ساندز" العمل مع المجتمع الدولي لتسهيل عودتها إلى سوريا، إلى استمرارها بمراقبة جميع الأنشطة التي تركز على الحل في سوريا.

ورغم ذلك، فإن هذه الشركة الدولية هي الأكثر نشاطا حاليا في محاولة إيجاد طريقة لمعاودة نشاطها مرة أخرى من خلال العمل مع "قسد" والدول الغربية التي تعاقب قطاع النفط في سوريا.

وأبدى الأكاديمي والباحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، كرم شعار، شكوكا بأن تقبل الولايات المتحدة بمقاربة مبادرة "النفط مقابل الغذاء".

وأرجع الشعار ذلك وفق ما نشر عبر حسابه على "فيسبوك" في 12 يوليو 2022، إلى "الضرر الذي سيطال سمعتها حول العالم واتهامها بأنها تسوق لسرقة الموارد الطبيعية السورية، لا سيما وأن المردود الاقتصادي لهكذا عملية سيكون محدودا للغاية، بسبب صغر حجم البلوك 26 وموارد سوريا النفطية عموما".

ومضى الأكاديمي قائلا: "يرجع التخوف الأميركي من رفض البيت الأبيض الدائم لاستثناء قطاع النفط من العقوبات على امتداد الأراضي السورية".

والنقطة الأهم في صعوبة تطبيق المبادرة هي "قانون قيصر" وتبعاته، والذي يسعى في النهاية لخنق النظام السوري اقتصاديا لدفعه إلى تسليم السلطة، وفق مراقبين.

ويؤكد هؤلاء المراقبون، أن "المبادرة غير واقعية" لكون تركز النفط والغاز بمعظمه في مناطق "قسد"، والتي تحاربها تركيا ولا اعتراف بها أصلا من قبل المجتمع الدولي.

وأقر الكونغرس الأميركي "قانون قيصر" وبدأ بتطبيقه في 17 يونيو/حزيران 2020، وخصص لمعاقبة الداعمين والمتعاملين مع نظام الأسد.

ولطالما حافظت الولايات المتحدة على مسار النفط شرقي سوريا، بإشراف مباشر منها وبحماية خاصة من قواتها للآبار التي لم تتعرض للضرر وما تزال تضخ النفط.

ومما يدل على ذلك، إقدام الولايات المتحدة على تدشين مصفاة نفط في حقل "رميلان" النفطي بمحافظة الحسكة، شرقي سوريا، بطاقة تكرير تبلغ 100 ألف برميل شهريا، حسبما ذكرت وكالة "الأناضول" التركية الرسمية في 10 يناير/كانون الثاني 2022.

اعتراضات جمة

وفي هذا الإطار، يرى مدير مركز ماري للأبحاث والدراسات معروف الخلف، أن مبادرة "النفط مقابل الغذاء" صعبة الحدوث في سوريا خلال الوقت الراهن لعدة اعتبارات.

أول هذه الاعتبارات، وفق حديث الخلف لـ"الاستقلال"، هي "أن آبار النفط في سوريا حاليا لا تنتج بكامل طاقتها وقسم منها معطل".

ولفت إلى أن "هذه السياسية النفط مقابل الغذاء التي طبقت في العراق في تسعينيات القرن المنصرم تعود نظرا لحصته الضخمة في السوق الدولية، لذلك كان الأمر متاحا وقد يغير في معطيات الأسعار في السوق".

وتابع الباحث السوري: "هذه المبادرة حينما طبقت في العراق آنذاك كانت الحكومة واحدة، أما الأمر بالنسبة لسوريا ستكون آلية التعامل مع عدة أطراف، وبالتالي سيكون الأمر معقدا".

وكان برنامج الأمم المتحدة في العراق المعروف بـ"النفط مقابل الغذاء"، طبق ما بين أعوام 1996 إلى 2003، بهدف تخفيف انعكاسات الحصار المفروض على العراق من قبل الأمم المتحدة، وذلك بتمكين نظام الرئيس الأسبق، صدام حسين، من بيع النفط مقابل شراء المواد الغذائية والدواء ومواد استهلاكية أخرى.

وذهب الخلف للقول: "أعتقد أن هذا الأمر سيكون له ارتباط بمرحلة لاحقة في حال إعادة الإعمار والتوافق حول الحل السياسي في سوريا، مما يعني أن خطوة في هذا الباب ستكون مؤجلة".

وألمح الخلف، إلى أنه "في سوريا يحتاج الأمر لتوافق دولي لتطبيق مبادرة النفط، وهذا غير متوفر، خاصة وسط حالة التشظي على الساحة السياسية".

يذكر أنه طيلة الفترة السابقة، كانت واشنطن تغض الطرف عن تهريب النفط إلى مناطق النظام السوري، بحجة حصول "قسد" على المشتقات المكررة من البنزين والمازوت.

كما تستفيد القوات الأميركية العاملة في سوريا والعراق من النفط عبر الاستفادة من المحروقات للآليات العسكرية.

علاوة على أن "قسد" تعتمد على إرسال النفط الخام باتجاه إقليم كردستان شمال العراق الملاصق لمحافظة الحسكة، عبر معبر "سيمالكا"، وهو طريق التجارة الوحيد بين مناطق سيطرة "قسد" في سوريا مع العالم الخارجي، ليجري تكريره هناك والاستفادة من بعضه، وبيع الآخر لجهات دولية.