مشاورات الحكومة اليمنية والحوثيين.. لماذا فشلت في فك حصار تعز؟

عصام الأحمدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في جولة مفاوضات جديدة استضافتها العاصمة الأردنية عمان، بحث الفرقاء اليمنيون عن فرص للتوافق حول فتح الطرقات والمعابر الموصلة من محافظة تعز وإليها.

واختتمت في 29 مايو/ أيار 2022، مشاورات برعاية أممية بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والحوثيين المدعومين من إيران، بشأن فتح الطرقات، تنفيذا لبنود الهدنة الأممية التي انتهى موعدها في الثاني من يونيو/ حزيران من ذات العام وجرى تجديدها.

وأعلنت الأمم المتحدة توصل الطرفين المتحاربين في اليمن إلى اتفاق لتمديد الهدنة بينهما، لمدة شهرين إضافيين. وتمثلت إحدى نقاط الخلاف في استمرار الحوثيين بحصار تعز، ثالث أكبر مدينة في البلاد.

وتركزت الاجتماعات حول فك الحصار عن تعز، لكن الطرفين لم يتوصلا إلى اتفاق شامل بشأن فتح الطرقات والمعابر المغلقة في عدد من المحافظات بما فيها المنافذ الرئيسة للمدينة وفقا لمصادر حكومية يمنية.

مفاوضات عقيمة

وقال المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، في بيان صحفي إن الجولة الأولية من النقاشات بين الطرفين اختتمت.

وأشار إلى وضع مقترحات لإعادة فتح الطرق بشكل تدريجي، تضمن آلية للتنفيذ وضمانات لسلامة المسافرين المدنيين، بناء على النقاشات التي استمرت لثلاثة أيام والخيارات التي طرحت من قبل الطرفين، لكنه لم يشر إلى جدول زمني لتنفيذ هذه المقترحات.

ودعا غروندبرغ "الطرفين إلى اختتام مداولاتهم الداخلية بشكل عاجل وتحقيق نتائج إيجابية يلمسها الشعب اليمني".

وأضاف أن "أهمية رفع القيود عن حرية حركة الناس والبضائع لا تقتصر على الأثر الإيجابي المتمثل برفع وطأة المعاناة عن اليمنيين وإنعاش اقتصادهم، بل سيساعد في تعزيز الثقة بالعملية السياسية أيضا".

وكان الفريق الحكومي المفاوض قد أكد أن فريق مليشيا الحوثي يرفض كل مقترحات فتح الطرق عن تعز والطرقات الأخرى.

وحول هذا الأمر، قال عضو البرلمان اليمني، شوقي القاضي، إن "المفاوضات في الأردن لم تتعثر وإنما محكوم عليها بالفشل منذ البداية ومستحيل أن يرفع الحوثيون الحصار عن تعز".

 وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": "تعز تشكل لهم فوبيا؛ فهي المدينة التي قاومتهم وطاردتهم دون دعم كبير من التحالف (السعودي)، الذي دعم فقط بأسلحة شخصية ليست ثقيلة أو إستراتيجية".

وغرق اليمن في صراع منذ 2014، عندما اجتاح الحوثيون، المدعومون من إيران، العاصمة صنعاء. ودفع هذا إلى تدخل تحالف عسكري بقيادة السعودية لدعم الحكومة اليمنية في العام التالي.

ولفت إلى أن "الحوار مع المليشيا محكوم عليه بالفشل لأكثر من سبب، الأول لأن مبدأ الحوثيين وعقيدتهم تقوم على الغدر والاستباحة والأيديولوجيا، فهم لا يحاورون إلا لكسب الوقت".

وتابع: "سبق لنا محاورتهم لأكثر من ثلاثين جلسة حوارية، منذ تأسيس جماعتهم في 1992 وبدء الحروب مع الدولة في 2004، مرورا بمؤتمر الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة ومفاوضات الكويت وستوكهولم إلى غير ذلك".

السبب الثاني، أنها مليشيا لا تؤمن بأنصاف الحلول ولا بالمشتركات والمواطنة المتساوية أو الشراكة الوطنية ولا الديمقراطية، "وهي تؤمن فقط بعقيدة الولاية والاصطفاء والسلالية"، وفق قوله.

واستطرد بالقول، " يتواطأ المبعوثون الأمميون مع مليشيا الحوثي لأسباب تربطهم بدولهم وسياسات المؤسسات الدولية التي لها رؤية فيما يتعلق ببقائهم وقوتهم في اليمن كوسيلة لابتزاز دول الخليج ماليا وبيع السلاح".

وذكر أن ملف المفاوضات النووية مع إيران، ضمن أسباب استمرار الحوثي في حصار تعز.

وأضاف القاضي، "بعد انقلاب مليشيا الحوثي السلالية العنصرية الإرهابية في 2014، تحركت جموعهم إلى كل المحافظات بما في ذلك تعز ونقضوا كل الاتفاقات مع محافظها الأسبق شوقي هائل واقتحموا المدينة".

ومضى شارحا، "المقاومة الشعبية استطاعت إخراج الحوثيين من المدينة بسلاحهم الشخصي ودبابة واحدة فقط، لكن فارق التسليح لم يمكنهم من هزيمتهم في إطار معسكراتهم المحيطة بتعز، فتمركزت المليشيات في مداخل المدينة ومرتفعاتها وحاصروها تماما".

لغة تحد 

وبدأت المفاوضات في 25 مايو 2022، برعاية مكتب المبعوث الأممي الخاص في اليمن، الذي شدد على أن، فتح الطرق في تعز وغيرها من المناطق عنصر جوهري من الهدنة.

إذ سيسمح ذلك بلم شمل العائلات التي فرقتها جبهات النزاع، وللأطفال أن يذهبوا إلى المدارس، وللمدنيين أن يصلوا إلى أماكن عملهم والمستشفيات، ولاستعادة حركة التجارة الحيوية. 

وشارك في المباحثات فاعلون من المجتمع المدني ووسطاء محليون معظمهم من تعز المحاصرة من قبل الحوثيين، عبر تقديم خيارات عملية لفتح الطرق تستند إلى نظرتهم الخاصة وخبراتهم، وفقا لبيان مكتب المبعوث الأممي.

وكان الفريق الحكومي هدد بالانسحاب من المباحثات مع مليشيات الحوثي، وذلك إثر تعنتهم ورفضهم فتح الطرقات إلى مدينة تعز.

وشهد اليوم الأخير من المشاورات حضور ممثلي مليشيات الحوثي وهم يرتدون الزي العسكري في سابقة وخطوة هي الأولى في مباحثات لفتح طرق إنسانية.

وأثار ارتداء الحوثيين البزة العسكرية استفزاز اليمنيين الذين عدوها رسالة تحد جوفاء لعناصر انقلابية دأبت على انتهاك أعراف مفاوضات السلام وتسعى لشرعنة جرائمها بلباس الجيش اليمني.

ويعد ختام الجولة الأولى من المفاوضات دون الإعلان صراحة عن رفع حصار تعز خيبة أمل جديدة لكل اليمنيين.

فيما يأمل ملايين المدنيين في أن تخترق المشاورات التي ترعاها الأمم المتحدة لتحقيق السلام، جدار الحصار والعزلة التي تعاني منها المدينة المكتظة بالسكان.

وخصوصا أن المجتمع الدولي يعدها فرصة مواتية لبناء خطوات سلام شامل ودائم في البلد المثقل بالأزمات والحرب التي دخلت عامها الثامن وتسببت بأسوأ أزمة إنسانية في العالم.

ويرى متابعون للشأن اليمني، أن المفاوضات أظهرت مجددا مليشيات الحوثي كطرف يسعى لتجزئة الاتفاقات وعدم تقديم أي تنازلات لتخفيف المعاناة الإنسانية بموجب الهدنة الأممية.

وقال رئيس مركز "أبعاد" للدراسات والبحوث، عبد السلام محمد إن التنازلات التي يبديها التحالف والشرعية حول قضايا إنسانية تتعلق بحياة المدنيين، زادت من غرور الحوثي الذي يعد نفسه أنه واقع عسكري فوق كل الخيارات السياسية".

وأشار، في تغريدة عبر حسابه على "فيسبوك"، إلى أن "الحوثي وجه إهانة لكل اليمنيين الذين فشلوا في إخضاعه عسكريا فذهبوا إلى مفاوضات تحت سقف الانقلاب".

وبين أن الدولة كانت قادرة على أن تحقق نتائج بالقوة والمفاوضات، لا الأخيرة وحدها "فهي لا تجدي نفعا مع جماعة ولدت مسلحة ونمت على العنف وسيطرت بالقوة، وتحالفت مع الحرس الثوري (الإيراني) الإرهابي".

حسابات التحالف

من جانبه يرى البرلماني القاضي، أن "الحوثي يستخدم المفاوضات لاغتنام الوقت وشراء الزمن للتحشيد والتجنيد وإدخال السلاح والتموضعات ولا حل في الحوار مطلقا، ولكن المخرج في أن يمتلك التحالف القرار وأن يكون صادقا كما فعل في عدن وشبوة".

ومضى يقول في منشور على حسابه بموقع فيسبوك، "السلاح الثقيل والإستراتيجي بيد التحالف وأفراده وممنوع على الجيش الوطني إلى الآن أن يمتلك هذا النوع بما في ذلك الدبابات ومنصات الصواريخ".

وبين أن "الحوثيين يعلمون أن هناك تآمرا وتواطؤا من قبل السعودية على تعز، كونها ليست في إطار مخططاتهم وبالتالي يمكن أن ننظر إلى الفرق بينها وبين عدن وشبوة".

وأوضح البرلماني اليمني أن "المدينة تدخل عامها الثامن من الحصار المطبق فلا يستطيع أبناء تعز حتى أن يخرجوا مرضاهم إلى أماكن أخرى إلا عبر جبال محمولين بجنائز وكأنهم موتى بينما هم مرضى أو جرحى أو نساء حوامل بحاجة إلى رعاية طبية".

وختم القاضي بالقول، "تعز مدينة الثقافة والفن وما زالت إلى الآن تشهد أنشطة ثقافية ومدنية متنوعة، وكأنها خارج دائرة الحرب".

وبين أن "المناطق التي يجثم عليها الحوثيون في مداخل تعز هي مصانع وشركات كبرى يجنون منها مليارات الريالات سنويا".

ولذلك تتمسك المليشيا بها وتخاف من تسلل مقاومتها إلى المحافظات المجاورة خصوصا إلى مدينة إب، كما قال. 

وتتهم الحكومة اليمنية ومنظمات دولية وحقوقية مليشيا الحوثي بفرض حصار خانق على تعز، كبرى مدن اليمن من حيث عدد السكان، منذ سبع سنوات.

وتسبب ذلك في عرقلة كافة مقومات الحياة في المدينة المكتظة بالسكان والخاضعة للحكومة الشرعية.

وكانت الحكومة اليمنية قد وافقت في 12 مايو 2022، بعد ضغوط أممية ودولية، على اعتماد جوازات السفر الصادرة عن الحوثيين، للمسافرين المغادرين عبر مطار صنعاء الدولي.

كما وافقت على دخول سفن المشتقات النفطية لميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين، في محاولة لإنقاذ الهدنة الإنسانية، مقابل وعود بفتح الطرقات ورفع الحصار عن مدينة تعز، ما يمثل بارقة أمل نادرة في الصراع بعد حرب مدمرة.

وتسببت هذه الحرب في مقتل أكثر من 150 ألف شخص وتشريد ملايين المدنيين، بحسب الأمم المتحدة، التي وصفت الصراع بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم.