خالد العبود.. برلماني سوري يرى الأسد "فيلسوفا" يقود المعارضة ويحرك روسيا
.png)
لا يتوقف أمين سر برلمان النظام السوري خالد العبود، الذي يعد أشهر الأبواق الإعلامية في التأييد الأعمى لبشار الأسد، عن ابتداع "نظريات" تبرر جرائم النظام وتروج لأفكار تثير السخرية من قبيل قيادة الأسد لقوى إقليمية ودولية.
والعبود الذي يصف الأسد بأنه "الرئيس الفيلسوف"، عضو بالبرلمان منذ عام 2012، وبات على مدى عقد، أحد ألمع الوجوه التي يستضيفها الإعلام الموالي للتعليق على الأحداث المرتبطة بسوريا، كما يستخدم حسابه على فيسبوك كمنصة لتمرير بعض "الرسائل المخابراتية".
وأحدث هذه الرسائل التي أثارت جدلا مهاجمة العبود، لملك الأردن عبد الله الثاني، في منشور بتاريخ 25 مايو/ أيار 2022، واتهامه بالمساهمة في الفوضى في سوريا، وذلك ردا على تصريح لعاهل الأردن في 19 مايو، مفاده: "إذا انسحبت روسيا من الجنوب السوري، فإن الفراغ سيملأه الإيرانيون ووكلاؤهم، وللأسف أمامنا تصعيد محتمل على حدودنا".
وقال العبود: "الأردن الرسمي يعاني من أزمة تقدير للموقف، فهو غالبا ما يقع في مطب تقديراته الخاطئة، والتي ترتد وتنعكس عليه سلبا، مدعيا أن "الأردن أول من أساء لحلف طهران- دمشق- بيروت، بوصفه هلالا شيعيا، لكن هذا الحلف هو من منع استباحة الأردن".
النشأة والتكوين
ولد خالد العبود في مدينة درعا عام 1966، ودرس الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارسها، ودخل جامعة دمشق في اختصاص كلية الهندسة، إلا أنه لم يكمل دراسته، بسبب اتجاهه للمجال الثقافي، ثم حصل لاحقا على بكالوريوس علوم سياسية.
وشغل العبود سابقا منصب عضو "اتحاد الكتاب العرب"، ولديه عدة كتب، منها: "حوار على أرض محايدة"، و"نقد الخطاب الديني السياسي".
كما له خمس مجموعات شعرية، منها: "قراءات في دفتر الصمت العربي"، و"رثاء المديح المرّ".
واستطاع العبود أن يمارس مهنة الصحافة عبر الصحف السورية وأصبح مراسلا لبعض الصحف المحلية، ثم عمل مدير تحرير صحيفة "الوحدوي" التابعة لحزب "الوحدويين الاشتراكيين" الذي انتسب إليه مبكرا حتى أصبح لاحقا أمين سر المكتب السياسي للحزب.
ولم يكن خالد العبود ينتمي إلى صفوف حزب "البعث" الحاكم حاليا بسوريا، والذي تأسس عام 1947، وتولى السلطة بالبلاد في 1963، لكن حزب "الوحدويين" الذي يعد من بقايا الأحزاب الناصرية أصبح ضمن "الجبهة الوطنية التقدمية".
وهذه الجبهة طبقها رئيس النظام السابق حافظ الأسد عقب تقلده السلطة بانقلاب عسكري في 1971، وجمع تحت ظلها عددا من الأحزاب السورية وعلى رأسهم "البعث" لكي تدور كل الأحزاب في فلكه وتنفذ ما يريده الأب ومن بعده وريثه في الحكم ابنه بشار عام 2000.
و تبرأ أهالي درعا وعشائرها المؤيدة للثورة عام 2011، من العبود الذي انحاز لنظام الأسد وراح ينطق باسمه ويروج لروايته على القنوات العربية ويصف المتظاهرين بالمخربين والإرهابيين واتباع الـ "بترودولار".
تبرير جرائم الأسد
ويعرف خالد العبود، بأنه صاحب "نظرية المربعات" التي يرددها خلال مداخلاته على القنوات المحلية والعربية، ويقسم فيها الدول "لمربعات صديقة وعدوة"، وسحب ذات المصطلح على الداخل السوري.
وعدت تدويراته ومربعاته كلها تصب في تسويغ جرائم بشار الأسد وأجهزة مخابراته بحق السوريين، وتقديم تبريرات وتفسيرات فلسفية، بعيدة عن جوهر المشكلة الأساسية القائمة على قتل النظام لشعب طالب بالحرية بعد عقود من الاستبداد وتغول الأجهزة الأمنية واستيلائها على مقدرات البلد.
ويزعم العبود أن المال الخارجي هو من شرد السوريين من بيوتهم ونكل بهم، متعاميا عن طائرات النظام السوري الحربية والبراميل المتفجرة التي دكت المدن وقوات الأسد وأجهزة مخابراته التي اعتقلت نحو 130 ألف مدني وقتلت أكثر من نصف مليون.
فضلا عن أن عشوائية القصف وهمجيته أجبرت قرابة 13,5 مليون سوري لترك منازلهم وباتوا حاليا ما بين نازح داخليا ولاجئ في الخارج.
وكان العبود في مقدمة المحللين السياسيين الذين تصدروا الشاشات المحلية والتي تدور في حلف المقاومة والممانعة مثل "المنار والميادين"، والقنوات العربية للدفاع عن الرواية الرسمية للنظام السوري وتبرير قمع الأجهزة الأمنية للثورة.
وفي لقاء تلفزيوني مع قناة "الدنيا" الموالية عام 2012، قال إنه سيزج بنفس للموت وراء بشار الأسد لأنه رفض التنازل عن السلطة بعد تمرير ورقة من تحت الطاولة تطالبه بذلك".
تميز عبود الذي ينحدر من مهد الثورة السورية بأنه انسلخ من جلد قومه ولبس جلد الأسد منافحا عن النظام السوري ضد أبناء مدينته، وهذا ما جعل أجهزة المخابرات يعومونه لسنوات.
ويرى العبود أن مخابرات الأسد كان بمقدورها تشفير القنوات التي تنقل مجريات الثورة والتي يسميها "الإعلام المعادي"، كان بمقدروها لكن العقل السياسي اعتمد على أن المواطن يقتنع أن هذه القنوات تقوم بالكذب".
ويصف العبود نفسه بأنه "ينتمي إلى تيار المعارضة في سوريا الذي يقوده بشار الأسد".
ويلقب المتظاهرون السوريون خالد العبود بـ "أبو المربعات" كما يشتهر بأنه صاحب نظرية المثلثات والتي تقوم على "وجود مثلث يقود المعركة بسوريا رأس المثلث هو النظام السوري أما أضلاعه فهم روسيا وإيران".
ويجتهد العبود في اللعب على وتر الكلمات لإثارة الشارع السوري وإظهار تملقه وتزلفه للأسد، ومنها حينما نشر على صفحته الشخصية مقالة بعنوان " الأسد يلقي خطاب الاستقالة"، في 19 فبراير 2019.
واستغل حينها العبود ظهور الأسد بكلمة أمام المجالس المحلية من القصر الجمهوري، وقال إن "الأسد أطل معلنا انتصاره على أعدائه ومعلنا استقالتهم هم من التاريخ".
قصص خيالية
ويتبع العبود أسلوبا مثيرا في تفسيراته وتحليلاته للمجريات السورية، معتمدا على الموازنة بين التملق الدائم للأسد ونعته بأوصاف ومسميات "خارقة"، وبين سرد القصص الخيالية وتركيبها على الأحداث الدولية.
ويجمع السوريون على أن العبود هو الاسم العريض في جوقة الإعلاميين الذين ينسجون قصص الخيال ويكذبون على الوقائع الميدانية على الأرض.
إذ تفرد العبود منذ عام 2011 في نسج "شطحات إعلامية" عن شخص بشار الأسد تصور الأخير على أنه يمسك بقرارات دول، وأحدثها ما قاله حول غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير 2022.
وضرب العبود مثلا في "الخيال الواسع لعراب السلطة الأكثر بهرجة"، حينما لخص في ظهور تلفزيوني بتاريخ 2 مارس 2022 على قناة "الإخبارية السورية" سر إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإقدام على غزو أوكرانيا.
وزعم العبود أن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الذي زار سوريا في 15 فبراير 2022، والتقى حينها بالأسد طلب منه الإذن لغزو أوكرانيا فرد عليه الأسد قائلا: "اتكلوا على الله روحوا".
ليس هذه النكتة الوحيدة التي سردها العبود في مسيرة ظهوره الإعلامي، فهي كثيرة ومتشعبة.
ومنها حديثه عن كيفية انشقاق رئيس الوزراء السوري السابق رياض حجاب عن نظام الأسد، في أغسطس/آب 2012، وتمكنه من الفرار خارج البلاد، والذي يحظى بشعبية عالية بين السوريين، فضلا عن معاملته إلى الآن كرجل دولة في كثير من الدول العربية والغربية التي يزورها
يزعم العبود أن مخابرات الأسد "كانت تعلم بهروب حجاب وهي من سهلت له ذلك، رغم أنها كانت تستطيع قتله أو القبض عليه، ولذلك صدر مرسوم إعفائه من منصبه بذات اليوم وتجريده من إمكانية الاستقواء بصفته كرئيس للحكومة السورية".
وأرجع العبود في منشور على فيسبوك بتاريخ 20 يناير 2022 سبب عدم قبض مخابرات الأسد على حجاب لكونه "محاكمته والحكم عليه ستؤدي لتحويله إلى بطل بعيون السوريين".
يميل عضو برلمان الأسد خالد العبود للحلف الإيراني، وفي أكثر من موقف انتقد روسيا وقال إنها غير مفوضة بالحديث باسم إيران في سوريا، مبينا أن الإنجازات العسكرية تمت بتحالف سوري- إيراني، قبل دخول التدخل الروسي"، حسبما قال على قناة "الإخبارية السورية" في 15 يوليو 2018.
ولم يكتف بذلك، بل نشر عبر فيسبوك مقالا في 6 مايو 2020 تحت عنوان "ماذا لو غضب الأسد من بوتين؟" ذهب فيه بعيدا حينما قال إن "الأسد يمتلك أوراق رابحة بوجه بوتين"، وأن الرئيس الروسي "لم يعد بمقدوره أن يملي شيئاً على الأسد".
وتزامن منشور حينها مع حديث وسائل إعلام روسية عن وجود توتر بين بوتين والأسد وأن الأخير بات يشكل "عبئا" على موسكو.
وسبب هذا المنشور انتقادا واسعا من قبل الموالين للأسد، لخالد العبود ورأوا كلامه يحدث شرخا في العلاقة مع الحليف الروسي.
وهاجم حينها عضو في برلمان الأسد يدعى "نبيل صالح"، العبود واصفا إياه بأنه "صاحب نظرية المربعات الأمنية وجنرال الملل التلفزيوني والضجيج الإعلامي، أصر على تهديده القيصر بوتين في ملحفة ثانية بعد الملحفة الأولى".