نقل تجربة البراميل المتفجرة من سوريا.. هل ينجح بوتين في استخدامها بأوكرانيا؟

لندن - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مثلت التكتيكات والتطبيقات الحربية التي استخدمت في سوريا على مدار نحو عشر سنوات، وفق كثير من المراقبين الدوليين، "نماذج عسكرية ناجحة" لروسيا في حربها ضد جارتها أوكرانيا المتواصلة منذ 24 فبراير/ شباط 2022.

وفي صورة لافتة تتطابق مع هذا الطرح، تحدثت تقارير دولية عن لجوء روسيا أخيرا إلى اعتماد فكرة "البراميل المتفجرة" بدائية الصنع التي ابتكرها نظام بشار الأسد لقتل آلاف المدنيين وسحق الثورة السورية، في عمليتها العسكرية بأوكرانيا.

وفي 22 مايو/ أيار 2022، كشفت صحيفة الغارديان البريطانية، أن أكثر من 50 متخصصا يتبعون لنظام الأسد، ممن يتمتعون بالمهارة في صناعة البراميل المتفجرة والمتفجرات الخام بدؤوا بالعمل مع الجيش الروسي.

وأوضحت أن مسؤولين أوروبيين يعتقدون أن الفنيين المرتبطين بالبراميل المتفجرة سيئة السمعة والتي تسببت في دمار في معظم أنحاء سوريا، جرى نشرهم في روسيا للمساعدة في الاستعداد لحملة مماثلة في أوكرانيا.

البراميل المتفجرة

والبراميل المتفجرة، سلاح قاتل وعشوائي، يحشى بمواد محلية متفجرة مخلوطة بقطع حديدية ومسامير، ويقدر خبراء عسكريون وزن الواحد منها بين 150 و600 كيلوغرام.

وهي بسيطة في عملية التصنيع، وذات كلفة منخفضة، مع قدرة تدمير عالية، تعادل قرابة سبع قذائف هاون للبرميل الواحد، وتلقى من الطيران المروحي بشكل عشوائي على الأحياء السكنية.

وتفيد الشبكة السورية لحقوق الإنسان المعارضة، بأن النظام السوري ألقى في غضون تسع سنوات قرابة 82 ألف برميل متفجر؛ تسببت في مقتل 11 ألفا و87 مدنيا بينهم 1821 طفلا، و1780 سيدة (أنثى بالغة)، منذ استخدمه لأول مرة في يوليو/ تموز 2012 حتى أبريل/ نيسان 2021.

وتؤكد في تقرير نشرته بتاريخ 19 أبريل 2021، أن استخدام نظام الأسد لسلاح البراميل المتفجرة "وصمة عار حتى ضمن أضعف جيوش العالم".

وبحسب الغارديان البريطانية، فإن المتخصصين في البراميل المتفجرة كانوا في طليعة القوات التي أرسلها النظام السوري إلى روسيا.

ومنذ فتح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باليوم الـ16 لغزو أوكرانيا، باب التطوع للقتال إلى جانب قواته، هب بشار الأسد "ملبيا النداء".

وأصدرت وقتها شريحة من قواته، إعلانا وبشكل صريح بتلبية "دعوة بوتين" وإرسال مرتزقة للقتال مع الجيش الروسي، في اصطفاف مباشر من الأسد إلى جانب بوتين في الموقف السياسي من حربه على أوكرانيا.

ولم يكن ذلك مستغربا، فقد رأى الأسد أن وقت "رد الجميل" قد حان، لا سيما أن التدخل الروسي عسكريا بسوريا في 31 سبتمبر/ أيلول 2015، أنقذ الأسد من السقوط بعد ثورة شعبية اندلعت ضده في مارس/آذار 2011.

وحينها كادت الثورة تطيح بنظام الأسد، لولا الآلة العسكرية الروسية التي قلبت موازين المعركة واستعادت مساحات واسعة كانت بيد المعارضة، بعد استخدام مختلف الأسلحة المحرمة دوليا ضد المدنيين بما في ذلك السلاح الكيماوي، الأمر الذي يعد خرقا لقراري مجلس الأمن رقم 2118 و2209.

وتعليقا على كشف الغارديان، عد "الائتلاف الوطني السوري" المعارض، أن هذا التطور يؤكد ضلوع نظام الأسد في شراكة عسكرية مع روسيا في حربها على أوكرانيا وفي جرائم الحرب المرتكبة هناك.

وأكد الائتلاف في بيان إلى أن "هذا النوع من السلاح التدميري من أكثر الأسلحة عشوائية، وسبق أن خصصه نظام الأسد لقصف المدن السورية الثائرة بغية تدميرها وقتل وتهجير أهلها".

نموذج مجرب

ويرى كثير من الخبراء العسكريين، أن استجلاب بوتين لفكرة البراميل المتفجرة التي أبادت أحياء بكاملها في سوريا على مدى عقد، إلى أوكرانيا تحمل إشارة منه بأنه سيحقق أهدافه ولو بسياسية الأرض المحروقة.

لكن هذه الآلية مع وجود أسلحة مضادة للطائرات بصواريخ أرض - جو، لدى الجيش الأوكراني بخلاف المعارضة السورية، تبدو معقدة وبحاجة لتكتيك جديد، خشية إسقاط الطائرات والمروحيات الروسية الحاملة للبراميل المتفجرة.

وعن هذه الجزئية، قال الخبير العسكري والإستراتيجي السوري العميد عبد الله الأسعد، إن "الروس ربما يعمدون إلى إلقاء البراميل المتفجرة في أوكرانيا عبر قاذفات مقاتلة بطريقة القنابل وذلك ضمن حواضن الطائرات الحربية، لأن الحوامات لا تستطيع الارتفاع فوق المدى المجدي للصاروخ المضاد للطائرات".

وأوضح الأسعد لـ"الاستقلال"، أن "النظام السوري أرسل خبراء لتصنيع البراميل المتفجرة من معامل الدفاع في مدينة السفيرة بريف حلب، إذ أنشأ النظام ثلاثة مواقع لتصنيع البراميل".

ولفت الخبير العسكري، إلى أن "نظام الأسد لجأ إلى فكرة البراميل المتفجرة كسلاح تدميري مبتكر لكونه اقتصاديا من ناحية كلفة التصنيع العسكري ولا يحتاج لأي تقنيات وخبرة عالية وتقنيين".

إضافة إلى ذلك، يرى مراقبون أن اهتمام الغرب بأوكرانيا مختلف عن اهتمامه بسوريا، وهو ما ظهر في ازدواجية التعامل مع لاجئي البلدين، والتعاطي الإعلامي والسياسي مع الأزمتين، ما قد يجعل رد فعله مختلفا حال استخدم بوتين البراميل المتفجرة في أوكرانيا.

وفي الحالة السورية، كان للبراميل المتفجرة الدافع الأول لترك المدنيين منازلهم والفرار منها نحو مناطق أكثر أمنا على الحدود التركية أو التسرب للدول المجاورة.

وعدت البراميل المتفجرة سلاح الأسد لتنفيذ عمليات التهجير السكاني من المدن الثائرة، إذ أجبرت عشوائية القصف وهمجيته لترك قرابة 13,5 مليون سوري منازلهم وباتوا حاليا ما بين نازح داخليا ولاجئ في الخارج.

وبحسب الشبكة "السورية لحقوق الإنسان"، فإن البرميل المتفجر يمر بثلاث مراحل لتصنيعه، الأولى تصنيع الغلاف الخارجي له، ثم حشوه بمواد قابلة للانفجار، ثم تركيب الصاعق.

وتلفت الشبكة إلى أن حشوة البرميل غير ثابتة، فهي تتكون بشكل رئيس من مادة نترات الأمونيوم، إضافة لحشو البرميل بعبوات ومواد غير مألوفة، كالكرات المعدنية والألغام المضادة للدروع والخراطيم المتفجرة.

ووثقت الشبكة استخدام البراميل المتفجرة بعد حشوها بمواد تحوي غازات سامة، وذلك في 93 هجوما على مواقع المعارضة السورية.

وكذلك استخدام براميل تحوي مواد حارقة يعتقد أنها "النابالم" في 4 هجمات، ويعد ذلك خرقا لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.

وتتعد الروايات داخل الأوساط العسكرية السورية، حول الشخصية التي ابتكرت فكرة البرميل المتفجر، فمنهم من ينسبها لشخصيات أمنية تابعة للنظام السوري، وآخرون يرون أنها "فكرة هجينة" أو كاملة من الحرس الثوري الإيراني لوأد الثورة.

وأبرز الأسماء المتهمة، قائد القوى الجوية والدفاع الجوي السابق لدى النظام اللواء طيار أحمد بللول، ومدير إدارة المخابرات الجوية السابق اللواء جميل الحسن، ومدير مركز البحوث العلمية التابعة للنظام السوري في مدينة مصياف بريف حماة العقيد عزيز إسبر.

إضافة إلى جنرالات من الحرس الثوري الإيراني، وعلى رأسهم قائد القوة الجوية بالحرس الثوري، أمير علي حاجي زادة.

سلاح أعمى

وفي هذا الإطار، يؤكد الرائد طارق حاج بكري المختص السابق بالحرب الكيميائية السورية، لـ "الاستقلال"، أن "مخترع فكرة البراميل المتفجرة هذه الآلة التدميرية العشوائية القاتلة ذات التأثير الكبير على الأرض والعتاد والأفراد هو العقيد في قوات النظام السوري عزيز إسبر".

وعين عزيز إسبر مديرا لمركز البحوث العلمية التابعة للنظام السوري في مدينة مصياف بريف حماة بقرار شخصي من بشار الأسد، لكن إسبر، جرى اغتياله في 5 أغسطس/ آب 2018 إثر تفجير غامض استهدف سيارته في مصياف.

وإسبر عالم في وقود الصواريخ، ويحمل كفاءة علمية وخبرة عاليتين في مجال تطوير الأسلحة الصاروخية، ومن المقربين من الأسد ومن حزب الله اللبناني وإيران.

وأوضح الرائد أن "فكرة البراميل تقوم على وضع متفجرات والسماد نوع 33 الزراعي ووضع صاعق على حاوية معدنية قوامها عبارة عن إسطوانات من الحديد والتي كانت تستخدم في الوضع في الآبار المحفورة من أجل منع التربة من الانهيار".

وأشار حاج بكري، إلى أنه "يمكن وضع كميات كبيرة من المتفجرات وهي ذات قوة تدميرية عالية، إذ يجري حشوها ببقايا خردة الحديد التالفة من مسامير وقطع معدنية من مخلفات صناعية، وذلك من أجل قتل أكبر عدد من الأفراد نظرا لتناثر القطع المعدنية بمكان سقوطها".

وبين الخبير العسكري أنه "يجري إسقاطها بشكل عشوائي من المروحيات الحربية على الأرض، وعند اصطدامها بالأرض تنفجر، وهي قادرة على إحداث قوة تدميرية على المباني والمنشآت على الأرض نتيجة قوة الصدمة".

ولفت إلى أن هذه البراميل المتفجرة "سلاح أعمى وقوة قاتلة محرمة دوليا وغير موجهة، تسقط بشكل عشوائي على المدنيين؛ وتنتشر بكافة الاتجاهات وتصبح بمثابة طلقات عشوائية قاتلة لا تميز بين كبير أو صغير، طفلا كان أو امرأة أو شيخا".

وذهب حاج بكري للقول: "نتيجة القوة التدميرية والشهرة التي اكتسبتها هذه البراميل المتفجرة في سوريا التي استخدمها نظام الأسد ضد شعبه لوأد الثورة وسحقها، اعتمدتها روسيا في أوكرانيا".

وأورد: "ويرجع اعتماد فكرة البراميل المتفجرة في أوكرانيا لكون موسكو تتمتع بذات العقلية التي يتمتع بها نظام الأسد المجرم، وهو التدمير مهما كان نوعه طالما يحدث تأثيرا تدميريا قاتلا على الأرض".

وختم الخبير العسكري بالقول: "وكل ذلك بهدف إجبار العدو على الانسحاب والتراخي والحط من العزيمة في الحرب، لكون عدم التمييز بين الصغار والأطفال والشيوخ يسبب وهن عزيمة الأسر والمدنيين".