بمجرد فتحها أمام الجماهير.. لماذا اندلعت أحداث شغب في ملاعب المغرب؟
.jpg)
سلسلة أحداث من الشغب جرت في ملاعب كرة القدم بالمغرب، خلال أسبوع واحد، أعادت إلى الواجهة مخاوف من تكرار أحداث قديمة سوداء بهذا المجال.
وتعد هذه الأحداث التي شهدتها مدن الرباط وأغادير والمحمدية، الأولى من نوعها منذ إعادة فتح الملاعب أمام الجماهير نهاية فبراير/شباط 2022، بعد غياب دام عامين بسبب جائحة كورونا، لكنها ليست الأولى في سجل المدرجات المغربية.
ومع الصور الصادمة للمواجهات، استنكر ناشطون التقصير الأمني وعدم احترافيته في التعامل مع الأحداث، مع تحميل الدولة عواقب نتائج سياستها القائمة على "تقزيم" التعليم على حساب "الأمية"، ومحاولة تفريخها "جيلا" بدون وعي.
سلسلة أحداث
وفي 13 مارس 2022، اندلعت أعمال شغب بين جماهير فريقي "الجيش الملكي" و"المغرب الفاسي" ضمن منافسات الدور 16 لكأس العرش، في العاصمة الرباط، خلفت إصابات في صفوف الجماهير وقوات الأمن، كما ألحقت خسائر مادية كبيرة.
وعقب ذلك بيوم، أعلنت المديرية العامة للأمن، في بيان، توقيف 160 شخصا بينهم 90 قاصرا، يشتبه في ارتكابهم أعمال الشغب المرتبطة بالرياضة، وحيازة أسلحة بيضاء، والسكر العلني البين والتراشق بالحجارة المقرون بإلحاق خسائر مادية بممتلكات خاصة وعامة، وإضرام النار عمدا في مركبة (سيارة)".
وذكرت أن أعمال الشغب تسببت في "إصابة 85 شرطيا بجروح وإصابات متفاوتة الخطورة، بينهم 63 مصابا نقلوا إلى المستشفى الجامعي (ابن سينا)، و14 مصابا جرى الاحتفاظ بهم بمستشفى التخصصات، و8 مصابين نقلوا إلى المستشفى العسكري بالرباط".
بعدها بثلاثة أيام، وتحديدا في 16 مارس 2022، اندلعت أيضا أعمال شغب وعنف مماثل لما جرى في العاصمة وغير بعيد عنها، في بلدة "المنصورية" المحاذية لمدينة المحمدية، وذلك بين جمهوري نادي المنصورية والنادي المكناسي، في مباراة جمعتهما عن قسم الهواة.
وجرى التراشق بالكراسي والمقذوفات، واقتحام المشجعين أرضية الملعب لتتوقف المباراة مدة من الزمن.
وفي 21 مارس 2022، أوقفت السلطات 84 شخصا، بينهم 56 قاصرا، جراء أحداث شغب شهدتها مباراة كرة قدم في مدينة أغادير (وسط).
وقال بيان للمديرية العامة للأمن الوطني: "يشتبه في تورط الموقوفين بارتكاب أعمال الشغب الرياضي وحيازة أسلحة بيضاء والسكر العلني البين والتراشق بالحجارة المقرون بإلحاق خسائر مادية بممتلكات عمومية."
وأسفرت أعمال الشغب والرشق بالحجارة، بحسب الإعلام المحلي، عن تسجيل إصابات وجروح في صفوف القوات العمومية.
تمثلت في إصابة خمسة عناصر للأمن الوطني وعنصرين من باقي القوات العمومية بجروح تلقوا على إثرها الإسعافات الضرورية بالمستشفى، فضلا عن إلحاق خسائر مادية بسيارة تابعة للأمن.
ظاهرة خطيرة
واعتبر الناطق باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أن "أحداث الشغب التي وقعت عقب مباراة الجيش الملكي والماص، مرتبطة بارتفاع مستوى الهدر المدرسي في البلاد".
وعلق بايتاس في الندوة الصحفية، في 17 مارس، بالقول "مؤسف ما نراه من شغب في الملاعب، ولكن لا بأس قراءة المسببات، 10 سنوات نسجل أرقاما كبيرة في الهدر المدرسي".
وأفاد بأن "المقاربة الأمنية والتربوية والتحسيسية (التوعوية) مفيدة، لكن الحكومة واعية بأهمية الإدماج وإعادة الإدماج".
وأضاف "لهذا فهي تنفذ مجموعة من المبادرات من قبيل فرص وورش من أجل إعادة الإدماج في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، والأمر معقد ويحتاج إلى سياسات عمومية وإلى مبالغ مالية لكن الحكومة ماضية في هذا الاتجاه، لأن هذا مجرد قمة جبل الجليد".
وأردف بايتاس أن "الحكومة واعية بأهمية الإدماج وإعادة الإدماج، ويبقى هذا فقط تمظهر من تمظهرات الأحداث الحاصلة".
واعتبر الإعلامي إسماعيل عزام أن "هذه المشاهد وحدها كافية لإعلان حالة الطوارئ، ليس الطوارئ في الشوارع وفي تقييد حقوق الناس، بل الطوارئ في ضرورة بناء الإنسان في المغرب.. كمّ الرغبة في التدمير والإيذاء خطير جدا".
وشدد في تدوينة عبر فيسبوك على أن "كل مشجعي الكرة ليسوا بهذا الشكل، وليست تلك الجماهير التي تبدع في التشجيع معنية بهذا العبث، لكن الواقع يؤكد أن جزءا كبيرا من الشباب، بل من القاصرين، يفهمون أن التشجيع غزوة من الغزوات التي تصل حد الانتقام من جماهير الفريق الخصم ومن القوات العمومية".
وتابع: "من المسؤول؟ سؤال لن تجيب عليه تدوينة. لكن هناك أمر رئيس: الدولة أخفقت في برامجها المتعلقة بالتنمية الحقيقية.. أي بناء الإنسان، الأسرة أخفقت في التربية.. والمجتمع تحول في مناطق كثيرة إلى محرض على الانحراف".
من جانبه، رأى الكاتب محمد بونوار، أن "الشغب في الملاعب، يعتبر ظاهرة خطيرة في المجتمع المغربي وتخفي وراءها كثيرا من الأشياء".
وأوضح في مقال نشره في 18 مارس 2022 أن "المسؤولية الأولى يمكن تسجيلها على الآباء والذين لا يراقبون أبناءهم عن قرب، والمسؤولية الثانية تعود على الدولة من خلال الابتعاد عن جميع المكونات التي تساهم في تربية الأطفال وتكوينهم وشحنهم بمبادئ المواطنة والمسؤولية والتكوين الذاتي، والتي كانت موجودة في المجتمع المغربي".
واستدرك قائلا: "إلا أنه وقع تراجع كبير، وهو ما خلق هذا النوع من التهور بين الشباب، والذي يمكن وصفه بالفشل الكبير في الميدان التربوي، نظرا لعجزه عن مواكبة الأجيال الصاعدة، لأن هذا الشغب في الملاعب يساعد الشباب على الدخول إلى عالم الجريمة، ويسهل عليه عملية التطبيع مع السرقة والاغتصاب والتزوير والنصب والتحايل واللائحة طويلة".
سخط شعبي
وأعادت الأحداث الأخيرة، ظاهرة شغب الملاعب إلى الواجهة بالمغرب، وأثارت الخوف من تكرار سيناريو أحداث "السبت الأسود" في ملعب "محمد الخامس" بمدينة الدار البيضاء (شمال غرب) في مارس/آذار 2016، التي سقط فيها ضحيتان.
وتحول المشهد إلى مصدر إزعاج يؤرق بال الدولة والمجتمع معا، ويجعلهما في حالة خوف دائم من تكرار هذا السيناريو الذي هز البلاد.
الناشط حمزة الأنفاسي قال في تدوينة على "فيسبوك": "كعادتها، ستخرج (نگافات) الإعلام لحصر ما وقع البارحة في الملعب وعدم الحديث عن أي شيء أعمق من ذلك: أسباب الاحتقان، دور الدولة في إنشاء فرد مخرب، مدى استعداد قوات الأمن للتعامل مع مثل هذه الأحداث، السخط الشعبي على تدبير مجال كرة القدم".
ووجهت فرق المعارضة في مجلس النواب، طلبا إلى لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بالبرلمان، تدعوه لعقد اجتماع اللجنة البرلمانية بحضور وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، من أجل مناقشة ودراسة موضوع شغب الملاعب والعنف بين الجماهير.
وجاء في المراسلة التي وقع عليها كل من الفريق الاشتراكي، والحركي، والتقدم والاشتراكية، والمجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، أنه "عرفت المباراة الأخيرة بين المغرب الفاسي والجيش الملكي في منافسات كأس العرش أحداث شغب وعنف بين الجماهير، وتمثل هذه الأحداث سلوكيات شاذة عن الثقافة الرياضية وظاهرة وجب مواجهتها بحزم".
ورأى القيادي في حزب "العدالة والتنمية"، الوزير السابق، محمد يتيم، أن "التدابير والإجراءات العقابية التي اتخذتها السلطات المغربية ضد المتورطين في أحداث الشغب، التي تلت مباراة فريقي الجيش الملكي والمغرب الفاسي، أمر مطلوب، لكنها ليست كافية لوقف ظاهرة العنف في الملاعب".
وقال يتيم في تدوينة نشرها على صفحته في "فيسبوك": "دون شك، فإن الجهات المسؤولة سواء تعلق الأمر بالسلطات الأمنية والقضائية والأجهزة المسؤولة عن الكرة، ستتخذ التدابير والإجراءات اللازمة".
وأضاف: "لكن الأمر أكبر من معالجة ظرفية عقابية، بل ينبغي معالجة الظاهرة في أعماقها وفتح نقاش علمي يشارك فيه الخبراء النفسيون والاجتماعيون خاصة في سيكولوجية الجمهور، وأن بعض المقابلات في بعض المدن أصبحت تشكل امتحانا قاسيا للسلطات وللمواطنين المجاورين، وللمنشآت العامة والخاصة المجاورة للملاعب الرياضية".
وأكد يتيم أن "مشاهد التدمير والاعتداء على الملك العام، تطرح أكثر من سؤال حول ظاهرة شغب الملاعب في المغرب، هو سلوك غير مقبول أيا كانت الأسباب الداعية له ويتعين الضرب على مرتكبيه بيد من حديد".
وقال: "سلوك يكشف عن أكثر من سؤال حول وضعية الشباب الذين يتصرفون بهذه الطريقة، إنه شباب قادم في الغالب من مناطق هامشية ومن شباب محبط نفسيا واجتماعيا.. شباب تفجر في نفسه هزيمة في مجال تنافس رياضي مشاعر الإحباط والفشل".
ورأى يتيم أن "ما جرى ظاهرة تسائل نظامنا التربوي ومنظومتنا الثقافية، وتسائل الأوضاع الاجتماعية والتهميش والإحباط الذي يعاني منه هؤلاء الشباب".
وتابع: "هي ظاهرة تكشف أشكالا من العنف الرمزي الذي يمارس يوميا في مجتمعاتنا بسبب سوء توزيع الثروة والتفاوتات الاجتماعية والمجالية داخل نفس المدينة. هي ظاهرة تسائل ما يسمى بالوينرز أو تنظيمات الأنصار والحاجة إلى فتح حوار معها، بل ودعمها للقيام بأدوارها في تأطير أنصار الفرق الرياضية".
وختم يتيم تدوينته قائلا: "الرياضة يظهر أنها كما تستدعي وتعزز فينا عددا من القيم الإيجابية، فإنها يمكن أن تستدعي فينا سلوكيات سلبية مثل العنف اللفظي والعنف المعنوي.. وإنه لأمر محزن ومؤسف مشاهدة صور من التخريب للمنشآت الرياضية والملك الخاص والعام!!".