"نكاية ومناكفة".. ما حقيقة عودة الشركات الصينية للعمل في مناطق النظام السوري؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بـ"ضربة خاطفة" من بكين عام 2022، أصبح النظام السوري رسميا جزءا من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، مما يعطي "انطباعا أوليا" بأن الشركات ستتزاحم على أبواب دمشق.

لكن حسابات الصين الإستراتيجية أبعد من ذلك، فهي إذ تبدو راغبة في جعل سوريا بيئة مناسبة لعمل الشركات الصينية، إلا أنها تعي تماما الأولية للظفر بالعقود، وليس المغامرة في دخول السوق السورية المنهك بالعقوبات الغربية.

مذكرة تفاهم

وفي 12 يناير/كانون الثاني 2022، وقع السفير الصيني فينغ بياو، اتفاقا، مع رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي لدى النظام السوري، فادي الخليل، لمشاركة دمشق في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.

وقال السفير فينغ إن "توقيع مذكرة التفاهم يعمق التعاون بين البلدين بما يقدم أكبر مساهمة في إعادة الإعمار الاقتصادي والتنمية الاجتماعية في سوريا، كما أنه يعزز المواءمة بين مبادرة (الحزام والطريق) وإستراتيجية (التوجه شرقا) المطروحة من قبل سوريا".

و"الحزام والطريق" مبادرة صينية، تعرف أيضا بـ"طريق الحرير" للقرن الـ21، وتهدف إلى ضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية، لربط أكثر من 70 بلدا، بتكلفة تقدر بـ4-8 تريليونات دولار.

واعتبر السفير فينغ أن التوقيع على مذكرة التفاهم هي "خطوة أولى"، مضيفا بأنه "سيحدد أهدافنا ودليلنا وبرنامجنا في تعميق التعاون بين البلدين".

من جانبه، قال الخليل: "بالتوقيع على مذكرة التفاهم تكون سوريا قد انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق، الأمر الذي يساعد على فتح آفاق بعيدةٍ من التعاون مع الصين وعدد من الدول التي تشترك في إطار هذه المبادرة، والتي تتضمن تبادل السلع والتكنولوجيا، ورؤوس الأموال، وتنشيط حركة الأفراد، إضافة إلى التبادل الثقافي".

وأضاف أن "انضمام سوريا إلى المبادرة سيعزز التعاون مع الصين بعدة مجالات، منها تسهيل التبادل التجاري وإعادة إعمار البنى التحتية والطاقة الكهربائية والطاقة البديلة".

وبين الخليل أن "الجانب الصيني قدم مجموعة من المقترحات لربط مجموعة من الطرق البحرية والبرية لتسهيل التبادل التجاري مع الدول المجاورة، وإنشاء مناطق تجارية إلى جانب إنشاء محطات توليد كهرباء".

وأشار إلى أن "تنفيذ هذه المقترحات يسهم بعملية التنمية الاقتصادية عبر مشاركة الشركات الصينية بمرحلة إعادة الإعمار، إلى جانب التغلب على العقوبات المفروضة على سوريا".

وفي أغسطس/آب 2021، عين رئيس النظام السوري بشار الأسد، الخليل خلفا لعماد عبد الغني الصابوني، بهدف إدارة اتفاقيات التجارة الخارجية بما في ذلك الشؤون مع الصين، والتي كان يديرها سابقا بقبضة من حديد مجلس الأعمال السوري-الصيني، بقيادة محمد حمشو، الصديق المقرب لقائد مليشيا "الفرقة الرابعة" مدرعات، شقيق بشار، ماهر.

وتريد بكين أن تقوم بأكثر من مجرد العمل الإنساني في سوريا، كالاتفاقية التي وقعتها مع رئيس الهلال الأحمر التابع للنظام، خالد حبوباتي، في 16 يناير/كانون الثاني2022، لتسليمه 2520 طنا من الأرز كـ"مساعدات غذائية".

والنقطة الأبرز، حسبما ذكرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات في تقرير بتاريخ 25 يناير/كانون الثاني 2022، "نية بكين إشراك الشركات الصينية في إعادة إعمار سوريا".

وكشفت المجلة أن الشركة المعروفة والكبيرة ومنها شبه العامة، تنتظر قرب مدينة طرابلس الساحلية اللبنانية، لـ"الدخول بسهولة إلى حمص بهدف وضع الأسس لوجود أكثر استقرارا في سوريا".

نكاية ومناكفة

وكثيرا ما تتهم الصين بأنها "بارعة في نصب أفخاخ الديون" لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولا سيما أنها تكون متساهلة في طريقة استرداد المبالغ من الدول التي حصلت على قروض لتمويل عملية تطوير البنية التحتية.

ولا تزال بكين تعطي نظام الأسد "دفعات سياسية" وتبدي قدرا إعلاميا من المساندة له، رغم أن النتائج الاقتصادية الصينية التي يطمح لها النظام "تكاد تكون منعدمة" في الوقت الراهن، إلا أن ما يبدو هو أن "المكسب في كفة الصين لا الأسد".

وهذا ما شرحه مدير موقع "اقتصادي"، الباحث السوري، يونس الكريم، بقوله: إن "الصين لم توقع مع النظام السوري اتفاقيات حقيقية، بل ما جرى هو توقيع اتفاقيات مبدئية للتعاون، ولا سيما أن بكين لا تجد في سوريا حاليا فرصة استثمارية بقدر ما تجد فيها فرصة للنكاية والمناكفة وساحة دولية للصراع".

وأكد الكريم لـ"الاستقلال"، أن "النظام السوري حاول الكثير من المرات جذب الصين للاستثمار، ليكون بديلا عن روسيا وإيران وتحجيما للعقوبات الأميركية والأوروبية، ولكنه لم ينجح".

وأضاف "كما حاول نظام الأسد جذب الصين إلى حلب عبر الربط بين الطرق الدولية في سوريا (أم 4 - أم 5)، وكذلك الاستثمار في النفط وبشركات الاتصالات الخلوية، ولم تنجح أيضا جميعها، لأن بكين تجد في سوريا نقطة دولية قد تثير لها المشاكل نتيجة العقوبات الغربية والتغلغل الروسي والإيراني".

ويرى مدير موقع "اقتصادي"، أن "الشركات الصينية لن تنتقل إلى سوريا، وما يجرى الحديث عنه هو فقط للتهويل الإعلامي الذي يلمع صورة النظام، رغم مغرياته لبكين المتمثلة بتقديم قرية لها بين حمص ودمشق، ولم يقبلوا بها مصحوبة بميزات وتسهيلات، لاقتناع الصين أن سوريا لا تزال بؤرة توتر وتخلف عليها خسائر دولية بالجملة".

وربط الكريم بين التحرك الصيني تجاه النظام السوري، بمحاولة تعويض خسائر سابقة لها في سوريا واللعب على تثبيت العقود ورقيا لصالحها؛ بغرض حجز مقعد لها في عملية إعادة الإعمار مستقبلا.

وشرح ذلك بقوله إن "شركة سينوبك الصينية كان لها عقود استثمار في حقلي عودة وتشرين للنفط في الحسكة، مما أدى للتوقف منذ عام 2013 حتى الآن، إذ بلغت الخسائر حينها بـ70 مليون دولار، وهذه الخسائر مرتبطة بحماية الدولة السورية التي يترتب عليها هنا دفع تعويضات".

واستدرك الباحث قائلا: "لذا فإن نظام الأسد يحاول حل هذه المشكلة عبر التراضي، بحيث لا يخسر الصين ولا يدفع الأموال غير المتوفرة لديه، وبالتالي الصين تريد الحصول على عقود استثمارية بدلا عن أموالها، وذلك ضمن مرحلة إعادة الإعمار بسوريا عند إطلاقها بشكل دولي معترف به".

سيدة القصر

مجلة "إنتيليجنس أونلاين" في تقريرها المنشور في 25 يناير 2022، أكدت أن الاتفاقية الموقعة حديثا، تفتح الأبواب مستقبلا أمام مؤسسة "الأمانة السورية للتنمية" -المكلفة حاليا بالمشاريع المحلية فقط بقيادة شادي الألشي، وفارس كلاس، المستشار السابق لأسماء الأسد- لإدارة جزء من الأموال الصينية الممنوحة للنظام.

وبذلك فتحت اتفاقية "الحزام" المجال أمام تشابك الشركات الصينية مع "الأمانة السورية للتنمية" التابعة لأسماء، حتى تشكل نقطة "انطلاق واسعة" في الأعمال التجارية الدولية للمؤسسة.

ووفقا لتقرير المجلة، فإن "الأمانة السورية للتنمية"، ستنتقل أيضا إلى الساحة الإقليمية كراع لمعرض إكسبو 2020 في دبي، جنبا إلى جنب مع شركة "أجنحة الشام"، الموكل إليها مهمة التغيير في سوريا للعودة إلى ميدان الأعمال التجارية الدولية.

وحول هذه الجزئية، ينوه الباحث السوري الكريم، إلى أن "أسماء الأسد تحاول تحجيم روسيا وإيران، خاصة بعد تسريبات الإعلام الروسي عن فساد الأسد وزوجته، كما أنها ليست على علاقة وطيدة مع طهران الداعمة لمنافسها، ماهر الأسد".

وأردف قائلا: "ومن ناحية أخرى فإن إيران بدأت تشكل عبئا على أسماء بعد التطورات الأخيرة في المنطقة، لذلك تجد أن الصين هي السبيل لتحجيم هاتين القوتين، وكذلك هي محاولة للضغط على الغرب في حال عدم تعويم النظام السوري فسيمنح الروس والصينيين موطأ قدم لهم على حدود أوروبا من جهة قبرص (في إشارة إلى الساحل السوري)".

لقد مهد الأسد شخصيا لمزيد من التقارب مع بكين، وذلك خلال الاتصال الهاتفي في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، والذي طلب فيه الأسد رسميا الانضمام لمبادرة الحزام والطريق، قائلا إنها "تشكل طريقا للاقتصاد والتنمية"، مبديا حرصه "على تطوير العلاقة بين المؤسسات الحكومية بين البلدين".

ومنذ بداية الثورة السورية في مارس/آذار 2011، تبنت الصين رواية أن نظام الأسد يقود معركة ضد ما يسمى "الإرهاب"، وأن الهجمات التي تنفذها المقاتلات الروسية "مشروعة وضد أهداف إرهابية".

والصين ضمن تحالف قوي مساند للأسد، إذ استخدمت مع روسيا منذ عام 2011 حق الفيتو 16 مرة، لإجهاض تبني قرارات بمجلس الأمن تدين النظام السوري وممارساته القمعية ضد الشعب، وأخرى تتعلق بدخول المساعدات الإنسانية إلى مناطق خارج نفوذ الأسد.

اتفاقيات إستراتيجية

وخلال 10 سنوات، كانت بكين تحاول أن تكون داعما لنظام الأسد خارجيا عبر المواقف الدولية، دون ابتزاز له بعقود استثمارية طويلة الأمد وذات طابع سيادي كما فعلت طهران وموسكو.

ويحكم ذلك، وفق كثير من المختصين في العلاقة الصينية مع نظام الأسد، أن بكين "تدرك أن لا جدوى من التعامل الاقتصادي في سوريا دون الوصول إلى حل سياسي، إلى جانب رغبتها في الابتعاد عن الاشتباك مع أميركا في الساحة السورية".

ورغم أن سوريا تقع في نطاق المشروع التنموي الصيني الكبير، إلا أن هناك تحديات تواجه شركاتها في سوريا، أبرزها المخاطر الأمنية وتحديات التشريع وعدم الاستقرار السياسي، والتسويف، وانعدام النجاعة.

ومما يقلق الشركات الصينية أيضا الاسترداد المتوقع لاستثمارها، "إذ هناك تخوف من ألا تتمكن سوريا من تسديد القروض التي تحصل عليها"، وفق تقرير لمركز "حرمون" للدراسات نشره أواخر يوليو/تموز 2021.

وثمة معوقات كثيرة تعترض بكين فيما يتعلق بدور سوريا في مشروع "الطريق والحزام"، حيث إن أهمية سوريا من الناحية البحرية بالنسبة إلى الصين شبه مصادرة من قبل كل من إيران وروسيا، إذ يسيطر الطرفان على المرافئ البحرية للبلاد، وهذا لا يترك مجالا للصين للاستفادة من إطلالة سوريا البحرية.

وفي هذا السياق، يشير مدير مركز "القارات الثلاث" للدراسات، الباحث السوري أحمد الحسن، إلى أن "تحركات الصين ليست جديدة بسوريا وهي تجرى منذ 2017 كما أن مبادرة الحزام والطريق مشروع منذ عام 2008 ويجرى العمل على إحيائه حاليا بهدف استثمار النظام له بهدف دفع الصين إلى تمويل مشاريع إعادة الإعمار في سوريا ضمن طريق الحرير".

وأوضح الحسن لـ"الاستقلال" أن "الصين حتى الآن لم تنفذ إجراءات عملية، وما يجرى فقط توقيع اتفاقيات إستراتيجية طويلة الأمد، وهي مشابهة لاتفاقياتها في إيران والخليج وليس فيها إجراءات مباشرة، بل على المدى الطويل، وتراعي العقوبات الحالية، لذلك فرص استفادة النظام منها عمليا خلال الفترة الحالية غير ممكنة رغم تحركاته لتحقيق خرق اقتصادي".

تجدر الإشارة إلى أن مبادرة "الحزام والطريق"، تهدف لضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية لربط أكثر من 70 بلدا، عبر بناء طريق نقل من آسيا إلى أوروبا تصل لنحو 10 آلاف كيلومتر من الطرق.

ويطمح المشروع العملاق لربط قارة آسيا مع قارتي إفريقيا وأوروبا عبر شبكات برية وبحرية، وذلك في سبيل تعزيز التبادل التجاري والنمو الاقتصادي، والذي يجعل من الصين قوة مهيمنة عالمية.

والمبادرة أطلقها الرئيس الصيني عام 2013، وهي عبارة عن مشروع يهدف إلى إنشاء حزام بري من سكك الحديد والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحري يسمح للصين بالوصول إلى إفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي.